في اللقاء الصحفي قبل حوالي أسبوع.. الذي تحدث فيه د. مُحمّد خير الزبير والمهندس إبراهيم محمود حامد مساعد رئيس الجمهورية والأستاذ بدر الدين محمود وزير المالية.. لا تزال ترن في أذني عبارة لم أفهمها حتى الآن.. وزير المالية قال إنّ القرارات الاقتصادية الأخيرة أُعلنت (بغتةً) حتى مجلس الوزراء لم يعلم بها إلاّ حين إشهارها في سياق جلسته العادية.. والحكمة – حسب وزير المالية - في هذه المُفاجأة أن لا تمنح أحداً فرصة استغلال الوضع واستثمار الزيادة ليُحقِّق منها منافع مالية مُباشرة.. وضرب مثلاً بزيادة الجمارك فمن المُمكن لتاجر شاطر أن يشتري كل السيارات المعروضة للبيع.. وهو على يقين أنّها بعد القرار مُباشرةً ستتضاعف أسعارها.. حسناً؛ بهذه الفرضية يُؤكِّد الوزير أنّ (المعلومة) هنا لها ثمن فادح.. مجرد العلم بأنّ القرارات الاقتصادية قادمة يكفي لحصد أرباح مالية هائلة.. فيصبح الاستثمار هنا رأسماله مجرد (معلومة) لا أكثر.. هنا يطفر السؤال.. كم شخصاً علموا بقرارات الوزير قبل النطق بها؟ واحد.. اثنان.. ثلاثة.. عشرة.. عشرون.. خمسون.. مائة؟؟ لا أحد حتى الوزير نفسه يملك الإجابة.. إلا إذا قدم تفسيراً منطقياً للأسباب التي تدعو من علموا بالقرار أن لا يبوحوا به لآخرين تحت أيّة ذريعة.. من مثل أن يقول الوزير أنّهم أجبروا كل موظف يتصل بصناعة هذا القرار أن يقسم على المصحف أن لا يفشي سر القرارات قبل صدورها.. وأن يتيقن أن لا أحد من موظفيه يعمل بالمثل (قالوا للحرامي أحلف.. قال جالك الفرج) وطبعاً لا أتوقّع أن يكون ذلك قد حدث.. أو حتى أن يقبل كبار الموظفين بهذا الإحراء الاتهامي.. يظل السؤال.. كيف للوزير أن يضمن أن لا أحد علم بقراراته واستثمر (المعلومة) أصالةً عن نفسه.. أو نيابةً عنها عن طريق آخرين في السوق قادرين على إدخال الكرة في الشباك من أضيق زاوية.. أهمية هذه الأسئلة لكونها تكشف أنّ سياسة (الغُمتي) كما أطلق عليها السيد عبد الرحيم حمدي وزير المالية الأسبق.. لا تصلح مهما تزيّنت بالمبررات.. العكس تماماً.. إعلان القرارات الاقتصادية قبل فترة كافية يدحض أيّة هواجس في استثمارها بواسطة (العالمين بأسرار مطبخ القرار السياسي).. لو أعلنت الحكومة قرارات الزيادة وقالت إنها ستسري بعد أسبوع.. أو شهر.. أو مع بداية العام الجديد.. فإنّها تجعل الجميع في خط بداية واحدة مثل خط بداية السباق في المضمار.. بعبارة أخرى.. الشفافية تمنح الجميع فرصة أن يتساووا في العلم بالمعلومة.. ويصبح لكل حسب جهده وقُدرته.. وليس حسب قُربه من دوائر صناعة القرار و(شطارته) الآثمة.. ثم أنّ التربص بالقرارات المُفاجئة كما فعل وزير المالية يجعل الاستثمار مجرد (ضربة حظ).. والمُستثمرين مجرد (حواة) عليهم أن يُخطِّطوا حسب (نشرة أحوال الطقس).. كيف لمُستثمر أن يضع خُططه وهو لا يعلم أنّ الجمارك قد تقفز بين طرفة عين وانتباهتها.. دُون سابق إنذار.. هذا ضربٌ من السحر وليس استثماراً.. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة