روى بركة ساكن، أن سلاطين قد خُتِن في عهد الخليفة التعايشي، بفأسٍ أشرم، وأن صراخه من جِراء ذلك، قد انكشح على الجُدُر الطينية لمدينة أم درمان، التي كانت حاضِرة الخلافة الإسلامية حينها. ولكن، أين النص الأصلي؟ هل كتب سلاطين باشا، عن تلك الدعشنة التي أصابته في “حُرّ ماله”! هناك نسخة أصلية لـ “السيف والنار”، أورد فيها كارل رودلف/ سلاطين، تلك الواقعة.. محاولاتي في البحث عن تلك النسخة لا تتوقف. قرأت نسخة قديمة للكتاب، مطبوعة فى العام 1930م.. قرأتها على عجل، لكنني لم أجد فيها صراخ ودموع سلاطين، الدامية والباكية، على فقده “ذلك الجزء العزيز من أرض الوطن”! كان كارل رودلف، أو سلاطين النمساوي، حاكماً لدارفور قبل المهدية، قد خلّد هروبه الأوّل، من أسر الخليفة التعايشي، في هذا الكتاب المُشار إليه، والذي كان مقدمة لعودة الاستعمار أو استعادة السودان، تحت وصاية الخديوي، أو تحت التّاج البريطاني. بعد مائة عام من تلك العودة أو تلك الاستعادة، أصدر الروائي عبد العزيز بركة ساكن من منفاه البارد البعيد ، رواية “الرجل الخراب”. حكي بركة في ذلك النص بعض تعاريج المغامرة، وشيئاً من محتوى غُصّة الرحيل، كما هي في كتب الرمل ذات الدوائر والخيوط المستحيلة. دسّ بركة ساكن في روايته ، صراخاً لسلاطين باشا في لحظةٍ تاريخية شاء فيها الخليفة التعايشي،أن يوشمه بالختان، ابتغاءً لمرضاة الله، طالما أنّ سلاطين قد أسلمَ وحَسُنَ إسلامه. مسكين سلاطين، حاكم دارفور، الذي لم يعُد تحت رحمة الدّراويش، سوى مُتَدعْشِن يُقطَع منه جزء عزيز بعد دخوله إلى البيدر، ويُطلب رأسه كاملاً، حين يخرج! سلاطين الذي كان يُكنّى عند الأنصار بـ “شويطين”، عادَ إلى السودان مع كتشنر ، وأصبح مفتشاً عاماً في عاصمتنا. بعد استتباب الأمر للحكم الثنائي، خرج يبحث عن الرجل صاحِب الفأس الأشرم، الذي مَهَر له شهادة الدخول إلى ديانة المسلمين.. لم ينسَ اسم “الطهّار” موسى الكاظم، والذي لم يكن سوى موظّف عاديّ بدولة الخِلافة في ذلك الزمان السوداني المُتدعشن. هكذا أطبق سلاطين “بعد التمكين”،على رقبة الكاظم، وأمر بختنه في الحال، ولمّا وجده مختوناً، “فعلها.. فعلها، عليك أمان الله”! كيف لا نقلِّب هذه المواجِع، وقد أصبح نكاح الجهاد وختان الإماء والسّبايا، أهم قضايا الدّعوة والتأصيل في عهدنا الراهن؟ أنظُر، كيف نحن وأين نحن، بعد مائة عام من خِتان المُلازِمي سلاطين بذلك الفأس الأشرم؟ لقد أصبحت النساء حلالاً يُباع تحت حمى مؤسسة الخِلافة. لم يتغيّر الشّام ولا اليمن ،ولن تجد فرقاً يُذكر، بين تعايشي أم درمان أو البغدادي الذي في الموصِل، أو رصيفهما بلال موسى، صاحب النّظرة المِحورية: “عِرسْ بسْ”..! بعد مائة عام، من ختان سلاطين باشا في أم درمان، لم تزل الحياة عندنا مصفوفة بين قوسي الخِتان والنكاح! نحن لم نتغيّر، لكن ربما نتغيّر.. ربّما..!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة