|
"اعلان باريس": الحصان والعربة! /بلّة البكري
|
"اعلان باريس": الحصان والعربة! بقلم: بلّة البكري mailto:([email protected]([email protected]
مقدمة معلوم أنه يصعب حل أي معضلة دون تفكيكها لعواملها الأولية. فما هو العامل الأوّلي والأساس الذي يشكّل الحد الأدنى من "المعطيات" للفعل السياسي الجاد للخروج ببلادنا من هذا النفق المظلم بعد أن بان كذب دعوة حوار الحكومة (وطني وشعبي ) ؟ الأجابة بلا أدنى شك هي وحدة (كل القوى المعارضة بما فيها الجبهة الثورية) حول (برنامج سياسي للتغير) متفق عليه ب(اجماع تام) بواسطة هذه القوى يحمل في طياته حلا ناجعا للأزمة؛ قاطعا الطريق على دعاة استمرار الوضع الراهن ودعاة الاحتراب والتقسيم. كما يجب وضع (خارطة طريق) كملحق لهذا البرنامج مكمل له تدرج فيها الخطوات االمطلوبة بوضوح تام؛ بدءا من (الاجماع) المسنود بالمجتمع الدولي لضمان وحماية (مطلوبات الحوار)؛ الى (الحكومة الانتقالية)؛ الى الموقف من الدستور الحالي، الى (الفترة الأنتقالية) وكيفية (التحول الديمقراطي المستدام). فما هو السبيل الى هذه الوصفة السحرية التي فيما يبدو قد أعيت كل دهاقنة السياسة في بلادنا حتى الآن؟!
ما أُخذ على الاعلان ما أخذ على اعلان باريس أو "وثيقة باريس" هو أنها اتفاقية ثنائية، جاءت في وقت كثرت فيه المناورات السياسية الناتجة عن الفشل وردود الأفعال؛ وأنها قصرّت، في متنها، عن التناول الجاد لقضايا محورية مثل قضية الدين والدولة؛ على الرغم من أن مثل هذا القصور يمكن تداركه طالما ظل الأعلان قيد النقد البناء والمناقشة. وأن ثنائية الوثيقة ستنتفي بتعميمها على القوى المعارضة. ومما أُخذ عليها أيضا هو أنها جاءت فجأة من وراء ظهر القوى السياسية الأخرى في محاولة ربما بدى منها تجاوز الآخرين قصدا أو سهوا؛ وأنها مهادنة مما يقود لتنفيذ سياسة الهبوط الناعم التي ربما ظلت مرفوضة لقطاع كبير من المعارضة. هذا وقد انسحب عليها ايضا أن مهندسها قد علقت به تهم التذبذب والضبابية في المواقف وممالاة النظام القائم حتى ظن البعض أنه ظله، مما ذهب بقدرٍ معتبر من الثقة في مبادراته كلها. ومع ذلك فقد جاءت الوثيقة في ظرفٍ مواتي وشكّلت بذلك حدثا سياسيا هاما ليس من الحكمة في شئ تجاهله. فلنلقي الضوء عليها ونفحصها جيدا فربما كانت هي الدرّة الكامنة التي يبحث عنها الغواصون.
الحصان والعربة! إن فهم الظروف السياسية التي صاحبت ميلاد هذه الوثيقة ضروري للتعامل معها. فمن قاد مبادرتها كان بالأمس من الجالسين في الصف الأمامي في قاعة الصداقة بجوار الترابي والعتباني مستمعا لخطاب (الوثبة) الشهير في يناير من هذا العام. انتهت دعوة الوثبة الى كذبة وزحف بطئ نحو هدف الحكومة الحقيقي وهو جرجرة الكل لموعد الانتخابات المضمونة في ابريل القادم ووضع الجميع امام الأمر الواقع. وهيا بنا يا مواطن الى ربع قرن آخر من الجحيم حتى ينعم الذين تمكنوا بخيرات (التمكين). لذلك، ولاعتبارات أخر لا يسع المجال للأسهاب فيها تم شرحها في عدة مقالات منشورة، لكتاب معتبرين، يمكن للقوى المعارضة قبول الوثيقة وتطويرها بدعوة جادة لكل القوى المعارضة للدخول فيها حتى يتحقق المطلوب الأساسي الأوّلي: (وحدة القوى المعارضة كلها بما فيها الجبهة الثورية) والذي بدونه كأننا لا رحنا ولا جئنا. وساعتها يمكن ادراج متطلبات الحوار الجاد فيها بلغة واضحة لا لبس فيها ولا تقبل التهادن. فنحن نتحدث عن حوار مع طرف قابض على كل شئ وتنعدم عنده "حسن النيّة". طرف هو نظام كامل متكامل، تحميه الآن مليشيات مسلحة، ويدوس بصلف على كل مطلوبات الحوار الجاد غير عابئ بمنصوص الدستور ولا بالتزاماته الدولية تجاه الحقوق الأساسية. طرف يقمع ويعتقل معارضيه حتي انفض عنه حلفاؤه السياسيون اشهرهم من قاد مبادرة باريس هذه؛ وما زال بعص من نازلوه بشجاعة وإباء يقبعون في زنازينه يتقدمهم الباسل ابراهيم الشيخ ومؤخرا د. مريم المهدي. فمحاورة نظام هذا ديدنه ليس من جدوى لها أن لم تأت من قوة تعادله أو تفوقه؛ وليس من سبيل الى توفير هذه القوة غير (الاجماع التام) والذي ربما كانت باريس هي محطة بدايته. ويجب أن لا ننسى أن "الحقوق تُأخذ ولا تُعطى".
ولهذا فقبول الوثيقة وتطويرها ربما كان أنجع وأقصر طريق لبناء تحالف الأغلبية الغائب من المشهد السياسي الآن. خاصة وقد بدأت بعض الأحزاب التي كانت متحالفة بالأمس مع الحكومة في النظر الي هذه الوثيقة بجدية ومنهم من صرّح بتأييدها. ثم أن الوثيقة ستصبح أداة فعّالة ل"فرز الكيمان" كما يقولون، بصورة أجلى وأوضح. فمن عارضها بعد أجماع الكل وصِدْق الطرح تحددت مواقفه من جادة الحوار وتبين انحيازه للحالمين بالوثبة الموهومة. فالفرصة الآن مواتية لتحويل الوثيقة الي صاعق يشعل شرارة )الاجماع التام) كمعطى (أساس) للحل الناجع. فقد صار الأن بالامكان، ربما لأول مرة، وضع الحصان أمام العربة، كما يجب أن يكون!
أما لمن لا زالوا يتخوفون من نكوص بعض الموقعين على الوثيقة فلا مبرر للخوف؛ لأنهم قد أحرقوا مراكب العودة كلها هذه المرة، مما يقلّص فرضية التراجع عندهم. وبالطبع ليس ببعيد أنهم ربما استطاعوا العودة بوسائل أخرى، إذا شاءوا، لكن بتكلفة ستكون جد باهظة. بل نزعم أن ليس منهم من يملك في رصيده السياسي (أو ما تبقى فيه) تكاليف النكوص. ولهذا تتقلص قيمة مثل هذا التخوف.
خاتمة وختاما، ما يحسب لباريس المدينة في مستوىً آخر، نورده هنا من باب التفاؤل، ربما، هو أنها مدينة النور والعلم والحرية. وأن تارخ باريس الحديث ينبئنا بما فعل أهلها، في ماضٍ قريب بحكام ظالمين انفصلوا عن واقع شعبهم وازدروه وأهانوه، فأزاحهم الشعب وحاقت بهم وبتاريخهم الندامة. وقد أضحت اقوالهم، أو ما نسب اليهم في "اعتراف" جان جاك روسو هزءا في التاريخ علق باسمائمهم الى يوم يبعثون. فهل من مدّكر؟!!
|
|
|
|
|
|