رويت لكم في سياق سردي لزيارتي إلى جمهورية "تركيا" ما قاله لنا وزير المالية والاقتصاد التركي السابق (ويشغل حالياً رئيس حزب العدالة والتنمية).. عندما سألته .. ما هي كلمة السر التي بها استطاعت تركيا إنجاز النهضة الاقتصادية التي حولتها إلى قوة عالمية عظمى.. وكانت دهشتي كبيرة حينما رد بكل بساطة.. (بدأنا بحقوق الإنسان)!. قد يبدو غريباً أن تبدأ خطة الانطلاقة الاقتصادية التركية من منصة (حقوق الإنسان) فربما كثيرون يرون أن حقوق الإنسان ليست إلا عبارة سياسية لا علاقة لها بالاقتصاد والنهضة.. لكن الوزير التركي أسهب بعد ذلك في شرح العلاقة الطردية بين حقوق الإنسان والنهضة الاقتصادية.. فكلمة (اقتصاد حر) لا تعني محض تحرير الأسعار.. بل يقصد بها الحرية بكل معانيها.. وأي تبعيض ينسفها نسفاً. ولهذا يدهشني أن أرى الحكومة تتملص من وعودها بتنفيذ حزمة التعديلات الدستورية التي أقرّها الحوار الوطني في باب الحريات وحقوق الإنسان الأساسية.. فهي- أصلاً- حقوق واردة في الدستور.. حتى دون تعديل الدستور متوفرة بما يكفي.. ومع ذلك تبدو الحكومة في حالة استدارة كبيرة حولها؛ لتجنب الالتزام بفتح أبواب ونوافذ الهواء الطلق. كيف يمكننا الخروج من نفق الأزمة الاقتصادية، فضلاً عن البحث عن النهضة، إن كانت حقوق الإنسان الأساسية، وعلى رأسها الحريات أمر ثقيل على صدر الحكومة تجتهد في تأجيله؟. ما هي المشكلة في أن تفتح الحكومة أبواب الحريات على مصراعيها؟، فيصبح الضمير- وحده- هو السقف.. وتترك للقضاء حسم نزوات الانفلات، وإساءة استخدام الحقوق والحريات؟. بكل يقين؛ الحريات تساعد في مزيد من إضاءة الملعب العام.. وتكشف جميع جوانب المشهد؛ لتوفر للشعب السوداني صاحب الأرض والوطن القدرة على مراقبة ومحاسبة كل من يتولى الأمر العام. لن نحتاج إلى قانون مكافحة الفساد ولا المفوضية.. فالأنوار الكاشفة تكف نوازع النفس الأمارة بالسوء، وعندها تستقيم الدولة باستقامة ذمم أبنائها. من الأجدر قبل تشكيل الحكومة الجديدة أن تعلن الحكومة حزمة إجراءات في مجال الحريات، وحقوق الإنسان.. تأكيد الالتزام بالدستور – بلا حاجة إلى تعديله- خاصة في الباب الثاني المتعلق بالحقوق الأساسية للإنسان. الحريات وحقوق الإنسان مفتاح النهضة، والخروج من نفق الأزمة السياسية، والاقتصادية.. بل حتى علاقاتنا مع المجتمع الدولي تتطهر من أدران العقوبات والمقاطعات والإدانات الدولية إن نحن أعلينا من قيمة إنساننا .. وحقوقه الأساسية.. وكرامته. لماذا يصعب على الحكومة احتمال حقوقنا؟. أترك الإجابة لكم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة