لا يخفى ما للبطالة من آثار وخيمة على المجتمع في أغلب أصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، فتؤدي البطالة إلى تكوين النقابات العماليّة ومن ثم إلى زيادة الاحتجاجات على السلطة كنتيجة لعدم توفر فرص العمل الذي يترتب عليه انخفاض دخول الإفراد، فتحصل الفوضى السياسية، وانحراف السلوك الاجتماعي للأفراد حيث ان انخفاض الدخل يعني ارتفاع الفقر وهذا ما يدفع إلى ارتكاب الجرائم بصرف النظر عن نوعها او تصنيفها أو درجتها، للحصول على الدخول وتلبية الحاجات التي لم يستطيع إشباعها في ظل البطالة. كذلك تؤدي إلى ارتفاع التخلف كنتيجة للجهل الذي يحصل بفعل انخفاض الإنفاق على التعليم والصحة، وهذا ما يؤثر على المستوى الثقافي والنفسي والاجتماعي. وإن زيادة الاحتجاجات تدفع بالسلطة ونتيجة رغبة بقائها في الحكم والتصرف بالمال كيف ما تشاء دون رقيب أو حسيب إلى إقصاء مطاليب الجماهير بصرف النظر عن الاسلوب المتبع في الإقصاء إن كان ناعماً أم قوةً!! وهذا ما يزيد من إرساء الاستبدادية والدكتاتورية. نسبة البطالة في العراق أخذت البطالة تتفاقم في العراق بشكل كبير جداً تتراوح ما بين 30-50%، وحتى الأساليب التي أُخذت لمعالجتها لم تكن سوى ذر التراب في العيون، بل ونالت حتى مخرجات التعليم وصولاً إلى انتشارها بين صفوف الشهادات العليا، وهذا ما فتح آفاق التفكير بالهجرة نحو الخارج في ظل العولمة والثورة المعلوماتية التي أصبح العالم في ظلها كالقرية الوحدة، أي إن قوة الشباب التي تبحث عن العمل وراغبة فيه ولم تجده، مع إطلاعها على العالم وخصوصاً الدول الغربية وبالأخص الأوربية وما توفره من احترام للإنسان وتوفير فرص العمل وسهولة بيئة الأعمال...إلخ تجعل العاطل عن العمل مسرعاً في الهجرة، وهذا بحد ذاته خسارة حقيقة للبلد إذ لم يتم استيعابها وتوظيفها بالشكل الملائم. علماً أن الذي يفكر في السفر نحو الخارج أغلبهم من خريجي التعليم سواء كانوا إعدادية أم بكالوريوس أم ماجستير أم دكتوراه، وهذا ما يشير بمدى سوء الأوضاع الداخلية وعدم ارتياحهم لما يجري في البلد، إذ لم يكن لهم رأياً مسموع ولا حلاً ملموس من أصحاب الإدارة والقرار، وهذا ما يعرف بـ"هجرة الادمغة"، وهي خسارة حقيقية للبلد بسبب حجم الإنفاق الذي بذلته الدولة حتى تصل بهذا الإنسان ليتعلم ويكون صاحب شهادة ومن ثم تقديمه هدية مجانية إلى الدول الغربية، دون مقابل!! بالإضافة إلى عدم مساهمته في بناء البلد الذي هو بأمس الحاجة إليه. السبب الرئيس إن السبب الرئيس للبطالة في العراق هو الاقتصاد الريعي أي اعتماد الاقتصاد العراقي على مورد واحد وهو النفط، وهذا المورد يتصف بعدة صفات من بينها عدم استقرار أسعار النفط لأسباب اقتصادية وسياسية وطبيعية، وقصر عمره سواء بسبب نفاذه أم بسبب انخفاض أهميته الاقتصادية، بالإضافة إلى إنه ثروة عامة لا تقتصر على الأجيال الحالية ولا على الموظفين من الأجيال الحالية فقط، بل ينبغي تحقيق العدالة الاجتماعية ما بين الأجيال الحالية من ناحية وما بين الأجيال الحالية والأجيال المستقبلية من ناحية أخرى، ولا يخفى أثره السلبي على البيئة. فالنفط مورد غير مستقر وذلك لاعتباره سلعة عالمية وعدم قدرة البلد على التحكم فيه بشكل يتلائم مع الاقتصاد الوطني بل خاضع لعوامل خارجية، ولذا يطلق عليه " سلعة عالمية "، فأي تغير يطرأ على النفط سينتقل إلى الاقتصاد الوطني في حال غياب الإدارة السليمة له، فمثلا ارتفاع أسعار النفط تؤدي إلى ارتفاع عائداته ومن ثم إيرادات الموازنة وهذا ما يدفع لزيادة النفقات ومن ثم زيادة الطلب على السلع والخدمات، وهذا ما يتسبب بمشاكل اقتصادية كثيرة، كالتضخم وارتفاع سعر الصرف وانخفاض التصدير وزيادة الاستيراد وعجز ميزان المدفوعات والموازنة العامة وانخفاض النمو الاقتصادي وارتفاع حجم البطالة، عند عدم توفر بيئة ملائمة تستقبل هذه الزيادة في الطلب. الحلول يكمن الحل في النقاط الآتية: اولاً: تحديد نسبة مساهمة الحد الأعلى للنفط في الاقتصاد العراقي، ليتم تحفيز وتنشيط القطاعات الاقتصادية الأخرى كالزراعة والصناعة والسياحة والبناء...إلخ، وحتى لا يكون هو الطاغي والمسيطر عليها، كأن يحدد البرلمان نسبة مساهمة النفط في الإيرادات العامة يجب أن لا تتجاوز 50% على سبيل المثال، فتفعيل تلك القطاعات سيقلل من حجم البطالة بشكل كبير جداً. ثانياً: فسح المجال أمام القطاع الخاص بشكل جدي وحقيقي ومساندته، حيث إن القطاع الخاص يستطيع توفير فرص العمل الكافية بشرط توفير البيئة المناسبة له والوقوف إلى جانبه، إذ لا يزال القطاع الخاص متعثراً في مسيرته بسبب كثرة الإجراءات البيروقراطية والمعوقات التي تحد من انطلاقة، كالتمويل او البنى التحتية او المنافسة الخارجية، أو الفوضى السياسية وانعدام الثقة. ثالثاً: الاهتمام بمخرجات التعليم بشكل يتلاءم مع احتياجات سوق العمل، حيث إن الاهتمام بمخرجات التعليم في العراق من حيث الكفاءة العلمية والمهارات الإدارية والمهنية واللغة والحاسوب...إلخ، كلها تزيد من رغبة المنتجين والمستثمرين وأرباب العمل من زيادة الطلب على هؤلاء الإفراد سواء من الداخل أم من الخارج ومن قبل القطاع العام أو القطاع الخاص، وهذا ما يقلل من حجم البطالة. * باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017 http://http://www.fcdrs.comwww.fcdrs.com
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة