شكرا للأخ جبارة الله.. كنت أبحث منذ فترة عن رابط لهذه المقابلة و لكني لم أتمكن من ذلك. بالطبع لا يستطيع أحد أن يلوم تراجي على ما أسمته هي بـ " ميولها الشخصية"، و ميول عدد من السودانيين، في تأسيس جمعية صداقة سودانية- إسرائيلية. كما انها لا تلام على ممارستها لحقها الطبيعي في إتخاذ ما ترى من قرارات للنهج الذي تجتهد به في مقاربتها لقضايانا السياسية، و الثقافية الشائكه. هناك عدة نقاط يمكن التعليق عليها في مجمل الخطوة التي إتخذتها، الناشطة تراجي مصطفي، في فتح باب جديد من أبواب العمل السياسي، إشكالي و شائك و يتطلب الكثير من الإعداد و التأسيس. خطوة تراجي تتطلب الكثير من الدراسة والتأني لتشريحها و قراءتها على ضوء المتغيرات حولنا، و هو أمر سأعود إليه بالتفصيل لاحقا، لكن أود أن اثير بعض النقاط كمبتدرات للحوار، حول هذا الموضوع الذي تلقاه البعض بالنفور التلقائي، المزروع داخلنا، من مجرد الإشارة إلى سيرة إسرائيل، و تلقاه الآخر بالتهليل الأجوف المفتقر إلى الإتساق في حده الأدنى. أولا: في البدء تقول أنها لا تحتاج إلى تفويض، لتعبر عن ميولها الشخصية، و نحن نرى كذلك، لكن نتساءل، هل حديثها عن ميولها الشخصية يحتم عليها أن تتحدث بإسم السودانيين جميعا حينما تعكس إحباطاتها الشخصية (و قد تكون إحباطات بعض السودانيين) من عدم إهتمام المحيط العربي بالسودانيين و عدم (تحسيسهم) كما تقول، بأنهم عرب أو أنهم منهم (هكذا)! هل يكفي الإحباط أو خيبة الأمل، الناتجة عن قراءة سطحية إنطباعية، نزقة، للعلاقة المعقدة للسودانيين بالعرب، او بالثقافة العربية، وهي قراءة قائمة من الأساس بالمقلوب، إذ تضع نفسها آخر، تجاه كلِ عربي واحد، وهو أمر لا وجود له إلا في مخيلتها فقط؟؟. و هل حين تضع ذلك كسبب جوهري لسعيها لتأسيس جمعية صداقة، ستجد الإحترام و التعامل الجدي حتي من الإسرائيليين أنفسهم؟ أم أنهم أكثر تبصرا و يضعون كل شئ في ماعونه الطبيعي؟ ثانيا: أين هي الصدقية في إنفتاح تراجي، غير المشروط، على الإسرائيليين ساعية لتكوين جمعية صداقة معهم، تأسيسا على تجاهل العرب و تهميشهم لها وعلى ضوء ما حدث لبعض اللاجئين السودانيين، في حادثة ميدان مصطفي محمود بالقاهرة؟ و هل تغفل تراجي عن توجهات إسرائيل كرأس رمح للإمبريالية والهيمنة الأمريكية في المنطقة؟ هل تغفل ناشطة حقوق الإنسان عن السجل المخزي للإسرائيليين في التعاطي مع ملف الفلاشا، والتمييز المقيت الذي يجدونه من شرائح المجتمع الإسرائيلي الأخرى؟ كنت سأطرب لو أعملت تراجي منهجية اللون التي تتعاطي بها مع العرب، على ما فيها من خلل،على واقع الفلاشا في إسرائيل البيضاء!! ثالثا: هل يسمح السياق الراهن المتمثل في سيطرة الإسلام السياسي و الواقع الذي صنعه في السودان على خلفية النظام الإنقلابي و نزاعات الأطراف و أوضاع الحرب ثم واقع التسوية الشائهه، لقياس حقيقي لموقف السودانيين من القضية الفلسطينية؟ سأجيبك حقيقة، صحيح أنك لو سألت أي سوداني اليوم في الشارع هل تريد أن تبقي هنا أم انك تريد مغادرة البلد، سيجيب أنه يريد المغادرة و حين تسأله إلي آين سيجيبك بكل تلقائية و على الفور إنه سيذهب إلى إسرائيل "ذاتها" إذاوجد الفرصة. و حكاية إسرائيل "ذاتها" هذه دلالتها أعمق بكثير مما يشي به سطحها. وعلى أية حال هذا باب الحاجز النفسي قبل كل شئ. لكن الأهم منه هو أن الشعب السوداني كانت له دائما مواقف مناصرة للشعوب المضطهدة والمستغلة، برغم ما يعانيه هو ذاته من إضطهاد واستغلال. و هي مواقف ليست مبنية على أي إنتماء عرقي أو ديني و إنما يصونها إنتماؤنا لنهر الإنسانية المجردة. وعبارة الجواز التي تمنع الدخول إلى إسرائيل لم تكن منجزا يحسب لنظام الإنقاذ، وإنما لو تذكر الأستاذة تراجي كانت مضافة إليها في نفس الجواز "جنوب أفريقيا" إبان النظام العنصري الذي كان يحكم و يدير البلاد في حقبة الأبارتهايد. فهي في حقيقتها موقف مؤيد للحق الأصيل للشعوب في سيادتها على بلادها. ولا يضعفه ما تسير فيه قضايا هذه الشعوب من منعرجات. كما لا يفرق كثيرا ما كان هذا الشعب عربي أم غير عربي. هو موقف إنساني و مبدئي ترسخ في سياستنا الخارجية و كان معبرا عن موقف شعبي حقيقي. و يسعدنا أن نكون فرادى فيه، لا يشبهنا أحد و ليس علينا أن نفعل ما يفعله الآخرون، بدوافع الكسب، والمزايدة في مزاد الإمبريالية العالمية. ليس لدينا موقف أصولي من ديانة أو جنس بعينه ولكن لدينا موقف واضح و معلن من حق الشعوب في السيادة على أرضها و حقها في العيش حرة و مستقلة. و بالتالي ضد كل ما يسعي لتغبيش فضاء هذا الصراع و تطبيع اوضاع الإستغلال و الظلم. رابعا: ما يحدث في العالم، من إلتباس في الأجندة الوطنية و تداخل مع الأجندة الدولية، و تقاطع مصالح جهات وطنية عديدة، جعل قيما مثل حقوق الإنسان و الديمقراطية أهدرت فيها الإنسانية الكثير من الأرواح و الدماء تعاد صياغتها و توظيفها بحسب ما تقتضيه المصالح لأي فئة. و خطورة ذلك كانت في التفريغ المنتظم لهذه القيم من مضامينها الحقيقية و إضعاف ثقة الشعوب فيها، بل أكثر من ذلك عززت قدرة القوى اليمينية والظلامية و الأصولية بشكل عام في تدعيم رفضها من الأساس لمفاهيم أنسنة العالم وتحضره، و هذا السياق الذي تلتبس فيه على الأستاذة تراجي، الأولويات، يبرئها حتى الآن مما رماها به البعض من عمالة و غيرها من تهم جاهزة، و لكنه يوضح ضعف تأسيسها و تهافته و مصادرته على المطلوب في خطوتها الإشكالية كتلك التي تسعى دون وعي لتسويق الصهيونية لنا في إطار و إنساني.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة