دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
صاحب العمل اليتيم
|
أحبتى الافاضل
بالامس الاول قرأت بوستا للأخ الحبيب ود الباوقة عن الفنان القديم المتجدد هذه الايام نجم الدين الفاضل وانه صاحب اغنيتين لا غير ولعل ذلك اثار فى نفسى شجون وتذكرت كم هى الاعمال العظيمة التى اكتفى اصحابها بها ولم يزيدوها ولكنها خلدتهم واصبحت شاهدا عليهم ....
حقا هنالك الكثيرون فى مختلف ضروب الفن والادب قدموا عملا واحدا فقط فى حياتهم ولكن هذا العمل خلدهم لروعته وجماله ولانه كان من الجودة بمقام الكمال فى العمل ..
ولذلك إن كان لك عملا يتيما لم تردفه بآخر فلا تستهين به فربما يكون رائعا ينقلك الى مصاف الشهرة فقط تأكد من تجويدك لهذا العمل واعتناءك به حتى يكون عملا يستحق ان يشاهده الاخرون ...
وبمناسبة تجويد العمل دعونا نتناول أحد اولئك الذين قدموا عملا واحدا فقط فى حياتهم ولكنه عملا لا يضاهى وان قرأته فلابد ان يستحوذك الاعجاب بهذا العمل الرائع الجميل ولعل صاحب هذا العمل اندهش بالتجويد لعمل يدوى لقوس (نشاب) ، ورد وصف ذلك العمل ضمن ابيات من قصيدة قديمة جدا من التراث كتبها الشماخ بن ضرار لم تتعد ابياتها الثلاثون بيتا ولكنها لفتت نظر الاستاذ محمود محمد شاكر فى العام 1952 [وإنّي لَمُحدِّثك الآنَ عن رجُلٍ من عُرض البشَر ([1])، يَتَعيش بكدِّ يَديْه، صابَرَ ([2]) الفاقةَ عامَيْن، يعمَل عملاً يُفْلِتُ نَفَسًا من الغنى إليه، أغواهُ ثَراء يَبْهرهُ، فما كاد يُسْلِمه للبَيْع حتى بكَى عليه.
لم أعْرفُه، ولكن حدَثني عنه رجُلٌ مثْلُه عَمَلُه البَيان، ذاك فِطْرتُه في يَدَيه، وهذا فطْرتُه في اللِّسان.] فنظمها فى قرابة الثلاثمائة بيتا من الشعر الرصين وقد جاءت تحفة فنية رائعة والروعة تبهرك فى مقدمة هذا العمل وهو عبارة عن رسالة لاحد اصدقائه يحدثه عن تجويد العمل من ناحية فلسفية مقنعة جدا [يدورََ حديثي كُلُّه على إتقان الأعمالِ التي يُتَاح للمرء أن يزاولهَا ـ في لِمحة خاطفة من الدهر، نُسميها نحن الناسَ : العُمُر!! ياله من غُرُور!] [فسَلْ كل حيًّ : كيف تعملُ؟ ولِمَ تعمَلُ؟ ومَنِ الذّي عَلَّمَكَ وهَدَاك؟ ومَنِ الإمامُ الذي سَنَّ لك الطريقَ ([3])؟ وبأيّ عبقريّة يأتي إبداعُك؟ ولمَ كان عملُك نَسَقاً ([4]) مُنْقادًا لا يتغير؟ وكيف كَانتْ مهَارتُك تُراثاً ([5]) مُؤَبَّدًا لا يتبدل؟ وحذْقُك طَبْعاً راسخا ًلا يتحوَّل؟ ولم صارتْ سُنّة ([6]) الأوائل منكم لِزَاماً على الأواخر؟ ومِنهاج ([7]) الغابرين شَرَكاً للوارثين! بل كيف أخطأ الآخرُ منكُمْ أن يَسْتدرِك عَلَى الأوَل؟ والخَلفُ أن يُنَافس صَنعْةَ السَّلَف؟ وعَجَباً إذنْ! كيف صارَ كُلّ عملٍ تَعْمَله مُتْقناً، وأنت لم تَجْهَدْ في إتقانه؟ وأنى بلغتَ فيه الغاية، وأنت مسلوبٌ كلّ تدبيرٍ ومَشِيئة؟ وما أنتَ وعملُك؟ أتحبُّه وتألفُه؟ أم تَشْنَؤُه ([8]) وتسأَمُه؟ أتُخامُرك نَشْوة الإعجابِ؟ أبدعتَ فيه؟ أم تنتَابُك لَوْعة الحُزْن إذ أصابه ما يُتْلِفُه أويؤْذيه؟ ألم تسألْ نفسكَ قطُّ : فيمَ أعمَل؟ ولمَ خُلِقت؟ وفيمَ أعيشُ؟ ] واصفا كيف ان ذلك الرجل الفقير الذى لا يملك من المال شئيا ولم يرث من والديه شئيا والذى يقتات على صنعة يديه - فى زمن قاسى جدا - وقد كان ذلك فى جزيرة العرب وهو يصف ذلك الرجل الفقير كيف ذهب الى الغابة وبعينه الثاقبة العارفة كيف اختار غصنا بعناية ودقة شديدة من اغصان شجرة كثيفة فصعد الى اعلاها رغم قسوة الاشواك فقطعه ونزل ليعالجه لمدة عامين كاملين حتى اصبح طيعا واصبح كما يريد بعد ازاحة اللحاء عنه وتكوينه بالهئية التى اراد واضعا اياه تحت الشمس مهتما به كأنه انيس وجليس محبب حتى اكتملت الصورة كما اراد لها وتلك المدة الزمنية كانت كافية لان يحدث بينهما تآلف وان يعتاد عليها ولا يطيق فراقها رغم اعداده اياها للبيع والتكسب من وراءها والخروج من حالة الفاقة ومفارقة شظف العيش فى مجتمع يجل الرماح والاقواس ...
جاء موسم الحج فحملها وذهب بها الى تجمع الحجاج وهو سوق ضخم يجمع الناس من كل انحاء المعمورة والكل يبيع ما لديه من اشياء وفيه يرى الناس ما لم يروا خلال عامهم لان الحجاج يأتون من كل بقاع العالم حاملين معهم اشياءهم الثمينة والعجيبة والغريبة فكان عرضه لتلك القوس - التى اسماها شاعرنا القوس العذراء - فما ان عرضت حتى وجدت اقبالا منقطع النظير واعجابا مستحق فلا غرو فهذا نتاج عامين كاملين من التجويد وهى تقريبا تحفة فنية وليست مجرد قوس يمكن ان يمتلكه اى من كان ولذا فهى كالعروس المجلوة وذات الحسب والنسب والجمال الفائق ولا يستحقها الا فارسها الذى يدفع فيها الغالى والنفيس ، وحين سؤاله عن السعر تمنى فيها الكثير من الاشياء الغالية فى ذلك الزمان وهذا الزمان ايضا مثل الذهب وهى عزيزة على قلبه وكان مشهدها رائعا جميلا جذب الحجاج فى زمن يعتبر القوس شيئاً قيما جدا وثمينا ولا غنى لاى شخص عنه بل هو وسيلة كسب العيش الوحيدة للكثيرون من الفقراء ووسيلة لهو اثيرة للموسرين والاغنياء بها يلهون فى البادية - حين رحلات الاستجمام والرفاه - باصطياد الظباء وغيرها فهنالك يتبارى اولئك المترفون من ذا يملك قوسا نادرة المثال حسنة الصنع طيعة فى اليد سريعة لاطلاق السهام والفتك بالفريسه وذلك مجال كبير للزهو والفخار وحديث المجالس بل وقول الشعر مدحا فى ذلك الزمان ....
هنا يدخلنا الشاعر فى حوار رائع بين الرجل وقوسه من ناحية وبين المشترين والمتفرجين فى السوق وكيف انه بعد أن وجد القبول للسعر الذى تمناه لروعة القوس وجودة صنعته – فقد كان شاعرنا الجميل مترجما لاحاسيس انقضت ومشاعر مضت وربما كانت مكنونة فى نفس البائع وفى قلب الجماد ولكن رقته مشاعره جعته يصور ذلك اى ما تصوير - ولكنه حينما أتت ساعة الفراق سالت دمعة على خده حزنا على فراق قوسه العذراء التى لم يمسها غيره ولم يداعب وترها ولم يذقها فهو صانعها وعاشقها والمتيم بها ولكن الحياة صعبة تجعلك احيانا تضحى بأغلى ما تملك من اجل لقمة العيش ...
ولعل فى الاطلاع على القصيدة متعة لم استطع التلميح لها فى مقالتى هذه ولذا ادعوكم جميعا لقراءة ذلك السفر اليتيم الجميلhttp://www.bab.com/articles/full_article.cfm?id=4981 والذى لم يكتب صاحبه غيره ولو كتب لما استطاع مجاراة هذه اللوحة البديعة ...
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) عرض البشر: غمارهم وكثرتهم، بلا تحديد أو تعيين.
([2]) صابر: تكلف معها الصبر على عنت ومشقة. نفساً: قليلا ينفس عنه.
([3]) سن الطريق: بينه ووطأه مستقيماً إلى قصد معروف.
([4]) نسقاً: أي نظاماً متتابعاً متواتراً على سواء السبيل. منقاداً: سلساً مفضياً إلى نهايته.
([5]) التراث: الإرث المورث، والمؤبد: الخالد منذ أبد الآبدين .
([6]) السنة: الطريقة والسيرة اللازمة.
([7]) المنهاج: المسلك الواضح. الغابر: الماضي. والشرك: جادة الطريق لاتخفى معالمها، لظهور آثار السائرين فيها، فالسائر كأنه يهتدي فيها ويستقيم اضطراراً.
([8]) تشنؤه: تجده قبيحاً شنيعاً فتبغضه، تخامرك: تخالط نفسك فَتُغَطِّي على حسن تمييزك، كما تفعل الخمر بالعقول.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: صاحب العمل اليتيم (Re: قرشـــو)
|
وما اكثر اصحاب الاعمال اليتيمة قال الروائى جابريل غارثيا ماركيز فى حوار معه اننا خرجنا من معطف روائى اسبانى كتب رواية واحدة ما زلنا نتعقبها حتى الان جميع الكتاب اللاتينيين ثم انه يا اخى العزيز ماذا عن الشاعر الفذ التجانى يوسف بشير واشراقة او الشاعر الفذ العبقرى ادريس جماع ولحظات باقية كلاهما لم ينجز سوى ديوان شعر واحد خلدهما الى يوم يبعثون بل انه فى هذه البلاد ما زال الناس يدرسون "النبى " لجبران خليل جبران كاية من ايات المعمار الادبى رغم انه كتب بعدها العشرات لكن ظلت روايةالنبى مرجعا لكتاب المهجر يتم تدريسها فى الجامعات الامريكية بل ان العالم مازال مشدوها بما رسمه الفنان الايطالى الذى رسم الموناليزا وكانها الوحيدة التى رسمها دائما هناك "ماستر بيس " لكل فنان مهما اتى من بعد من اعمال رغم ان الاديب الراحل كتب بعد موسم الهجرة عدد من الاعمال لكن بقيت موسم الهجرة هى الاكثر رواجا وبدا معها كانها الرواية الوحيدة التى كتبها يقينى ان الفنان تخلده لوحة واحدة او اغنية واحدة او قصيدة واحدة او رواية واحدة حين تكون صادقة ونابعة من القلب وهو رسول بينه وبين محبيه شكرا لك على جميل القصة التى اوردتها فى مطلع هذا البوست تحياتى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صاحب العمل اليتيم (Re: منوت)
|
حبيبنا الجميل منوت الليمونى
أى ريح طيب أتى بك عزيزى
والله لقياك تبعث الارتياح فى النفس
وتعيدنا لايام مضت كانت وكنا ....
سعيد والله برؤياك سيدى وبمرورك الجميل مثلك
ارجو ان تعود وتعود احرفك الندية الزاهية
لك مودتى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صاحب العمل اليتيم (Re: سلمى الشيخ سلامة)
|
العزيزة الاستاذة سلمى الشيخ
الف اهلا بك عزيزتى
حقا كنت ابحث عمن يدركنى باولئك الافذاذ الذين خلدهم الدهر لعمل رائع لا يضاهى
وفعلا الكثيرون عرفوا بعمل واحد وجب ما دونه واصبح كما تفضلت كانه وحيدا وذلك لحسن صنعته وجميل طلعته ورائع قسماته وبقاءه فى الوجدان ابد الابدين
ولذا نأمل ان يجود كل منا عمله قبل تقديمه للاخرين لعله يبقى خالدا
اشكر مرورك الجميل واشكر دعمك للفكرة بالرائعين
وكونى بخير دوما
| |
|
|
|
|
|
������� ��������� � ������ �������� �� ������� ������ ������� �� ������
�������
�� ���� �������� ����� ������ ����� ������ �� ������� ��� ���� �� ���� ���� ��� ������
|
� Copyright 2001-02
Sudanese
Online All rights
reserved.
|
|