|
أصداء الظلال
|
الأشجار سوداءُ الأغصان والعروق والأوراق ، تتحرك بكامل كتلتها مصدرة ذلك الصوت الذي يتجاوز الحفيف إلى صرخة أجشة ؛ حتى كأن مفاصل كل شجرة تكاد تتفتق حلقة وراء أخرى. ليس من رياح ؛ فما يحرك هذه الكتل العملاقة ؟ الأرض رطبة والمناخ حار ورائحة الأجواء عطن السبخ تحت السيقان الضخمة مختلطا بعفن الفطر . وغير ذلك النحيب الصادر من تلويحات هذه الكتل الخشبية فلا تكاد تسمع صوت حيوان مجنح أم زاحف . حقيقي أو أسطوري. أما ما كان يسمى سماء فهو ليس الآن سوى شعلة نار لا تتأجج ولا يهتك رسوخ جمودها طائر ولا نجم . لم اكد أر شيئا . وجسدي قد قزمته السيقان الخشبية المظلمة العملاقة . ومع ذلك لم أكن خائفا ... على العكس كنت أرى نفسي الكائن الذي ينفخ من روحه في هذه الطبيعة الميتة ، كنت نقطة الجمال في زخم الظلال الموحشة. وحين غرست أصابعي في هذه السيقان متسلقا لها انتابني شعور غريب جدا ، كان أشبه برعشة الأورجازم أو الشبق. كان فكي يتمطق . كنت ألمح بعض النتوءات وبعض الأغصان ثم حين أمد لها كفي لا أجد إلا كثافة من الظلال . كانت رحلة مرهقة لأبلغ رأس هذا المارد الخشبي. لكني لم استسلم . ساعات من التسلق المتأني حتى بلغت الأفق الأقصى حيث شعلة السماء تخترق خياشمي برائحة لا يمكن وصفها . حمت بنظري بقطر دائري فلم أجد إلا كتل الظلام الخشبي وهي تلوح بجسدها يمنة ويسرة. رفعت رأسي على أرى نجما أو شمسا أو حتى قمرا فارتد بصري خاسئا . رفعت يدي فلم ار إلا ظلها ، وهنا شعرت برعب ، ربما ... ربما لأني أدركت أنني وحيد أو .. ربما لأنني خشيت أن أتماهى في هذه الوحشة ثم لأكون جزء منها . ولانفي هذا الخيال المريع أطلقت صرخة مجلجلة فارتد صداها بموجات متتابعة وكأنه قهقهة ساخرة . صحت: لن أكون جزء من هذا الخواء ...ارتد الصدى (خواء ... خواء .. واء ... واء.. آء .. آء ..ء..) صرخت بهلع متزايد : إنه كابوس . فرفض الصدى ذلك وهو يرد صرختي بالمثل (كابوس.. كابوس .. آبوس .. وس .. وس .. س.. ) أخذت أتلفت حولي بجزع ، ولكن لا شيء سوى التكرار المرعب لكتل الظلام والأفق المشتعل. حينها بكيت .. أطلقت الدموع بلا خجل ... وحين دارت الصورة الكونية هذه وهي تحملني معها ، تقيأت قبل أن يتهاوي جسدي متقلبا وهو يندفع إلى الأسفل. رأيت صوتا .. نعم .. لم اسمعه .. بل رأيته .. كان صوتا مظلما .. صحت باحثا عن إجابة : أين أنا ؟؟؟ أين أنا ؟؟؟؟ أين أنا ؟؟؟ ... كنت أشعر بطنين أذني .. وخدر في جسدي المتهاوي فصحت: يا لعنة السماء ... أين أنااااااا ؟؟؟؟ رأيت حبيبات دموعي تلمع بلون شعلة السماء فبكيت وأنا أصرخ : يا رحمة الكون أين أنا .. أين أنا .. كان الصوت المظلم يحدق في جسدي المتهاوي بسخرية ... صحت : أرجوك .. أرجوك أريد الخروج من هنا ؟. لا أريد أن تتعفن جثتي هنا .. أرجوك .. لا أريد أن كون داخل هذا الشحوب المتوحش.. وحينها رأيت صوت الظلال يقهقه وصداه ينغرس كالحراب في دماغي: (ها..ها..ها.. ألم تعرف أين أنت بعد .. ؟) .. لاحظت أن سقوطي لا زال مستمرا وخشيت أن أرتطم بالسفح فصحت : (كيف لي أن أعرف .... أرجوك أخرجني من هنا أرجووووووووووك) .. حينها سمعت الصوت .. ولكنه لم يكن ساخرا بل حزينا ومتألما .. كان يقول بصوت مليء بالحنان والرأفة:(وكيف أخرجك من قلبك .. كيف أخرجك من قلبك .... ليتني أستطيع .. ليتني أستطيع .. ليتني أستطيع ... ليني أس....................) أمل كردفاني 15/أبريل2014 الساعة 1:58 مساء 6أكتوبر
|
|
|
|
|
|