|
أستراليا في حضرة حزب المؤتمر السوداني زين العابدين صالح عبد الرحمن
|
أقامت فرعية حزب المؤتمر السوداني بأستراليا، أول فاعلية سياسية لها بمدينة "ميلبون " يوم 11 أكتوبر الماضي، و تعتبر مدينة ميلبون المدينة التجارية الأولي في أستراليا لا تنازعها في هذه المكانة غير سدني، و جاء اختيار المدينة للوجود السياسي الفاعل للجالية السودانية، و لفرعيات التنظيمات السياسية، كما إن النخبة السودانية في المدينة هي نخبة تتسم بالوعي و الحيوية، و قد أكسبها إطلاعها و قراءتها، مساحة للأخر، الأمر الذي يجعل للحوار الفكري و السياسي نكهة خاصة، و في اليوم نفسه كان الطقس في المدينة غير عادته مستقر، و النسيم يأتي من كل الاتجاهات، و المدينة نفسها كانت في حلتها الخضراء زاهية ربيعية الهوى، ينقل نسيمها عبق زهورها و ورودها يعطر المدينة، و خدود حسانها و زوارها. في هذا الجو الربيعي، كانت فاعلية حزب المؤتمر السوداني، في احدي قاعات جامعة فكتوريا، حضرها عدد كبير من ممثلي القوي السياسية، و الجبهة الثورية، و في القاعة كانت هناك منصتان، الأولي كان يدير منها الأستاذ خالد عثمان رئيس تحرير صحيفة " المهاجر" و عضو الحزب في استراليا الجلسة، و يشرف علي العمليات الفنية، من وسائل اتصال و تصوير و تسجيل و غيرها، و الثانية جلس عليها رئيس الفرعية باستراليا الأستاذ يعقوب كابي، و الأمين العام للفرعية الأستاذ نزار عبد الوهاب، و شخصي، حيث جئت ملبيا دعوة الفرعية، و كان هذا شرف، أن احضر أول فاعلية لحزب المؤتمر السوداني باستراليا، كما كان لي الشرف أن أحضر أول مؤتمر لحزب المؤتمر السوداني عام 1986 بمدينة الصافية ببحري. تحدث رئيس الفرعية الأستاذ كابي عن دور الحزب النضالي و موقفهم من قضية الحوار الوطني، ثم عرج إلي إعطاء فكرة عن المرجعية الفكرية للحزب، و كعادتهم الثقافية أهل المؤتمر السوداني، و هي ثقافة مستمدة من مؤتمر الطلاب المستقلين، أن يطرحوا عددا من الأسئلة لكي يجروا الآخرين للحوار فيما يفكرون فيه، ثم تناول الحديث الأستاذ نزار عبد الوهاب و يستمر بصورة أكثر توسعية في قضية الحوار السياسي، و قال أنهم أهل حوار باعتبار إن الحزب يؤمن بقضية النضال السلمي، و لكن الحوار الذي يطرحونه غير الحوار الذي يتحدث عنه حزب المؤتمر الوطني، و يؤمنون إن الجماهير بوعيها قادرة علي حسم الصراع لصالح قضية التحول الديمقراطي. للحقيقة عندما تجالس نفر من الطلاب المستقلين، في أية فاعلية سياسية، تجد أن طريقة طرحهم و تناولهم للموضوعات تختلف عن الآخرين، باعتبار إنهم يميلون للقضايا الفكرية أكثر من السياسة، و بالتالي يكون العقل حاضرا و الذهن مفتوحا، و هذا السلوك السياسي خلاف ما هو شائع عند العامة، إنهم طلاب غير منتمين، بالعكس هو نوع من الانتماء الفاعل، لآن حركة الطلاب المستقلين في الجامعات السودانية كانت و ما تزال، حركة رفض و تمرد. استمدت أصولها من ثورة الطلاب في فرنسا عام 1968، و التي أجبرت مؤسس الجمهورية الخامسة الجنرال ديجول بالاستقالة، و هي كانت حركة ذات موقف فكري و سياسي ضد التيارات اليمينية التي كانت قد بدأت الانتشار في المجتمع الغربي، و استمدت بعدها الفكري من منظري مدرسة فرانكفورت، التي تعد واحدة من تيارات اليسار الجديد التي بدأت في نقد النظريات السياسية، و خاصة الماركسية، و هي التي أسست لفكر ما بعد الحداثة، هذا الفكر التجديدي، كانت تستند عليه، تيارات الطلاب المستقلين، إلي جانب دعتهم للحرية في إطلاقها، لذلك تمردوا علي القوي السياسية التي كانت قائمة، و تمردوا علي الفكر السياسي المطروح في الساحة السياسية، و قد كانوا و ما زالوا أشبه بالمعتزلة، كتيار مناصر لقضية الحرية و الاشتغال بالعقل. و حزب المؤتمر السوداني، الذي كان قد عقد مؤتمره الأول عقب الانتفاضة السودانية، في حي الصافية بمدينة بحري، أيضا كان متمردا علي قيم السياسة البالية، و علي الفكر السياسي العاجز علي بناء النهضة السودانية، و تأسيس الديمقراطية، و بناء الدولة السودانية المدنية الحديثة، كان تيارا سياسيا جل عضويته من النخب، كان يخاطب العقل السوداني لكي يفيق من حالة الثبات، و يقدم رؤى فكرية لمعالجة أزمات البلاد، الأمر الذي جعل هناك علاقة ثقافية و فكرية وطيدة بين الحزب كتيار سياسي جديد متمرد، و بين تيار الطلاب المستقلين، و الذي بدأ يؤسس قيما جديدة في السياسة تستند علي أطروحات فكرية متفاعلة مع جميع التيارات، للوصول لأرضية وطنية واحدة، هذه المؤسسية السياسية الجديدة بدأت توطد لنفسها أرضية في المجتمع السوداني، و أصبح تيار الطلاب المستقلين يرفد هذه المؤسسية. طرحت حركة الطلاب المستقلين أسئلة عديدة حول قضايا الحرية و الديمقراطية، و المؤسسات الحزبية و هي أسئلة قد حددت مسارهم السياسي، و في نفس الوقت عكفوا علي الإجابة عليها من خلال البحث علي أسس علمية و تعمقوا في فهم المشكل السوداني، الأمر الذي جعلهم ينطلقوا من قاعدة فكرية جعلت الثقافة محور اهتماماتهم، و عندما ولج البعض منهم إلي المؤسسة الحزبية" المؤتمر السوداني" طرحوا ذات الأسئلة الفكرية علي المحور السياسي مما جعلوا للمؤسسة إطارها الفكري الحواري، فأصبحت المؤسسة تستوعب عددا من التيارات الفكرية، من اليسار الجديد، من أفكار ما بعد الحداثة، و هناك أيضا، التيار الليبرالي الجديد، الذي يحاول أن يعيد قراءة الليبرالية القديمة التي ظهرت ما قبل عام 1927، من خلال نقد ما بعد الحداثة، هذا الحوار الفكري بين التيارات التجديدية علي الأفكار، يشكل قاعدة لحزب مفتوح للحوار الفكري السياسي، يغازل كل الإنتاج الفكري الإنساني و يستوعبه و يعقله و يوظفه في حل أزمات البلاد، و في نفس الوقت يجعل المؤسسة في حوارها مؤسسة تتوسع مواعين الحرية و الديمقراطية فيها، هذا المنهج جعلهم يتمددوا علي مساحات في الطبقة الوسطي، حيث جذبوها بأطروحاتهم الفكرية، و أيضا هبطوا للقاعدة يقدموا حلولا لمشاكلها الأمر الذي جعلهم ينفذوا إلي الهامش بقوة. و من خلال حواري مع بعض النخب في هذه المؤسسة، و قراءتي لبعض كتابهم، إنهم غادروا دائرة المؤسسية النخبوية من خلال الفعل السياسي، لأنه بعد دور الفكر النقدي و التصوري يأتي الدور السياسي، في توظيف هذا الفكر، فتحركوا علي مستويات المجتمع المختلفة صعودا و هبوطا، و تبنوا ما يطلق بصراع الهامش و المركز، و لكن بعيدا عن مصطلحات و توجهات الجهوية، حيث تعاملوا مع المشكل في إطاره الوطني العام، و تجدها في كتابات أبكر أدم إسماعيل و الدكتور محمد جلال هاشم، و هي نفس أطروحات الراحل عبد المجيد إمام و خالد ياجي و شاكر الزين و أحمد الصافي و الدكتور تيسير محمد أحمد و غيرهم، ثم توجو ذلك بالمواقف الصلبة التي لا تتراجع عندما تكون القضية مرتبطة بالحق و الحرية، فجاءت مواقف الأستاذ إبراهيم الشيخ و رفاقه لكي تزين وجه الحزب و تجذب إليه قطاعات الجماهير الشعبية، فكانوا وسط هتافات الجماهير يد بيد و كتف بكتف أحبوا جماهير الشعب فبادلتهم هذا الحب بحب أقوي منه، الأمر الذي خلق التلاحم القوي بين المؤسسة و الحركة الجماهيرية، هذا الواقع الجديد حتما سوف يفرض شروطا جديدة علي حزب المؤتمر السوداني، و اعتقد إن قيادته مدرك لهذا الواقع الجديد.. كانت فاعلية الحزب في مدينة ملبون هي انعكاس لهذا التراث السياسي النضالي، و كانت كلمات نائب رئيس الحزب الدكتور الفاتح عمر السيد و أمين فرعيات الخارج الأستاذ منعم عمر تسير في ذات الطريق الذي يؤسس لمنهجية العمل السياسي الجديد، و كانت استراليا بكل نخبها و قوها السياسية في حضرت هذا الفعل السياسي، الذي استطاع القائمين عليه أن يحسنوا تنظيمه و إخراجه، بصورة تليق بحزب ولد عملاقا، لهم منا التحية و الإجلال و التقدير، و هكذا دائما العقليات العظيمة تصنع أشياء عظيمة، تليق بوطن يئن تحت وطأة الظلم و الفكر الظلامي. و الله الموفق.
|
|
|
|
|
|