|
أوراق سودانية (4)مشاهد من مسرح التسعينات
|
أوراق سودانية (4) حسن أحمد الحسن / واشنطن
أوراق سودانية (5) مشاهد من مسرح التسعينات
أكثر من عقد من الزمان قضيناها في قاهرة المعز التي إتسعت لتبايناتنا تلك التي ضاق بها الوطن في لحظة خصام مع ذاته كانت مسرحا إزدهر فيه حوار التباين مدا وجذرا وفاقا وفراقا لم يضيق علي أحد ومثلما كان لزعماء القوي السياسية الشمالية منابرهم فيها كان أيضا للحركة الشعبية وزعمائها مجالسهم ومنتدياتهم فلم تبخل بكرم الضيافة وإتساع الصدر والرغبة في فهم وجهات النظر أملا في مناصرة الشقيق في الشمال والجنوب ولو برده عن الظلم . هي فترة جديرة بالتأمل والتحقق لأن الكثير من نتائج اليوم علي الساحة السياسية تلاقحت مقدماتها في تلك المدينة التي لاتزال تسعي بين ذوي القربي بالمعروف صيانة لأخاء نسجته حقائق التاريخ والجغرافيا وأواصر العناق الجيني بين الأشقاء وهي فترة إكتنزت من المشاهد مايعين علي تأمل الصورة والمشهد السياسي برمته مع غيرها من العواصم العربية والأعجمية التي تركت بصماتها علي الحدث السوداني المتحرك . وكشاهد علي بعض أحداث تلك الحقبة من عقد التسعينات أجد بعضا من المحطات الهامة التي لابد من الأشارة اليها لفهم كثير مما يحدث الآن. فالحركة الشعبية التي تحلق بأجنحتها وتسيطر علي فضاء الوطن بأسره اليوم تطورت عبر مراحل عديدة في علاقاتها بالقوي السياسية السودانية الشمالية في إطار عقد التحالف في مواجهة نظام الأنقاذ وهو تطور يكشف في الواقع بعضا من مشاهد اليوم ومواقف القوي المختلفة في إطار تلك المشاهد المتعددة . والقوي المعارضة وهي في خضم خصومتها للنظام فات عليها أن تنظر بعين فاحصة وفكر إستراتيجي لما يمكن أن يؤول الية حال الوطن بعد أن تزول غاشية العداء وتتبدد خصومة المواقف . ولعل الحال الماثل اليوم يؤكد واقع الحال . حيث كان الفكر السائد مرحليا تحكمه المواقف الذاتية والحزبية وتسوده القرارات المتعجلة وردود الأفعال غير المتأنية فتقلص الفعل ورد الفعل في ذاتية التصرف حيث كان الحكم ومعارضيه تسيطر عليهم فكرة الإستئصال والإستئصال المضاد فضاقت أبواب الوصال الداخلي وأشرعت أبواب التغلغل الخارجي حتي أصبح الحكام والمعارضون ضيوفا علي شئون بلادهم مهما علت دعائية ( سودانية الحل). بين الناصر- ونيفاشا أقوال وأفعال ووقائع إذا ماقيست بوقائع اليوم تفسر مظاهر الدهشة التي تسيطر علي المشاهدين علي مسرح نيفاشا مثلما تفسر أيضا حالة الإستجابة الحاتمية للإملاءات الأمريكية التي لم تعد خافية جتي علي خفاش ينكر ضوء النهار . هذه التطورات والتحولات التي تنتاب الشأن السوداني دون أن يدري أحد الي ماستؤول اليه الخواتيم تدافعت منذ أيام الأنقلاب الأولي وهو الحدث الذي إختطف الوطن بأسره الي مغامرة كبيرة ودراما أشبه بأفلام الآكشن فأضحي الوطن كطائرة مخطوفة أرهقت ركابها وخاطيفيها الذين لم يجدوا بدا في نهاية المطاف إلا من تسليم أنفسهم الي السلطات الأمريكية مع وعد بالعفو . أما المعارضة الشمالية التي أرهقت نفسها في إسترضاء حلفائها من الحركة الشعبية أصبحت اليوم مجروحة بعقوق الحلفاء الذين آثروا المغنم من شهوة الثروة والسلطة ذات الضمانات الخارجية علي شعارات تغنت للوحدة وأحلام السودان الجديد هزمت نفسها في نيفاشا وهي ذات القوي السياسية التي خسرت كافة إستثماراتها المعنوية والسياسية مع حليف آثر أن يبيع لها القطار وحول دورها من فاعل في الساحة الي مراقب توصياته غير ملزمة . كان لكل الأحزاب السياسية المعارضة إسهاماتها المتفاوته في حقبة التسعينات ولكل حراكه السياسي وإيقاعه الخاص والمميز فأي باحث متجرد يمكن أن يصل الي حقيقة أن حزب الأمة بزعامة السيد الصادق المهدي قد قدم جهدا مقدرا من المبادرات والدراسات التي سعت الي إيجاد مخرج سياسي عادل يوقف الحرب ويحقق السلام منذ ستينيات القرن الماضي وعبر طائفة من المواقف والمساهمات أصبحت هناك رؤية موضوعية من الناحية النظرية لإيجاد حل ممكن وقد تلاحقت هذه المبادرات بعد قيام نظام الإنقاذ في إطار الملاحقة السياسية للنظام ومحاصرته بمحالفة الحركة الشعبية وجرها الي تحالف المعارضةالشمالية وقد لعب حزب الأمة الدور الأساسي في إقناع الحركة الشعبية للإلتحاق بصفوف المعارضة الشمالية وترغيبها في ذلك ودعم آلياتها بكل أسس المعاضدة فتواترت المفاوضات بين طرابلس وأديس أبابا والقاهرة حتي أصبحت الحركة الشعبية حليفا أساسيا وعضوا أصيلا في تجمع المعارضة بالخارج . وجاء توقيع الحركة علي ميثاق التجمع بعد تضمين تعديلاتها ميلادا لواقع جديد وحراك متجدد .لقد كانت أهداف حزب الأمة والتجمع من توحيد المعارضة الشمالية والجنوبية أولا قطع الطريق أمام النظام الجديد الذي كان يحاول منذ أيامه الأولي إستمالة الحركة وقطع الطريق أمام القوي المعارضة . ثانيا إيجاد إتفاق وطني حول مستقبل العلاقات بين الشمال والجنوب في إطار الوطن الواحد علي أساس من الحقوق المتساوية بين المواطنين . ثالثا إتخاذ الحركة كحليف سياسي إمتدادا لتحالفاته التاريخية مع القوي الجنوبية ( سانو ) مقابل هذه الآمال العراض إندفعت القوي السياسية الأخري في تقديم عروضها للحليف الجديد كل يسعي الي الظفر به علي حساب الآخرفتكاثر الخطاب علي الحركة الشعبية ( ومن يخطب الحسناء فليغلها المهر ) وكان طبيعيا أن تستفيد الحركة من كل ذلك في تطوير آلياتها السياسية وتستخدم كافة تناقضات حلفائها في بناء ذاتها دون أن تكون مطالبة بموقف محدد وقد سجلت حيثيات ووقائع المعارضة العديد من مظاهر هذه التناقضات وإستخداماتها من قبل الحركة . وكان طبيعيا أن يبلغ التنافس مداه بعد أن أحاطت تطورات عديدة بقوي المعارضة ولعبت الظروف الأقليمية والدولية دورا أساسيا لصالح الحركة التي قويت لتضافر الجميع علي خدمتها ولأمتلاكها لآليات دعائية وعلاقات إذدهرت في الغرب المسيحي لمواجهة الخطأ القاتل الذي إرتكبه النظام بأعلان الحرب الجهادية في الجنوب وماصحب ذلك من مظاهر كشفت الأيام بطلانها.مثلما كان الخطأ القاتل الذي إرتكبته الأحزاب المتحالفة مع الحركة هو تسخيرها لكل إمكانياتها المادية والمعنوية لخدمة أهداف الحركة علي حساب آلياتها ومؤسساتها وتنظيماتها . ولايزال هناك حتي الآن من يعيش علي وهم حلفه مع الحركة بل وحلم العودة الظافرة معها بالسلام والديمقراطية ولئن أدرك البعض بعض الحقيقة فلاتزال هناك تفاصيل السيرة والمسيرة لقصة كتبت أهم فصولها في أسمرة وتعاد كتابتها اليوم في نيفاشا علي نحو مختلف تغيرت فصولها وتغيرت ملامحها كما الآيات تنسخها الآيات والأحاديث تنسخها الأحاديث . والتساؤل الذي يمكن أن يطرأ في خاتمة هذا المقطع هل قيمت أحزاب التجمع الوطني مواقفها من مواقف الحركة من التزاماتها التي قطعتها علي نفسها وهي الألتزامات التي تبرر معني التحالف ؟ هل إستبانت هذه الأحزاب الشمالية التي تعيش حالة من الحيرة والدهشة خطأ رهانها علي الحركة ؟ وماهي البدائل المطروحة للتعامل مع الواقع المحتمل الذي في أحسن فروضه شراكة ثنائية وفي أسوأ تلك الفروض إنفصال مشهود دوليا . فلاش باك إنضمام الحركة للتجمع الوطني 1990
أسرار وحقائق
بعد تشكيل التجمع الوطني الديمقراطي في الخارج وإستكمالا لأجراءات إنضمام الحركة الشعبية للتجمع والتي بدأت بجهود متصلة من حزب الأمة في تلك الفترة مابين لندن وطرابلس وأديس أبابا كان التحضير الذي بدأناه لعقد إجتماع للمعارضة في أديس بمشاركة الحركة عام 1990 حيث كان التداول حول الصيغة المطروحة لتعديل ميثاق التجمع وتضمين ملاحظات الحركة للميثاق . هذه المناسبة أتاحت لي أول لقاء بالدكتور قرنق عن قرب خلال هذه الإجتماعات وهي لقاءات تكررت بعد ذلك في مناسبات مختلفة خلال أنشطة المعارضة كان الدكتور قرنق في تلك الفترة مشدودا لقيم الوحدة حيث يتسع مفهوم التحرير عنده ليشمل السودان كله علي أسس من العدل والمساواة ولم يكن ليسمح في تلك الفترة لأي صوت إنفصالي أن يعلوا لأنه كان يتحدث عن السودان كله وليس الجنوب وهو الحديث الذي كان يجد دعما كبيرا من جميع فصائل المعارضة حيث تبددت كل المسافات والإحتقانات في أجواء الواقع النضالي الذي بدأ يظلل الجميع . كانت النظرة لسودان المستقبل العادل لجميع أبناءه دون تمييز وقد كانت تلك الفترة في عمل المعارضة التي إمتدت لعقد من السنوات فرصة حقيقية للتعارف السياسي بين جميع القوي السياسية في الشمال والجنوب وأعتقد أنها قد صححت العديد من المفاهيم الخاطئة المتبادلة . ويتميز العقيد قرنق بأنه قاريء لتاريخ السودان وهو راجح العقل تسري فيه روح الدعابة والإدراك لأبعاد الشخصية السودانية للمواطن الشمالي وهي معرفة تراكمت مع سني التواصل مع الجميع من أطياف وقطاعات المجتمع السوداني التي كانت ممثلة في التجمع الوطني سياسيا وإجتماعيا . ويزخر خطابه بالنوادر والأمثال الشعبية السودانية . لقد فتحت تلك الأيام الطريق لأمكانية إعادة صياغة الواقع السوداني لأن الجدية كانت متوفرة والآمال والتفاؤل كان كبيرا رغم وجود نظام الإنقاذ كواقع من خلال نظرته الإقصائية التي كانت سائدة في مطلع التسعينات حيث لم يكن واردا أن تفلت جميع الأوراق السياسية لحل الأزمة السودانية من أيدي السودانيين لتصبح في أ يدي الأوصياء الأميركيين وأصدقائهم ويتحول المعنيين الي متفرجين أو متلقين في أحسن الأحوال كما بدا الحال في مباحثات منتجع نيفاشا الكيني . لقد بدأت أول الجهود من قبل حزب الأمة للألتقاء مع الحركة وجذبها الي عضوية التجمع الوطني الديمقراطي عبرمباحثات مباشرة مع الحركة بدأت تحديدا في الخامس من سبتمبر عام 1989 في الجماهيرية الليبية بطرابلس وأمتدت المباحثات عبر سلسلة من اللقاءات حتي يناير عام 1990 حيث تم التوقيع علي إتفاق التحالف ( الإستراتيجي ) بين حزب الأمة والحركة الشعبية في اليوم التاسع والعشرين من يناير بمدينة طرابلس التي شهدت لقاءات بين القيادة الليبية وكل من الأمة والحركة وقع عليه من قبل حزب الأمة في ذلك التاريخ السيد مبارك المهدي ومن قبل الحركة السيد لوال دينق. تم الإعلان رسميا عن هذا الإتفاق بعد صياغته في أديس ابابا في 22 فبراير عام 1990 كما تزامن الحوار مع الحركة مع حوار مماثل بين حزب الأمة والقيادة الأثيوبية بدأ في النصف الأول من سبتمبر عام 1989 وهو الحوارالذي أثمرإتفاقا مع الحكومة الأثيوبية أتاح لحزب الأمة ممارسة نشاطه وفتح مكتب له بالعاصمة الأثيوبية وهوالمكتب الذي كانت تمارس من خلاله كل نشاطات المعارضة السودانية بالإضافة الي منح المعارضة ساعة من البث الإذاعي عبر إذاعة أديس ابابا والسماح لقيادات المعارضة السودانية الإلتقاء في العاصمة الإثيوبية بغرض التشاور والتفاكر دون قيد أو شرط . وبالفعل فقد نظم مكتب حزب الأمة في أديس ابابا أول لقاء لفصائل المعارضة مع الحركة الشعبية تمت فيه مناقشة مقترحات الحركة وإضافاتها للميثاق وتم الأتفاق علي مسودة التعديل علي أن تستكمل في القاهرة حيث نظم حزب الأمة لقاءا مماثلا بفندق ميرديان القاهرة هيليوبوليس تمت فيه مناقشة مقترحات الحركة حيث أمكن التوصل في نهاية المطاف الي الصيغة النهائية لميثاق التجمع الوطني الذي اصبحت الحركة بموجبه عضوا في التجمع الوطني . وبالفعل فقد كان يوم 15 مارس عام 1990 يوم إنتظام الحركة في التجمع الوطني ويوم توحيد القوي السياسية والجنوبية لأول مرة في جبهة واحدة ضد حكومة الإنقاذ . من الشخصيات التي شاركت في تلك الإجتماعات ممثلة لفصائلها والتي إعتبرت أن إعلان إنضمام الحركة إنجازا تاريخيا السادة المرحوم الدكتور عزالدين علي عامر عن الحزب الشيوعي السوداني السيدان محمد الحسن عبدالله يس والدكتور أحمد السيد حمد عن الحزب الإتحادي الديمقراطي الدكتور منصور خالد والدكتور لام كول والسيد دينق ألور عن الحركة الشعبية كماشارك من حزب الأمة المرحوم الأستاذ الفاتح محمد سلمان , مأمون شرفي ,صديق بولاد , حسن أحمد الحسن , د سليمان الدبيلو وصلاح جلال . في ضوء هذا النجاح الذي تحقق في القاهرة رأت الحركة وحزب الأمة إستكمال مباحثاتهما التي بدأت في أكتوبر عام 1989 بأديس أبابا والتي قادت الي إنضمام الحركة لتجمع المعارضة الشمالية حيث شكلت الحركة وفدها للتفاوض مع الأمة والذي ضم في عضويته أعلي مستوي من قادة الحركة وهم الدكتور جستينياك , نيال وليم دينق , لوال دينق لوال , ماريو مور والكوماندر جيمس واني لتبدأ سلسلة من الحوارات واللقاءات والإتفاقات .
بدأت حكومة الإنقاذ تحركا مضادا بدأته بطرابلس حي إستطاعت التأثير المباشر علي القيادة الليبية التي إستحسنت بدورها الدور الذي لعبه النظام لإرضائها من خلال عمليات الإغراء التي حرك بها غرائز وتطلعات القيادة الليبية من خلال تبني الشعارات القومية ومقولات الكتاب الأخضر وإعلان إستعداد الخرطوم للدخول في وحدة إندماجية مع ليبيا علي أساس ان يكون النظام السياسي في السودان هو نظام المؤتمرات الشعبية وقد هتف وفد النظام السوداني الذي قدم الي طرابلس للثورة الليبية وقائدها الأممي وماكان للأسلوب الذي إستخدمه النظام السوداني ليفشل في مسعاه حيث أدارت القيادة الليبية في تلك المرحلة ظهرها لحلفاء الأمس دون إغلاق الباب تماما فإنصرف المعارضون الي أديس أبابا حيث نظم حزب الأمة إجتماعا لأول لقاء مشترك يضم فصائل المعارضة الشمالية والجنوبية في العاصمة الأثيوبية وذلك للنظر في برنامج عمل المعارضة وتصوراتها للمستقبل السياسي والإقتصادي في السودان وتنادي المعارضون الي الهضبة السمراء حيث كان هو أول إجتماع مشترك حضرته فصائل المعارضة حيث مثل الحركة الشعبية فيه الدكتور جون قرنق علي رأس وفد ضم من قادة الحركة منصور خالد ودينق ألور والأخ ياسر عرمان ونيال دينق وآخرين فيما مثل الحزب الشيوعي الدكتور عزالدين علي عامر ومن حزب البعث الإستاذ تيسير مدثر ومن الأمة مبارك المهدي ومهدي داؤود وحسن احمد الحسن ونصر الدين الهادي وصديق بولاد ونسبة لعدم وجود ممثل للحزب الإتحادي فقد قام الدكتور جون قرنق بأبلاغ السيد محمد عثمان الميرغني بوقائع وقرارات الإجتماعات والتي تمخضت عن عقد مؤتمر دستوري مصغر وترجمة ميثاق التجمع الوطني الي برنامج عمل سياسي وتشريعي مفصل يكون أساسا للحكم في السودان ويقوم علي أساس الديمقراطية وإرساء دعائم السلام العادل في السودان . في ذلك الإجتماع برزت لأول مرة ضرورة وضع برنامج سياسي وتشريعي متكامل يتحدد علي أساسه مستقبل البلاد ويجمع بين القوي السياسية في الشمال والجنوب يكون صماما لوحدة البلاد التي تعاهد الجميع علي صيانتها .
منذ مطلع التسعينات وحتي اليوم عبرت مياه كثيرة تحت الجسر تغيرت فيها المواقف وتبدلت فيها التحالفات فأدارت الخركة ظهرها لحلفاء الأمس الذين لايزال البعض منهم حتي الآن لايريد تصديق ذلك مجتهدا في صنع المبررات ومنهم من يمني النفس بأضغاث أحلام . ورغم عشرات بل مئات الإجتماعات التي إنتظمت فيها الحركة مع القوي السياسية الأخري داخل التجمع وخارجه بدءا بإجتماعات أديس ابابا عام تسعين ومرورا بمؤتمر القضايا المصيرية عام خمسة وتسعين ومابينهما ومابعدهما في أسمرا والقاهرة ولندن ونيروبي وواشنطن وطرابلس وغيرها من العواصم ورغم الوعود التي قطعتها الحركة علي نفسها في تلك الإجتماعات بالعمل من أجل وحدة السودان إلا أن تلك الإلتزامات تتواري اليوم أمام الإتجاه نحو انفصال مشهود دوليا في الوقت الذي تتراجع في الدولة السودانية الي دويلات علي الطريق ولاتجد الحركة حرجا في تشجيع مشروع الدويلات الإثنية بأسم العدالة تارةوتسلط المركز تارة أخري . إن الإتطلاع علي جوانب من وثائق المعارضة السودانية في عقد التسعينات فقط بين الحركة الشعبية وحلفاء الأمس في المعارضة من حيث العهود والإلتزامات التي قطعتها الحركة علي نفسها بالعمل من أجل وحدة السودان مقارنة بمواقف الحركة اليوم يوضح بجلاء أن التنكر للعهود والمواثيق ليس سمة لأهل الشمال كقوي سياسية وإجتماعية كما يدعي معظم المثقفين الجنوبيين في نقدهم لمواقف القوي السياسية السودانية الشمالية بل هو في أسوأ الفروض سمة للجميع وهو ماسنعرض له لاحقا . لقد تعاملت القوي السياسية السودانية في الشمال مع الحركة الشعبية منذ كوكادام وحتي قبول الأمر الواقع في نيفاشا بقدر كبير من المسؤولية والرغبة في رد المظالم السياسية والإقتصادية والإجتماعية للجنوب ولمعظم أرجاء الوطن علي أساس أن هذا الوعي والإلتزام يقود الجميع الي العيش في وطن واحد موحد يتساوي فيه الجميع دون تمييز إلا أن التطورات الدولية وتصاعد الأنشطة المدنية في أمريكا والغرب المسيحي قد أغري الحركة بماهو أكثر من العدل أي الي ظلم الآخرين بعد أن ساهمت في تحويل القوي الشعبية والمدنية السودانية من حلفاء الأمس الي مجرد ضيوف في وطنهم وهنا تلاقت رغية الحكومة والحركة في تهميش الآخرين بتشجيع من أوصياء الغفلة من ذوي الطول والسلطان كل حسب أجندته الخاصة . وها هو الوطن يحترق من أطرافه ويتبعض الي دويلات إن آجلا أو عاجلا تحت شعارات تقرير المصير وقسمة الثروة والسلطة فيما يحترق المواطنون من عقوق الأبناء ونيراهم سواء من الذين يعارضون أو الذين يحكمون ومن هجير الشمس في غرب الوطن حروب جاهلة كحروب داحس والغبراء يدفع ثمنها الأبرياء الذين رضوا بشظف العيش وعاشوا قناعة الصابرين لحساب من يحدث كل هذا ؟
|
|
|
|
|
|