عليك في كل صباح وأنت تقرأ الأخبار وتصريحات المسؤولين أن تتحسّس رأسك، لترى إن كان دماغك في مكانه، وهل لا يزال يعمل أم لا. ربما ليس لديك شكٌ ذاتيٌّ في أنّ عقلك في تمام صحته وصلاحيته، لكن بعض ما يقال لك يشكك في ذلك، لأنّ من يتحدّثون إلينا يفترضون بشكل ما إما بأننا بدون عقول، أو أنّها قد فقدت الصلاحية ولم تعد صَالحةً للاستعمال. السيد مساعد رئيس الجمهورية يُصرِّح علناً، وليس سراً، بأن ليس هناك معتقلون سياسيون بالبلاد، تتلفت يميناً ويساراً ثم تبدأ في استذكار أسماء العشرات ممن تعرفهم شخصياً وتعرف أُسرهم ومنازلهم، من الذين تم اعتقالهم وتغييبهم ولا يعرف أحدٌ أين هم ولماذا اُعتقلوا. ثم تفاجأ صباح يوم آخر بأنه صدر قرارٌ بإطلاق سراح هؤلاء المُعتقلين، الذين لم يكونوا معتقلين، بحسب مانشيت صحيفة ساخرة تصدر في صفحات التواصل الاجتماعي. وقبل إطلاق السراح يتحدث قيادي بالمؤتمر الوطني في إحدى الصحف بأنه ليس هناك معتقلون، وإنما متهمون بجرائم جنائية، فيخرج هؤلاء ويصرحون بأنه لم يتم سؤالهم ولا عن أسمائهم، يحدث ذلك وكل من صرح بالعبارات السابقة يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، ويلاعب أطفاله، ويُمارس التصريح من جديد، ولا يبقى أمامك سوى أن تتحسّس جمجمتك وتغني "نحن هل جنينا"...! ومن قبل، وفي مُحاكمة قيادي كبير بالحزب الحاكم بالتصرف في أموال عامة، كان دفاع المتهم بأنّ هذه الأموال مُنحت له من الرئاسة لتدريب إعلاميي الحزب الحاكم، وعلينا أن نقبل أنّ أموال الرئاسة هي أموالٌ خاصّةٌ بالحزب الحاكم ومنسوبيه، علناً وأمام محكمة عدلية، وليس ثمة خجل أو حياء. ثم تقرأ صحيفة أخرى فتجد خبراً عن الحكم على عدد من الشباب بتهمة "ممارسة" لعبة الليدو في موبايل أحدهم...؟ وضع خطين تحت كلمة ممارسة هذه.. شباب يجلسون في مكان ما يتابعون لعبة ما في موبايل شخصي، ليس ملكاً للحكومة ولا القطاع العام ولم يحصل عليه الشخص في الحصة التموينية. من البداية لا نعلم بأيِّ قانون يعطي الأجهزة الشرطية حق تفتيش التليفون الشخصي لمواطن ما.. هذا شبيه بتسور المنازل لمعرفة ما يدور بداخلها، ومن يفعل ذلك، وبغض النظر عَمّا وجده، يفترض أن يُحاكم بتهمة انتهاك الخُصُوصية والتطفل والتعدي على حُرية الآخرين. وقد فعلها رجل في مواجهة الخليفة العادل عمر بن الخطاب، ولم يهب أن يعدد للخليفة الجرائم التي ارتكبها حين تسور منزلهم وراقبهم وتجسس عليهم، فانسحب الخليفة العادل آسفاً ومعتذراً. ثم حين مثل هؤلاء أمام القضاء، فبأي مادة وأي قانون تمّت مُحاكمتهم، ومن المؤكد ليس هناك نص قانوني يمنع اللعب بشكل عام أو لعب الليدو تخصيصاً، فهل حاكموهم بإضاعة الوقت واللهو والعبث؟ وإن يكن فهل هذه جَريمة؟ هذه كلها بعض وقائع من عالم اللا معقول، لا يُمكن أن تتم في مجتمع يتمتع أفراده بتمام العقل ووجود المخ في مكانه، ولا تملك إزاءها، مرة أخرى سوى أن تصحو وتنام يومياً مردداً الأغنية الشعبية "نحن هل جنينا... أم عقولنا نصاح"؟!. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة