|
(1) الدولار وما أدراك ما الدولار! بقلم مأمون محمد أحمد سليمان
|
02:40 PM Feb, 28 2015 سودانيز أون لاين مأمون محمد أحمد سليمان - الخرطوم-السودان مكتبتي في سودانيزاونلاين
أمس واليوم وغداً
د. م. مأمون محمد أحمد سليمان مهندس وأستاذ جامعي -الخرطوم mailto:[email protected]@gmail.com أستميح القارئ عذراً أن استعيض عنوان هذه المقالات القصيرة التي أبدأها بهذا من رواية للكاتب الإيطالي الكبير ألبرتو مورافيا (تحولت لاحقا الى فلم بطولة صوفيا لورين). نستعيد في هذه المقالات الماضي بعظاته وعِبره، ونقارنه بالحاضر بما له وما عليه، ثم نستشرف المستقبل بالمقترحات والحلول.
سألت زائرنا العامل البسيط وذلك في حقبة السبعينات من القرن المنصرم أبان حكم النميري، وصفوف البنزين والغاز وقطوع الكهرباء والماء على أشدها. قلت له "يا شول، المشاكل دي من شنو؟". أجابني بعفوية ودون تردد "المشكلة مشكلة دولار، والناس بعد كدا حتاكل بعض!". نعم كانت المشكلة اقتصادية قبل أن تكون سياسية وقد لخصها شول ببراعة وحكمة، ولقد حاول نظام النميري حلها بمختلف السبل، منها وصفات البنك الدولي بتخفيض قيمة الجنيه، ورفع الدعم عن المحروقات والسلع الأساسية وزيادة الضرائب، واللجوء حينها للمنح والقروض ونادي باريس لسد الفجوات وسداد الديون. ويمكننا القول أن الاقتصاد كان العامل الأساسي في سقوط نظام النميري بعد أن تم ايهامه بحتمية زوال المحنة الاقتصادية وتدفق الخير والرخاء بمجرد توقيعه على "قوانين سبتمبر"، و بيعته أميراً للمؤمنين، ولا زلنا نذكر إمامته حينها للمصلين من كبار القوم لصلاة الجمعة في جامع النيلين وخطبته الشهيرة التي صرح فيها بخوارق وكرامات تبين صلاحه وتقواه! اندلعت الحرب بعدها بشراسة في الجنوب ثم انصرف الكل عن نصرته بعد اطاحته بآخر مؤيديه ومبايعيه، وأخيرا توقفت مشاريعه الطموحة وعلى رأسها التنقيب عن البترول، ونضبت المنح والهدايا والقروض، وكانت النهاية الحتمية للنظام. ومن المفارقة أنه وبعد استخراج البترول في عهد الإنقاذ مواصلةً لجهود النميري، وبعد التخفيضات العديدة في سعر الجنيه بمختلف السبل والوسائل ومنها تغيير العملة من جنيه لدينار ثم الى جنيه مرة أخرى ليصبح جنيه أول الانقاذ يساوي ألف جنيه حالي (مما جعل الالسنة تتعثر بين الألف القديم والجديد)، ومع كل الثروات التي جنتها الإنقاذ من نفط وذهب ومعادن، لا زال الجنيه خاصة بعد نضوب عائدات النفط مع الانفصال يتهاوى أمام الدولار في دورات متكررة: ينخفض بمعدل سريع تضطر الدولة بعده لاتخاذ إجراءات اقتصادية، منها في بعض الاحيان تخفيض السعر الرسمي للصرف، ثم ضخ بعض السيولة في الأسواق والبنوك لمقابلة الطلب الزائد، وحلول أمنية بمراقبة الأسواق واعتقال التجار وسماسرة السوق الأسود. وبعدها يرتفع سعر الجنيه قليلاً ولكن لأقل من سعره السابق في بداية الدورة، الى أن تبدأ دورة أخرى مع تزايد الطلب وشح المعروض وارتخاء الإجراءات الأمنية. قلت لبعض الأصدقاء مازحاً: أتعرفون ما هو الحل لهذه الأزمة التاريخية لنا مع الدولار، وتأثيرها المستمر على القيمة الحقيقية للجنيه، وما يترتب على ذلك من تآكل للدخول الثابتة والمرتبات وارتفاع جنوني للأسعار؟ الحل هو اعتماد الدولار كعملة رسمية، وإلغاء الجنيه وتوفير مستلزمات طبعه والتخلص من الجيوش الجرارة المستفيدة من طلوعه ونزوله، كحال دولة بنما، اكوادور، السلفادور، ودول أخرى، وأيضا زمبابوي (بزعامة بطل التحرر الوطني التاريخي روبرت موجابي شيخ الزعماء الأفارقة ورئيس الاتحاد الافريقي لدورة العام الحالي) التي لجأت لهذه الحيلة عام 2009 بعد ان أعياها التضخم العاتي Hyper Inflation (مثلا أجرة البص تتغير قيمتها من الذهاب للإياب، ولشراء ثلاثة بيضات تحتاج لورقة فئة مائة بليون دولار زمبابوي!) والمؤامرات الكبرى التي أحالت عملتها الوطنية لملاليم. وبالمناسبة، زمبابوي تعتمد الآن مع الدولار سلة من العملات هي اليورو والاسترليني والراند (جنوب أفريقيا)، وتنوي ايضاً إصدار عملة معدنية تُربط بالدولار الأمريكي دليلاً على نجاح تجربة الغاء العملة الوطنية (انخفض معدل التضخم الى رقم واحد عام 2010 من 231 مليون % في عام 2008). إذاً ها هي زمبابوي التحرر تقول وداعاً لدعاوى السيادة والوطنية والاستقلال التي ما عادت تجدي مع الازمات الاقتصادية الخانقة المزلزلة لعروش الممالك والدول. وبالله عليكم أين السيادة ونحن نعيش عصر قصف الطائرات من البعد دون طيار والصواريخ الموجهة من البحار، متخطية للحدود دون استئذان ودون اعلان للحرب؟ وأين لنا من السيادة ويتم خطف المواطنين من دولهم، ويُنقلون الى عرض البحر ثم الى الولايات المتحدة ليُحاكموا عياناً جهارا، ودولهم لا تستطيع ان تنبس ببنت شفة؟ فاذا كانت السيادة هي وحدها ورقة العملة فلتذهب الورقة الى الجحيم. أقول لكم جاداً هذه المرة: أدرسوا تجربة زمبابوي في اعتماد سلة العملات وبقية الإجراءات العلاجية المصاحبة، واتخذوا قرارا شجاعا يخلص الناس من معاناة التضخم وطباعة العملة دون رصيد، والفساد المترتب على ذلك، والدورات المتكررة للجنيه من الصعود والهبوط والفشل. وأخيراً، سمعت من رجال أعمال وأصدقاء أن بنوك الخرطوم أصبحت لا تقبل منهم بعض الدولارات للتوريد في حساباتهم بحجة أن تاريخ إصدارها قديم (وهي ليست من القرن التاسع الميلادي، بل إصدار عام 2001 أو أدنى بقليل، بل ربما تم استلام هذه الدولارات من نفس البنوك في السنوات الخمسة والعشرة الماضية)، وهذه بدعة جديدة من هذه البنوك لأن الدولار لا يُفحص من تاريخ إصداره، ولكن يُفحص فقط بأساليب محددة ومدروسة للتأكد من عدم تزويره، ولم أرفي جولاتي المتعددة ودراستي وعملي خارج القطر عامل بنك يحدق في تاريخ اصدار ورقة نقدية ليقرر أحقية صرفها! وكأن البنوك هنا قد امتلأت خزائنها بالدولار، فأصبحت تقرر فيه ما لم يقرره بنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي وهو الوحيد من البنوك المركزية الذي لا يطالب عملاءه باستبدال العملة بعد كل اصدار جديد، بل يتعهد بصرف أي دولار مهما طال أمده، وفي بعض الأحيان وبالنسبة للعملة القديمة فعلاً فربما تصرف هناك بأكثر من قيمتها كمقتنى أثري! نقول لهذه البنوك اتقوا الله في هؤلاء المواطنين الذين أتوا بهذه الدولارات، ورفضها بهذه الطريقة الغريبة يقدح في حرفية ومصداقية البنوك، ويعني تغذية السوق الأسود وانعاشه من حيث لا تدرون. نأمل أن يتدخل بنك السودان لوضع الأمور في نصابها، وتصحيح هذا الأمر الذي ربما هو صادر من موظف واحد لم تفطن له الإدارة ثم سارت به الركبان، وإلّا ليخرج منشور رسمي من بنك السودان يقول بهذا القرار ويشرح الأسباب. إن هذه الدولارات نتاج كدح وعرق لمغتربين ورجال أعمال، فلا تبخسوا الناس أشياءهم. وأقول للمواطنين وقدامى المغتربين تحسسوا جيوبكم وحقائبكم فربما أصبحت دولاراتكم القابعة فيها غير قابلة للصرف!!
مواضيع لها علاقة بالموضوع او الكاتب
- أمس واليوم وغداً (2)غازي سليمان، طبت حياً وميتاً بقلم مأمون محمد أحمد سليمان 28-02-15, 02:36 PM, مأمون محمد أحمد سليمان
|
|
|
|
|
|