|
إحباطات مغترب بقلم بدور عبدالمنعم عبداللطيف
|
05:32 PM Oct, 03 2015 سودانيز اون لاين بدور عبدالمنعم عبداللطيف- مكتبتى فى سودانيزاونلاين
mailto:[email protected]@gmail.com
خرج من بوابة قاعة المطار .. تلفح وجهه موجة هواءٍ ساخنة قد خرجت لتوّها من جوف شمس الظهيرة اللاهبة .. يتجه نحو السيارة .. لهفته وشوقه تسابقان خطواته .. هنا المنبت .. هنا الوطن .. بين جدرانه ترقد ذكرياته .. طفولته .. أهله .. وعشيرته. تأخذ السيارة طريقها نحو حي "العرضة" بمدينة أم درمان حيث منزل الأسرة .. ذرات من غبار عالقة في الجو تتسلل عبر تجاويف أنفه .. تعاجله "عطسة" مفاجئة لم يفلح منديل الورق في احتوائها .. ابتسامة كبيرة ترسم نفسها على شفتيه .. أعشقها بغبارها وكتاحتها .. بِحرِّها وشمسها .. أعشقها بمشاقها و"تلتلتها" .. أعشقها بكل ما فيها ومن فيها. السيارة تسير ببطءٍ فاقم منه رتل العربات أمامها.. من على يمينه وعلى امتداد البصر تنتشر تلك الأبنية الشاهقة .. عمارات .. أبراج سكنية.. ومنازل متعددة الطوابق. وسط تلك "الغابة الاسمنتية" يرقد حلمه الكبير .. بيته .. حلمه الذي أعانه على تخطي مرارة تجربة فصله من الخدمة تحت مسمى "الصالح العام" .
ولكن هاهي ذات المرارة تعاوده من جديد، وبصورة أشد عنفاً وقساوة .. أبناؤه الذين ظن أنه قد زرع حلمه في وجدانهم .. تجدهم الآن يلفظون حلمه .. حلمه ما عاد له مكان بين أحلامٍ قد حفرت لنفسها مكاناً في بلادٍ أخرى .. تَمور في داخله نيران الغضب .. عقوق الأبناء قاتل .. يقتل النفس والروح معاً .. يتبدد غضبه مثل غيمةٍ أفرغت حزنها دميعاتٍ على أرض الأشجان .. ولكنهم معذورون .. ليس من العدل أن أحمّلهم وزر الظروف التي وضعْتُهم فيها رغماً عني.
في طريقه للمطار تساوره رغبة ملحة أن يلقي على "حلمه" نظرة الوداع .. في حوش المنزل كان هناك الخفير وزوجته يجلسان على عنقريب "مهتوك"، وقد انبسطت أساريرهما وهما يرقبان "حفيداتهما" يتباريْن في لعبة "الحجلة" .. يتجه نحو مدخل المنزل .. يُدخِل المفتاح في القفل .. تتسارع دقات قلبه .. يعتريه حزنٌ مفاجئ .. تتجمد دواخله .. يُخرِج المفتاح قبل أن يكمل دورته .. يغادر المكان .. تنبعث من تلفزيون غرفة "الخفير" موسيقى تعزف ألحاناً جنائزية .. ألحاناً جنائزية تشيّعه إلى بلادٍ بعيدة حيث ترقد أحلام أبناءٍ لن يطمع يوماً ما أن يحملوا عنه أعباء شيخوخته وما يصاحبها من أمراضٍ نفسية وجسدية. تلك هي النهايات المأساوية التي عايشها ويعيشها كل من فارق الديار فارّاً من بطش نظامٍ دمويٍ أو أملاً في حياةٍ كريمة وفرص عملٍ لا موضع لها بين شبكات المحسوبية ومافيا الفساد.
*عدد مقدّر من أسر المغتربين بالخليج قد استقرَّ في كندا، وأستراليا، ونيوزيلندا بعد اكتساب جنسيات تلك الدول، بينما ظَلَّ ربُّ الأسرة على رأس عمله بالخليج، ذلك أن فرص العمل في تلك البلدان شحيحة أو ذات مردودٍ ماليٍ ضعيف.
أحدث المقالات
- في السودان مافيا الغاز تفتعل الندرة و تتلاعب باوزان الانابيب بقلم ايليا أرومي كوكو 10-03-15, 04:01 PM, ايليا أرومي كوكو
- الأشياء تتداعى بقلم اللواء تلفون كوكو أبو جلحة 10-03-15, 03:58 PM, تلفون كوكو ابو جلحة
- إشكالية الثقافة و الهوية في لوحات الإبداع بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمن 10-03-15, 03:56 PM, زين العابدين صالح عبد الرحمن
- الى رئيس المخابرات السعودية/ المحترم مع علم الاستلام/بقلم جمال السراج 10-03-15, 03:53 PM, جمال السراج
- كيف تتقن عملك؟!! بقلم عثمان ميرغني 10-03-15, 03:07 PM, عثمان ميرغني
- رسالة خاصة جداً إلى (شيخ) !! بقلم صلاح الدين عووضة 10-03-15, 03:05 PM, صلاح الدين عووضة
- ولكن سارة كانت تبتسم ..!! بقلم عبد الباقى الظافر 10-03-15, 03:03 PM, عبدالباقي الظافر
- السودانيون في عيون الآخرين بقلم الطيب مصطفى 10-03-15, 03:00 PM, الطيب مصطفى
- النفايات ..!! بقلم الطاهر ساتي 10-03-15, 02:58 PM, الطاهر ساتي
- رجل كلمته الأرض !!! 10-03-15, 08:25 AM, الطيب الشيخ
- دولة الإمارات السودانية المتحدة! بقلم فيصل الدابي/المحامي 10-03-15, 06:55 AM, فيصل الدابي المحامي
- عباس لا يفجر قنابل بل يعطلها بقلم نقولا ناصر* 10-03-15, 06:12 AM, نقولا ناصر
- يسألونك عن التجمع العالمي لنشطاء السودان؟ قل هو خير من عمل الإنسان السوداني 10-03-15, 01:28 AM, حسين إسماعيل أمين نابرى
|
|
|
|
|
|