|
أعداء أعدائك ليسوا أصدقاءك بالضرورة يا عثمان ميرغني! محمد وقيع الله
|
أعداء أعدائك ليسوا أصدقاءك بالضرورة يا عثمان ميرغني! محمد وقيع الله
التفكير الجزئي مع انعدام البصيرة السياسية هو الذي دعا كاتبا مثل الأستاذ عثمان ميرغني إلى إضفاء التقدير والاحترام مع الثناء المستفاض على الحزب الشيوعي السوداني زاعما أنه حزب مبدئي يستحق الاحترام بل هو أكثر حزب سوداني يستحق الاحترام من وجهة نظره! ومع أن الكاتب استخدم منظاره الجزئي الخاص إلا أنه اندفع اندفاعا شموليا ليقول إن ذلكم هو المنظار الصحيح الحق الذي ينظر به كل من يتابع أمور السياسة السودانية. فقال: " المتابع لمواقف الحزب الشيوعي السوداني في المشهد السياسي الماثل أمامنا لن يجد سوى احترام (المبدئية) التي تتصف بها مواقفه .. بما في ذلك موقفه من الحوار السياسي المطروح على الطاولة الآن. الحزب الشيوعي وعلى لسان المهندس صديق يوسف قال إنه لا يتمنع من الحوار والتسوية السياسية من حيث المبدأ .. لكنه لا يرى في ما هو مقدم من جانب الحزب الحاكم أي جديد يعول على جديته .. هي مجرد بضاعة قديمة أزيلت عنها ديباجة الصلاحية لتباع في (سوبر ماركت السياسة) رغم انتهاء صلاحيتها .. ورغم أنف عدم ملائمتها للاستهلاك السياسي ". ويا لركاكة هذه العبارة الأخيرة سواء كانت من توليدات عثمان أو ممن ينقل عنه من أحبابه الشيوعيين! إن ما يسميه الكاتب بمبدئية الحزب الشيوعي في موضوع الحوار أجدر بها أن تنعت بصفة التعنت الرافض لأي مدخل أو مبدأ أو تنظيم لأجندة الحوار. حيث لا يطلب هذا الحزب إلا أقصى المطالب التي تتلخص في استسلام خصم له وتسليمه بأجدنته وتسليم السطة لقمة هنيئة سائغة له. وهكذا يفكر الحزب الشيوعي دائما إذ يعتقد أنه على الحق الذي ما بعده حق، وأنه صوت الشعب الأوحد، وربُّ الفكر الأصوب، وأنه هو الذي ينبغي أن يحكم منفردا هذا القطر. وأما أساليب مزايدت هذا الحزب برفع سقوف مطالباته السياسية فهي مما لا يخفى على ذي عِيان إلا عثمان. ومن عجب أن يذكر هذا الكاتب مزايدات الحزب الشيوعي بالحرية ويعدها فضيلة من فضائله. فهو القائل:" الحزب الشيوعي يرى أن (هامش الجدية) الذي يبرهن على صدق سياسة الحوار .. أن يفتح المؤتمر الوطني الساحة السياسية .. إطلاق سراح حرية النشاط السياسي وحريات التعبير .. وإماطة أذى القوانين المكبلة للحريات والعمل السياسي". فأي حرية ينبغي أن تُعطى للحزب الشيوعي أكثر من الحرية التي لا يمنحها أي حزب شيوعي حاكم لأي حزب سواه. فليس من معتقدات الشيوعيين الأصلية الإيمان بالحرية والديمقراطية والتعددية. ولذا تبدو مطالباتهم الملحة بالحرية من الغرائب والعجائب. ومهما يكن فقد أُعطي الحزب الشيوعي السوداني الحرية السياسية كاملة أو شبه كاملة، وسمح له بالعمل السياسي الحزبي العلني، وبفتح دوره، وعقد اجتماعاته فيها وفي غيرها بأمان. ولا يشهد حاضر الحزب الشيوعي السوداني مطاردات أو مداهمات أو اعتقالات إلا ما ندر وذلك حينما يصر على تجاوز كل الخطوط الحمر. وليس للشيوعيين حاليا معتقل سياسي قابع في بطن السجن. ومن ناحية حرية التعبير والقول فقد سمح للحزب الشيوعي السوداني بإصدار صحيفته (الميدان). وسمح لجيش صحفييه العرمرم بالعمل في الصحف اليومية الأخرى. ويرى الناظر المدقق أن مثقفيهم وعملاءهم هم الذين يسيطرون على الصفحات الثقافية والأدبية بأكثر الصحف اليومية. ومع كل هذه الامتيازات التي نالوها على صعيد الحريات فإنهم لا يعترفون بها، كما لا يعترف به بها حبيبهم عثمان. ويطالبون ويزايدون، كما يطالب ويزايد هو، بمزيد من الحريات. ومدفوعا بمنظاره الجزئي الوقتي غض الكاتب عثمان نظره عن مجمل تخطيط الحزب الشيوعي السوداني ومجمل سلوكه السياسي. وركز بصره على هذه الجزئية الظرفية الصغيرة المتعلقة بالتفاوض مع المؤتمر الوطني. واستل منها على نهج معوج هذا الحكم الإيجابي الذي أسبغه على الحزب المارق. وتناسى ما يعرفه جيدا، وما يعرفه من هو أقل معرفة منه بالسياسة والتاريخ، عن ماضي هذا الحزب وعن خططه وتوجهاته اللا وطنية. وهي التوجهات التي حركت وما زالت تحرك، من وراء ستار شفاف لا يكاد يستر شيئا، أكثر الحركات العنصرية التخريبية، التي عاثت فسادا في الجنوب وأدت إلى فصله. وما تزال تعيث فسادا وعبثا غرب بلادنا الحبيب وشرقه الحبيب. وما تزال تستخدم العامل العنصري لتهييج الأغرار. وتمزج به دعاوى التهميش المزعوم. وتروج لدعاوى التنوع العرقي والإثني واللغوي والديني لتحارب بها التوجه العربي الإسلامي للبلاد. وقد كان مما كان من مأثور هذا الكاتب الذي يتملق أقطاب الشيوعية واليسار، على هذا النحو، أن مضى بعيدا جدا في غيه وتجديفه، عندما وصف كادرا شيوعيا سودانيا بأنه صحابي تأخر ظهوره إلى وقت الناس هذا. وقد عنى بذلك شاعر التحريض على القتل، وصاحب الأبيات الشائنات التي مدح فيها انقلاب مايو اليساري الشيوعي المحمر، ودعاه لكي يكون حبالا لشنق أعداء الشيوعية واليسار! فما كانت مايو إلا حبالا لشنق زعماء الحزب الشيوعي المارق. (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ) كما جاء في الذكر الحكيم. و: (إياك ومكر السيئ، فإنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) كما جاء في الهدي النبوي الشريف. و:(من حفر حفرة لأخيه وقع فيها) كما جاء الحكمة العربية القديمة. و: (What Goes Around Comes Around!) كما يقول الغربيون الآن!
وأخيرا نقول لهذا الكاتب المتمادي في غيه إن كراهيتك للمؤتمر الوطني، الذي كنت تشايعه وتتملقه يوما ما، لا ينبغي أن تدفع بك تلقائيا لكي ترتمي في أحضان أعدائه اللُّد. ظانا أن أعداء أعدائك هم أصدقاؤك بالضرورة! ونسأل الله تعالى أن يهدي هذا الكاتب المتعالم الذي غيَّر وبدل تبديلا. ورحم الله تعالى أخاه الذي عاش ما عاش واعيا بخطر الشيوعية اليسار. ودفع روحه الشريفة، وهو في ريعان العمر الغض الناضر، وزهرة شبابه الباهر، من أجل أن يدرأ عن المسار خطر اليسار.
|
|
|
|
|
|