لا يفتأ حزب المؤتمر الوطني بكل مُستويات قيادته، يزودنا كل يوم بألغاز تتطلب جهداً في حلها، وإن كان بعضها يبقى بلا حل. خلال الأيام الماضية انتشرت دعوة لعصيان مدني جديد يوم 19 ديسمبر، ومن المفهوم أن يكون للمؤتمر الوطني مَوقفٌ منها، فهو الحزب الحاكم، وأيّة محاولة للتغيير تعني بالضرورة أنها تستهدف سلطته المطلقة. تصريحات المؤتمر الوطني تجاه هذه الدعوة تشبه حكاية المرأة التي قيل لها إن زوجها قد تزوّج عليها، فردّت ببرودٍ أنّ هذا الأمر لا يهمها في كثير أو قليل، "فأولادها في الزريبة وغنمها في المدرسة". المؤتمر الوطني قال لعضويته أن لا تهتم بالدعوة، لأنّها مجرد شائعات إسفيرية، وتحدى القائمين عليها أن يجدوا استجابةً من الشعب. السيد نائب رئيس الحزب قال بالحرف: (نحن واثقين وعارفين الفضاء والخيال ما بيعمل حاجة وما في زول حيجيهم). هنا تتطابق إجابة المؤتمر الوطني مع إجابة المرأة (لا يهمني في كثير أو قليل). وبطريقة برنامج (الشروق مرت من هنا) الذي يقدمه الممثل الكوميدي محمد موسى (نسجِّلا ليك إجابة). لكن سُرعان ما تأتي إفادات أخرى في نفس التصريح تقول بأن الوطني سيُكوِّن غرفة عمليات خاصة وسيطلق حملة إسفيرية لمواجهة دعاة العصيان وإخراس ألسن أعداء الوطن.. أرجو أن تكملوا بقية المُطابقة..! طيِّب إما هي دعوة مؤثرة تستحق الانتباه والاستجابة بحملة مُضادة، أو هي خيال وفضاء إسفيري لا علاقة له بالواقع، إذ لا يُمكن الجمع بين الإفادتين في تصريحٍ واحدٍ ومن شخصٍ واحدٍ. ثم في تقييم ما حدث يوم 27 نوفمبر يأتي اللغز الأكبر، فقد قال سيادته إنّ توافد المُوظّفين للعمل في دواوين الدولة في ذلك اليوم (تضاعف) عن الأيام المُعتادة. هل يعني هذا أنّ هناك مجموعات من غير المُوظّفين تطوّعت للعمل في دواوين الحكومة في ذلك اليوم بالإضافة للموظفين الرسميين، من أين أتى هؤلاء؟ هذه طريقة معروفة في النفي الحكومي، إذ لا يكتفي بالقول إنّ العمل في الدواوين لم يَتأثّر، وإنّما لا بد من إضافة بهارات وعبارات تصعيدية تصل لحدّ المُبالغة، ولا يهم إن كان يُمكن تصديقها أم لا. أخطر ما في التصريحات هي المُطالبة بنقل الاحتجاج السلمي إلى نقطة تصعيدية بدعوة المُعارضين إلى (الخروج للشارع ومواجهة عضوية الحزب). من الغريب أن يكون المؤتمر الوطني هو المطالب بهذا التصعيد، وهو يعلم مآلاته ونتائجه، بل أكثر من ذلك نعلم إن حدث ذلك فهو الذي سيُبادر باتهام الآخرين بالتصعيد والتخريب. جميعنا يعلم أن لا مساحة مُمكنة في البلاد للتظاهر السلمي والخروج للشارع، ولنا في دروس سبتمبر 2013 عظة وعبرة، وكيف وُوجه المُتظاهرون بعنف لا مثيل له حتى بلغ عدد الشهداء 200 من الشباب والأطفال بتقديرات المعارضة، و80 بتقديرات الحكومة. تبدو الجهات الداعية للعصيان أكثر عقلانيةً وأكثر حرصاً على الهدوء والسلام من الحزب الحاكم، وفي هذا تناقضٌ لا سقف له. إن كان المؤتمر الوطني لا يزال يعتبر نفسه حزباً سياسياً، فإنّ الأزمات السياسية تتطلب حلاً سياسياً، لا غير. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة