|
إريتريا مؤهلة للمشاركة في صنع سلام السودان
|
تمزيق السودان الى بؤر ووحدات سياسية في الجنوب والغرب وكردفان والنيل الأزرق‚ فيما عرف مؤخرا بالمناطق المهمشة‚ هذا التمزيق محزن لانه مصحوب بسيول من الدماء والدموع لدى أهل الهامش‚ والشيء المؤسف ان الوقود في كل هذه الحروب هو أهل الهامش‚ يحاربون حروب «وكالة» نيابة عن «المركز» الذي يستخدمهم تارة باسم العروبة وتارة باسم الاسلام وتارة باسم عزة السودان‚ وعندما فهم أهل الهامش هذه اللعبة القذرة التي يمارسها المركز ــ استخدام أبناء الهامش ضد أبناء الهامش ــ لجأت الحكومة المركزية في حرب دارفور بالذات الى «الايجار» اقصد استخدام المرتزقة «الطيارين الروس وعرب تشاد»‚ نعم ظل المركز يستعمر الهامش في السودان لمدة خمسين سنة مستندا الى سياسة فرق تسد الاستعمارية‚ الدكتور قرنق يرد على «مراسل الأهرام» في مقابلة صحفية أجراها عطية عيسوي مراسل «الأهرام» في نيفاشا مع الدكتور جون قرنق تساءلت الصحيفة: لو فرض ان الجنوبيين اختاروا الانفصال ‚‚ هل لديكم ما يضمن عدم نشوب صراع بين الجنوبيين أنفسهم على السلطة والثروة؟ فرد عليه د‚ قرنق قائلا: هناك تناقض في ذلك ‚‚ لماذا يصوت الجنوبيون للانفصال ثم يحاربون بعضهم البعض؟ لا أفهم كيف يختارون الانفصال ثم يتصارعون على الموارد كما تقول ‚‚ ولماذا نخص الجنوبيين وحدهم؟ هذا ما يمكن ان يحدث بين اي بشر في الدنيا‚ وختم د‚ قرنق حديثه في هذه النقطة قائلا: المشكلة الأساسية هي انه يجب على الجنوبيين والشماليين والسودانيين عامة ان يعملوا من أجل التصويت لوحدة السودان خلال الفترة الانتقالية‚ الرهان الخاسر على تمزيق وحدة الجنوبيين‚‚ وإعادة تكرار تجربة سلام «72 ــ 1983» واضح ان حكومة الخرطوم المقهورة التي اجبرت على توقيع اتفاقيات سلام بالقطاعي منذ مشاكوس 2002 مرورا بقسمة الثروة والاتفاقات الأمنية والقبول بالمقترح الأميركي حول ابيي وقد راهن أبناء المسيرية على تصريحات رئيس الجمهورية بان حدود 1956 خط احمر‚ وان الشريعة خط احمر‚ فصرح أبناء المسيرية بانهم يؤيدون موقف الحكومة‚ وقالوا ضمنا انهم سيوافقون على أي قرار مناسب تصل اليه الحكومة مع الحركة‚ مع العلم بان الحكومة قد أمرت لهم انها تتمسك بما اتفق عليه في مشاكوس بان حدود الجنوب هي حدود 1956‚ بيد ان الأمور تعقدت بسبب مماطلة الحكومة على طاولة المفاوضات بعد مشاكوس 2002‚ فاضطرت الحكومة رغم انفها الى قبول التفاوض حول المناطق الثلاث «جبال النوبة‚ جنوب النيل الأزرق وابيي» رغم انها لم تكن ضمن اجندة الايغاد‚ ثم اضطرت الحكومة «المقهورة» المعزولة التي ظلت تفاوض‚ وسيف قانون سلام السودان الأميركي موجه الى رقبتها‚ والتهديد الأميركي بالتحقيق حول الأعمال الارهابية للقيادات السودانية الـ 12 موجه للاستاذ علي عثمان شخصيا‚ في ظل هذا الجو من القهر لحكومة الخرطوم الذي يستوجب حتى شفقة أعدائها‚ اضطرت الحكومة لقبول الشروط الأميركية حول ابيي‚ وعلى القبول بكل ملفات السلام‚ ولكن كل هذا تم من باب عبادتها للكرسي‚ ومن باب الانحناء للريح‚ و«اتمسكن الى ان تتسكن» معولة على اساليبها الاستعمارية الخبيثة‚ سياسة فرق تسد‚ حيث تعول بصورة خاصة على شراء الجنوبيين أبناء القبائل الصغيرة وبذر بذور التناحر الجهوي بين الجنوبيين (أبناء الاستوائية ضد الدينكا)‚لقد استطاع جعفر نميري ان يمزق وحدة الجنوبيين عن طريق اجهزته الأمنية والسياسية التي تمكنت من زرع الفتنة بين ابناء الاستوائية وغيرهم‚ وضخموا من مفهوم هيمنة الدينكا تماما كما تفعل حكومة الانقاذ في دارفور الآن تحت لافتة هيمنة الزغاوة ودولة الزغاوة الكبرى‚ انها ايديولوجية واحدة يمارسها ممثلون مختلفون‚ يمر الزمن ويتغير الأشخاص ولا تتغير الايديولوجية‚ إلا بتغيير الموازين والثقافة‚ واستبدال ايديولوجية الجلابة الاستعلائية‚ بمفهوم السودان الجديد‚ الذي يترقى فيه مساعد الياي في القصر الجمهوري‚ ويتحول من مجرد ديكور يجمل وجه الحكومة المركزية الى حاكم فعلي من أبناء الهامش (جنوب السودان ــ نصراني‚ ومن دارفور او جبال النوبة‚ الانقسنا او الشرق الحزين ‚‚ ادروب واوشيك احفاد عثمان دقنة الجسور)‚ مُرحّب بالأهرام في نيفاشا ‚‚ ولكن أين مصر وأين الأمة العربية؟ غياب الأمة العربية عن الساحة السودانية في اللحظات الحاسمة التي تعاد فيها صياغة السودان‚ وتتشكل جغرافية السودان‚ ويبرز للعالم السودان الجديد بملامحه الافريقية وينطبق فيه الاسم على المسمى (السودان في مقابل البيضان)‚ في هذا المنعطف التاريخي تجد السودان بعيدا عن عمقه العربي ولعل ذلك يرجع لسببين: الأول مربوط بالحكومة السودانية المتسلطة‚ والآخر يعود إلى تعاسة الأمة العربية الواقعة تحت الاحتلال الفعلي والحكمي‚ اما تسلط حكومة السودان فيتمثل في الداخل في انها عزلت كل السودانيين الفاعلين وأحاطت نفسها ببعض التحالفات الهزيلة التي صنعتها بيدها بسياسة فرق تسد الاستعمارية عندما قامت بتمزيق الأحزاب‚ وخارجيا يتمثل تسلطها على اصدقائها من دول الجوار مثل تشاد‚ حيث مارست الحكومة ضغوطها على الحكومة التشادية حتى لا تسمح للدكتور خليل ابراهيم رئيس الجناح السياسي لحركة العدالة والمساواة بدخول انجمينا لحضور المفاوضات‚ لانها لا تريد الأقوياء المتمرسين‚ ان حكومة المركز تكره‚ وتبغض المثقفين من أبناء الهامش دينق الور‚ ويوسف كوة الغائب الحاضر‚ واقترح تغيير اسم شارع الحرية في الخرطوم ليكون باسم يوسف كوة‚ لأن الشهيد يوسف كوة جسد معاني الحرية والتحرر بالعلم وسعة الأفق‚ حينما قاد التمرد في جبال النوبة‚ وقرر بعلمه وسعة افقه الانضمام للحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبي بقيادة د‚ جون قرنق‚ لان هذه الخطوة هي التي ادت في النهاية الى تحرير منطقة جبال النوبة واستلهام امجاد «تقلى»‚ وهي الأمل الوحيد في تحقيق الوحدة خاصة بعد تداعيات دارفور‚ نعم ان حكومة المركز تكره المثقفين امثال د‚ خليل ابراهيم لهذا السبب مارست تسلطها على الحكومة التشادية حتى افقدتها حياديتها‚ فاعلنت الحركات المسلحة في دارفور (تحرير السودان والعدل والمساواة) عدم قبولها بالحكومة التشادية بقيادة ادريس ديبي كوسيط محايد‚ لان ادريس ديبي قد استحق ثناء حكومة الخرطوم حيث سارع الفريق البشير لتهنئته على خدماته الجليلة للحكومة السودانية‚ وحتى لا تضيع الحقيقة فإن الشعب التشادي المضياف هو الذي يستحق الثناء‚ والجيش التشادي وقياداته العسكرية هي التي تستحق الشكر والتقدير لانها لم تسمح بان تكون أداة في يد الحكومة السودانية لضرب وابادة القبائل الزنجية في دارفور الكبرى وهي الجريمة العالمية التي شهد بها العالم كله‚ واعلن الاتحاد الأوروبي موقفه التاريخي الشجاع حين اعلن عن استعداده للتدخل العسكري المباشر لحماية الزنوج من ابادة العرب في دارفور! أما الحكومة المصرية والجامعة العربية فقد اختاروا ان يكونوا في الاطار الذي رسمته لهم حكومة الخرطوم تجاه سلام السودان‚ بالرغم من ان للاتحاد الافريقي حضورا مميزا في مفاوضات سلام دارفور في انجمينا إلا ان ليبيا ــ والقذافي هو الأب الروحي لهذا الاتحاد ــ كانت غائبة عن هذه الساحة بكل اسف‚ والقوة الدولية لحفظ السلام في دارفور ــ رغم انف حكومة الخرطوم ــ جاءت سوداء لم يشارك فيها العرب البيضان‚ حدث كل هذا الموات وعدم فاعلية العمق العربي‚ لعدم حياديته‚ الأمر الذي جعل العرب متفرجين على ابادة شعب دارفور وعلى الاحداث في الفلوجة والنجف‚ ومقتل الرمز احمد ياسين‚ وعلى الأوضاع في فلسطين المحتلة‚ ومن يهن يسهل الهوان عليه!! إريتريا في قلب الأحداث السودانية الرئيس الاريتري اسياس أفورقي سياسي ناضج لم يسمح لحكومة الخرطوم ان تسيره بالريموت كنترول‚ ويذكرني أسياس بفلاح اصغر الاخوان في البيت المشار اليه في كتاب د‚ حامد عز الدين عن الحدوتة الشعبية السودانية فاسياس افورقي هو رئيس لآخر دولة افريقية نالت استقلالها‚ ومن نضجه انه لم يهرول لجامعة الدول العربية التعيسة بعد ان شاهد خذلانها للصومال‚ لقد اقترحت الحركات المسلحة في دارفور ان يكون مقر المفاوضات السياسية الحاسمة القادمة في أسمرا تحت رعاية الرئيس اسياس أفورقي الرجل القوي‚ الذي لا يخشى من حكومة الخرطوم ان تدبر له انقلابا‚ ان هذا الطلب في حد ذاته وسام في صدر اسياس يؤكد فاعلية دول الجوار الافريقي: كينيا‚ أوغندا‚ تشاد‚ اريتريا ومقدرتها على صنع الاحداث وفشل دول الجوار الافريقية العربية «مصر وليبيا» بالمقابل في صنع الاحداث في السودان‚ أولويات ثقافة السلام إذا كانت اولويات السلام هي إزالة الألغام الحسية فإن من اولويات ثقافة السلام فضح الثقافة الاستعمارية ــ فرق تسد ــ التي مزق بها ابناء المركز السودان القديم‚ ووحدة السودان حتى يستطيعوا حكم المهمشين‚ بضعفهم‚ ان اول خطوة لتحقيق الوحدة هي ترميم الشقوق التي صنعتها حكومة المركز في كل أنحاء السودان والعمل المخلص والوفاء بالعهود من اجل جعل الوحدة خيارا جذابا طوعيا‚ وهذا عمل يحتاج الى تضافر جهود جميع ابناء السودان من أجل السلام والتنمية ‚‚ للوحدة‚
|
|
|
|
|
|