|
(المهرجان الثقافى الثالث لتراث جبال النوبة) المصارعة تراث و ثقافة و رياضة ايليا أرومي كوكو
|
(المهرجان الثقافى الثالث لتراث جبال النوبة) المصارعة تراث و ثقافة و رياضة
ايليا أرومي كوكو [email protected]
(المصارعة ) جانب من ثقافة جبال النوبة
يعد رياضة المصارعة عند النوبة تراث و فن و مدرسة و ثقافه قائمة بذاتها .. ففي الماضي القريب البعيد لم تكن المدارس موجودة بتلك المنطقة .. كما ان العملية التعليمة و التربوية بصورتها الممنهجة لم تعرف طريقها الي جبال النوبة باكراً كباقي مناطق السودان .. فأن وصمه النوبة بالتخلف فتخلف النوبة هي بجريرة غيرهم ... كانت الفطرة الطبيعية السليمة و قوانينها الاخلاقية السامية هي التي تنظم حياة البشر في جبال.. و كان النوبة في الجبال ابناء للطبيعة هي بنت الاله .. فان قلت بأن النوبة في عهدهم الاول كانوا وثنيين فأنت تظلمهم .. ذلك لانهم في حقيقة الامر كانوا اصحاب ديانات و شرائع توحيدية بنصوص غير مكتوبة . كانوا يعبدون الله من خلال حياتهم اليومية الروتينية و من خلال ممارساتهم لعاداتهم و تقاليدهم التي توارثوها عن اجدادهم و لسنا هنا بصد ارتباط جبال النوبة بخلفيات تاريخية هي موضع جدال .. فمن خلال اسبارهم و طقوسهم و اعيادهم التي لم تكن موجهة الي صنم او اتجاه او أي موجود من الموجودات الكائنة التي خلقها الله .. كانوا يؤمنون بالله العلي القديرالموجود في كل مظاهر الطبيعة من حولهم .. فالشمس و القمر و الليل و النهار كانت وجهاً من اوجه القوة الخفية التي يهابونها و يخشون تقلباتها .. و كانت السحب و الامطار ترمزان للخيرات التي تأتيهم ببركة الماء .. فالامطار تعكس وجهاً اخراً لقوي الخير الذي يتطلعون اليه صباح مساء .. و كان المرض و الموت و الفقر و الجوع و العطش و جهاً ثالثاً يمثل غضب و لعنة لتلك القدرة الغير مرئيه بالنسبة لهم لكنهم يعملون حسابها .. و بنصوص و شرائع الطبيعة و سننها عاش النوبة في سلام و وئام و أمن و ايمان .. و لم يكن النوبة في تلك الازمنة الغابرة من أهل الشر او المبادرين بها بينهم او ضد غيرهم .. فقد تعلموا السلم الاجتماعي من بنت الاله معبودتها .. كانت الحرفة السائدة عند النوبة هي الرعي و الزراعة .. فلاطفال يفتحون عيونهم باكراً علي الماعز و الابقار و الزراعة و الحقول الخضراء .. فينشئون و يشبون بين الزرع و الضرع ..يتعلمون الفنون و المهارات الخاصة بحمايتها و الاعتناء بها من اللصوص المعتدين الوحوش البرية بالليل و التهار .. فكهوف الجبال التي تحمي النوبة في الشدة و الضيق و عند اعتداء الاخرين علي ديارهم .. تكون مأوي للمرافعين و النمور و الاسود و اللصوص في وقت السلم و الامان .. كما يختبيء في جحورها الصوص في افي أزمنة السلم و الاطمئنان .. أن الصبية السارحين بمواشيهم في تلك التلال و الروابي التي تطل علي القري هم اقرب دئماً الي اللهو و اللعب من متابعة انعامهم او حراسة حقولهم .. و هذا ما يتابعه اللصوص المرابطين اثناء ساعات النهار اقتناصاً للفصر المواتية ..و النوبة غالباً ما يتحاشون مشاكل الزاعة و الرعي و اللصوص و الوحوش قدر الامكان .. ذلك باقامة المزارع الكبيرة علي مسافات بعيدة من القرية ..و يتركون المساحة الواقعة بين القرية و الزراعة لرعي بهائم اللبن و ضعفاء القريه من كبار السن و الفقراء الذين يملكون عنزة او اثنين ..اما الجباريك فهي تزرب و تسور بأحكام تفادياً للمشاكل بين الجيران .. اصحاب الابقار الكثيرة غالباً ما يقيمون ببهائمهم في الفرقان في اتجاهات معاكسة لاماكن الزراعة .. و الرعي مهمة يقوم به الصبية و الشباب في الغالب الاعم .. اما الزراعة في من اختصاص الرجال و النساء و بعض الفتيات .. الرجل الاب رب الاسرة يصحو مبكراً ليتناول وجبة خفيفه سريعة و من ثم يخرج الي الحقله لتلحق به زوجته محملة بالاكل و الشراب .. و منتصف النهار عادة و هو وقت القيلوله حيث يركن المزاعين لقسط من الراحة تحت ظلال الاشجار الكبيرة .. يتناولون وجبة النص الذي يتكون من العصيدة و بليلة السمسم و اوراق شجر التبلدي و العرديب الرخص و اوراق بعض النباتات التي يتم خلطها بالدكوه ( الفول السوداني المظلوط ) , او السمسم المسحون .. في تلك الاثناء يشربون جرعات من المريسة لزم الانتعاش و تجديد النشاط لمواصلة العمل كدحاً .. و الذين لا يشربون المريسة يقدم لهم المديدة بديلاً.. و المريسة عند الاهالي في جبال النوبة وجبة ضروية وهامة للبعض .. أنهم لا يعتبرونه خمراً او مسكراً بل طعاماً و غذاءاً عادياً .. و في البيوت قد تتأسف النسوة الكبيرات في السن لضيوفهن شديد الاسف اذا كان من بين الضيوف من لا يشرب المريسة .. فالضيف العزيز يكرم بالذبائح و تقديم المريسة .. المريسة عند النوبة هي سيدة الموائد في الاسبار و الاعراس و النفائر.. كما في الاعياد التقليدية الخاصة بأفراح الحصاد و اعياد الشكر و الزواج و الموت .. الامسيات وجزء الليالي القمرية يقضيها النوبة في السمر و الانس و الجزء الاخر يخرج فيه الشبان و الفتيات الي ساحات اللعب و الغناء و الرقص .. تبداء ليالي الغناء و الرقص غالباً حينما يتجه الهلال ليكون بدراً .. وذروة ليالي الفرح و الطرب و الرقص تكون في نهاية شهر اغسطس أب .. عندما يظهر باكورات خيرات الخريف من عيش الريف و الفول السوداني و ورق اللوبيا .. و خيرات اخري كثيرة تجود به الارض ، فأرض جبال النوبة الواعدة دائماً بالبركات لآهلها البسطاء لا تخذلهم او تبخل عيهم بنععمها متي افلحوها .. الابقار و الماعز من ناحيتها لا تقصر فهي ايضاً تجود بخيراتها من للبن والسمن و الروب وا لحوم السمينه التي يأتي الصبيان المقيمين في الفرقان .. صبيان الفرقان يأتون ايضاً بالعسل والصيد من الغزلان و ألارانب و جداد الوادي والكوير .. بحلول سبتمبر ايلول يكون الكل قد أكل و شبع و فارق شبه الجوع و المجاعة التي كانت تحاصر سكان جبال النوبة عادة في يوليو و اغسطس .. و شهري يوليو و اغسطس معروفين لدي الجميع بأنهما اشهر الفاقة و القحط و الجوع و المرض و الموت ايضاً.. فالبهيمة و الطفل و الكهل العجوز الذين يتخطون هذه الاشهر احياءاً سيرافق الصبيان و الفتيات الي ميادين المصارعة في اكتوبر القادم .. ولموسم الصراع طقوسها و اسبارها و مهرجاناتها التي تعم كل القري و الفرقان و الحلال .. فالفتيان الابطال المصراعين يدخلون في معسكرات مقفولة تحكمها ضوابط صارمة جداً يحرص الجميع علي تطبيقها بحزافيرها و يحثون الاخرين بعدم الاخلال بها .. يمتنع الصبيان عن أكل الحوامض شرب المريسة و يلتزمون بالفطير و اللبن و العسل و السمسم .. لا يخرجون في النهار الي القرية و هم ممنوعون من اتيانها في الليل ايضاً فكل طلباتهم تأتيهم في الفريق .. الفتيات ملتزمات دائماً باحضار احتياجات صبيان الفريق المعسكرين لآولمبياد المصارعة التي ستقام بعد بضعة ايام ... الحسنوات يحضرن الي الفريق في جماعة و يغادرنه قبل العصر .. و تلك الفترة هي لرفع الروح المعنوية للمصارعين و الاطمئنان علي سلامة أكلهم و شرابهم و نفسياتهم .. الاطمئنان علي نومهم و عدم سهرهم و الاطمئنان ايضاً علي نمو ابدانهم و عضلاتهم و ضمور خواصرهم و بروز صدورهم.. منتصف اكتوبر الي منتصف نوفمبر زمان محدد بين النوبة و من ساكنهم لقامة كرنفالات واحتفلات و مهرجانات المصارعة .. فالزروع و الحقول نضجت و تلك فترة لراحة الناس من مشاق الزراعة استعداداً للحصاد بعد نيل كؤوس المصارعه و خطف اضواءها .. يتباري الفتيات في اغاني التشجيع والاناشيد التي تكيل المديح و الثناء للفرسان و الابطال .. يتزين الفرسان المصارعين بالسكسك البديعة الالوان و الاشكال .. هذه السكسك هي هدايا مرصعة بأيات الحب و التقدير و العرفان تقدم من الحبايب و بنات الاعمام و الخلان العزيزات .. هي هدايا من اخريات في اشواقهن الحارة الظفر بقلب بطل من الابطال المافسين لنيل لقب المصارعين في هذه الدورة .. و للسكسك عشق وجداني عميق لدي كافة الشعوب في جبال النوبة .. و لا ادري مغزي هذا العشق.. و تيجان من ريش النعام تعلو هامات المصارعين المزهوين بأستعراض عضلاتهم باشارات تسرع نبض الخصوم في الفريق الاخر.. الصدور العارية تستبين فيها علامات الفحولة و الرجولة و القوة .. و الوجوه تشع فخراً و اعتزازاً بالنفس و الفخر بالقبيلة .. الكشكوش في أرجل المصارعين تصدر منها اغنام منسجمة مع غناء الحكامات و زغاريد الامهات الداعيات بغلبة اكبادهن طمعاً في نيل شرفاً القبيلة لعام كامل ..و فتيات قبائل النوبة علي اختلافهن لسن بأقل استعداد من الصبيان لهذا المحفل الكبير .. فمواسم المصارعه هي موسم للفرجة و العرض وللقاءات و المقابلات و للفت الانظار و رمي السهام و افتناص الفرص التي لا تتكرر الا مرة واحدة في السنه .. و كل صاحب حظ و نصيب سينال بغيته من هذه التظاهره الكبيرة ما يروم و الا فالمطلوب هو عام من الانتظار الممل .. اذاً فللمصارعة الحرة عند النوبة معنايها و دلالتها الاجتماعية و الثقافية و الفنية والاقتصادية ايضاً .. فموسم المصارعة هو عيد للتجارة و الربح و الكسب و جني الفوائد .. هو ايضاً عيد للشباب للتعارف و الصداقة و الحب و الاختيار و الزواح ... المصارعة عيد لكل القبائل التي تعيش في جبال النوبة للتعايش و التدخل و التمازج .. هذه كلها بجانب المصارعة كرياضية بدنية لها فنونها من استعراض للمهارات الجسمانية و العضلية و الخلقية و الاخلاقية .. و فنون مقارعة الخصم و النيل منه برميه علي الارض دون أذي او مس شعرة منه لو بكلمة .. و للمصارعة في جبال النوبة جمهورها و شعبيتها و محبيها ايضاً ..
|
|
|
|
|
|