هذه الحكومة (فقيرا قوي). حكومة اختزلت الحوار في الوزراء، والوزراء في الناس القاعدين في كراسي الوزراة، ومن ينتظرون ردحي الطيب مصطفى وبنت مصطفي في البرلمان! الأسماء التي أُعلنت ليست إسلامية بشكل واضح، حيث مالت التشكيلة نحو عسكرة حميدة للمناصب، يبدو أنها تستهدف وضع اليد على مفاصل البلاد المالية. الكاش يحسم النقاش والمشاكل - طبعاً - كلها في القروش، التي كانت في جيب التنظيم وزاراةً وبنوكاً، مؤسسات وشركات، وصناديقاً وعطاءات.. ليس بالإمكان أبدع ممّا كان.. الحكومة التي أُعلِن عنها قبل منتصف الليل، (زي خبر الوفاة في نشرة الميتين)، جاءت عريضةً كالفيل، ومصرورة في منديل،، لكنها على أية حال، خطوة نحو السيطرة على (أحوال) تنظيم تجذر في الحياة السودانية لثلاثة عقود، ما يجعل المواجهة المفتوحة معه خطرة جدا. لم تحتوي التشكيلة إسلاميين من العناصر الناّفِخة والجّاهِزة للتأكيد بأن المؤتمر الوطني قال كذا، أو الحركة الاسلامية قررت كذا.. هذه التشكيلة تدل بوضوح على أن الرئاسة ماضية نحو فكاك وئيد، دون مجازفات، ودون زحف ثوري، بل (مِن دِقنو أفتِللّو). ليس بالإمكان أفضل ممّا كان، لكن كل ذلك لن يلغي المواجهة. المواجهة حتمية، طال الزمن أو قصر، وهذه الكتيبة ليست سوى مهادنة لمزيد من الاختراق المتبادل.. إذا كان الحوار قد استهلك ثلاث سنوات من عمر شعبنا، ومفاوضات التشكيل تواصلت داخل الحزب الحاكم لست شهور، فكم من الوقت يكفي لتفكيك (الجَّبهة ذاتا)؟ ليس بالإمكان أفضل مما كان، في بلد انفرد الإخوان بحكمه كل تلك السنين العِجاف. هذا النظام غيَّرَ العملة الوطنية أربع مرّات، وألغى دور الناقل الوطني (مرّة واحدة)، وخُصخَص الهيكل والنظام الأساسي، ولسه البلد واقِفة.. هذا النظام بدّل تحالفاته، من إيران إلى أمريكا، إلى الخليج الذي يتطلع لدور شبيه بدور عبد الناصر في حقبة حركات التحرر. هذا النِّظام مُهيأ لأن يحتفظ بالسلطة، إلى مدىً لم يسبقهم إليه إلا القذافي، يرحمه الله.. هذا مما يُعد انتصاراً للترابي كسياسي، صمّم نظاماً مُحكماً كان يفترض أن يكون خالداً مُخلداً فيه، لولا أن سنن الله لا تستثني أحداً.. ولِسّة التّقيل ورا، و(البِقت علينا) خلّيها ساكِت! (البِقت علينا) ما سبقنا إليها أحد من العالمين. ماحدث لنا في السودان ما بيمرق بالساهل، فهذا نظام لن يكتفي بما تبقى من الحقبة الدستورية الموعودة في 2020، وإلا لَما فعل هذه الخلخلة في النسيج القومي.. مع ذلك، ليس بالإمكان أبدع مِن هذه المُلاواة. ليس بالإمكان أبدع ممّا كان.. طالما أنهم يمثلون الدولة العميقة بالهيمنة على الولاة والمُعتمدين، فـ (الله أقوى منّهم). طالما أن كتيبة رفيقهم بكري، جاءت على نحو مُعتبر، مثل خلطة (قدُر ظروفك).. طالما أنه طعّمها بالجيّاشة والمتساقطين من الأحزاب، مناضلين وأحباب، حركات وشخصيات وطنية، وإسلاميين (نُص كُم)... طالما كان ذلك كذلك، هل يظُن سعادة الرّفيق، أنّهم (راضِين، وساكتين قاعدين)..؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة