|
أمريكا – المتهم الأول في الجريمة بقلم سليمان عبد الكريم جدو
|
09:16 PM Apr, 28 2015 سودانيز اون لاين سليمان عبد الكريم جدو-جامعة جورج مسيون – واشنطن -الولايات المتحدة الامريكية مكتبتى فى سودانيزاونلاين
في السودان وكغيره من دول العالم الثالث، ومنذ ريعان شبابنا كنا ومن بعدنا اجيال آخرين نجاهر برفضنا للواقع الأليم. نتظاهر ونردد هتافات وشعارات متكررة ومتأصلة عندنا أصالة الحكومات الشمولية وعادة ما تكون مرتبطة باتهام أمريكا بالخيانة والطغيان – وتبدأ الهتافات لا – لا – لا للإمبريالية في الشوارع، وتنتهي بدعوات التمني لها بالهلاك “اللهم أهلك أمريكا وأهلها الكفرة الفجرة وأدخل رؤساءها نار جهنم." وبالرغم من تردادنا وغيرنا لهذه الهتافات بوعي أو بغير وعي لمرادها، إلا أننا نذهل لكون ذات الحكومات تركض بشدةٍ نحو إرضاء أمريكا وتسعى دواماً لاكتساب ثقتها برغم أنها هي ذات العدو المعني بتلك الهتافات وذاك المتهم الأول في كل الازمات التي تعانيها دول العالم الثالث. من المواقف التي لا أنساها أني حينما كنت أدرس بالصف الأول المتوسط شاهدت إحدى الصحف اليومية وقد كتب عليها في إحدى عناوينها وبالخط العريض لا – لا – لا للفاشية. لست أدري لكن اجتذبتني تلك العبارة ولم أتردد في تكرارها في ذهني وبين أقراني في الفصل رغم عدم علمي بمرادها بوصفها إحدى الثقافات الموروثة. و لا أدري ربما لسوء حظي، حينما طلب مني أستاذ اللغة العربية أن أدخل كلمة " لا " في جملة مفيدة فوجدت نفسي تلقائياً أجيب (لا للفاشية .....) وقد تصادف أن أستاذي كان مما يسمى بالتيار التقدمي فثار غاضبا ولم يأخذ بالمثال الذي اجتهدت فيه كثيرا. إلا أنني ومن تلك اللحظة أدركت ان" اللاءات" قد تختلف وتتغير مع الريح وفلابد أن نعي الوجهات التي تقصدها الرياح أغربية شرقية هي ام شرقية غربية؟ . وتمادياً في الجهل بتلك الوجهات ومراد هذه "اللاءات " استمر حالنا على ما كان عليه من خلط لمعاني "لاءاتنا "، وفي منتصف الثمانينات اشتريت حذاءً خاصا للمظاهرات يمكنني من الكر والفر وترديد ما يمليه علينا الشارع من اللاءات. فابتدأنا هتافاتنا هذه المرة من داخل جامعة الخرطوم وكانت لا-لا-لا للدكتاتورية والتي سرعان ما تحولت إلى لا-لا-لا للإمبريالية حيث أن الرئيس جعفر نميري (رحمه الله) كان يتعالج في أمريكا آنذاك. كلما ثارت شعوب ضد حكوماتها الديكتاتورية بادرت الحكومات نفسها بتعبئة و استنفار أعوانها و منتفعيها للخروج الي الشارع سابقين الثوار أنفسهم ليرددوا ذاك المألوف و الموروث القديم المتجدد " لا– لا – لا ... " لتجعل بذلك الرياح تهب وصولا لمبتغى تلك الحكومات بأن يتحول غضب أولئك الثوار محملين فشل حكوماتهم و فسادها لأمريكا و لتستمر تلك الهتافات و اللاءات دون وعي لأبعادها و مرادها و مؤلفها ويهتف الصارخون " لا – لا – لا للإمبريالية" ، " لا – لا- لا- للرأسمالية " ، " لا - لا - لا للدكتاتورية " و تارة اخري " لا – لا – لا للرجعية و لا – لا- لا للفاشية و لا – لا - لا للشيوعية ولم تنجو حتي قوات محمد نور سعد التي دخلت الخرطوم في السبعينات وأطلقت عليها "مرتزقة". فطلعت مظاهرات تندد " لا – لا – لا للمرتزقة ". ووقف الشعب حائرا من كثرة اللاءات فاختلط عليه اتجاه الرياح وسرعان ما تدافقت الاحزاب للمشاركة في الحكم وبدأ الصراع الحزبي المغلف بالدكتاتورية وتوج الصراع بمبايعة الذي كنا نحسبه دكتاتورا، الي ان يصبح اميرا للمؤمنين. (اللهم لا اعتراض في حكمك، تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء.) لم يستمر امير المؤمنين حينا من الدهر حتى قال الشعب كلمته وطوي ذلك الدهر لتبدأ الديمقراطية " الحلم الذي لم يتحقق بعد." اطمئن الشعب للتحول الذي طال انتظاره وانصرف لخدمة الديمقراطية بجد وإخلاص. ولم يدر بخلد هذا الشعب المسكين بان هنالك متربصين وعيون لا تنام حتى تقتلع الديمقراطية وتقدمها قرباناً للدكتاتورية. لم تستمر الديمقراطية غير بضعة أعوام من الزمان ليأتي تقلب تلك الرياح المشحونة بإرادات المغتصبين للشرعية لتستغل جهل وسذاجة بعض المروجين يشحذهم أصحاب المصالح ليظهر من جديد شعار مجابهة أمريكا وبطابع مختلف في هذه المرة: أمريكيا قد دنا عذابها ... والطاغية الأمريكان لكم تسلحنا بي قول الله وقول الرسول ....... ولن نذل ولن نهان ولن نطيع الأمريكان ... و و و مما لا يحصره قلم في مقال . وقد شملت الهتافات كذلك كندا المسكينة التي هجرها معظم مواطنيها من شدة البرد. فوقفت’ مندهشاً بل مذهولاً !! الم تكن تلك هي امريكا التي تعلم فيها هؤلاء النفر والذين يهتفون وتسلحوا لهلاكها!!؟ ومنهم من يحملون جنسية تلك الدول؟ اللهم يا مبدل اتجاه الرياح ثبت قلوبنا.!! في دول العالم الثالث تتغير السياسات واتجاه الرياح بين غمضة عين وانتباهها لتستحوذ على فكر وإرادة الشارع المسكين والمواطن المغلوب على أمره وليخدم غايات تلك الحكومات الدكتاتورية. وقد بدأت ملامح التغير في الشارع الذي صار ينادي بلا –لا – لا للطائفية و لا- لا -لا للحزبية والتي هي بصورة او باخري تقنيين للدكتاتورية وتثبيت لنظام السلطوية ، والتي غالبا ما ترتفع فيها نسبة الفساد . وعلى اية حال فالمشاركون في هذه المظاهرات عادة هم من طلاب المدارس وبعض الشباب الباحثون عن العمل والعمال و الذين في معظمهم إن لم نقل كلهم مسيرين إما بالترغيب في الإجازات و العلاوات و الترقيات و الرضى العام هذا لفئة الموظفين و الطلاب و بإغراءات التعيين لفئة العاطلين عن العمل ،او بالترهيب لقمع النفس أو الإرادة أو حتى تصنيف الممتنع بأنه في خانة المغضوب عليهم و بفعل هذه السلوكيات ضعفت قدرة الأحزاب فأُذيبت همتهم وانزوت قياداتهم فانقسمت صفوفهم بالمغريات والترهيب و خضعوا لإرادة البغيض وبذلك فقد اختفت وتخلفت عن موعد الصمود والتصدي والمواجهة ليأتي أحد القيادات في ميدان ابو جنزير ويجد المكان خاليا من القيادات الأخرى ويكتب متحسرا "حضرت ولم اجدكم". ومع كل ذلك مازال الشعب يخرج الي الشوارع ليردد الهتافات المألوفة وغالبا ما تكون مناوئةً للحكومات وينتج عنها جعل الاحتكاك مع قوات الاحتياطي المركزي ورجال الأمن أمرا حتميا. وتماشيا مع أتجاه الرياح وإرادة القدر توجهت غربا هذه المرة وكنت مستغربا حينما وجدت مظاهرات تحرسها الشرطة والمشاركون فيها رجال اشداء هم أكثر بدانةً مما تعودنا عليه وسيدات يهتفن بهدوء وثقة ويحملن لافتات تعبر عن آرائهم. وتجتمع النساء في حلقات مترابطة ليشكلن بذلك سدا قويا، لا لخوفهم من غازات مسيلة للدموع او تحوطا من بطش الاحتياطي المركزي او رجال الامن الذين دائما ما يتنكرون وسط المتظاهرين ولكن بهدف إظهارهن لصلابة الرأي وتمسكهن به. وفي هذه المظاهرات يشارك القوي والضعيف، الكبير والصغير وكافة فئات المجتمع، لا يحتاجون لحذاء خاص لأنهم وحكوماتهم يؤمنون بأن المظاهرات حق مشروع لا يحتاج لجري ولا لخوف كما عهدناها في بلادنا. فهنا الريح لا تتغير بين ليلة وضحاها بل بعد دراسة وتمعن ولا يتمنون هلاك الغير ولا يصفونهم بالخيانة والتجريم، بل غالبا ما يطالبون حكوماتهم بمساعدة المتضررين والفارين من ويلات حكومات بلدانهم. وحينما كانت أزمة دارفور في قمتها وجدت إحدى المشاركات في مظاهرة تخص قضية دارفور بمدينة - فورت وين- و هي مدينة صغيرة وسط ولاية انديانا الامريكية استغربت شكلها ، فدعاني الفضول لسؤالها : ما الذي تعرفيه عن دارفور؟. فأجابت: فقالت لا اعرف الكثير ولكن يوجد في هذه المدينة مواطنون أمريكان أصولهم من دارفور-واجب علينا الوقوف معهم في محنتهم وقد علمت ايضا بأن هنالك امرأة تعاني وطفل جائع في دارفور والسودان فلما لا.. !!. ان مشاركتي هذه ابسط ما يمكن ان أقدمه لشعب دارفور كما قدمنا لشعب رواندا من قبل وافريقيا. وجئت هنا لأناشد حكومتي أن تساعد هؤلاء فهم اخوة لنا في الانسانية. !! الإنسانية تلك الكلمة التي صارت مفقودة في معاجمنا وبترت من أذهاننا وأقصيت عن اهتماماتنا. فاذا تعسر الاقتصاد وانعدمت قطع الغيار فتحطمت طائرة في نهر السوباط. وعندما لا تتمكن حكوماتنا من دفع المرتبات لعمالها وحينما يتوجع الشعب ويفقر ويقهر فإن مرجعية ذلك كله للمقاطعة الاقتصادية الامريكية المتهم الأول. ليس لفساد و لا لخيانة من قادة حكوماتنا ..!!. فلسان حالهم يقول: الأمر بيننا في حكومة السودان شورى. فاذا خضنا الانتخابات فإنا فائزين برغم أنف هذا الشعب .. !! وإن قاطعها شعبنا فلا يهم لأننا نحدد أتجاه الريح. لأجل كل هذا تسلحنا لك يا أمريكا فان لم ترفعي عنا العقوبات المفروضة جزافا علينا فقط لأننا نتمسك بالحكم حتى لو استدعى الأمر هلاك شعبنا وحتى لو استدعى تمزيق أرضنا، وحتى لو استدعى تشريد طفلنا ... فشعبنا سيظل يردد "اللاءات " غير مدركين وسنظل ندعو بهلاكك. فإلى متى يا شعب نقبع للواقع الأليم ساكنين وغير مدركين...؟؟ و متى نقول لا ...... بحصافة و دراية .. د. سليمان عبد الكريم جدو mailto:[email protected]@hotmail.com
|
|
|
|
|
|