|
أسماء أبكر، والله جابو، وصبحي، في المخيلة السودانية بقلم صلاح شعيب
|
05:09 PM Mar, 10 2015 Sudanese Online صلاح شعيب -واشنطن-الولايات المتحدة My Library at SudaneseOnline
ذرات اللاوعي السالب لدى الشعوب، والأفراد، مثل رقائق الجين الدقيقة. لا بد أن تظهر، ولو كره الرافضون. ولم أقل "الكافرون" في هذا الجدل السياسي حتى لا نقلل من قيمتهم في إحداث الخلاف الفلسفي، والفكري، والاجتماعي الخلاق داخل الوطن. بل ولا يحق تعيير المختلف معهم عقديا في ساحات الجدل الديني، ذلك لما تحمله هذه الكلمات من دلالات تاريخية مشكلة نشأت بمرحلتها. ولا أظن أن مثل هذه العبارات تفيدنا الآن في سياق النزوع لتجذير التنوع، والتعدد، والتسامح. وإذ إنهم أصحاب رأي، وشوف، وموقف، فما نناديهم بالكافرين اليوم هم أهل، وجيران، وقادتنا، ومعلمينا، في مواقع كثيرة. ولا يحملننا موقفنا العقدي لنستلهم من بؤرة العقل الباطني السالبة في محاولة لمشانئتهم، وإذا نزعنا فلسفيا فإنه لولا خصيصة الكفر لما استبانت ضفة الإيمان. والكفر والإيمان طرفا رحى. ويكفر الإنسان لكي يؤمن، ويؤمن الإنسان لكي يكفر أو لا يكفر. ولكن الثابت، من ناحية أخرى، يحث العقل الباطني المتطرف على تهديم كنائسهم، ومعابدهم، وحرق مقتنياتهم الأثرية، وسبي نسائهم، ليؤكد لنا صعوبة التخلص من اللاوعي السالب لدى الإنسان، كثير النسيان. فالسالب في لاوعينا إن ظل كامنا في لحظات الصفاء فما ذلك إلا لإدخاره في لحظات الغضب، والغبن، والتوتر. ولن يصير الاستهزاء بعرق، أو اسم، صديقك أمرا واقعا إلا عندما تختلف معه، أو حين يضربك في لحظة عراك. أما في لحظات الصفاء فهو صديقك الحميم، أو اخوك الذي لم تلده أمك، بل هو فنانك المفضل. وما أكثر الفنانين المفضلين في عرض، وطول، بلادنا الذين يتعرض أبناء قبائلهم للاستخفاف باسمائهم لكون أنهم ينازلون معارضة إنقاذية جدها يحمل اسم الله جابو. وما أبهى أولئك الشعراء، والأدباء، والموسيقيين، الذين شكلوا لنا أقانيم الجمال، ومع ذلك يسئ بعض المعارضين لإنقاذي في معرض تشنيئه السياسي لكون أن اسم جده أبكر. وما يجدر ذكره أنه ما انعقد اتفاق ملحمي بين بعض المعارضين وغريمهم الصحافي الإنقاذي الهندي عز الدين مثل ما اتفقوا على الإساءة إلى تلك الصحافية التي لا تملك في هذه الدنيا ذنبا مضافا إلا لأن جدها وجدتها أوجداها عن طريق أمها وأبيها. ولا أدري كيف يرى أستاذنا عبد الفتاح الله جابو هذا الجدل القمئ، وهو الذي كان وما يزال أستاذا للفنانين، وكان له الفضل في تقديم كل هذه الاعمال الخالدة بكمنجته، وما يزال الآن في ثمانيناته يحمل الكمنجة يوميا ليذهب إلى طلاب كلية الموسيقى ليفيدهم دراسيا. إن على الذين يهاجمون الصحفية فاطمة الصادق من هذه الزاوية أن يتركوا الاستخفاف باسم جدها، ومن ثم يبحثوا، عن أخطائها في محافل العمل العام، وما أكثرها. إن ترسبات العقل الباطني السالبة لا تقف عند حدود الإساءة لحملة المعتقد الديني الآخر، أو المسميات التي لا تنتمي لبيئة تسيطر عليها قوميات، وإنما هي كامنة عند خطاب بعض أهل المعارضة أيضا. بل إن الذين يتعيرون بعرقياتهم، ودياناتهم، لا يستنكفون من الإساءة إلى المرأة. وفي البيئات التي تعاني التهميش ما تزال المرأة مهمشة، ومصدرا للسخرية في الخطاب الذكوري. وما نلاحظه أيضا أن خطاب المعارضين المنتمين للهامش أحيانا يتساوى مع ذات الدرجة في خطاب الحكوميين في السخر من قبائل محددة. فكثيرا ما تعرض غازي صلاح الدين، أو صبحي فانوس، مثالا، إلى التشنيع بخلفيتهما العرقية من أقلام تنتمي للمركز والهامش معا. وللأسف أن الاستخفاف بعرقية غازي صلاح الدين قد أسس لها الحزب الحاكم نفسه في مرحلة من مراحل الاختلاف في عضويته القيادية، وإذا كان هذا هو حال القادة الإسلاميين فما الذي كان يمنع رئيس الجمهورية في سعيه للتشنيع بسودانية المناضل الكبير فاروق أبو عيسى والسؤال عن حجم قبيلته! إن استجلاب اللاوعي في العقيدة أخطر، وأهلك، كونه يرسخ فسطاط الاختلاف القاتل لدى الناشطين في البناء الوطني. ومهما توافق أبناء المسلمين المتدينين شيئا فإنهم لن يتركوا دعائهم بإهلاك النصارى، ولن يقفوا عند هذ الحد، بل تتملكهم شية العرق فيكيلون الإساءة لمن يشاطرهم هم الأيديولوجيا. ولعل ذراتنا اللا واعية لا بد أن تظهر سواء عبر المشافهة أو السطور، وحتى في حالات الإلهام الفني التي فيها يتسامى المبدع، ويغتسل داخله بحلم الخيال. فالمسكوت عنه المتقيح إن لم يعرض للهواء الطلق لن تبرأ الأمم الناهضة على جناح التنازع لرسم أساس عادل لوجودها. فكما يحمل الإنقاذي اسم أبكر فرئيسه يحمل اسم خليفة المسلمين المتصف بالعدل، فما الذي تغير إذن في فحوى التشنيع بالاسم. وألا يعني مسمى أبكر صيغة مبالغة وتفخيم لاسم خليفة الرسول (ص). وإذا كان اسم أبكر هذا يدل على لسوئه فماذا ترانا فاعلين مع الآلاف من "الأبكرات" الذين ينشطون في المعارضة، وهم يتحدرون من قبائل ذات أصل عربي، وأفريقي. ومنهم من روى هذه الأرض بدمائه، ومنهم من قدم أعظم مساهمة فكرية، وشعرية، مثل النور عثمان أبكر، ومنهم من شنف آذان الأمة مثل الراحل محمد عبدالله أبكر "محمدية"، والقائمة تطول. إن الكثير من المعارضين، والحكوميين، هم سواء في درب الإزدراء الثقافي بمكوناتنا العقدية، والعرقية، والجندرية، واللسانية، وبعضهم يفعل ذلك بكامل وعيه، ولا يعصمه تعليمه، أو تجربته في العمل العام. وإذا كنا لا نشدد اللوم هنا على الذين ينتمون إلى أيدلوجيا الإسلام السياسي، الصادقين في حمل مشعلها مهما يكن، والانتهازيين الذين قربتهم إلى الحكومة لعوامل شتى، فإنه يجب أن نعنف بشدة المناضلين الذين يريدون التغيير، وهم يحملون هذه السخائم الإنقاذية التي هي سبب اشتعال الحروب في البلاد. فالخطاب الثقافي للمعارضين مهما كان تقييمنا لعمله لا بد أن يسعى إلى تصحيح كل الأخطاء التي صاحبت الخطاب السوداني المأزوم بنماذج الاستعلاء، والازدراء، وإلا فلا فائدة لكل هذا السعي لإبدال حكومة بأخرى لا تعمل على إصدار قانون صارم لحظر الإساءة لكل مكون سوداني، وإن انبنت هذه الإساءة على المزاح الذي هو واحد من أدوات التحايل الاخطبوطي لترسيخ هذه الأفكار البالية. إن هناك الكثير الشنئ الذي يتمظهر في الخطاب السوداني الشفاهي، والمدون. ولا تقتصر هذه الجراثيم الخطابية التي تعمق التخلف المجتمعي في منطقة دون أخرى. فمعظم مناحي الحياة السودانية في أبعادها القومية، والجهوية، والقبلية، ملغمة بالعديد من التعابير التي تأسست على تقبيح الآخر المتساكن. وإن كان لهذه الإحن تأثيرها القوي، والمدمر، عند الارتباط بالسلطة، فإن هناك مناطق مظلمة أيضا على هامش السلطة ترسخت بقلة الوعي والتعليم، وانتشار الجهل، وينبغي أن تكون هذه المسألة هما مؤرقا لقادة المعارضة واستصحابها في وثائقهم الهادفة للتغيير. فمهما تغيرت الحكومات فإن البناء الوطني السليم لا يقوم إلا باحترام الآخر عقديا، وعرقيا، وجندريا، وخلافه. وليكن خلاف المعارضين مهما كان غبنهم من صبحي فانوس، أو ياسر يوسف أبكر، أو تابيتا، أو فاطمة يوسف الله جابو، أو غيرهم مبينا على الفكرة لا على النعرة العصبية، أو القبلية حتى لا يكونوا مع الإنقاذيين سواء.
مواضيع لها علاقة بالموضوع او الكاتب
- كذب البشير وسيلته للصدق أم للتجمل؟ بقلم صلاح شعيب 02-27-15, 01:49 PM, صلاح شعيب
- المشتركات الفقهية بين الحركة الإسلامية السودانية وداعش بقلم صلاح شعيب 02-13-15, 01:33 PM, صلاح شعيب
- حول إلغاء نشاط اتحاد الكتاب السودانيين بقلم صلاح شعيب 02-06-15, 01:56 PM, صلاح شعيب
- الإسلاميون والهوية السودانية: اصطدام الظلام بالضوء بقلم صلاح شعيب 01-26-15, 01:15 AM, صلاح شعيب
- استبدادية غازي صلاح الدين القديمة بقلم صلاح شعيب 01-19-15, 00:13 AM, صلاح شعيب
- جذور ضبابية المشهد السياسي بقلم صلاح شعيب 01-13-15, 04:41 AM, صلاح شعيب
|
|
|
|
|
|