من شدة الحر لا أذكر، أن شهر رمضان جاءنا في الشتاء، كلما ساحت الرمال تحت الهجير، (يِنْكرب) الناس ويتعلقون أكثر بالشهر الفضيل، أو هكذا يقولون. رمضان في الحِلة رمضاناً حار، ما بيقدر عليهو زولاً مَرخْرَخْ. ليس لدينا خريف أو ربيع، ولا نعرف إلا هذه القلاية في الصيف والزمهرير في الشتاء. من السخانة والسموم، تصدق يا مؤمن الغالي، من شَرّقة الشمس تقوم ريقك ناشف. من الشَّرْقة تاني نوم مافي، لا خصوصيات في هذا المكان، ولا حياة لك إلا داخل الطائفة، أي واحد من ناس الحِلة قريبك، وممكن يصحيك ويحتج عليك كمان “النايم ليها شنو”؟ صِحيت ما صِحيت، راسك عديل تنزل عشان تشوف محل سِقايتك، تشوف بهايمك وبقيراتك وتِميراتك، وتجيب معاك ما تيسر من خدار مزروع، بامية أوخدرة أو كداد أو رِجلة، أو جرجير، أو ما شابه، وتسأل عن الحِراته وعن موية المشروع، يدوك ليها متين، وتعود قبل منتصف النهار، تشوف ليك محلاً بارد، أو تنجبد هناك في راكوبة أو تحت ضل شجرة. لا يمكنك التغيُّب عن أي مناسبة تقع في الحِلة أو في الحلال المجاورة: عرس أو مأتم، طهورأو مولود جديد، أو زول جاء من سفر، أو “مرا كُراعا مفكوكة”، أو واحد قلع ليهو ضُرُسْ! أول ما تسمع حاجة زي دي، أحسن تتوكل وتمشي، المشوار بدل ما يكون فى كرعينك، يكون في “وَشِيك”. لا تتوقع أن تغفل عيونهم الراصدة عن غيابك، أحسن تقوم بي عطشك، تمشي تظهر قدام الناس: تبارِكْ، تَكفِّر، أو تشيل الفاتحة، أو تتحمد السلامة.. بعد داك كل شيء ممكن، أكان لقيت فرصة قراية في كتاب أو جريدة، أو سمعت نشرة أخبار. عصراً بدري، تبقى مارق، تاني لازم تنزل، تسقي البهايم. ترمي ليهن البرسيم والورتاب وتعدل المايل، وتقع البحر تَبرِّدْ جوفك في موية النيل، وتشيل ماعون اللبن تحلِب البهايم، وقبل المغيرِّب ترجع البيت، تدخل في عراقي وسروال، تتوضأ وتشيل الصينية تمشي محل شراب الموية، هناك تسمع: أسكتوا يا بُطان، خلونا نسمع الآذان. اختفت “كواري الطلس” القديمة التي كُتب عليها (رمضان كريم) ويكاد أن يُستبدل الزير بحافظة ماء مثلج.. بروش السعف حلت محلها مفارش البلاستيك، أشياء كثيرة تغيرت، إلا البليلة. تبدأ بالتمر وموية البليلة، وتسمع النشرة المحلية وهي حكاوي سنوية لا يحيد عنها أحد، عن رمضان:- قالوا السنة دي رمضان ناااار حمراء.. ويقول آخر: رمضان يا حليلو، باقيلو يومين ويمشي. ثم تتداخل أخبار الزراعة مع الغلاء الفاحش، مع أخبار الإسهالات المائية، وتوتر العلاقات الثنائية.. في الظلام تَلَمْلِّم العِدة. قعدت ما قعدت، تمرق تاني للصلاة وتغشى الدكان تجيب الناقص، وتجي تكابس باقي الحلو مر، وبعد داك تشوف أخبار داعِش أو تريِّح بالك وتشوف محل الكوتشينة... بهذا تتأكد إنو فاتتك ضحكات السر قدور، وجرأة شكر الله وملاذ، في تشليع أُغنيات محمد وردي.. وبسيطة.. إذا كان النّاس ديل شوّهوا الإسلام زاتو، ما يشوِّهو “مِن غير ميعاد”..؟ assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة