|
(كلام عابر) في صلاة العيد/عبدالله علقم
|
الإثنين أول أيام عيد الفطر المبارك ذهبت إلي حيث اعتدت منذ سنوات أن أؤدي صلاة العيد في مسجد الزبير بن العوام الذي يبعد خطوات قليلة عن مسكني في حي الطبيشي في مدينة الدمام وأؤدي فيه ما يتيسر من صلوات في أوقات أخرى.ارتباط جغرافي بالمكان. فرغ الإمام بسرعة مميزة عرف بها من الصلاة والخطبة. تلفت حولي. صافحت اثنين حولي أحدهما من جنسية آسيوية والثاني من جنسية عربية مباركا العيد. تداعى إلى ذاكرتي شيخ المبدعين إسحاق الحلنقي حينما كان يحكي عن تجربته التي امتدت نحو عقدين من الزمان في الخليج تمرد عليه الشعر خلالها فلم يفتح الله عليه بكلمة واحدة لعشر سنوات متتالية. قال إن إحساسه بغربة المكان لم يفارقه..حتى العيد يتبادلون فيه التهاني بكلمات لا يفهمها..عيدكم مبارك.. عساكم من عواده..في الواقع الكلمات هي نفس الكلمات وتحمل نفس المعاني والأمنيات لكن ربما ينقصها ذلك الدفء الذي نتبادل به التهاني في مصلي العيد في ميدان الحرية في القضارف.. أو ربما كنت في المكان غير المناسب في اللحظة غير المناسبة.نحن الذين اخترنا المجيء إلى هذه الأمكنة، ولربما العيب فينا وليس في الأمكنة، ولكن تلك قضية أخرى، فالإنسان دوما لا يختار أقداره ولكنه يختار مواقفه. تلفت حولي وأنا في طريقي لخارج المسجد..أبصرت باثنين ليس مهما أني لم أرهما من قبل ولكنهما يلبسان نفس الجلابية والعمامة على الرأس. كنت أود الإمساك بتلك اللحظة من خاصرتها ما استطعت إلي ذلك سبيلا، فالعيد أهل كما قال العلامة عبدالله الطيب، طيب الله ثراه.العيد أهل.. كلمتان اختزلتا كل الحكمة. تبادلت معهما التهاني بالعيد السعيد ، ولكني لم أمسك باللحظة، ولكن لا بأس فلأحاول الإمساك بها في الخيال. آخر عهدي بمصلى العيد في ميدان الحرية في القضارف كان قبل أكثر من ربع قرن. منذ الطفولة كنا نتداعى لذلك الميدان..الأرض كلها مسجد لأمة محمد، ولكنها حميمية من نوع آسر تلك التي تشدني إلى تراب القضارف. صليت صلاة العيد خلف مولانا الشيخ علي الأزرق وداومت على الصلاة خلف ابنه الصالح الفخيم مولانا مجذوب على الأزرق..تداعت الصور متشابكة متلاحقة وأنا في طريقي لمسكني المجاور للمسجد كشريط سينمائي سريع..سعد الله المؤذن.. ميرغني مكاوي وهو يكبر بصوته الجهير قبل استخدام الميكرفون.. والدي في الصف الأول خلف الإمام..مجموعتنا بمختلف الأعمار التي تتحرك من الحوش الكبير وتحمل بساطا كبيرا ليصلوا عليه.. التهاني الدافئة بعد الصلاة والخطبة بالأحضان المفتوحة والإبتسامات تغمر المصلى.. تهاني العيد لابد أن تبدأ بمولانا الشيخ علي الازرق وبإبنه مولانا الشيخ مجذوب من بعده.. نطوف بعد ذلك علي عدد من الجيران في الحي للتهنئة بالعيد قبل العودة للمنزل لمواصلة الفرح.. العيد أهل. كانت والدتي تتحامل على سنينها وتجيء لصلاة العيد برفقة واحد من أحفادها.. أحسست من وراء السنين بدفء حضنها المترع بالحنان وسكينة الروح.. كنت قد تمنيت أن يكون هذا العيد بالذات وسط الأهل.. غافلتني دمعتي فانفلتت مني رغم تكلس العواطف وجفاف الدموع. استغفر الله لي ولكم، ورحمة الله علي أمواتنا وأحيائنا، وكل عام وأنتم بخير. (عبدالله علقم) [email protected]
|
|
|
|
|
|