الكيزان قوة حركية وصولية ضاربة فرضت نفسها فى واقعنا ، واوجدت دراما سياسية احتلت نصيبا من المشهد الحياتى السوداني بسطوة فارضة. وهذه حقيقة ماثلة شئنا ام أبينا، بعيداً عن جدلية فشلهم وطغيانهم وسوءهم الذي ثبت بالتجربة والبرهان .. هذه الطغمة الكيزانية التى تدثرت بالغطاء الدينى كمنهج؛ تمسكنت حتى تمكنت، بل تحكمت وسيطرت على كل مفاصل وروابط دولتنا وامتنا .. هذا الكابوس الذي بدأ التخطيط له منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي (اعترافات العراب الترابي)؛ والذي سلك فيه الكيزان مسلكا ميكافيليا شيطانيا لتحقيق غاياتهم في الوصول إلى السلطة. فتجدهم تغلغلوا فى اهم فئات المجتمع السوداني خاصة شرائح الطلاب، وعملوا على استقطاب وتجنيد النوابغ منهم في مراحل مبكرة ما قبل الجامعية ، كل ذلك تم بتنظيم دقيق ومدروس مدرعا بثوب الدين الحنيف. الدين الذى كان و منذ الثورة المهدية من اسهل المداخل لجذب عاطفة السودانيين و في سبيل ذلك بايعوا العسكر وهادنوهم بل حالفوهم، وسعوا لتكوين المال عبر هذه التحالفات فاسسوا وامتلكوا البنوك الاسلامية و شركات التامين وتتبعوا طرق جنى المال المختلفة مستفيدين من غطاء الدولة تحديدا في عهد النميري .. فكان لهم ماختطوا له .. وفى ذات الوقت كانت احزابنا وكياناتنا السياسية الاخرى فى ثبات وغياب عميقين ، دون ان تعي بان هناك سرطان يتسرب وينفذ الى بنيها وقواها الجماهيرية.. وعليه حصد الكيزان جل دوائر الخريجين لدخول الجمعية التاسيسية كقوة لا يستهان بها ويميل كثير من المراقبين الى ان الاسلاميين الكيزان كان لهم القِدح المعلى فى اشعال إنتفاضة ابريل 1985 بعد ان قلب عليهم النظام وجهه الشرس ورمى بكل قياداتهم في السجون.. فكانت نجاتهم بغياب النميري لأن في عودته كانت تلوح نهايتهم المحققة.. نعم، ظلت احزابنا الوطنية المتهالكة عاجزة فى أن تستشعر بان هناك شيئا خفيا يُدبر ليكتم انفاسهم وانفاس الوطن فى الثلاثين من يونيو 1989 .. وان هذا الشى سيتبختر فى بلادنا بالسلطة والجاه ديناً وجبروتاً وارهاباً وقبضةً امنيةً لمدة 28 عاماً ولا ندري أين ستنتهي ما لم يتوقف عدادها بنزع من الله. بعد تمكنهم من الثروة والمال خلال المصالحة مع نظام مايو وبعد سقوطها والفترة الديمقراطية الثانية، بدات اعينهم تتجه نحو السلطة وكيفية الانفراد بها فكانوا أكبر معوق للحكومة الديمقراطية لتحقيق أي إنجاز يرضي الشعب رغم أنهم كانوا طرفا في بعض تشكيلاتها الوزارية .. لا يخفى على الكثير من المراقبين ايضا الدورات الدينية التى كانت تُنظم فى المركز الاسلامى الافريقي الكائن بجنوب الخرطوم (سابقاً)، حيث كانت تقام دورات لضباط قوات الشعب المسلحة ، ولعلها كانت نقطة الحصول على القوة المتمثلة فى العسكر الذين استعانوا بهم ليوم فتحهم الموعود، وربما كانوا يتخيرون اقربهم للدين للقيام بانقلابهم المشئوم ،الى ان انقلب سحر العسكر عليهم بقيادة ساحرهم الأكبر الذي اطاح بكبيرهم الذي علمهم السحر ..واصبح هو الآمر الناهي وهو الساحر الاكبر إلى يومنا الذي تْقرا فيه هذه الاحرف التى تجتر احداث التأريخ . عسكر منهم من رحل ومنهم من اختفى بلا اثر . ، الكيزان كبشر كنا نشاهدهم فى المساجد والمدارس يتيقظون بحلمهم فى السيطرة على البلاد لاقامة شرع الله المزعوم .. وعندما أتتهم السلطة بوهن الصادق، علم الناس أن حلمهم وشعاراتهم لم تكن لتغير من الامر شيئا وهنا يصح وصفها بانها كانت كذبا وسرابا.. الغريب ان هذه المنظومة افلحت فى البقاء فى السلطة وعلى راس الاشهاد الى اليوم رغم إفتضاح أمرها وبؤس كتابها .. وكان حينما يردد البعض ان قوتهم من ضعف الاخرين، لا يسر هذا القول هؤلاء الاضعفين ... ولكن الثابت انهم لعبوا بقسوة بكرت الارهاب الامني، وعملوا بدهاء فى استدارة العاطفة الدينية لحشد الناس على حين غره .. هذه الكتلة الكيزانية التى احتمت بالدين واحتمت بالقبلية واستعملت كل الأوراق الحلال منها والحرام، لم تتردد في تبديل عقيدتها وسياساتها كل يوم حسب الظرف مع الاحتفاظ بالشعارات الخاوية الجوفاء للمظهر.. ظني دائما والذي اتمنى ان اكون مخطئاً فيه؛ أن هذه المنظومة لن تسقط الا يوم أن تعجز عن توفير قوت الناس واحتياجاتهم الضرورية للحياة.. وهاذا ما هو حادث اليوم، و العجز بان وافتضح في القرارات الاقتصادية الأخيرة وذلك بتعويم الدواء بعد فك سعر الدولار! المواطن ان لم يجد قوته و علاجه فعلاما يجلس ساكتاً ؟ وعلاما يمرح ويهنأ الحاكم بمقعده ..؟ ان كان الالم والموت هو المصير في كل الاحوال .. فلابد ان الناس ستثور وستغضب وستتحرك دون دعوات من معارضة او استجابة لاجندة خارجية كما يحب النظام ومطبليه أن يرددوا دائماً... ان لم يرفض الناس ما وصل إليه حالنا اليوم .. فليس هناك بُدا الا من تفسيرين .. احلاهما امر من الاخر .. وهما .. اما ان الشعب البطل استكان واما الشعب العظيم كله كيزان .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة