|
إتفاقية الذهب السوداني مقابل القمح الروسي بقلم مصعب المشرّف
|
01:56 PM Aug, 07 2015 سودانيز اون لاين مصعب المشـرّف- مكتبتى فى سودانيزاونلاين
الاتفاق السوداني الروسي بشأن التعدين عن الذهب الذي تم الإعلان عنه مؤخراً لم يكن وليد اللحظة . ولكنه جاء خلاصة لقناعات فرضتها الظروف الدولية على كلا البلدين ؛ مما أسفر عن التوصل إلى إتفاق على هذا النمط من تبادل للمنافع .. وحيث تنص أهم بنود الإتفاق أن تأخذ روسيا الذهب السوداني مقابل مــد السودان بسلعة القمح ومنتجاته من الدقيق.
يستفيد الجانب الروسي مباشرة بالحصول على معدن إستراتيجي نفيس ، دون أن يدفع عملات حرة مقابله . وكذلك تمضي روسيا بخطى حثيثة في محاولتها إستعادة بعض الذي فقدته من نفوذ وزخم سياسي ومعنوي في القارة الأفريقية .. ولكن الجديد أنها تأتي هذه المرة وهي ترتدي ثوب إقتصادي رأسمالي ؛ مغاير لذلك المظهر العقائدي الذي دخل به الكرملين أبان الحقبة الشيوعية.
وأما نظام المؤتمر الوطني . فإن أهم ما يجنيه من هذا الإتفاق هو كسر حلقة الحصار الدولي ، الذي تفرضه عليه الولايات المتحدة وحلفائها اللاعبين الأساسيين في الإتحاد الأوروبي.
كذلك يكون نظام المؤتمر الحاكم قد أدرك العثْرة ، وإستفاد من دروس تعلمها خلال الفترة القصيرة الماضية ؛ عندما أقدمت بعض المصارف في المنطقة العربية على إستحداث قيود معرقلة لتحويلات المصارف السودانية . وكادت تعصف بقدرة الحكومة على تلبية حاجات البلاد الماسة. الشيء الإيجابي الأكثر أهمية من جدوى هذا الإتفاق ؛ هو أنه يأتي بحلول فورية سريعة على المدى المتوسط لجهة تأمين حاجة البلاد من دقيق القمح؛ الذي يعتبر اليوم الأساس والقاعدة التي يعتمد عليها الشعب في غذائه ، بعد أن أدت النزاعات الداخلية المسلحة إلى هجرة الأهالي مزارعهم ، والنزوح عن قراهم إلى أطراف المدن الكبيرة .. وما ترتب على لك من تغيير لنمط غذائهم الذي كان يقوم في السابق على (الإكتفاء الذاتي) من الدخن والذرة الرفيعة المنتجة محليا . وبوصفها الأسهل والأرخص من حيث تكلفة الإنتاج ومكافحة الآفات التي يعجز القمح عن مقاومتها دون أبحاث علمية ؛ وتؤدي إلى عدم الإستقرار في معدلات إنتاجه الزراعي محلياً.
كذلك هجرت ربات البيوت في الوسط والشمال الكثير من أنشطة الطبخ المنزلية . وتزايد الإعتماد على شراء "الكسرة" الجاهزة . وهو الأمر الذي رفع من أسعارها إلى أرقام فلكية . فأصبحت طعام الأغنياء بعد أن كانت ملاذ الفقراء .. وعلى ذلك الإتجاه كان لابد أن تتغير أنواع الطبخات . فأصبح الإعتماد أكثر على طبخ وإعداد وتناول الأصناف التي تتلاءم مع رغيف الخبز ..
هكذا تزايد الإعتماد بشكل مضطرد على دقيق القمح .... والمفارقة الكارثية التي لازمت هذا التزايد في إستهلاكه هو فشل زراعته محليا على النحو الذي كان متوقعا لأسباب تتعلق بقلة خبرة المزارعين في مشروع الجزيرة به . وكذلك لحساسية معالجته في كافة مراحل الزراعة ومكافحة الآفات والحصاد والتخزين ، عند مقارنته بمنتجات زراعية "سودانية مواطنة" كالدخن وأصناف الذرة الرفيعة.
مشكلتنا أننا لا نتعلم أبداً من تجاربنا السابقة .... فقد يندهش البعض من أبناء اليوم حين يدرك أن "تاريخ الغذاء" السوداني ؛ كان قد شهد في منتصف حقبة الستينات من القرن الماضي ندرة وشح في صنف "المايو العسلية" من حبوب الذرة الرفيعة ؛ بعد أن هجر أهل العاصمة والمدن والقرى تناول الكِسرة والعصيدة و بَـنِي كَربُلْ من صنف الفتريتة الخشنة. واستبدلوها بالكسرة الناعمة من صنف المايو. وهو ما دفع حكومات أكتوبر للإستعانة آنذاك بالمعونة الأمريكية ؛ التي إتضح لاحقاً أنها أرسلت لنا هي الأخرى ذرة رفيعة رديئة الصنف يقدمونها في بلادهم للخيول .
وبعد مجيء الرئيس الأسبق جعفر نميري للسلطة على رأس إنقلاب 25 مايو العسكري ، وإعلانه سياسة التأميم والمصادرة البليدة ؛ عانت البلاد من شح مزمن في كافة أصناف منتجات القمح . وظل الإنسان السوداني يعاني من ندرة رغيف الخبز طوال ألـ 16 عاماً المتتالية من فنرة حكمه.
على أية حال فقد تعقدت المشاكل والحاجات اليوم عنها بالأمس أيام عبود ومايو ، وما سبقها وتلاها من ربيع عهود ديمقراطية .....
وكما هو صعب المطالبة اليوم بـ "العودة إلى سنار" .. فإنه وعلى نفس الدرجة لايكون من العقل المطالبة بـ "العوودة إلى الكِسـرة".
في كافة الظروف والأحوال نحن أبناء اليوم .... واليوم يأتي توفير رغيف الخبز المطلب الأكثر إلحاحاً لتأمين قدر لا يستهان به من الأمن . وضمان عدم نزول المواطن العادي إلى الشارع ، وإحداث إضطرابات أو المطالبة بإسقاط النظام.
إمدادات القمح أو دقيق القمح الروسية ستكون أرخص سعراً ، وأقل تكلفة بكثير مما هي عليه الآن .. فالخزينة السودانية تستنزف الكثير من الأموال مقابل شراء شحنات القمح بسبب قيود المقاطعة الإقتصادية ، وتعقيدات التحويلات المالية. وإضطرارها للشراء "من البحر" بأسعار أعلى بكثير من أسعار البورصات العالمية.... وفي بعض الأحيان تتعرض مثل هذه السفن إلى القرصنة أو المصادرة تحت طائلة التهريب وهي في عرض البحار قبل دخولها الميناء . فينتج عن ذلك أزمات متكررة من الشـح والندرة الفجائية.
ولأن فاتورة إمدادات القمح الروسي المرتقبة ستكون أقل تكلفة وأرخص مقارنة بما هو عليه الآن في ظل الحصار والشراء من عرض البحر . فسيظل شبح الفساد المزمن الماثل يطل برأسه ؛ بوصفه المهدد والمجهض لكافة الجهود ، والمحاولات الجادة من جانب بعض الحادبين على مصلحة البلاد والعباد .. والمتوقع (في ظل الفساد) أن يعمل البعض على تهريب دقيق القمح الروسي الرخيص من السودان إلى مصر وأثيوبيا وأرتريا وجنوب السودان .... وبعض الدول الأفريقية المجاورة الأخرى .... وبذلك تبقى الساقية دائرة.
الذي يتتبع سنوات النظام السياسي القائم منذ عام 1989م وحتى تاريخه بمختلف مسمياته وتحالفاته يشهد له بأنه محظوظ .. وأن الكثير من الخطوط قد تقاطعت لتمد له في عمره .. ولكن المؤسف أن الفســاد المالي بوجه خاص . وظاهرة المبالغة في التكسب غير المشروع من الوظيفة العامة ، وإدمان الثراء الحرام ؛ وإستسهال سرقة المال العام وحتى مال الله ورسوله من الزكاة قد أصبحت واجهة وعلامة ... وعاهة مستديمة ملازمة له.
رفع الدعم عن دقيق الخبز وسلعة القمح لن يكفي وحده لمحاربة التهريب إلى الدول المجاورة..... لمــــــــــاذا؟
في مصر وأثيوبيا على سبيل المثال ؛ تدعم الدولة دقيق الخبز . فتقوم بتوزيع حصص محددة منه إلى المخابز عبر وزارة التموين .. ولكنها لا تدعم الدقيق المخصص لإنتاج الحلويات والخبائز والمعجنات بأنواعها . وأحيانا كثيرة قد يكون سعر الدقيق المهرب من السودان إلى هذه الدول أقل سعراً من مثيله (غير المدعوم) في أسواقها.
واليوم وبعد تعبيد الطرق البرية ، وتسيير شاحنات ذات حمولات ضخمة . فإن التهريب قد فتحت أبوابه على مصراعيها ....
والتساؤل الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا تصعب الإجابة عليه .. ولكن يبدو أننا وفي ظل الفساد وضعف المتابعة والرقابة والمحاسبة ؛ سنظل نحرث البحر ؛ ونمضي في طريق لا نهاية له من تقديم أرضنا وثرواتنا القومية للجيران والغير ببلاش وبلاهـــة .... وسفاهة قد تستدعي يوماً مـّـا الحجـر علينا.
مصعب المشرّف ا أغسطس 2015م
أحدث المقالات
- قد تختلف ذروة اللذّة، جنسّية كانت أم دموية، ولكن المُتعة واحدة بقلم شهاب فتح الرحمن محمد طه 08-06-15, 06:05 PM, شهاب فتح الرحمن محمد طه
- المؤتمر الوطني بين قهر المواطن وتردي الخدمات بقلم د. تيسير محي الدين عثمان 08-06-15, 06:01 PM, تيسير محي الدين عثمان
- الفلسطينيون ...المتاجرة بالقضية ... واتهام نميري بقلم شوقي بدرى 08-06-15, 05:49 PM, شوقي بدرى
- أيها الفتى.. أيتها الفتاة، هلموا إلى العصيان المدني! بقلم عثمان محمد حسن 08-06-15, 05:47 PM, عثمان محمد حسن
- العهد الجديد والبداية الصادمة بقلم سعيد أبو كمبال 08-06-15, 05:45 PM, سعيد أبو كمبال
- تبرؤ الأخوان المسلمون من تنظيمهم: بقلم د. عمر القراي 08-06-15, 05:43 PM, عمر القراي
- الشعبي.. غاية الوفاق.. وسيلة النفاق!! بقلم نور الدين محمد عثمان نور الدين 08-06-15, 05:42 PM, نور الدين محمد عثمان نور الدين
- الكيان الصهيوني بين التشدد الرسمي والتطرف الشعبي بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي 08-06-15, 05:40 PM, مصطفى يوسف اللداوي
- حقوق الإنسان في خطاب منظمة التحرير الفلسطينية بقلم فادي أبوبكر 08-06-15, 05:39 PM, فادي أبوبكر
- دبلوماسية بيع الوهم بقلم جهاد الرنتيسي 08-06-15, 05:38 PM, مقالات سودانيزاونلاين
- ثورة النيل البشرية بقلم سري القدوة 08-06-15, 05:37 PM, سري القدوة
- دور إيران في الدعوة لإنشاء إقليم السليمانية في العراق دراسة تحليلية في الأسباب 08-06-15, 05:34 PM, مقالات سودانيزاونلاين
- لماذا فشلت مشاريع تبسيط الزواج ؟ بقلم عصام جزولي 08-06-15, 03:49 PM, عصام جزولي
- البشير بين بيضة السيسي وحجر مرسي..وعبور القناة الجديدة.. بقلم خليل محمد سليمان 08-06-15, 03:46 PM, خليل محمد سليمان
- سفارة السودان بالرياض بقلم Azhari YousifMassaad 08-06-15, 03:44 PM, مقالات سودانيزاونلاين
- حكاية نظام اللوترى الأمريكى للهجرة و السودانين بقلم ماهر هارون 08-06-15, 03:42 PM, ماهر هارون
- داعش . . الكتاب الأسود بقلم نورالدين مدني 08-06-15, 03:37 PM, نور الدين مدني
- خورطقت الفيحاء بقلم د.طارق مصباح يوسف 08-06-15, 03:36 PM, طارق مصباح يوسف
- تعدين اليورينيوم والذهب .. الفرصة الأخيرة للسودان ( 1 ) تحليل إقتصادي صلاح الباشا 08-06-15, 03:35 PM, صلاح الباشا
- السحر والشعوذة.. عندما تصبح ثقافة رسمية!! بقلم نور الدين محمد عثمان نور الدين 08-06-15, 03:33 PM, نور الدين محمد عثمان نور الدين
- الظّلم الصّارخ في سوسيـــا بقلم ألون بن مئير 08-06-15, 03:31 PM, ألون بن مئير
- مافي زول بلقى عضة..!! بقلم نور الدين محمد عثمان نور الدين 08-06-15, 02:55 PM, نور الدين محمد عثمان نور الدين
- كيف نواجه مخططات تصفية الأونروا؟ بقلم د. فايز أبو شمالة 08-06-15, 02:53 PM, فايز أبو شمالة
- هواية تعذيب الناس في السودان !!! بقلم فيصل الدابي المحامي 08-06-15, 02:52 PM, فيصل الدابي المحامي
- سؤال"السوداني" :: الدواء وين راح ؟! بقلم نورالدين مدني 08-06-15, 02:50 PM, نور الدين مدني
- دولتان بنظامٍ واحد ضد حرية الصحافة والتعبير ! بقلم فيصل الباقر 08-06-15, 02:44 PM, فيصل الباقر
- من يهن يسهل الهوان عليه بقلم شوقي بدري 08-06-15, 02:42 PM, شوقي بدرى
- ايها المشير سوار الذهب لم يعد هناك متسع لترقيع السروال المقدود.. بقلم الفاضل سعيد سنهوري 08-06-15, 02:40 PM, الفاضل سعيد سنهوري
- العنصرية والأنانية هُمَا أس الدَاء (2) بقلم عبد العزيز سام- 5 أغسطس 2015م 08-06-15, 02:38 PM, عبد العزيز عثمان سام
- تكميم الأفواه لدحر الارهاب باتريوت- بقلم عثمان محمد حسن 08-06-15, 02:13 PM, عثمان محمد حسن
- نكتة جديدة لنج (سودانيين في الخليج)!! بقلم فيصل الدابي/المحامي 08-06-15, 02:11 PM, فيصل الدابي المحامي
- هل شارك علي عثمان في انقلاب رابعة العيد ؟؟ بقلم جمال السراج 08-06-15, 02:09 PM, جمال السراج
- خير الكلام ما قل ودل يافخامة الرئيس بقلم سميح خلف 08-06-15, 02:07 PM, سميح خلف
- انقاق الدولة " ماسورة "... ووعد الحسن الميرغني!! بقلم أبوبكر يوسف إبراهيم 08-06-15, 02:06 PM, أبوبكر يوسف إبراهيم
- كيف صار الرئيس البشير وسيطاً يتهافت عليه المعجبون المتعشمون ؟ بقلم ثروت قاسم 08-06-15, 02:04 PM, ثروت قاسم
- سيد قطب وظلاله! بقلم محمد رفعت الدومي 08-06-15, 02:02 PM, محمد رفعت الدومي
- الفصل بين المنظمة والسلطة وفتح استحقاق فلسطيني بقلم نقولا ناصر* 08-06-15, 02:00 PM, نقولا ناصر
- يحكى ان ..... يحكى عنا.............!! بقلم توفيق الحاج 08-06-15, 01:59 PM, توفيق الحاج
|
|
|
|
|
|