|
أُمةٌ تُقِرُ إِهدَار قيمِها د. حسن سعيد المجمر طه
|
[email protected] تكاد الأحداث التي تشهدها معظم دول المنطقة من شدتها ان تمحي قيما وضرورات إنسانية ظلت لقرون راسخة رسوخ الجبال، في تاريخ وحاضر أمة إمتدحها رب الجلالة من فوق سبع سماوات بأنها خير أمة أخرجت للناس، يأتمِر جميع افرادها بالمعروف وينهون عن المنكر، ولايضر من عاش بينهم من غير ملتهم. بل وتأصلت في الممارسة الحياتية لأفراد هذه الأمم نجدة المضيوم، ورد الأذى، وإغاثة الملهوف والجائع، وإكرام الضيف، وعفة اليد واللسان، والحرص على صون عرض الجار والقبيلة والوطن والأمة. هذه الممارسات عبرت بشكل مباشر عن قيم الدين الحنيف الذي أُنزل للناس كافة، داعيا إلى ترسيخ الكرامة الإنسانية "ولقد كرمنا بين آدم وحملنا في البر والبحر ورزقناه من الطيبات وفضلنها على كثير ممن خلقنا تفضلا"، ومشدداً على الضرورات الخمس التي حفناه عن ظهر قلب "حفظ النفس، والعقل، المال، والنسل، والدين". ضرورات لم يختلف عليها الناس رغما عن تباين أعراقهم وأديانهم وألوانهم وألسنتهم، عضدتها الأديان السماوية. أسوق هذه المقدمة لعلي أسهم في تحريك ساكن يفرض علينا جميعاً ان نجيب على السؤال الجوهري، من المسؤول عن غياب وتلاشي الأمل في إحترام هذه القيم والضرورات الإنسانية؟ وكيف يمكننا تصور مستقبل أمتنا التي فُطِمَ رضيعها على أصوات المدافع والقنابل وهي تقتل بلا هوداة وتدمر الحرث والنسل ولا تفرق بين كبير أو صغير، مدني أو عسكري مقاتل؟ وهل بالإمكان محاصرة ووقف هذه الظاهرة الخطيرة والحد من آثارها ومنع توسعها؟ أترك لغيري حقه في الإجابة، وأحترم وجه نظره، لكنني أجيب على هذه التساؤلات بأن المسؤولية تقع على الشعوب التي تملك إختيار الحاكم بإرادتها الحرة !!!! لكن القول بهذا أشبه بإنتظار العطشان للإرتواء من نهر السراب،، حيث لا يتجاوز عدد الدول التي تحترم فيها إرادة الشعوب في عالمنا الإسلامي عدد أصابع اليد الواحدة. وفي غياب إحترام إرادة الشعوب تقع المسؤولية بالأساس على الحكومات الشمولية التي أناخت بعيرها على رؤوس وأكتاف شعوبها دهرا إستمتعت بالحكم وبسطت سلطانها عليهم، ولم تطلب منها هذه الشعوب سوى تحقيق العدالة الإجتماعية والإطعام من الجوع والأمن من الخوف. وبما أن واقع الحال يقول أن التعبير عن الإرادة الحرة للشعوب ذاته أصبح بين بين مقبولٌ عند بعض النخب في حالة واحدة فقط، وهي أن لا يكون الحاكم المنتخب أو دستور الدول وعقدها الإجتماعي مرجعيته في الحكم هي الدين، إعتمادا على جهل المتدينيين وضعفهم بقوامة الحكم وممتطلبات السلطان المقبول للناس بمختلف مشاربهم، فإن الناس جميعا الذين يذهبون إلى المساجد ويتحلقون في حلقات القرآن بالملايين عددا حقيقيا.. عليهم أن يتركوا الحكم لغيرهم، وأن يحصروا دينهم، وتدينهم في حدود سوح المساجد، وحلق الذكر وإن توسعوا، فليكتفوا بالإفاضة الكُبرى التي يحيونها من كل فج عميق يوم العيد الأكبر. وفي هذه الحالة فالحق يقال أن الإرادة الشعبية هي إرادة القلة. والقلة التي نعنيها هي قلة تتمتع بصوت عال تزين للناس إثارةً ضرورة إنتزاع حقوقهم بالقوة لأنها السيبل الوحيد لنجاتهم من إفساد ملذات حياتهم بإيدي المتأسلمين على قولهم، وما داموا هم في الوطن شركاء. فلا يرضى أحد منا أن يحكمه الآخر سوى في مجالات ضيقة من الحياة لتصبح عبارة "العقل السليم في الجسم السليم" حصريا لا تتجاوز ميادين الرياضة إلى غيرها من نواحي الحياة. ثم تدور عجلة الصراع على تولي الحكم لا تداوله سلما، ويتصرف الحاكم كمندوب إلهي يهب ويمنع ومرجعيته قوة سيفه. فلا أحد يستطيع الجهر بفشله في تطبيق تنمية إقتصادية او إجتماعية لصون كرامة شعوب ذلتها الحاجة، فطفق ابناؤها يبحثون عن حقوقهم وحرياتهم عند المحتل القديم، والعالم الأول الذي بن مجده على نهب ثروات العالم الثالث. وعلى ذكر تصورنا للمستقبل فإن أطفالنا الذين هم مستقبل أمتنا ماتت وستموت في قلوبهم الرحمة والشفقة مما يشاهدونه يوميا من صور الرعب والتنكيل التعذيب والقتل والدماء التي تسيل في كل مكان. لن يثق أحدا منهم في مؤسسات دولتهم ما دام رأى بأم أعينهم الجيش الحكومي يدمر المدن والقرى ويحرق البيوت، ويقتل الناس، بينما تضرب قوات الأمن والشرطة النساء والرجال. وقد شهد جل أطفالنا إهانة الآباء والأمهات أمام أبنائهم في مناطق الصراعات والإضطرابات الداخلية. يا هؤلاء إن أبنائنا أصيبوا حتما بصدمة من جراء هذه المآسي التي بلغت أذانهم،، وعلاج الصدمة والجراح النفسية العميقة التي تعرضوا في المنطقة العربية يحتاج إلي جهود كبيرة في مجال إعادة التأهيل، الذي يجب أن تنهض بها المؤسسات كافة رسمية وشعبية، كون هدفها الأول أحمي إبني تحمي أمة. على أن تشمل مظلة إعادة التأهيل أيضا إعادة صياغة السلطة في مجال التعليم، وإنفاذ القانون، والحياة الإجتماعية، والثقافية. ولتسبق هذه الجهود جميعها إحياء قيم الأمة في التكافل والتعاضد والدعوة لنبذ الصراعات التي ما قتلت فينا إلا المروءة ولم يزل الأقصى غريبا يناجي، وفإن لم نفعل!! توسعت ظاهرة الصراع ودخل خطرها منازلنا ولن يكون بالإمكان وقفها أو الحد من آثارها. ولم يصدقنا بعدها أحد أننا نحن دعاة حقوق الإنسان وحرياته العامة آمنا إيمانا عميقا بصدقيتها. ندعو غيرنا للإجماع على إحترامها ووفائها وحمايتها حكومات ومؤسسات مجتمع المدني ومواطنين متجردين حتى نبلغ فضل القول لا تجتمع أمتي على خطأ.
|
|
|
|
|
|