:: ومن الحكايات القديمة، لنتعلم العربية كانت إدارة المدرسة تمنع التحدث بالنوبية طوال ساعات الدراسة، ثم تراقبنا ببعضنا .. وكان لهذا المنع بعض المواقف الطريفة، ومنها : ذات يوم، تساجل ابن خالي - بعربي دنقلا - مع بعض الزملاء حول آداء مباراة (هلال مريخ)، واحتدّ في السجال، وأراد أن يختم الأمر بإحدى شتائمنا النوبية، فنطق الكلمة الأولى، ثم - فجأة - تذكر توجيه قرار المنع والعقاب.. وما كان عليه إلا أن يقطع الشتيمة، ويلتفت إلىّ متوسلاً (عليك الله تعال تمها، أنا أمبارح اتجلدت)..!! :: وهكذا حالنا عندما نتحدث عن بعض قضايا الناس والبلد، ومنها هيبة الدولة بدارفور و غيرها ..فالحديث الفصيح عن الوضع قد يستدعي قطع الحديث ثم طلباً من شاكلة (تعال تمها).. وقبل زمن ليس ببعيد، كانت التصريح على لسان اللواء شرطة طه جلال الدين، وكان مديراً لشرطة ولاية جنوب دارفور : (يزعجنا ويقلقنا تزايد استخدام الأسلحة النارية بالولاية من قبل مجموعات مسلحة، وهذا أدى الى تنامي السلب والقتل والنهب، وهناك مجموعة أطلقت النار على دورية شرطة وأمن..ده شغل جديد، لم نألفه من قبل)، هكذا كان نص الإنزاعج ..!! :: وقد صدق اللواء طه بوصف ماحدث ب (ده شغل جديد).. ليس إطلاق الرصاص على شرطة المدينة فقط ، بل كثيرة هي الشواهد والوقائع التي تكشف بأن هناك (شغل جديد) بدارفور.. ولكن يبدو أن هذا الحدث - أو الشغل - أصبح قديماً أمام تصريح وزير الداخلية لنواب البرلمان، والذي يؤكد بأن مليشيات شبه عسكرية تسيطر على (جبل عامر)، وأن هذه المليشيات ليست سودانية بالكامل، بل بها أجانب .. فالحديث خطير، ويعكس بعض ملامح هيبة الدولة بدارفور .. أجنبية كانت أو سودانية، فان الإعتراف بسيطرة مليشيات على مناطق التعدين ( ده شغل جديد)..!! :: وليس من العقل أن ننسبهم الى الحركات المسلحة..لم نسمع بأقتحام الحركات المسلحة لمحلية تحت سلطة الحكومة وسيطرت على جبل عامر.. فالحركات المسلحة تقاتل في الأدغال والوديان، وهناك تتعامل معها القوات المسلحة (هجوماً ودفاعاً)..وكذلك لم تصدر أية جهة رسمية بياناً يتهم الحركات بالمخاطر التي تتعرض لها حياة الناس بمنطقة جبل عامر.. وليس حلا أن يكتفي وزير الداخلية بهذا الوصف لتلك القوات .. مليشيات شبه عسكرية .. لا اسم لها؟، ولاهوية؟، ولاعنوان؟، ولا قائد؟..ما هي هذه المجموعات؟، وكيف تسربت إليها الأسلحة؟.. فالإجابة ليست مجهولة.. فالمطلوب من الحكومة أن ( تجي تتمها)..!! :: لقد صرخنا حتى بح صوتنا.. فالدول ذات الأنظمة الراشدة هي التي تحتكر السلاح بواسطة قواتها النظامية (فقط لاغير)، ثم تدع بقية السلع للمجتمع المدني..ولكن نهج دولتنا- بسم الله وما شاء الله - يحتكر كل أنواع السلع، ويدع الأسلحة - فقط لاغيرها- للمجتمع المدني، ولذلك يحدث ما يحدث في ( جبل عامر)..وكثيرة هي المعايير، ولكن من أهم معايير تصنيف الدول الفاشة هو عجز السلطة الحاكمة عن احتكار السلاح بواسطة أجهزتها النظامية.. وكذلك لشعبنا حكمة نصها : ( البلد المحن لابد يلولي صغارهن )..!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة