|
(كلام عابر) ثقــافة بقلم عبدالله علقم
|
قبل بضعة أسابيع، أقيم في مدينة القضارف ما سمي بمهرجان الثقافة العمالية الأول شارك فيه عدد من الناشطين والعاملين في مجال الثقافة، وقدمت فيه بعض البرامج الثقافية، ولا أعرف تحديدا ما وراء هذا الحدث، أو الجهة التي تكفلت بمنصرفاته، ولكن الحدث نفسه،خلف انطباعا طيبا،وشاركت بعض الصحف في نقل فعالياته بصورة موسعة، ولقي حظا كبيرا من التغطية الإعلامية التي استأثر بعض المسؤولين في ولاية القضارف بنصيب وافر منها بطبيعة الحال. كان حدثا متميزا زاده ألقا وبهاء حضور الشاعر الفخيم كامل عبدالماجد، فمثل هذه الاحتفائيات الثقافية لا تشهدها القضارف كثيرا. على بعد خطوات قليلة من موقع الإحتفال، توجد مدرسة القضارف الأميرية وهي من أوائل المدارس في السودان، احتفلت قبل سنوات احتفالا خجولا بمرور مائة سنة ميلادية على إنشائها. وقبل سنوات أيضا كان على رأس وزارة الثقافة في القضارف وزير عرف بالزهد وعرف ايضا باهتمامه الشخصي بالشأن الثقافي، فشرع بجهوده الذاتية في إقامة مسرح مدرسي على مساحة من الأرض مجاورة لهذه المدرسة التاريخية. ولكن المشروع لم يكتمل بسبب عدم توفر المال اللازم لإكماله بالرغم من كل جهود ذلك الوزير الخيّر- البشير جمعة سهل- الذي ما لبث أن غادر المدينة وكرسي الوزارة،وفي نفسه شيء من حتى، وبمغادرته لم يقبر مشروع المسرح المدرسي فحسب، ولكن القائمين على الأمر اختاروا تأجير المكان لمستأجر قرر أن يحوله لثلاجة موز لإشباع البطون بدلا من العقول.وأذكر أنني استفسرت والي القضارف آنذاك السيد كرم الله عباس الشيخ في لقاء صحفي معه نشر في صحيفة "الأخبار" قبل نقل ملكيتها،استفسرته قبل اكثر من اربع سنوات عن حقيقة الذي يشاع ويهمس به مجتمع المدينة آنذاك عن المسرح الذي سيتحول إلى ثلاجة موز ، فأكد لي الرجل أنه لن يسمح بحدوث ذلك إطلاقا. ليس ذلك فحسب، ولكنه،أي السيد كرم الله، سيعمل على تكملة هذا المشروع الحضاري وتوفير الإعتمادات المالية اللازمة له. هكذا قال لي. ولكن كرم الله شغلته المعارك التي خاضها أو استدرجه لخوضها الآخرون، وهي معارك لا تمت للشأن الثقافي بصلة، وانتهت باستقالته،أو إقالته، من منصبه، واكتمل مشروع ثلاجة الموز على أنقاض المسرح الذي أصبح نسيا منسيا. القضارف ولاية تعاني منذ زمن طويل حالة من التصحر الثقافي رغم الجهود الفردية المقدرة للتغلب على هذا التصحر، وكان من أبرز هذه الجهود منتدى شروق الثقافي،وهو منتدى ثقافي رائد يبث أشعة التنوير وسط ظلمات كثيفة من الإنغلاق المتجذر،ويطرح قضايا اقتصادية واجتماعية وتعليمية وسياسية من خلال ندوات عامة متاحة للمتخصصين وغير المتخصصين، ولكن أولياء الأمر، بما لهم من منعة وسلطان، لاحقوا المنتدى في مقراته المستأجرة والمضيفة وفي الميادين العامة وفي كل مكان، وصادروا ممتلكاته التي لا تتجاوز بضع مقاعد وكتب وجهاز ساوند سيستم ولابتوب وغير ذلك، وهي جميعها وفرت بالعون الذاتي، ولكنهم لم يتمكنوا من اخراسه تماما،وإن أفلحوا بنجاح كبير في إنهاكه وتعطيل نشاطه، وهو أمر يثير الدهشة والتساؤل لأن منابر ومنتديات مماثلة في الخرطوم وعطبرة ومدني وبورتسودان وغيرها من المدن تطرح مثلما يطرحه منتدى شروق، بأريحية كاملة. ولكن يبدو أن للمسؤولين في القضارف تقديراتهم الخاصة للأشياء. قيام باكورة مهرجانات الثقافة العمالية في القضارف في مدينة تحول المسرح إلى ثلاجة موز وتطارد نشاطا ثقافيا بشهية مفتوحة،أمر شديد العبثية، أو،إذا أحسنا الظن، ربما يكون المهرجان بادرة مرجوة لانفراج ثقافي في ذات المدينة التي رفدت السودان في أزمنة سابقة بالمبدعين،فمنها جاءت الفنانة عائشة الفلاتية، والفنان عبدالكريم الكابلي، والصحافيون محمد الخليفة طه الريفي،وعبدالله رجب، ومحمد أحمد السلمابي، وعوض برير، وأحمد طيفور، وحسب الله الحاج يوسف (ودمحلق)، والصحافي الشاعر ابراهيم عوض بشير، والدبلوماسي الاعلامي القاص أحمد الأمين، والشاعرين بابكر الطاهر وخليل عجب الدور، وأمير المبدعين شاعر نشيد الاستقلال الدكتور عبدالواحد عبدالله يوسف. (عبدالله علقم) mailto:[email protected]@yahoo.com
|
|
|
|
|
|