|
أهل الاسلام السياسي في السودان يعترفون حسين الزبير
|
ظل الناس في السودان يوصفون ايدولوجية الاخوان المسلمين بالاسلام السياسي ، و كان ينبري لتفنيد هذا (الكلام الفارغ) الدكتور امين حسن عمر قائلا ( لا اعرف من اين اتوا بهذا الكلام؟) فالاسلام منهج كامل لا يتجزأ. و انا اتفق مع الدكتور ان الاسلام منهج لحياتنا في الدنيا و به تطمئن قلوبنا في الآخرة و يسهل علينا السير فوق الصراط المستقيم.
لكن الاسلام المعني هنا هو الدين القيم الذي يحرم قتل النفس الا بالحق ، و يحرم الظلم و قطع الارزاق، و يحرم الفساد و سرقة المال العام ، و من مبادئه ان من قتل نفسا بغير حق كانما قتل الناس جميعا ، و كذلك من احي نفسا واحدة كانما احي الناس جميعا. و اهل الاسلام السياسي ، خصوصا القيادة مدعوون لزيارة مستشفيات العاصمة لكي يقفوا علي احصائيات الانفس التي تقتلها سلطة الانقاذ يوميا لانعدام الادوية المنقذة للحياة و لانعدام "بروتوكول" طبي يجعل ممارسة الطب ممارسة مهنية وفق اصولها التي كانت تدرس في جامعة الخرطوم و تطبق في مستشفي الخرطوم التعليمي الذي "يشلع" اليوم بختم الدولة. الاسلام الذي هو منهج الحياة هو الاسلام الذي تنهي صلاته عن الفحشاء و المنكر ، و تردع قوانينه ضعاف النفوس المتبعين الشهوات.
و اليوم اعترف اهل الاسلام السياسي بان الاسلام الذي يعنونه هو الاسلام السياسي ، و لهم فيه براءة اختراع لنموذج سوداني خالص (unique) تجربة فريدة يقدمونها للعالم الاسلامي! ( و لا يا ربي للعالم كله!!) و بالضرورة هذا النموذج هو ذاك الاسلام الذي نتج عن تجربة خمسة و عشرون عاما من ديكتاتورية الانقاذ. و تاريخ هذه التجربة يقول انهم بدأووا بالتمكين حيث شردوا الآلاف من العاملين و بذلك شردوا الآلاف من الاسر، و انشأووا اسوأ السجون و اذاقوا فيها الناس صنوف العذاب التي لم يعرفها اهل السودان يوما ما! ليس ذلك فحسب بل غيبوا المهنية و المؤسسية في حكم الناس و ادارة الخدمات الاساسية، اي التعليم و الصحة و الزراعة، حتي اصبحت جامعاتنا لا يعترف بشهاداتها في المحافل الاكاديمية و لا في سوق العمل، و اصبح العلاج لمن استطاع اليه سبيلا تماما كالحج! اما الفساد فتكفيني شهادة الاستاذ الصادق عبد الله عبد الماجد الذي قال انه و قد عاصر كل الحكومات التي جاءت بعد الاستقلال و لم يشهد حكومة احتواها الفساد و غرقت فيه كما حدث لحكومة الانقاذ! بالله عليكم هل هنالك رجل عاقل يقدم هذا المسخ نموذجا للآخرين؟!! كما كان يقول اجدادنا النوبيون "هذا ليس بمكتوب و لا في حجاب الغراب". (كوقن شولقون دامو!)
عندما نقول ان ايدولوجية الاخوان المسلمين اسلام سياسي ، نعني انه الاسلام الذي يخاطبون به عقول و قلوب البسطاء العامرة بالايمان و التقوي ليحققوا اهدافهم ، اي الوصول للسلطة و عزل الآخرين ، و الانفراد بخيرات البلاد لانفسهم و لمن والاهم بحجة انه رزق ساقه الله اليهم! هل فعلا تصدقون ان اعدل الحاكمين ارسل اليكم خير السودان لتعيدوا سيرة هارون الرشيد في قصوركم و تكتنزوا مليارات الدولارات في ماليزيا؟! كلا هذا مكر مكرتموه منذ النصف الاول من القرن العشرين و لا ادري لما لم تقع عينكم علي الآية :} وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الانفال 30).
الذي نريد ان نقرره ان استخدام الاسلام كايدولوجية سياسية ، امر لا يتسني لاحد في عالم اليوم الا اذا كان شبيها بعمر بن الخطاب ، في العدل و الشفافية و حماية بيت المال و الخوف من عقاب الله لو عثرت بغلة في العراق ، ناهيك عن تعثر النساء امام المستشفيات فيمتن و يزيدون عدد الاطفال المعوقين!! حتي و ان وجدنا ابن الخطاب بينكم لما تيسر له التعامل مع الدول و لا التعامل في تطبيق اقتصاد متعاف في زمن العولمة و النظام المصرفي العالمي. و الرسول عليه افضل الصلاة و السلام وجهنا بالتعامل في امر دنيانا بمعطيات الدنيا المتشعبة اليوم سياسيا و اقتصاديا ، فقال (انتم ادري بامر دنياكم)!
لكن اهل الاسلام السياسي ، لامر في نفس يعقوب ظلوا يخاطبون عواطف المسلمين، حتي وصلوا للسطة و الثروة ، فخلعوا اقنعتهم ، (ورونا اهدافهم علي عينك يا تاجر) فمزقوا البلاد ، و عذبوا العباد، و دمروا كل البني التحتية التي ورثناها عن الاستعمار و طورناها، اثقلوا كاهل الاجيال القادمة بالديون و بمسؤولية بناء دولة من الصفر تماما كدولة اريتريا التي بنيت علي انقاض الحرب الطويلة. ظلوا يمنون الناس بانهم سيطبقون الشريعة السمحاء، و لا ادري اين طبقت هذه الشريعة؟!!
زيف ادعاء اهل الاسلام السياسي ان ما يعملون (هي لله لا لدنيا قد عملنا) امر لا يغيب عن فطنة تلاميذ مدارس الاساس. لكن المذهل انهم يريدون ان يقدموا تجربتهم هذه "كعبقرية سودانية" للآخرين!!
لاول مرة عند قراءتي لهذا الخبر، اصبت بالدهشة و الذهول، و بعد تفكير طويل في تاريخ الاسلام السياسي في السودان ، و ما يحدث اليوم في الساحة السياسية المؤتمرية من تصريحات غريبة يصح وصفها (بانهم بيطمنوا في انفسهم) او لا يصدقون الواقع ، وصلت لقناعة ان اهل الاسلام السياسي عندما وجدوا الواقع اصعب من ان يصدقوه ، احتاروا حتي قادتهم الحيرة الي الانفصام ، او ما يسميه الفرنجة ( الانفصام السياسي Political Schizophrenia ) و ربما يكون هذا موضوعا لمقال آخر.
رب لا نسألك رد القضاء و لكنا نسألك اللطف فيه. وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي اشرف الخلق و المرسلين.
|
|
|
|
|
|