أسطورة المحرقة "الهولوكوست"

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 07:36 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-10-2006, 04:35 AM

عبدالرحيم ابوحراز

تاريخ التسجيل: 12-18-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أسطورة المحرقة "الهولوكوست"

    http://www.freearabvoice.org/arabi/kuttab/alMuarakhuna/...uhatwiyatuLKaras.htm

    أسطورة المحرقة "الهولوكوست"
    المؤرخون المراجعون في أوروبا والولايات المتحدة، وهم غير المؤرخين المراجعين في الكيان الصهيوني، مجموعة من المثقفين والعلماء والمناضلين الذين يذهبون مذاهب إيديولوجية مختلفة ويجتمعون على موقف مشترك هو دحض الأساطير المؤسسة للصهيونية وعلى رأسها المحرقة، أو "الهولوكوست" اليهودية.

    المؤرخون المراجعون لا يقولون إن اليهود لم يذبحوا في الحرب العالمية الثانية في أوروبا، ولكنهم يفندون المزاعم الصهيونية التي تدّعي بأن قتل اليهود ليس له مثيل في التاريخ البشري، وبأن قتلهم جاء ضمن سياق برنامج نازي ألماني منهجي لإبادتهم. فعلى العكس من ذلك، اثبت العلماء المراجعون بطلان الادعاءات الصهيونية حول قضاء ملايين اليهود في غرف غاز مزعومة محكمة الإغلاق. كما كشف الباحثون المراجعون زيف الأرقام التي تقدمها مؤسسات مثل مركز سيمون وايزنثال الصهيوني في الولايات المتحدة حول الذبح الخيالي لستة ملايين يهودي، وأوضح الكتّاب المراجعون كيف مات بضع مئات الآلاف من اليهود في الحرب العالمية الثانية كما مات غيرهم، في حرب وصل عدد ضحاياها إلى خمس وأربعين مليون قتيل، منهم اثنين وعشرين مليون سوفياتي مثلا، ما عدا الجرحى والمشردين والمشوهين.

    دفع المؤرخون المراجعون مقابل موقفهم هذا أثماناً غالية، كما دفع من قبلهم كل من وهب حياته لنشر الحقيقة، فتعرضوا لعمليات اغتيال، وللطرد من العمل في مراكز أبحاثهم وجامعاتهم، ولدفع غرامات مجحفة، ولحملات تشهير، ولحصار اجتماعي، واضطهاد سياسي مريع، لأنهم تجرأوا على المس بالأساطير الصهيونية التي تبرر وجود دولة "إسرائيل" والسياسات التي تنتهجها هذه الدولة. كل هذا طبعا في الغرب الذي يتبجح بالتزامه بمبادئ حقوق الإنسان والحيوان والنبات، والذي غالبا ما يغطي تدخلاته في العالم الثالث بعباءة الدفاع عن هذه الحقوق. ولكن ما يحق للصهاينة لا يحق لغيرهم، والمؤرخون المراجعون كانوا ومازالوا بصدد القيام بما لا يقل عن انتفاضة في ميدان التأريخ للقرن العشرين، لذلك حق عليهم أن ينالهم ما ينالهم من سخط الصهاينة وحكومات الدول الغربية.

    إن حساسية أسطورة "المحرقة اليهودية"، وحق أن نسميها "المخرقة اليهودية"، تنبع من عوامل كثيرة أهمها:

    إن إثارة ما يسمى بالمحرقة أو "الهولوكوست" بشكل يومي وواسع في وسائل الإعلام والترفيه والتعليم الغربية، رغم مرور اكثر من خمس وخمسين عاما على ما زعموا، يطرح بشكل ماثل ضرورة إيجاد ملجأ آمن لليهود في مكان ما من هذا العالم. حتى أن الاعتراف بالمحرقة أصبح يعادل الاعتراف بضرورة وجود "إسرائيل"، وليس فقط حقها بالوجود.
    إن المبالغة بشأن ما يسمى بالمحرقة، والمغالاة في هذه المبالغة، وجميع هذه الترهات عن الأهوال التي لاقاها اليهود بشكل فريد من بين غيرهم من الأمم (لاحظوا الفرضية الخاطئة هنا بأن اليهود قومية أو شعب متجانس، وليس ديانة مثل الإسلام أو المسيحية أو البوذية تنضوي تحت لوائها مجموعة من الشعوب والقوميات)، تقدم كلها مبررات للحركة الصهيونية ولدولة "إسرائيل" لتجاوز كل الأعراف والقوانين والشرائع الدولية والدينية والدنيوية، تحت حجة أن أي شي يفعلونه من اغتصاب فلسطين إلى مجازر صبرا وشاتيلا إلى محمد درة، قليل قياسا بما لاقوه من ظلم. ومن أراد أن يفهم ردة فعل الرأي العام الغربي الضعيفة تجاه ما يرتكبه الصهاينة، فإن عليه أن يبدأ بهذه المسألة، مسألة موقع المحرقة الأسطوري كما كرسه الصهاينة في العقل الجمعي الغربي.
    إن المحرقة المزعومة أصبحت كنزاً لا يفنى بالنسبة للحركة الصهيونية من حيث كونها أداة لابتزاز الدعم العاطفي والمالي والسياسي لدولة الكيان الصهيوني ولمواقف الحركة الصهيونية. إذ لولا أموال التعويضات لما استمرت الحركة الصهيونية. وما زالت عمليات الابتزاز باسم ضحايا اليهود في المحرقة المزعومة مستمرة.
    ولا يعتقدن أحد بأن أسطورة المحرقة مهمة بالنسبة للحركة الصهيونية وحدها، فهي لا تقل أهمية بالنسبة لمراكز صنع القرار السياسي والاقتصادي في الغرب لتبرير السياسات الداعمة للصهيونية أمام شعوبها، إذ لا يجوز أن نبرأ قوى الهيمنة الخارجية من الجرائم التي ترتكبها لتحقيق مصالحها في بلادنا تحت حجة أن الصهيونية ساقتها إلى هذه السياسات وأنها مغلوب على أمرها. فالعكس هو الصحيح، فأسطورة المحرقة تساعد حكومات الغرب وشركاته الكبرى على تبرير سياساتها الإجرامية في بلادنا أمام شعوبها، ومن هنا تأتي خطورة المؤرخين المراجعين.

    المهم، عقد المؤرخون المراجعون العزم على القيام بمؤتمر لهم في بيروت بين 31 آذار و 3 نيسان عام 2001، فاجتمعت عليهم كل الحركة الصهيونية بيمينها ويسارها وحكومة الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية وبعض الحكومات العربية بهدف وأد مؤتمر تم اختيار مكانه لإبداء التضامن مع الشعب اللبناني بعد تحرير جنوبه، ومع الانتفاضة الفلسطينية. ومع أن لا علاقة للدولة اللبنانية بهذا المؤتمر، باعتبار الجهات التي ترعاه جهات غير رسمية، فأن وزارة الخارجية الأمريكية والحكومات الأوروبية فرضت على الحكومة اللبنانية أن تمنع المؤتمر بالقوة، وكانت حكومة السيد رفيق الحريري مطواعة، سهلة القياد، لينة تحت الضغوطات، فمرّغت بذلك سجلها ولطخت وجهها الوطني بالوحل.

    لكن هذا الهوان ليس أسوأ ما في الأمر، فقد تعودنا على سلوكيات الأنظمة العربية، ولا يجوز أن نتعود عليها. إن أسوأ ما في قصة إلغاء مؤتمر المؤرخين المراجعين المؤيدين للقضية العربية في بيروت هو البيان الذي أصدرته حفنة من المثقفين العرب الطامحين بالعالمية واللاهثين وراء جائزة نوبل والمدعين الدفاع عن حرية الرأي والتعبير. هؤلاء أصدروا بياناً هللت له وسائل الإعلام الغربية والصهيونية، طالبوا فيه الحكومة اللبنانية بالتدخل لمنع مؤتمر المؤرخين المراجعين "المعادي للسامية وغير المقبول"، حسب اللوموند الفرنسية يوم 15/3/2001

    إن هذا المؤتمر سيدافع عن النازية وجرائمها ضد اليهود، باسم الضحايا الفلسطينيين والعرب وأن هذا المؤتمر يهدف لتزوير التاريخ، هكذا قال جوزيف سماحة في صحيفة الحياة. أما المثقفون الانتهازيون الواردة أسماءهم في ذيل البيان فهم الشاعر محمود درويش والكاتب إدوارد سعيد والشاعر أدونيس والمؤرخ محمد حربي من الجزائر والكاتبان فايز ملص وفاروق مردم بيه من سوريا وإلياس خوري وصلاح ستيتية وجيرار خوري ودومينيك اده من لبنان وجميل الدين بن شيخ من الجزائر ومحمد برادة من المغرب والياس صنبر وخالدة سعيد ادعوا في توقيعاتهم الانتساب لفلسطين..فيا للعار .




    بين الإبداع الأدبي والسجل السياسي
    أربعة عشر مثقفاً عربياً إذن، على رأسهم أدونيس ومحمود درويش وإدوارد سعيد، سارعوا إلى إدانة المؤتمر الذي كان سيعقده المؤرخون المراجعون في بيروت في نهاية آذار/مارس2001، وطالبوا الحكومة اللبنانية بمنع عقده قائلين إنه مؤتمر "معادي للسامية"، وعلى حرية الرأي والتعبير ألف سلام مع العلم بأن تهمة العداء للسامية الموجهة للمؤرخين المراجعين لا تنبع إلا من عدم قبولهم لأسطورة المحرقة التي تستخدمها الحركة الصهيونية لابتزاز الدعم المالي والمعنوي والسياسي من الحكومات والشركات الغربية والرأي العام الغربي، ولتبرير وجود "إسرائيل"، ولتبرير وجودها فوق أي قانون.

    تهمة معادة السامية بحد ذاتها طبعا جزء من لعبة التضليل الصهيونية، وهي غير دقيقة على الإطلاق عندما توجهها الحركة الصهيونية لأعدائها، فالعرب مثلاً من الأقوام السامية، فكيف يمكن أن توجه تهمة العداء للسامية لمن يؤيدونهم، كما توجه اليوم للمؤرخين المراجعين؟ كما أن اليهود الغربيين، أو الأشكناز، من الخزر القادمين من آسيا الوسطى، اعتنق ملكهم اليهودية لأنه وجد مملكته تحيط بها الخلافة العربية الإسلامية من الشرق، والروم المسيحيين من الغرب، فلم يرغب بأن يخضع لأي منهما، فأعلن مملكته مملكة يهودية لأسباب سياسية، بشكل حديث نسبياً، أي بعد الرسالة الإسلامية بمئات الأعوام، وبقي شعب تلك المملكة الخزرية على اليهودية، والناس على دين ملوكهم، كما يقال. واليهود القادمون من روسيا وبولونيا، واليهود الذين زعم أنهم ذبحوا في ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وبيريز ورابين وباراك ومن لف لفهم، كلهم من الأشكناز، لا علاقة لهم بالأقوام السامية لا من قريب ولا من بعيد، كما توضح المراجع العلمية الموثقة، ومنها مثلاً كتاب "القبيلة الثالثة عشر"، للباحث ارثر كوستنر، الذي ترجم مؤخراً إلى العربية، ولم تطأ أقدام أجدادهم فلسطين يوماً لا كغزاة ولا كعابري سبيل، ولا تربطهم صلة رحم بالعبرانيين أو اليهود الشرقيين، وحين جاؤوا إلى فلسطين مع المشروع الاستعماري في القرن العشرين، بنوا دولة جعلوا من اليهود الشرقيين فيها، أي اليهود العرب، مواطنين من الدرجة الثانية. فهؤلاء اليهود الأشكناز القادمين مع الاستعمار هم الذين يصح أن يقال فيهم أنهم معادون للسامية، لأنهم قتلوا العرب الساميين وطردوهم من أرضهم، ولأنهم جعلوا من اليهود الساميين فعلاً، أي اليهود العرب، مواطنين من الدرجة الثانية. أما المؤرخون المراجعون، فمعادون للصهيونية، ومن موقع علمي ينطلق من استخدام العلم وتطبيقاته لدحض الأساطير التي تقوم عليها الصهيونية.

    مهما يكن من أمر، فلنفترض أن كل ما يقال عن المؤرخين المراجعين في الغرب، من عدائهم المزعوم "للسامية"، إلى عنصريتهم الدفينة، صحيح مائة بالمائة، أو ليس لدى مثقفينا الأربعة عشرة معركة يخوضونها أهمّ من هذه؟ وعلى افتراض أن ما يسمى بالمحرقة قد وقع فعلاً، وأن المؤرخين المراجعين ينكرونها، عنوةً، ويتعرضون لأشد اضطهاد من جراء ذلك، فيصرون على موقفهم من قبيل العناد والحمق والجهل، فأي الأمرين أشد خطراً على الفلسطينيين والعرب اليوم: أمر "المحرقة" التي ربما حدثت قبل أكثر من نصف قرن فانتهى أمرها، سواء اعترف بها المؤرخون المراجعون أم لم يعترفوا، أم أمر استخدام ما يسمى بالمحرقة من قبل الحركة الصهيونية لتبرير احتلال فلسطين، ولابتزاز الرأي العام الغربي الآن؟ وهل يستفيد العرب أم يتضررون من المساهمة في محاصرة الذين يستخدمون العقل والعلم لتدمير الأساس الأسطوري الذي تقوم عليه دولة الاحتلال اليوم؟! وفي النهاية، الاحتلال قضية راهنة، أما "المحرقة" فتاريخ مزور يهدف إلى تبرير ظلم راهن، وقد وقع مثقفونا الأربعة عشر، وعلى رأسهم محمود درويش وإدوارد سعيد، في فخ تبرير هذا الظلم الراهن. وهم في سعيهم الجاد لنيل جوائز نوبل، وفي لهاثهم وراء "العالمية"، وفي كدهم لإغواء الغرب، لم يتورعوا عن السماح للحركة الصهيونية باستخدامهم لتزييت آلتها الإعلامية، ولم يترددوا في تقديم أسمائهم خرقاً لتلميع أحذيتها السياسية.

    فليكن واضحاً، إن كان ثمة حاجة للإيضاح، إن النقد الموجه أعلاه للسادة محمود درويش وإدوارد سعيد وباقي الموقعين على البيان المعادي لحرية الرأي والتعبير، الذي يطالبون فيه الحكومة اللبنانية بالتدخل لمنع مؤتمر المؤرخين المراجعين من الانعقاد في بيروت، هو نقد سياسي موجه ضد سلوك سياسي محدد، بغض النظر عن هوية من يمارس هذا السلوك، وعن نشاطه الثقافي أو الإبداعي، وبغض النظر عن أعماله الفكرية أو الشعرية. ولا بد لنا في سياق نقد هذا الموقف السياسي، اللاديمقراطي، والمتساوق مع المشروع الصهيوني، أن نفصل مثلاً ما بين قصائد محمود درويش الأولى أو أعمال إدوارد سعيد في النقد الأدبي، والموقف السياسي المدان الذي يستغل فيه المثقف اسمه لتقديم تنازلات خطيرة على الأسس والمبادئ، من أجل تحسين موقعه كمثقف. وفي النهاية، فإن المساهمات الثقافية، مهما بلغ تميزها، لا يمكن أن تجعل الموقف والسلوك السياسي لصاحبها فوق النقد، على العكس من ذلك، تبقى أهمية أية شخصية أو حزب أو منظمة نابعة في السياسة من الدور الذي تلعبه في خدمة مصلحة الأمة، ومن الدرجة التي تتناغم فيه مواقفها مع الخط المبدئي الواضح. في السياسة وفي القضايا العامة لا وجود للبقرات المقدسة، ولا بد أن يتم الحساب بناءاً على مقياسين:

    أين يقف المرء تجاه القضايا الأساسية المطروحة في الساحة؟
    ما هو سجله السياسي؟
    قد يكون محمود درويش شاعراً تطرب الأذن لقريحته. ولكنّ هذا لا يغير الموقف من دوره في فتح أبواب التطبيع على مصراعيها عندما ساهم بكسر حاجز العداء النفسي مع صهاينة من حزبي المابام والماباي في أوروبا الشرقية في أواخر الثمانينات في حواراتٍ أجراها مع هذين الحزبين اللذين كان لهما الدور الأساسي في تأسيس الكيان الصهيوني، كما أنه التزم سياسياً بالعمل تحت مظلة ياسر عرفات!! فقصائد درويش يجب أن تقيّم أدبياً وشعرياً، وسلوكه السياسي يقيّم سياسياً.

    وما يصح على الشاعر محمود درويش إبداعياً يصح على غيره من الموقعين على البيان المشؤوم ضد المؤرخين المراجعين. إدوارد سعيد مثلاً وضع مؤلفات متميزة مثل "الثقافة والإمبريالية"، و"الاستشراق"، يمكن تقييمها من منظور إيديولوجي بشكل نقدي ، ولكنه أيضاً اشتهر بدعوته لتقبل الاستيطان الصهيوني في فلسطين، وللتعايش مع العدو، وأدان العمليات الاستشهادية، والعمل العسكري عامة، وشارك في العديد من النشاطات التطبيعية، ودعا العراق للالتزام بقرارات الأمم المتحدة وهو يتعرض لخطر العدوان مجدداً عام 1998، وشن حملة شعواء على المفكر روجيه غارودي، يشكل البيان الأخير ضد المؤرخين المراجعين الاستمرار الطبيعي لها.

    والنقطة التي لا يعيرها البعض مقداراً كافياً من الأهمية وهم يهيمون إعجاباً بالموقع الذي وصل إليه بعض هؤلاء المثقفين العرب في الغرب، هي أن الموقع الثقافي يرتبط باعتبارات سياسية، تتعلق بالموقف من الصهيونية أساساً، فمن لان تجاه الصهيونية، يمكن أن يُنظر بعين الاعتبار لكفاءته، والمعضلة تبقى عند هؤلاء المثقفين: إيجاد طريقة للتعامل مع الصهيونية ترضي الغرب، ولا تسقطهم أمام الشعب، فيصبح الحل لديهم نشر ثقافة الهزيمة والتسوية والتطبيع..




    عريضة مزوّرة؟
    كان من المفترض إذن أن ينعقد مؤتمر للمؤرخين المراجعين في بيروت يوم 30 آذار/مارس، ولكن الحكومة اللبنانية منعته بسبب الضغوطات التي مورست عليها من قبل الدول الغربية في وقت كانت تحاول فيه إعادة جدولة ديونها الضخمة. وقد ساهمت عريضة مذيلة بتوقيعات أربعة عشر كاتباً ومثقفاً عربياً، على رأسهم محمود درويش وأدونيس وغيرهم، بتقديم الغطاء السياسي والثقافي لمنع مؤتمر المؤرخين المراجعين في بيروت، تحت حجة أنه معادٍ للسامية، وهي التهمة التي توجه دائماً لكل من يعادي الصهيونية. فكانت هذه العريضة الموجهة للحكومة اللبنانية من أجل حثها على منع عقد مؤتمر مراجعي التاريخ هي الواجهة التي اختفت خلفها عملية قمع حرية التعبير وعملية التساوق مع مطالبة الحركة الصهيونية العالمية بمنع مؤتمر المؤرّخين المراجعين.
    ولكن، تبين فيما بعد أن العريضة التي وجهت للحكومة اللبنانية كانت مزورة حسب تصريح للدكتور إدوارد سعيد لصحافية أردنية سألته عن موضوع توقيعه على العريضة الآنفة الذكر. الدكتور إدوارد سعيد قال لها أن النص الذي قرأ للموقعين على الهاتف، كان يختلف عن النص الذي نشرت مقتطفاته في جريدة اللوموند يوم 15 آذار/مارس، ووسائل الإعلام الأخرى. وأضاف إدوارد سعيد أنه لا يملك نسخة حتى الآن من أيٍ من النصين، وأن الموقعين على العريضة لم يعرف معظمهم أنه سيوقع طلباً لحكومة عربية بمنع حرية التعبير.

    هذا السبق الصحفي قامت به الصحافية سماء ماجد أبو شرار، وقد سألت إدوارد سعيد عن موقفه من المشكلة لأنها لم تكن لتصدق بأن إدوارد سعيد يمكن أن يوقع بياناً يطالب بمنع مؤتمر فكري، وهو الأمر الذي يشكل انتهاكاً لحرية التعبير، حتى ولو اختلف مع آراء وتحليلات المؤرّخين المراجعين. وفي النهاية، لا تحتاج الأنظمة العربية للكثير من التشجيع في هذا المجال.

    فيما يلي، تجدون رد إدوارد سعيد على تساؤلات سماء أبو شرار، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه خولَّها في ردَّه باقتطاف ونشر هذا الرد بكليته أو بأجزائه.

    حرصاً على موضوعية المعالجة، أقوم فيما يلي بترجمة رد إدوارد سعيد حرفياً، بدون أي تعديلات، لعل الذين أيدوا منع مؤتمر المؤرخين المراجعين يتعظون مما جاء فيه، رغم قناعتي التامة بأن الحري بمن أضيفت أسماؤهم على عريضة لا يؤيدونها أن يعلنوا على الملأ موقفهم من ذلك. فكل من جاء اسمه في أسفل هذه العريضة المشينة يتحمل مسؤولية ما جاء فيها ما لم يعلن موقفه منها علناً، وللتاريخ..

    نص رسالة إدوارد سعيد الموقعة بتاريخ 2 نيسان/إبريل 2001:

    ليس لدي ولم أر أبداً المذكرة. فقد تم الاتصال بي على الهاتف، وأخبرت بأنه ليس هناك وقت لإرسال نسخة لي لكي أراها. طلب مني أن أوافق على النص من اجل توقيعه، ففعلت، بشرط، أن لا تكون هناك أية مطالبة لأية حكومة بصدد منع المؤتمر. فأنا لا أومن أولاً بمخاطبة الحكومات، ولا أؤمن ثانياً بمطالبة الحكومات بمنع أي شيء، فما بالك بمطالبتها بمنع المؤتمرات والكتب وما شابه!

    وبما أني كنت شخصياً ضحية لهذا النوع من القرارات الحكومية، فإنني لا يمكن أن أضع نفسي في موقف من هذا النوع. لقد كنت واضحاً في هذا الشأن. ولكني فوجئت عند ظهور البيان وهو يحمل طلباً لحكومة الحريري بمنع المؤتمر. فقد كان كل ما وافقت على توقيعه هو بيان يدين عقد هكذا مؤتمر في بيروت.

    أكرر، لم اطلب من أية حكومة أن تمنع المؤتمر، ولا يمكن لي أن أتقدم بمطلب كهذا. وقد أضيف هذا المطلب ضد رغبتي وبدون معرفتي.

    إني أعارض ناكري "المحرقة" بقوة، ولكنني أعارض بالقدر نفسه من القوة، حرمان أي إنسان من حرية التعبير بمرسوم حكومي.

    لقد كان هذا الأمر نقضاً رهيباً للعهد، وقد قامت مجموعة صغيرة من "المثقفين" (المزدوجين حول مثقفين من إدوارد سعيد) العرب الفرانكوفونيين، بكل بساطة، بخيانة ثقتي. وحتى هذا اليوم لم تكن لديهم اللباقة الكافية ليرسلوا لي نسخة من البيان الذي يفترض أنني وقعته.

    بإمكانك استخدام بعض أو كل ما جاء من المعلومات الواردة هنا..

    مع تحياتي

    إدوارد سعيد

    [نهاية رسالة الدكتور إدوارد سعيد]

    ولكن هل تشكل رسالة إدوارد سعيد الآنفة الذكر إعلاناً بسحب توقيعه على العريضة المذكورة التي تطالب الحكومة اللبنانية بمنع مؤتمر المؤرخين المراجعين؟ هناك من يقول لا، باعتبار أن إدوارد سعيد أكد على موقفه المناهض للمؤرخين المراجعين فيها. ولكن مناهضة المؤرخين المراجعين، وهو موقف نختلف فيه معه، شيء لا يتساوى بالضرورة مع مطالبة الحكومة اللبنانية بحرمانهم من حقهم في التعبير، وهو المطلب الأساسي في العريضة، والشيء الأساسي الذي يعارضه إدوارد سعيد، وهو وإن لم يسحب توقيعه رسمياً عن العريضة، فقد قام على الأقل بسحب غطائه المعنوي عنها، وهو المثقف ذو الوزن الكبير عربياً ودولياً، فلا بد لنا إذن، أن نحييه على موقفه هذا، في الوقت الذي ندعوه فيه للمزيد ونواصل الحوار معه حول المؤرخين المراجعين، فاتهام المؤرخين المراجعين باللاسامية هو الذي يشجع الحكومات الغربية والحركة الصهيونية على اضطهادهم، وإدانة عقد مؤتمرهم في بيروت، وهو الذي يقدم الذريعة لمنع هذا المؤتمر.

    على كل حال، كان الدكتور إدوارد سعيد، وبغض النظر عن مواقفه السياسية الأخرى، أكثر تفاعلاً وتأثراً بموجة السخط العارمة التي تلت ظهور بيان المثقفين الأربعة عشر الذي يطالب الحكومة اللبنانية بمنع مؤتمر المؤرخين المراجعين.

    وفي صحيفة الوطن السعودية، قام أدونيس ومحمود درويش بالتأكيد على موقفيهما من العريضة والإصرار عليه، مما يشكل إيغالاً في التساقط...




    ندوة رابطة الكتاب الأردنيين واللوبي الصهيوني
    انتقلت المعركة ضد المؤرخين المراجعين خلال الأسبوع الممتد بين 7 و 13 نيسان/إبريل 2001 إلى أرض الأردن، فقد حدثت مجموعة تطورات خلال ذلك الأسبوع على جانب كبير من الأهمية. وخلاصة هذه التطورات أن رابطة الكتاب الأردنيين قررت عقد ندوة عن مراجعي التاريخ في مقرها في عمان يوم الأحد الموافق 8 نيسان/إبريل، فقامت جهات أمنية باستدعاء المتحدثين في تلك الندوة ومدير الجلسة يوم 7 نيسان/إبريل، وأبلغتهم من خلال محافظ عمان، السيد طلعت النوايسة، بضرورة تأجيل الندوة إلى ما بعد عودة جلالة الملك من زيارته في الولايات المتحدة، إذ يمكن أن تتسبب الندوة بإحراجه هناك.

    وقد تم إبلاغ رئيس الرابطة، السيد فخري قعوار، بقرار التأجيل نفسه من خلال وزير الثقافة، السيد محمود الكايد، الذي قال أنه يتصرف بناءاً على تعليمات من رئاسة الحكومة من واشنطن مباشرة.

    التزمت الرابطة بقرار التأجيل واحتجت في الآن عينه على تدخل مسؤولين من وزارة الداخلية في شؤونها الثقافية، وعلى استدعاء متكلمين في ندوتها، بعضهم أعضاء في رابطة الكتاب، دون أن يكونوا قد أخلوا بالقانون بأي شكل من الأشكال، هذا مع العلم أن ندوة رابطة الكتاب عن المؤرخين المراجعين كانت ستعقد تحت عنوان "ماذا جرى لمؤتمر المؤرخين المراجعين في بيروت؟"، وهو عنوان لا يتصل بالنظام في الأردن من قريب أو بعيد. كما أن رابطة الكتاب كانت تزمع طرح موقف ثقافي عربي أصيل من بيان الأربعة عشر مثقفاً عربياً الذي طالب الحكومة اللبنانية بمنع مؤتمر المؤرخين المراجعين في بيروت. فما الذي يجعل جهات رسمية أردنية تتدخل لفرض تأجيل ندوة رابطة الكتاب الأردنيين؟ وبأي معنى يمكن أن تشكل هذه الندوة إحراجاً في الولايات المتحدة؟ فإذا كان الإحراج نابعاً من قيام مواطنين أردنيين بممارسة حقهم الدستوري بالتعبير عن الرأي ضمن إطار القانون، فأن مجرد طرح موضوع ندوة رابطة الكتاب من قبل المسؤولين الأمريكيين أو غيرهم يشكل تدخلاً غير مقبول في السيادة الأردنية. أما إذا كان الإحراج نابعاً من موقف المثقفين الأردنيين الإيجابي من المؤرخين المراجعين وموقفهم السلبي من المثقفين العرب الأربعة عشر الذين قيل أنهم وقعوا البيان المشؤوم ضد مؤتمر المؤرخين المراجعين، فإن الإحراج لا مبرر له، باعتبار أن المؤرخين المراجعين يعقدون الندوات والمؤتمرات في الولايات المتحدة دون أي قيود قانونية، رغم الاضطهاد وعمليات الاعتداء التي تقوم بها المجموعات الصهيونية ضدهم هناك.

    المشكلة في ندوة رابطة الكتاب الأردنيين إذن لا تتعلق بالإحراج، بل تتعلق باللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة والضغوطات التي يمارسها على الأردن مباشرة أو من خلال حكومة الولايات المتحدة. وهذا الأمر بالتحديد هو الذي يعطي المؤرخين المراجعين أهميتهم بالنسبة لنا. فهم يعملون على قطع دابر الابتزاز الصهيوني للرأي العام الغربي الذي يمكّن اللوبي الصهيوني من ممارسة ضغوطات من هذا النوع مستثمراً عقدة الذنب الجماعية الناتجة عن معاناة اليهود المزعومة في المخرقة [بالخاء].

    المهم، انتشى اللوبي الصهيوني طرباً بسبب فرض تأجيل ندوة رابطة الكتاب الأردنيين في عمان، فأصدرت واحدة من أهم مؤسسات هذا اللوبي في الولايات المتحدة، وهي مؤسسة سيمون وايزنثال القائمة على متحف المحرقة، المسمى متحف التسامح، رسالة ودعوة مفتوحة من خلال الإنترنت إلى رابطة الكتاب الأردنيين. ويقول التصريح الصحفي الصادر عن المركز المذكور بتاريخ 11 نيسان/إبريل 2001: "نحن نرحب بقرار السلطات [الأردنية] بإجهاض هذا التجمع"، في إشارة لندوة رابطة الكتاب الأردنيين في عمان.

    يضيف التصريح الصحفي الصادر عن المركز، على لسان الحاخام أبراهام كوبر Cooper العميد المساعد لمركز سيمون وايزنثال الذي قاد الجهود لإلغاء مؤتمر المؤرخين المراجعين في بيروت على ذمة التصريح الصحفي نفسه: "نلاحظ بأن رابطة الكتاب الأردنيين تخطط على ما يبدو لإدانة المثقفين العرب البارزين الذين أعلنوا موقفاً ضد إنكار الشواة [المحرقة – المترجم]، وأنهم يخططون لإعادة تنظيم ندوة عمان. عوضاً عن ذلك، فإننا في مركز سيمون وايزنثال، وكنا قد تشرفنا باستضافة الملك الراحل حسين في متحف التسامح في لوس أنجلوس، ندعو رئيس رابطة الكتاب الأردنيين لإرسال وفد لزيارة مؤسستنا، وللقاء الناجين من تلك الحقبة الرهيبة وجهاً لوجه. إذ بينما توجد لدينا مواقف متباينة تجاه السلام في الشرق الأوسط، فأن أصحاب النوايا الحسنة يجب أن يكونوا قادرين على العمل معاً لرفض المراجعة التاريخية واللاسامية، على حد تعبير الحاخام أبراهام كوبر.

    ويبدو أن أبراهام كوبر أعتقد أن المثقفين العرب كلهم قابلون للتطويع، وأنهم يمكن أن يعاونوه في حملته ضد المؤرخين المراجعين، كما فعل المثقفون العرب الأربعة عشر، الذين تجاوبوا معه في دعوتهم الحكومة اللبنانية بمنع مؤتمر المؤرخين المراجعين في بيروت. ولكنه قرع الباب الذي لا يجيب هذه المرة، وإن أجاب، فإنه يجيب بما يرفض كل منطق التطبيع مع الصهاينة.

    أرسل المؤرخون المراجعون رسائل إلى رابطة الكتاب الأردنيين يطالبون فيها أن تقبل الرابطة دعوة أبراهام كوبر بشرطين: الأول، أن تدعى وسائل الإعلام، الثاني، أن يضم وفد رابطة الكتاب الأردنيين ثلة من المؤرخين المراجعين. المؤرخون المراجعون علماء وباحثون ومؤرخون، تّم تهميشهم في الغرب وتعرضوا لأشد الاضطهاد، فهم يتحرقون شوقاً لمنازلة أدعياء المحرقة المزعومة بالعلم والحجج والتوثيق على مرأى ومسمع وسائل الإعلام.

    لكن حسابات رابطة الكتاب الأردنيين غير حسابات المؤرخين المراجعين، فمعركة المؤرخين المراجعين هي معركة علماء مضطهدين يدافعون عن الحقيقة ويحاربون تزوير التاريخ، أما رابطة الكتاب الأردنيين، مثلها مثل كل المثقفين والمناضلين الشرفاء في الوطن العربي الكبير، فتعتبر أن معركتها تمتد على مساحات أكبر بكثير. وعندما تقتلع شجرة زيتون في الضفة الغربية أو شجرة ليمون في غزة، أو يغتال طفل فلسطيني برصاصة غادرة في وضح النهار، أو عندما تصادر أرض أو يهدم بيت، أو عندما يمنع مؤتمر للمؤرخين المراجعين في بيروت، أو عندما تنهار الدفاعات النفسية والثقافية في وجه الغزاة، فأن الرابطة تعتبر ذلك كله جزءاً من معركة واحدة ما زالت مستمرة منذ قرن. لذلك جاء رد رابطة الكتاب الأردنيين، دون فتح حوار مع الصهاينة، حتى لرفض دعوتهم، وكان الرد عملياً لا مكتوباً، إذ قامت الرابطة بتحديد موعد جديد لعقد ندوتها، وهو يوم الأحد 22 نيسان/إبريل عند السادسة والنصف في مقر الرابطة في عمان. أما المتحدثون فهم الذين تم استدعاؤهم المرة الماضية: حياة عطية، عرفات حجازي، ود. إبراهيم علوش، أما مدير الجلسة، فهو نفسه د. هشام غصيب. أما بيان الرابطة الذي يبدأ بالجملة التالية: "تدين رابطة الكتاب الأردنيين صدور بيان باسم 14 مثقفاً عربياً يدعو الجهات الرسمية اللبنانية لمنع مؤتمر المراجعين.."، فقد تمت ترجمته وتوزيعه على الإنترنت قبل دعوة أبراهام كوبر بساعات.

    وجاء الرد بإلغاء ندوة الرابطة قسرياً للمرة الثانية على التوالي ...

    ثم عادت الرابطة وعقدت ندوتها أخيراً يوم 13/5/2001، وكانت تلك المحاولة الثالثة!

    بين الأسطورة والحقيقة
    أثار إلغاء مؤتمر المؤرخين المراجعين في بيروت، الذي كان سينعقد في آخر آذار من عام 2001، والتأجيل القسري لندوة رابطة الكتاب الأردنيين مرتين متتاليتين، تساؤلين:

    من هم المؤرخون المراجعون؟
    ولماذا تعنينا قضية ما يسمى بالمحرقة اليهودية؟
    ولم تكن هذه كل التساؤلات التي أثارتها خلال شهر نيسان 2001 جهود الحركة الصهيونية الحثيثة لمنع مؤتمر المؤرخين المراجعين في بيروت أو ندوة رابطة الكتاب عن المؤرخين المراجعين في الأردن، أو بيان المثقفين العرب الأربعة عشر، الذي دعا الحكومة اللبنانية إلى منع مؤتمر المراجعين في بيروت مقدماً بذلك غطاءاً ثقافياً عربياً للجهود الصهيونية ولقمع النظام العربي للثقافة والمثقف.

    1- من هم المؤرخون المراجعون؟
    تدعي الحركة الصهيونية، من خلال وسائل الإعلام الضخمة التي تسيطر عليها، أن المؤرخين المراجعين ليسوا إلا حفنة من الأصوليين المسيحيين المعادين للسامية. ولكن الحقيقة هي أن المراجعة التاريخية ليست إيديولوجية أو تياراً مذهبياً أو دينياً. إذ يوجد بين المؤرخين المراجعين مسلمون ومسيحيون وماركسيون وحتى يهود، ويوجد بينهم عرب وأوروبيون وأمريكان. فالمراجعة التاريخية ليست عصبية عرقية أو مذهبية، بل موقف انبثق عن منهج في التحليل تدعمه الأدلة والأساليب العلمية حول قضية تاريخية محددة هي الحرب العالمية وإرهاصاتها، وعلى رأسها ما يسمى بالمحرقة اليهودية.

    وقد تعرض المؤرخون المراجعون على اختلاف أصنافهم، بسبب تبنيهم لهذا المنهج في تحليل ما يسمى "المحرقة" أو الهولوكوست، لاضطهاد شديد وعزل اجتماعي وطرد من الوظائف وسجن وغرامات باهظة وعمليات اغتيال.

    واليوم، أصبح التعبير عن آراء مؤيدة للمراجعين جريمةً يعاقب عليها القانون في العديد من الدول الغربية التي تدعي خلاف ذلك أنها تدافع عن حرية الرأي.

    2- هل ينكر المؤرخون المراجعون أن يهود ماتوا في الحرب العالمية الثانية؟
    لا، لا ينكر المؤرخون المراجعون أن يهود ماتوا في الحرب العالمية الثانية. لكنهم يقولون أن بضع مئات الآلاف من اليهود هلكوا في حرب بلغ عدد ضحاياها خمس وأربعين مليون نسمة. وقد استخدم المؤرخون المراجعون العلوم الدقيقة مثل الفيزياء والكيمياء ليثبتوا أن اليهود لم يبادوا بشكل منهجي في غرف غاز مزعومة كما تدعي الرواية الرسمية حول الهولوكوست.

    وقالوا أن المحارق كانت تستخدم للتخلص من جثث الموتى من جنسيات مختلفة، وليس اليهود فقط، بعد موتهم، لتجنب الأوبئة. لكن محارق الموتى شيء يختلف تماماً عن غرف الغاز المزعومة. وتشير الدلائل العلمية أن غرف الغاز لم توجد أبداً . وتدل أبحاث المؤرخين المراجعين أن معظم الذين ادعى الصهاينة أنهم قضوا في غرف الغاز، ماتوا في الواقع بسبب مرض التيفوس، مثل الطفلة آني فرانك التي زوروا مذكراتها وجعلوا منها أسطورة مقدسة لا تمس في الغرب. فالمحرقة اليهودية صنمٌ صنعته الحركة الصهيونية في الثلث الأخير من القرن العشرين، والمؤرخون المراجعون في هذا السياق هم محطمو الأصنام.

    المؤرخون المراجعون إذن لا ينكرون أن يهود ماتوا في الحرب العالمية الثانية، ولكنهم يستخدمون العلم في تكذيب الرواية الرسمية عن المحرقة في ثلاثة جوانب محددة هي:

    أ) عدد اليهود الذين ماتوا في الحرب العالمية الثانية.

    ب) الطريقة التي مات بها هؤلاء.

    ج) التمييز المزعوم وفرادة موت اليهود في التاريخ البشري بأسره.

    3- لماذا تعنينا قضية "المحرقة" اليهودية؟
    كثيراً ما يعرب الفلسطينيون والعرب والمسلمون عن إحباطهم باللامبالاة التي يقابل فيها الرأي العام الغربي المعاناة الفلسطينية والعربية على أيدي الحركة الصهيونية. والواقع أن الصهاينة نجحوا بتقديم أنفسهم للرأي العام الغربي كشعب لقي من الويلات في "المحرقة" ما يعطيه حق ارتكاب أي عمل ضد أي شخص في أي وقت بدون أي وازع. وغالباً ما يلوم العرب أنفسهم على التقصير الإعلامي الذي يعتقدون أنه يكمن في عدم قدرتهم على إيصال صورة صحيحة عن معاناتهم إلى الرأي العام الغربي. لكن الغرب لا تنقصه المقدرة على معرفة ما يعانيه العرب على أيدي الصهاينة، فهو يعرفه، لكنه يقلل من أهميته لأن صورة "المحرقة" قابعة ابدأً في خلفية عقله الجمعي ووسائل إعلامه، لذلك تتضاءل المعاناة العربية الحقيقية أمام المحرقة اليهودية المزعومة، وهنا تكمن المشكلة الأساسية.

    وكشخص عاش وعمل ودرس وعلمَّ وكتب في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من ثلاثة عشر عاماً، كنت من العرب الذين يجيبون حين يسمعون "المحرقة" تساق دفاعاً عن الحركة الصهيونية: لماذا يجب أن ندفع ثمنها نحن؟! فلا أحد، حتى اليهود أنفسهم، يتهمون العرب بأنهم هم الذين ارتكبوا المحرقة. وقد كنت أقود السيارة مرة عبر ولاية اركنسا، ولاية الرئيس السابق كلينتون، باتجاه ولاية أوكلاهوما، فوجدت بلدة صغيرة هناك اسمها فلسطين، وهناك بلدات كثيرة في الولايات المتحدة بهذا الاسم، فدخلتها ووجدت حولها أراض زراعية شاسعة، ثم بضعة آبار من النفط، فكتبت مقالة دعوت فيها الرئيس كلينتون أن يعطي اليهود فلسطين الموجودة في ولايته إذا كان يحبهم إلى هذه الدرجة، لعلهم يرحلون عن فلسطين العربية، لكن مسائل الجغرافية السياسية ليست بهذه البساطة، و"المحرقة" أقوى من المنطق.

    إن أساطير "المحرقة" مهمة جداً بالنسبة للحركة الصهيونية، وبالتالي بالنسبة لنا، للأسباب التالية:

    أ) إن الإدعاء القائل بأن اليهود أبيدوا بشكل منهجي من قبل الألمان في الحرب العالمية الثانية أصبح حجة لا تناقش حول ضرورة إيجاد ملجأ آمن لليهود في دولة خاصة بهم. "فالمحرقة" تعني الحاجة لوجود "إسرائيل"، وهذا معنوياً أقوى من الاعتراف بحقها بالوجود. وعندما لا يكتفي الصهاينة بالاعتراف القانوني، بناءاً على قرارات الأمم المتحدة الظالمة أو غيرها، بحقهم في الوجود، فإنهم يطالبون فعلياً بأن تعترف الأنظمة العربية بالحاجة اليهودية لوجود "إسرائيل". باختصار، إن "المحرقة" تبرر اغتصاب أرض فلسطين أمام العالم، والمطلوب الآن أن ينتقل العرب من الاعتراف بهذا الاغتصاب على مضض، بالقوة، إلى الاعتراف بالحاجة اليهودية إلى ممارسة هذا الاغتصاب من خلال اجترار أساطير "المحرقة"، فالمحرقة هي جوهر الاعتراف الثقافي بحق العدو بالوجود.

    وكما قال الكاتب اليساري الصهيوني يوري أفنيري، ولا فرق بين اليمين واليسار في الكيان الصهيوني، أن اليهود مثل رجل قفز من مبنى يحترق فوقع على رأس رجل يسير في الشارع، واليهود وقعوا على رؤوس الفلسطينيين، فهم "ضحايا"، والفلسطينيون ضحايا "الضحايا"، ولذلك لا يتعاطف العالم معهم، كما تعاطف مع الأفارقة في جنوب إفريقيا، فلا مجال لمقارنة الإبادة [المزعومة] لملايين اليهود في :المحرقة"، بالاقتلاع [الحقيقي] لبضع مئات الآلاف من الفلسطينيين من أرضهم.

    الأهمية السياسية لأسطورة المحرقة
    المراجعة التاريخية إذن ليست مؤامرة لإنكار "المحرقة" بل طريقة لوضعها ضمن إطارها العلمي، وبالتالي لوضع قيام "إسرائيل" ضمن إطارها العلمي، فالمسألة راهنة سياسياً، وليست مجرد قضية أكاديمية تخص المؤرخين. وإذا كان الإدعاء القائل بأن اليهود أبيدوا بشكل منهجي من قبل الألمان قد اصبح حجة لا تناقش حول ضرورة إيجاد ملجأ آمن لليهود في دولة خاصة بهم، وبالتالي الحاجة إلى وجود "إسرائيل" في نظر الرأي العام العربي، كما جاء سابقاً، فإن هنالك فوائد سياسية راهنة للجوانب الأخرى من أسطورة "المحرقة" أيضاً.

    ب) إن الإدعاء القائل أن اليهود أبيدوا بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ البشري برمته، وهو ما يسمى بفرادة موت اليهود، أي أن اليهود ليسوا فقط شعب الله المختار كما يزعمون، بل أن موتهم نفسه غير موت بني البشر باعتبار أنهم فقدوا حسب زعمهم ستة ملايين على أيدي النازيين، هو الأمر الذي يستطيع أن يجعل من موت أي صهيوني اليوم في الصراع العربي – الصهيوني أكثر أهمية من استشهاد أي فلسطيني أو عربي أو مسلم. نلاحظ طبعاً هذه الازدواجية بوضوح في طريقة تعامل الإعلام الغربي مع موت الصهاينة وطريقته في التعامل مع قتل الصهاينة للعرب، وغالباً ما تعزا هذه الازدواجية لاعتبارات سياسية محضة، ولكن الازدواجية لا تقتصر على الإعلام الغربي، بل تتعداها عامة وليس دائما،ً إلى المواطن الغربي نفسه الذي تبرمج ثقافياً، من خلال جانب فرادة موت اليهود في أسطورة "المحرقة"، على التعامل مع موت اليهود بحساسية فريدة من نوعها.

    ولا يقتصر الأمر على ذلك، فأسطورة فرادة موت اليهود في "المحرقة" وشدة معاناتهم فيها بشكل لا نظير له في التاريخ، تقدم المسوغات الأخلاقية لدولة "إسرائيل" وللحركة الصهيونية العالمية لانتهاك كل الأعراف الدينية والدنيوية المعروفة للبشر وقوانين الأمم المتحدة بدون معارضة المواطن الغربي، وحتى بتعاطفه. وهذا الأمر هو الذي يضيء الجانب الثقافي في تعاطف، أو على الأقل سكوت، المواطن الغربي على قيام "إسرائيل" بقصف العراق وتونس ولبنان، وحيازة الأسلحة النووية، في الوقت الذي يمدد فيه الحصار على العراق بحجة عدم سماحه بالتفتيش عن أسلحة أقل شأناً.

    ج) إن الإدعاء القائل أن بلدان وشعوب الغرب تتحمل مجتمعة ذنباً جماعياً تاريخياً على جريمة "المحرقة" المزعومة، وترسيخ عقدة الذنب الجماعية هذه في أذهان الغربيين من خلال وسائل الإعلام والترفيه والمناهج المدرسية، هو الجذر الأساسي لدعم الرأي العام الغربي لدولة "إسرائيل" والحركة الصهيونية. وقد كان هذا الشعور الغربي العام بالذنب الجماعي ظاهرة اجتماعية – سياسية حديثة نسبياً تبلورت بعد حرب عام 1967، وليس بعد الحرب العالمية الثانية، حسب الكاتب اليهودي الأمريكي نورمان فينكلشتين في كتابه عن استغلال "المحرقة" لأغراض سياسية الذي صدر عام 2000 تحت عنوان "صناعة الهولوكوست".

    ويقول نورمان فينلكشتين في كتابه أن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة كان يتجنب إثارة "المحرقة" في وجه ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة تساوقاً مع الاستراتيجية الأمريكية العالمية في تجنيد ألمانيا وباقي دول أوروبا الغربية في مواجهة الاتحاد السوفياتي.

    المهم، أصبحت عقدة الذنب الجماعية مصدراً مهماً للدعم المالي والعسكري والتقني والسياسي الذي لم تكن "إسرائيل" لتقوم أو تستمر بدونه، وقد كتب غيري عن هذا الجانب في أسطورة "المحرقة"، لذلك لن أسهب فيه، باستثناء الإشارة إلى أن عقدة الذنب الجماعية تجاه اليهود والحركة الصهيونية ليست صنيعة الحركة الصهيونية وحدها، بل هي حاجة سياسية للحكومات الغربية نفسها التي تدعم "إسرائيل" لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية.. ففي الدول الغربية التي تتمتع بهامش نسبي من الديمقراطية يجب أن يتقولب المواطن على دعم "إسرائيل" والحركة الصهيونية قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع، و"المحرقة" تصبح هنا الرافعة الثقافية لوعي سياسي لا يتساوق مع مصالح الحركة الصهيونية فحسب، بل مع مصالح النخب الحاكمة في الغرب أيضاً.

    ونخلص من كل ما سبق عن أهمية "المحرقة" السياسية إلى السبب الذي يجعل المؤرخين المراجعين بخلفياتهم الإيديولوجية المتنوعة يشكلون مثل هذا الخطر الجدي على الحركة الصهيونية وحلفائها: أنهم يستخدمون العلم والعقل في التشكيك بكل جانب من جوانب "المحرقة" المزعومة، فيحرقونها ببرد المنطق وماء الأقلام، ثم يبددونها بعد كشف هياكلها السياسية الصهيونية كالرماد المنثور.

    إن المؤرخين المراجعين إذن يهددون ببتر الشريان الذي تتغذى منه الحركة الصهيونية في الغرب، ولذلك يحاصرون ويتعرضون لعمليات الاغتيال والتجويع. ولكن جهودهم ومواقفهم تجعلهم حليفاً لا غنى عنه للفلسطينيين والعرب والمسلمين، حليفاً خليقاً بالدعم والمساندة والتشجيع منا ومن كل المدافعين عن الحقيقة والعدالة في العالم. وكما قال لي أحد أنصار المؤرخين المراجعين في أوروبا: "لن تتحرر فلسطين حتى تتحرر عقول الأوروبيين من المحرقة".

    بالمقابل، نجد بعض المثقفين العرب وقد خدعهم أنصار الصهيونية بفكرة مفادها أن جعل القضية الفلسطينية تلقى القبول في الغرب يتطلب منهم الاعتراف بالنسخة الصهيونية لأسطورة "المحرقة"، ويتطلب منهم المشاركة باضطهاد المؤرخين المراجعين. ولكن هذا سلوك انتحاري من وجهة النظر السياسية، فالاعتراف بالادعاءات الصهيونية عن "المحرقة" يمهد الطريق لما يلي الاعتراف بها، مثل:

    أ) القبول باغتصاب فلسطين وبمشروعية الغزو اليهودي لها من خلال قبول الرواية الصهيونية عن المبرر الذي "اضطر" اليهود للمجيء إليها.

    ب) القبول ضمنياً بالغطاء الثقافي للدعم السياسي والمالي والمعنوي الذي يقدمه الغرب للحركة الصهيونية، الأمر الذي يعيق الجهود المخلصة للعديد من العرب الناشطين في الغرب من أجل كسب التأييد للقضية الفلسطينية.

    ج) القبول ضمنياً بأحد دوافع الحصار على العراق، فالعراق يعتبر أولاً وأخيراً خطراً على "إسرائيل"، وتختلط ذكرى تدمير العراقيين القدامى لمملكة إسرائيل البائدة قبل آلاف الأعوام، وأسطورة "المحرقة" في هذا السياق، مع الصواريخ التي وقعت على تل أبيب في حرب الخليج الثانية، لإعطاء صورة قاتمة عن شعب يهودي تحت خطر دائم يتطلب رده استمرار الحصار على العراق بعد أكثر من عشر سنوات على خروجه من الكويت. وعندما يقول الساسة الغربيون أن العراق يشكل خطراً على جيرانه، من تعتقدون أنه المقصود بهذا القول أكثر من "إسرائيل"؟

    بالتالي، ليس من المجدي للإنسان العربي أن ينال القبول الفردي في الغرب عن طريق الاعتراف بالرواية الصهيونية عن "المحرقة"، لأن ثمن هذا القبول الفردي سيكون الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني، وهذا الثمن لا قبل للشرفاء به.

    القادة والرموز
    - المؤرخون المراجعون: لمحة عامة عن القادة والرموز.

    ليس روجيه غارودي واحداً من أهم الكتّاب المراجعين، مع أن كتابة "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية" يعتبر الجسر الذي أتت عبره المراجعة التاريخية إلى العالمين العربي والإسلامي. وتكاد لا تجد ذكراً لروجيه غارودي بين المراجع والمصادر التي يستخدمها الكتاب المراجعون في أبحاثهم. لكن روجيه غارودي رغماً عن ذلك يبقى شخصية مهمة في حركة المراجعة التاريخية لأنه أولاً قام بتلخيص وتبسيط كتابات المراجعين الأكاديمية المعقدة الموجودة في مجلداتهم الضخمة، ومعظمهم من المتخصصين، ولأنه ثانياً سمح من خلال هذا التبسيط والتلخيص بتعريف القارئ العربي والمسلم بالمراجعة التاريخية. ولكنه لم يقدم جديداً في مجال المراجعة، ولم يضم تلخيصه كل مهم فيها، حسب رأي معظم المراجعين.

    ولكن التعريف شيء، والمعرفة شيء آخر، والمقدمة شيء، والمتن شيء آخر. فهنالك بين المراجعين أشخاص ومعاهدٍ تعمل في هذا المجال منذ عقود، وهم يعتبرون روجيه غارودي طارئٍ جديداً على هذا الحقل، دون أن يقلل ذلك من تقديرهم لدوره في إيصال المراجعة إلى الجمهور العربي والإسلامي. بيد أن النبع الذي نهل منه روجيه غارودي فعلاً، والذي ينهل منه العديد من المراجعين، هو أستاذ الأدب الدكتور روبرت فوريسون، الذي تعرض لاضطهاد حقيقي بسبب مواقفه في فرنسا، والذي تعرض لاعتداءات جسدية كادت تودي به، وللطرد من العمل والحرمان من راتبه التقاعدي. روبرت فوريسون، وأبوه فرنسي وأمه اسكتلندية يعتبر أهم كاتب مراجع على قيد الحياة اليوم، ورغم كبر سنه، فإن صلابته وتعمقه في المراجعة جعله عن حقٍ إمامها.

    وهنالك أيضاً معهدان، واحد في سويسرا، واسمه معهد الحقيقة والعدالة، ورئيسه الدكتور يورغن غراف، الهارب حالياً من بلاده، بسبب حكم قضائي صادر ضده بالسجن بسبب مواقفه المراجعة، وهنالك معهد المراجعة التاريخية في الولايات المتحدة، ورئيسه الدكتور مارك وبر. هذان المعهدان يعتبران أهم معهدين للمراجعة التاريخية في العالم، ولكن هنالك معاهد ومراكز أخرى مثل معهد كارتو في الولايات المتحدة الذي يعتبر انشقاقاً عن معهد المراجعة التاريخية في الولايات المتحدة، وبينهما ما صنع الحداد، من التشكيك إلى المحاكم إلى التهم بالاختلاس. وقد حاولت فهم طبيعة الخلاف بينهما، فوصلت إلى أن معهد كارتو تمكن بطريقة ما من الاستحواذ عن مبالغ يقول معهد المراجعة التاريخية إنها تعود له، مما كاد يودي بالمعهد الأخير إلى الإفلاس، ولكنه عاد ووقف على قدميه كبؤرة أساسية للمراجعة التاريخية في الولايات المتحدة والعالم، وقد اشرف على أكبر مؤتمر عالمي للكتاب المراجعين في ولاية كاليفورنيا في أيار/مايو من عام 2000.

    ومع أن بعض أنصار المراجعة التاريخية قد يلومني على ذكر هذا الخلاف المؤسف بين معهدي المراجعة التاريخية في الولايات المتحدة، الذي يتخذ الكثير من المراجعين، على سبيل المثال يورغن غراف، رئيس معهد الحقيقة والعدالة السويسري، موقفاً حيادياً إزاءه، فأني آثرت الإشارة إليه، لا لأن هذا النوع من الخلافات ليس حكراً على المراجعين بل ينتشر في معظم الحركات الفكرية والسياسية فحسب، بل للتأكيد على مقدار التنوع واختلاف التوجهات بين المراجعين أنفسهم. فالمراجعة التاريخية ليست إيديولوجية أو حركة سياسية، بل طريقة في معالجة مسألة محددة هي "المحرقة"، والحرب العالمية الثانية وأثارها السياسية وغير السياسية. فعلى حد قول فوريسون: "إن المراجعة محاولة لتفحص وتصحيح ما هو مقبول عامة بغرض التثبت بدقة من طبيعة شيء أو حقيقة واقعة أو قيمة رقم أو أصالة ومصداقية وأهمية نص أو وثيقة".

    من بين كبار المراجعين مثلاً المؤرخ البريطاني ديفيد ايرفينغ الذي تعرض لمحاكمة وحكم جزائي مقداره مئتا ألف دولار عام ألفين بسبب مواقفه، والذي منعت له محاضرة في بريطانيا في أيار/مايو من عام (2001). رغم ذلك، فإن فوريسون يعتبر ايرفينغ، مثل غارودي، غير صلب بما فيه الكفاية، ويعتبر أنه يحاول الترويج للمراجعة بطرق "ديبلوماسية" تضعف من موقفها العلمي والمبدئي.

    وهنالك بين المراجعين علماء مثل الكيميائي الشاب الألماني غيرمار رودلف الهارب من بلاده منذ 1996 بسبب حكم قضائي بسجنه 14 شهراً بعد قيامه بتحليل مختبري لمعسكرات الاعتقال النازية في أوشقنر وباركينا أثبت فيه تهافت نظرية "غرف الغاز". وبين العلماء منهم، هناك الدكتور الأمريكي أرثر بوتز، بروفيسور الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسوب، الذي وضع مجلداً جامعاً مانعاً، يدحض فيه أسطورة "المحرقة" اعتماداً على العلم الهندسي والفيزياء والكيمياء.

    ومن بين الكتّاب المراجعين اليهود، هناك الكاتب الصحفي جون ساك الذي وضع كتاباً عن قيام اليهود بقتل ما بين ستين وثمانين ألف ألماني في معسكرات اعتقال في بولندا بعد الحرب العالمية الثانية، مما أثار حفيظة الصهاينة عليه.

    مقابل جون ساك، هناك المراجع الكندي، أرنست زوندل، وهو ألماني الأصل، ويبدو من كتاباته أنه متعاطف مع النازية، وأن دوافعه كمراجع تتعلق بمحاولة تبرئة ألمانيا من تهمة "المحرقة" الموجهة إليها. وقد تعرض أرنست زوندل للمحاكمة مرتين في كندا، ذهب بعدها إلى الولايات المتحدة حيث يعيش مع زوجته انغريد الألمانية الأصل أيضاً، وهما هناك من قيادات المراجعين، ويبدو أن ثمة روابط تربطهما باليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا، والله أعلم.

    وهناك أيضاً المؤرخ المراجع روبرت كاونتس، وهو ضابط سابق في الجيش الأمريكي وكاهن مسيحي أصبح يجوب البلدان للتبشير بالمراجعة التاريخية، وهناك العربي المسلم أحمد رامي الذي يعتبره المراجعون من رموزهم، ولن أتحدث عنه بل أنصح الأخوة القراء بالذهاب إلى موقعه على الإنترنت وهو: http://abbc2.com والموقع يضم أقساماً بالعربية.

    وهنالك اليساريان الفرنسيان سيرج تيون، وبيار غييوم، والأخير هو ناشر كتب روجيه غارودي عن المراجعة، ويعادي هذان المراجعان النازية بالتأكيد، وقد تعرضا لاضطهاد شرس واعتداءات مثلهما مثل باقي المراجعين.

    الخلاصة، إن المراجعة التاريخية موقف فكري وسياسي يضم شخصيات ومؤسسات من مشارب فكرية وإيديولوجية مختلفة، متضاربة أحياناً، يجمعها معنا عداءها للصهيونية، ويجمعها مع بعضها الاضطهاد الوحشي الذي يتعرض له كل من يتمسك بها.

    ما يهمّنا في أبحاث المراجعين التاريخيين
    - هل يجب أن نوافق على كل شيء يقوله المؤرخون المراجعون؟

    والجواب على هذا السؤال، بدون مقدمات، هو لا بالقطع. فالمراجعة التاريخية مشروع بحثي قيد التنفيذ، وصل إلى بعض الاستنتاجات العلمية والتاريخية ذات الأبعاد السياسية الخطيرة، ولكنه لم يكتمل بعد، خاصة في ظل ظروف القمع الرهيبة وشح الموارد التي يعيشها الكتّاب المراجعون.

    كما أن الكتّاب المراجعين ينطلقون من خلفيات عقائدية مختلفة تمتد من أقصى اليمن إلى أقصى اليسار، ومن دوافع متشابكة تمتد من الالتزام المبدئي بحرية البحث العلمي ونتائجه إلى الرغبة بكشف وسائل الابتزاز الصهيونية للرأي العام الغربي من خلال الجوانب المختلفة في أسطورة "المحرقة" إلى الرغبة بتبرئة ألمانيا النازية من التهم الموجهة إليها إلى معاداة الصهيونية. وإذا كنا قد نختلف مع بعض المراجعين في بعض منطلقاتهم، وإذا كنا ننطلق في معاداة الصهيونية من منطلقات أوسع بكثير من الطريقة التي تتلاعب بها بأسطورة "المحرقة"، فإن هذا لا يقلل من أهمية المراجعة التاريخية، ولا يقلل من أهمية الأبعاد السياسية لاستنتاجاتها. فالمراجعون، بمنطلقاتهم المتعددة، يساهمون عملياً بكسر هيمنة الحركة الصهيونية على الغرب، وهذا هو السبب الذي يجعلهم عرضة للمطاردة والاضطهاد.

    وهم يفعلون ذلك من خلال استنتاجاتهم العلمية والتاريخية. فما يهمنا من المراجعة هو أسلوبها العلمي ونتائج أبحاثها والأبعاد السياسية لهذه النتائج، وليس الخلاف مع منطلقات بعض، وليس جميع، الذين يتبعون منهج المراجعة التاريخية. فما يهم هنا هو الاصطفاف الموضوعي للقوى في ساحة الصراع، وليس الوصول إلى اتفاق إيديولوجي كامل مع كل مراجع حول كل مسألة على جدول البحث، لا بل أن عدم الوصول إلى هكذا اتفاق لا يمنع، ولا يجوز أن يمنع، على مستوانا العربي اتفاق مناضلين إسلاميين وقوميين ويساريين على مقاومة الصهيونية في بلادنا.

    على الرغم من ذلك، فإن ثمة ثغرة سياسية أساسية في أبحاث معظم المراجعين الذين أطلعت على كتاباتهم، ولا أقول أنني أطلعت على كل كتاباتهم، وهي أنهم لا يعطون أهمية كافية للدور الذي تلعبه النخب الحاكمة في الغرب لفرض أسطورة "المحرقة". والمسألة يمكن وضعها بالشكل التالي:

    إذا اتفقنا مع المراجعين أن موت اليهود في الحرب العالمية الثانية لم يكن فريداً من نوعه ولا غير مسبوق، وإذا اتفقنا معهم أن غرف الغاز وهم لم يتمكن أحد من إثبات وجوده حتى الآن وأن رقم الستة ملايين مبالغ فيه حتى الثمالة، وإن مئات الآلاف من اليهود ماتوا مع غيرهم بسبب الجوع والمرض خلال أو بعد علميات ترحيلهم الجماعية، والدلائل تشير إلى أن كل هذه الاستنتاجات صحيحة، وإذا اتفقنا معهم بالتالي أن اليهود لم يأتوا بمئات الآلاف بعد الحرب العالمية الثانية إلى فلسطين هرباً من "المحرقة" المزعومة، فإن السؤال الذي بقى هو: لماذا أتوا إلى فلسطين إذن؟ لماذا جاءت بهم الحركة الصهيونية إلى بلادنا لتأسيس مستعمرة يهودية فيها.

    المراجعون يعرفون أيضاً أن الدول الغربية كانت تفتح وتغلق أبواب الهجرة اليهودية إليها، أي إلى الدول الغربية نفسها، في محاولة لجعل اليهود يذهبون إلى فلسطين. فلماذا تفعل بريطانيا وبقية الدول الغربية ذلك؟

    والإجابة على هذا السؤال المهمل من معظم الكتاب المراجعين حسب علمي هو أن الغرب بدأ يفكر بتأسيس دولة يهودية في فلسطين منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر كإجراء احترازي لمنع قيام دولة عربية موحدة بعد دخول محمد علي باشا من مصر إلى بلاد الشام والى الجزيرة العربية. فالمصالح الاستراتيجية العليا لبريطانيا وللرأسمالية الغربية آنذاك كانت تقتضي تأسيس قاعدة في فلسطين تشكل جسراً بشرياً غريباً ما بين الجناح الأسيوي والجناح الإفريقي للوطن العربي. وقد كشف الدكتور عبد الوهاب الكيالي في كتابه "تاريخ فلسطين الحديث" مراسلات الفيكونت بالمرستون في بريطانيا مع سفيره في اسطنبول حول هذه المسألة بالذات، وكشف آخرون مراسلات بالمرستون مع اللورد روتشيلد بالاتجاه نفسه.

    إن الحاجة لقاعدة استعمارية في فلسطين وجسم بشري غريب فيها، أي الحاجة إلى "إسرائيل" أصبحت ماسة اليوم أكثر مما كانت في النصف الأول من القرن التاسع عشر. بالتالي، إن حشد الدعم الشعبي لدولة "إسرائيل" في المجتمعات الغربية المتمتعة بقدر نسبي من الديمقراطية، وتبرير كل العون المالي والعسكري والسياسي المقدم لها، يقتضي أن يعتنق الرأي العام الغربي بالضرورة الوجوه المختلفة من أسطورة "المحرقة" بحماسة. وهذا يجب أن يحدث ليس بسبب سطوة الحركة الصهيونية فحسب، بل لأن النخب الحاكمة في الغرب تشتق فوائد استراتيجية وجغرافية سياسية من إنشاء وإبقاء قاعدة "إسرائيل" العسكرية في فلسطين.

    أما نسب كل الدعم المقدم من الغرب للحركة الصهيونية و"إسرائيل" لنفوذ وسطوة الصهيونية في الغرب، فيتجاهل تاريخاً كاملاً من الاستعمار، وقوانين حركة راس المال في المجتمعات الغربية نفسها، واستراتيجيات فرّق تسد واستراتيجيات الاستغلال الاقتصادي التي يمارسها الغرب. في الواقع إن نسب كل الدعم الغربي للصهيونية للتأثيرات الصهيونية على الغرب قد يقود المرء إلى ارتكاب خطأ سياسي فادح من نوع آخر وهو إيهام أنفسنا أن التساوق مع السياسات الاستعمارية الجديدة للحكومات الغربية في بلادنا قد يساعد على تخليصها من التأثيرات الصهيونية عليها. الخطأ السياسي الأول هو بالطبع ذاك الذي ارتكبه بعض الموقعين على عريضة المثقفين العرب التي تطالب الحكومة اللبنانية بمنع مؤتمر "المراجعة والصهيونية" في بيروت. وهذا الخطأ يتلخص بالتوهم أن التساوق مع ادعاءات "المحرقة" أو التطبيع مع العدو الصهيوني قد يساعد على كسب الغرب إلى جانب القضية العربية.

    في الحقيقة، إن الخطأين وجهان لعملة واحدة، عملة عدم إدراك العلاقة العضوية بين الصهيونية من جهة، والإمبريالية والاستعمار من جهة أخرى. والخلاصة إننا لسنا من مروجي الكراهية والبغضاء ضد أحد، ولكن الحركة الصهيونية والغرب حينما أتيا باليهود إلى فلسطين لإقامة مستعمرة فيها عرضوهم للخطر الشديد، فهما الخطر الحقيقي الذي يجب أن يحذره اليهود. ولسنا نحن الخطر، بل نحن شعبٌ لن يبخل بشيء من أجل استعادة أرضه.

    إلى قادة الدول العربية: كفوا عن الصمت إزاء زيف "المحرقة".

    1- الخطاب موجه للقادة، وليس للمثقفين والأكاديميين أو الصحافيين.

    2- كلمة "المحرقة" يجب أن توضع دائماً بين مزدوجين وهي تشير لأسطورة ثلاثية:


    أ ) الإبادة المزعومة لليهود.

    ب) غرف الغاز النازية المزعومة.

    ج) الملايين الستة من الضحايا اليهود المزعومين في الحرب العالمية الثانية.

    خلال التاريخ عرفت الإنسانية مائة محرقة حافلة بخسائر رهيبة بالأرواح وكوارث دموية، ولكن معاصرينا تعودوا أن يتذكروا واحدة فقط: محرقة اليهود، حتى أصبحت كلمة "المحرقة" تخص اليهود فقط، دونما حاجة إلى القول: محرقة اليهود. ولم تؤدي أية محرقة سابقة إلى دفع تعويضات مادية تشبه تلك التي طلبها ونالها اليهود لقاء كارثة "الشواة" التي يصفونها بأنها فريدة من نوعها وغير مسبوقة وهو الأمر الذي كان يمكن أن يكون صحيحاً لو كانت عناصرها الثلاثة (الإبادة، غرف الغازوالستة ملايين ضحية) حقيقية. وإذا كان ملايين اليهود الأوروبيين قد عانوا وماتوا خلال الحرب المذكورة، دون أن تصل تلك المعاناة إلى ما يعنيه يهود اليوم بتعبير "محرقة"، فإن العديد من الشعوب والمجتمعات، وبالتحديد الألمان واليابانيين والروس والصينيين، عانت في الواقع مصيراً أسوأ بكثير من ذاك الذي عاناه اليهود. فلنفكر هنا فقط بالعواصف النارية الفوسفورية والذرية التي لاقى فيها على الأقل مليون ألماني وياباني موتاً فظيعاً (دون ذكر الجرحى والمشوهين). كما أن من المناسب أن نذكر هنا أن ملايين اليهود الأوروبيين عاشوا بعد هذه السياسة المزعومة لتصفيتهم جسدياً ليذهبوا للتمتع بعد الحرب بنفوذ ورفاهية لا مثيل لهما في كل تاريخهم. ولكن تمييز "المحرقة" المزعومة، كما يجري الآن، يتم من خلال تضخيم المعاناة اليهودية في النوعية والكمية بدون أي حدود، وبتقليل معاناة الآخرين بالتناسب مع ذلك بحيث لا تعطى معاناتهم مجرد اسم.

    3- إنّ كلمة Imposture الإنجليزية، [أي الزيف، الدجل، الانتحال] تعني الكذبة المفروضة Imposed Lie والمسألة هنا تتعلق بكذبة تاريخية صاغها كذابون وصائغو قصص غريبة، ثم تبناها عدد متزايد من الناس الذين روجوها بحسن أو سوء نية. لدينا إذن عدد صغير من الكذابين ووفرة من المروجين.

    4- إن نقيض كذبة كهذه، ملفقةً كانت أم مروجة، هو الحقيقة الواقعية. بيد أن كلمة "حقيقة" أصبحت غامضة ومستهلكة، لذلك أفضل عليها كلمة "دقة".

    إن المراجعة هي محاولة لتفحص وتصحيح ما هو مقبول عامةً بغرض التثبت بدقة من طبيعة شيء أو حقيقة واقعة أو قيمة رقم أو أصالة ومصداقية وأهمية نص أو وثيقة.

    5- الصهيونية إيديولوجية أما المراجعة فهي طريقة. وكمراجع، فإنني سأقيم الصهيونية نفسها على مشارف القرن الحادي والعشرين بدرجة أقل من تقيمي للفائدة التي تجنيها الصهيونية من زيف "المحرقة".

    فإذا قرر قادة الدول الإسلامية أن يتخلوا عن صمتهم إزاء هذا الزيف، وإذا تحدوا من جراء قيامهم بذلك اللوبي اليهودي والصهيوني، فإنهم سيحتاجون بالتأكيد آنذاك أن يقوموا أولاً بتقييم خصمهم تقييماً صحيحاً، وأن يقوموا تالياً بتحديد الاستراتيجية الواجب اتباعها إزاءه، وان يقوموا أخيراً بتحديد المنطقة المحددة التي يتوجب أن يسددوا ضرباتهم إليها. ولبحث هذه النقاط الثلاث، فإنني سأقوم بتقسيم هذه الورقة إلى ثلاثة أجزاء.

    في الجزء الأول من الورقة، ومن أجل تجنب أي أخطاء حول هوية الخصم وللتأكد من تقدير حجمه بشكل صحيح، فإني سأفسر ما يشكل برأيي نقاط الضعف الظاهرية لليهود والصهاينة، ثم سأفسر نقاط ضعفهم الحقيقية.

    في الجزء الثاني من الورقة المتعلق بالاستراتيجية الواجب اتباعها إزاء الخصم، فأني سألخص استنتاجات معينة توصلت إليها، خلال زيارتي إلى طهران في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2000، بصحبة ممثلين لمركز الدراسات الاستراتيجية في جمهورية إيران الإسلامية.

    أخيراً، في الجزء الثالث من الورقة، سوف أحدد الهدف الدقيق الواجب ضربه وهو: "غرفة الغاز النازية السحرية"، كما وصفها لويس – فرديناند سالين.

    الجزء الأول: الخصم اليهودي والصهيوني

    --------------------------------------------------------------------------------

    إن الخصم المخادع قد يبدي مخاوف لا يشعر بها فعلاً، وقد يظهر على مرأى الجميع نقاط ضعف معينة ليست في الواقع نقاط ضعف، وسيحاول أن يخفي ما يثير قلقه فعلاً. فإذا فعل ذلك، فإنه سيُهاجم حيث لن يشعر بأدنى ألم، وسيوفر على نفسه بالتالي هجوماً قد يسبب له أذىً بليغاً. هنا، الخصم بدون مواربة يهودي أو صهيوني. نعم، اليهود شيء متنوع، ومن ناحية سياسية، لم يشكلوا يوماً كتلة واحدة، حتى ضد هتلر. ولكن بدون اليهود لا توجد صهيونية، وباستثناء بعض الحالات النادرة، فإن اليهودي سيتضامن مع الصهيوني، والصهيوني مع اليهودي، إذا لاحظا بأن أسطورتهما المشتركة، "المحرقة"، في خطر. لذلك، فإن التمييز الذي يستحق أن يقام عادة بين اليهودي والصهيوني لا مكان له في هذه الورقة.

    أ ) مخاوف الخصم الزائفة ونقاط ضعفه الظاهرية:

    1- رغم إظهارهم الخوف من هجوم عسكري على دولة "إسرائيل"، فإن الصهاينة الذين يحكمون تلك الدولة، ويهود الشتات الذين يدعمونهم، لا يرهبون قوة عدوهم العسكرية، لأنهم يعرفون بأن عدوهم سيتفوق عليه الجيش الإسرائيلي دائماً، بفضل التكنولوجيا والمال المزودين من الخارج، خاصة من قبل الأمريكيين والألمان.

    2- إنهم لا يخافون فعلاً من تنويعات معاداة اليهودية، التي تسمى بشكل غير صحيح "اللاسامية". على العكس، إنهم يقتاتون عليها، وهم يحتاجونها ليتمكنوا من الاحتجاج ضد اللاسامية، إن لم يكن لشيء، فلجمع المزيد من المال في الشتات. فالأنين حاجة حيوية عندهم: "فكلما نحبوا، كلما كسبوا، وكلما كسبوا، كلما نحبوا".

    3- إن اليهود والصهاينة ليسوا فعلاً خائفين من الإدانات اليهودية "لاستغلال المحرقة"، و"صناعة الهولوكوست" التي يقوم بها أمثال بيتر نوفاك وتيم كولز ونورمن فينكلشتين، لأنها، وهنا تكمن المفارقة، تصبح نوعا ما إدانات ""Kosher [أي حلال يهودياً]، يتم الحرص فيها على إظهار التوقير تجاه "المحرقة" نفسها. ويلاحظ بالإضافة إلى ذلك، أنه إذا أصبح الاستغلال الصناعي أو التجاري للمعاناة الحقيقية أو المفترضة لليهود صناعة ذات ربح وفير، فإن نقد هذا الاستغلال قد اصبح مصدراً آخر للربح. لكن هذين المصدرين، خاصة الثاني، حكر على اليهود فقط، فهما ممنوعان على الأغيار، وإذا تجرأ شخص من الأغيار على تقليد نورمن فينكلشتين مثلاً في إدانته لمافيا "المحرقة"، فإن عصابة من حراسها اليقظين سينقضون عليه في الحال..

    4- إنهم لا يخافون من معاداة الصهيونية بحد ذاتها، بل إنهم أحياناً يجيزون استخدام هذا التعبير.

    5- بالتحديد، ليس لديهم داع للقلق إزاء نمط شائع من معاداة السامية يتألف من مهاجمة كل الأساطير المؤسسة لإسرائيل، باستثناء تلك التي أصبحت أساسية، أي "المحرقة".

    6- لا يحتاجون أن يضطربوا إزاء اتهامات العنصرية والإمبريالية والنازية اليهودية لأن هذه التهم، حتى وإن كانت صحيحة، تشبه شعارات طقوسية تلفظ بشكل ميكانيكي، شعارات مصاغة بلغة تجاوزها الزمن. إن رؤية اليهود يقارنون بهتلر، ثم سماع أن الصهاينة، مثل النازيين، ينفذون سياسة "إبادة جماعية"، ليس بالضرورة أمراً مزعجاً لليهود والصهاينة، لأنه يعزز التصورات التي لفقها الصهاينة أنفسهم عن هتلر والنازيين.

    وهذا يساعدهم على ترسيخ وهم "إبادة اليهود جماعياً" بشكل ثابت في كل الأذهان أولاً وقبل كل شيء. ومع أن هتلر كان عنصرياً، ومعادياً لليهود الأممين، ولكن ليس لليهود الصهاينة، فإنه لم يأمر أو يسمح أبداً بقتل أي شخص بسبب عرقه أو دينه. بالإضافة إلى ذلك، كانت المحاكم العسكرية الألمانية تفرض عقوبات تصل إلى حد الإعدام على الجنود والضباط والموظفين الألمان الذين يقتلون رجلاً يهوديا أو امرأة يهودية حتى في المناطق الواقعة تحت الاحتلال الألماني في بولندا وروسيا وهنغاريا، وهذه نقطة تاريخية حجبها المؤرخون التصفويون [الذين يقولون بإبادة اليهود]، وأهملها للأسف المؤلفون المراجعون.

    7- على الرغم من تظاهرهم بالنقيض من ذلك، فإن اليهود والصهاينة يضحكون، وليس دون سبب، من أولئك الذين يتحدثون عن "مؤامرة يهودية" أو عن "مؤامرة أوشفتز" [أحد معسكرات الاعتقال النازي حيث يفترض أن اليهود أبيدوا].

    فليست هناك "مؤامرة يهودية" (أو ماسونية أو يسوعية أوبابوية أو أمريكية أو شيوعية)، بل هناك سطوة ونفوذ يهوديين. فادعاء إبادة اليهود في أوشفتز ليس مؤامرة، بل كذبة. وبالمناسبة، فإن الطريقة التآمرية في التفكير، وهي جزء غالي من التراث اليهودي، يجب أن تبقى امتيازا لهم، ونخطئ نحن إذا لجأنا إليها.

    ب- مخاوف الخصم الحقيقية ونقاط ضعفه الصحيحة:

    1- في فلسطين، يخاف اليهود والصهاينة فعلاً من أسلحة الفقراء، مثل حجارة الأطفال ومقاليعهم، مثل تلك التي استخدمها النبي داود ضد العملاق جالوت، ومن العمليات الاستشهادية، وكل ما يعرض الأشخاص والتجارة للخطر. انهم يخافون ما يحط من قدر صورتهم المتميزة، ويفزعون من أن يضطروا يوماً ما للاختيار بين الرحيل بحقيبة والرحيل في كفن.

    2- ولكنهم يخافون فوق كل شيء من "قنبلة الفقراء الذرية"، أي انحلال كذبة غرف الغاز والإبادة والستة ملايين عن طريق المراجعة التاريخية، يرهبون هذا السلاح الذي لا يقتل أحداً لكنه لا يخطئ"، إذا استعمل بشكل صحيح لتفجير كذبتهم الكبرى كبالون من الهواء..

    3- إنهم يخافون أن يتجلى أمام أعين العالم، أن زيف "المحرقة" هو الذي سمح غداة الحرب العالمية الثانية بإنشاء مستعمرة يهودية على أرض فلسطين اسمها إسرائيل، وكان ذلك في وقت تسير فيه حركة التخلص من الاستعمار في كل المعمورة على قدم وساق.

    4- إنهم يعرفون بأن خسران "المحرقة" هو خسران سيف ودرع إسرائيل كما أنه خسران لأداة مهيبة لممارسة الابتزاز السياسي والمالي. ياد فاشيم Yad Vashem في القدس عبارة عن نصب تذكاري ومتحف (يتم توسيعه حالياً) في آنٍ معاً. كل شخصية أجنبية تزور إسرائيل لعقد صفقات مالية أو سياسية عليها قبل كل شيء أن تزور متحف الفظائع هذا لتتشرب مشاعر الذنب على نحو يجعلها أكثر مطواعية. وأحياناً، يتم التخلص من هذه الشكلية في حالة ممثلي بعض الأمم القليلة جداً التي لا يستطيع اليهود والصهاينة مهما حاولوا أن يوبخوها على دورها السلبي أو الفعال في "المحرقة" المزعومة. عندها يصبح من المسلي أن تلحظ الرسميين الإسرائيليين يتذمرون من صعوبة التعامل مع شركاء لهم لم يتمكنوا من تكييفهم مسبقاً.

    5- إنهم يدركون أن "المحرقة" لو تبين أنها خدعة، فإن السلاح رقم واحد في ترسانة إسرائيل الدعائية سوف يختفي (من رسالة روبنشتاين، البروفيسور في جامعة ديكن في مالبورن، استراليا، إلى مجلة ناشيونال ريفيو، 21/6/1979، ص639). ويعرفون جيداً أن "المحرقة" لو أظهرت كأسطورة صهيونية، فإن أقوى سلاح في ترسانة إسرائيل الدعائية سوف ينهار (المصدر: روبنشاتين في مقالة "اليسار واليمين واليهود" في مجلة كوادرنت، عدد أيلول سبتمبر 1979، ص270).

    6- ويكاد يغشى عليهم لمجرد التفكير بأن الجمهور قد يعرف أخيراً عن مجموع المظالم التي مثلتها كل عمليات التطهير، والقضايا المرفوعة في المحاكمات الهزلية في نورمبرغ، والاعترافات المنتزعة حول موضوع غرف الغاز أو شاحنات الغاز التي لم توجد يوماً، وحول عمليات قتل لا تصدق، ومطاردة الشيوخ في بيوت العجزة بعد أكثر من نصف قرن على الجرائم التي يفترض أنهم ارتكبوها، وتلقين كل الأذهان من المدرسة الابتدائية إلى الجامعة، وفي الكتب والصحف والإذاعات والتلفزيونات في كل قارة، صباحاً وظهراً ومساءاً وليلاً، أسطورة "المحرقة"؛ بالترافق مع الاضطهاد الشرس للمراجعين، لأنهم ارتكبوا جريمة نكراء هي مطالبتهم، ببساطة، بحق التحقق من اتهامات غير معقولة لا تدعمها إثباتات، أو من شهادات تم قبولها على أنها صحيحة، دون استجواب واستجواب معاكس، ودون تحقيق واحد في السلاح المزعوم الذي استخدم في الجريمة المزعومة (غرف الغاز).

    7- باختصار، إن كابوس هؤلاء اليهود والصهاينة هو أن يضطروا للاستماع بشكل متكرر جملة قيلت على الهواء قبل أكثر من عشرين عاماً على راديو أوروبا رقم 1(Radio Europe 1) من قبل مراجع فرنسي، وهذه الجملة هي: "إن غرف الغاز الهتلرية المزعومة والإبادة المزعومة لليهود يشكلان كذبة تاريخية واحدة، سمحت بعملية احتيال مالية وسياسية عملاقة، المستفيدان الأساسيان منها دولة إسرائيل والصهيونية العالمية، والضحية الأساسية لها الشعب الألماني، ولكن ليس قادته، والشعب الفلسطيني بأكمله".


    الجزء الثاني: كيف نخوض المعركة لإنهاء هذا الصمت؟

    --------------------------------------------------------------------------------

    1- في شهر 11/2000 أمضيت أسبوعاً في إيران في معهد مركز الدراسات الاستراتيجية الذي يرتبط مباشرة برئيس الجمهورية الإسلامية محمد خاتمي. في الفترة نفسها جاء المراجع السويسري جيرغن غراف إلى إيران، وبفضل جهوده المكثفة، والاتصالات التي حافظت عليها مع السلطات الإيرانية بعد العودة إلى فرنسا، قامت جريدة طهران تايمز بنشر سلسلة من المقالات المراجعة، حمل أولها توقيع البروفيسور سوروش نجاد [رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية الإيراني].

    2- مقابل المعلومات التي تمكنت من تقديمها لمحاوري الرئيسي عن المراجعة التاريخية، فقد طلبت منه تفسيراً مقنعاً للسؤال التالي: لماذا لم تجد المراجعة التاريخية حتى الآن صدىً لها في البلدان العربية والإسلامية؟ وقد قدم لي عن طيب خاطر ثمان إجابات أو أسباب لذلك، بعضها أصبح من الواضح لنا جميعاً بعد الأحداث الأخيرة في فلسطين [الانتفاضة الثانية] أنه لم يعد صحيحاً، وبعضها ينم عن سوء فهم، وبعضها الآخر ما برح يحتفظ لسوء الحظ بكل قوته، بالتحديد السبب التالي: إن الدول الغربية، قبل أن تتذمر من صمت الآخرين، عليها أن تقدم مثالاً عملياً في الممارسة، ولكن عدد المراجعين لا يزال قليلاً إلى حد مضحك في تلك البلدان، فلا يزال محدوداً جداً عدد أولئك الذين التزموا عن سابق تصميم بأسمائهم الحقيقية وبدون أية مناورات أو تحفظات أن يسيروا في الطريق الذي افتتحه بول راسينيه [أول مراجع، وكان قد اعتقل في معسكرات الاعتقال النازية وكتب كتاباً شكك فيه بكل أسطورة "المحرقة" وأكاذيب غرف الغاز].

    3- وقد حاولت أن أوضح أن السبب الأساسي لضعف المراجعة التاريخية هو ببساطة الخوف. وأضفت أن أية شخصية سياسية اليوم، سواء كانت إيرانية أو لبنانية أو صينية أو يابانية لا تستطيع أن تتجنب الشعور بهذا الخوف أمام جماعة قوية وغنية في العالم الغربي إلى هذه الدرجة، حتى أن قياداتها لديها الوسائل الكفيلة بغزو وسائل الأعلام بشكاواها وإداناتها في أية لحظة، من أجل المطالبة في نهاية الأمر بالمقاطعة الاقتصادية لأية أمة تتلكأ قيادتها عن القيام بعمل "تكفيري" عاجل، أو تقاوم المطالب اليهودية.

    4- ثم قمت بعد ذلك ببحث الأسباب التي تدعو قادة الدول الإسلامية رغماً عن ذلك إلى الكف عن صمتهم، وكيف يمكنهم أن يقوموا بذلك حسب رأيي. لن أشرح هذه الأسباب في هذا المعرض، ولكني سأختصر كلامي حول الطريق الواجب اتباعه في كسر الصمت بالجملة التالية: يتوجب أن يقوم قائد أو أكثر من هذه القيادات باجتياز الحد بشكل حازم ودون مجرد التفكير بالنظر إلى الوراء. إن تجربتي الطويلة مع اليهود أو الصهاينة في هذا المجال أقنعتني أن المخادعين تربكهم قحة أي شخص يجرؤ على مجابهتهم علناً. تماماً مثل الشاهد الزور، إذا استطعت الإمساك بنظرته، فإن عليك أن تستجوبه وعينك تحدق في عينه، كذلك فإن أتباع إدغار بروفمان، وايلي ويزل وسيمون ويزنثال [من مدعي "المحرقة"] والحاخامين مارفن هاير وأبراهام كوبر، يجب أن يتم تحديهم بقدر ما يطلقون تهديداتهم المعتادة.

    5- وحذرت مضيفي من إغراء اللجوء، حتى في المراحل الأولى، إلى شكل مميع في المراجعة التاريخية. مرة أخرى، لقد أثبتت التجربة أن المراجعة غير المبدئية يتم إذلالها. ولكن على المرء، من أجل اتخاذ موقف مراجع ثابت، أن يتعرف جيداً على الحجج الكيميائية والفيزيائية والوثائقية والتاريخية للمراجعة. لقد ذكرتهم مثلاً، بأن أسطورة غرف الغاز النازية كانت قد ماتت يوم 21/2/1979 على صفحات جريدة اللوموند عندما كشف 34 مؤرخ فرنسي عجزهم عن قبول التحدي بصدد الاستحالة التقنية لهذه المسالخ الكيمائية السخيفة. الجمهور لا يعرف ذلك الحدث، كما أنه لا يعرف عن تسلسل الهزائم والمآزق التي وقع فيها لوبي مؤرخي "المحرقة" منذ عام 1985، أي منذ محاكمة أحد المؤرخين المراجعين، ارنست زُندِل في تورنتو، كنذا [ارنست زُندِل ألماني الأصل ونازي النزعة- المترجم]. وقد بات على عاتق قادة الدول الإسلامية أن يكشفوا مثل هذه المعلومات المتحفظ عليها.

    6- في هذه البلدان المختلفة، يتوجب أن تتسلح معاهد التاريخ وعلم الاجتماع والسياسة بقسم متخصص بالمراجعة التاريخية. فالمراجع البحثية وأرشيفات هذه الأقسام ستمكن العلماء حول العالم من الذين طردوا من بلدانهم وجامعاتهم ومراكز الأبحاث والمكتبات في دولهم بسبب آرائهم أو ميولهم المراجعة، من القدوم للعمل في الأصقاع الإسلامية، ويمكن أن تتعاون وزارات التربية والبحث والثقافة والشؤون الخارجية في هذا المشروع الدولي الأبعاد.

    7- إذا أخذنا بالحسبان أن غلاة "المحرقة" يحافظون ليس على الأكاذيب فحسب بل على الكراهية أيضا، فسيبدو مناسباً أن تتأسس على مستوى دولي "حركة ضد زيف "المحرقة" ومن أجل الصداقة بين الشعوب".

    8- قد يكون ملائماً من أجل إحداث بعض التوازن في ميزان القوى في العلاقات الدولية أن تتم دعوة الطواقم السياسية والديبلوماسية للقوى العظمى لإظهار المزيد من التواضع. هؤلاء الناس الذين لا يوفرون بقية الخلق من مواعظهم الأخلاقية، يجدر أن يُذكَّروا بأنهم ينحنون أكثر قليلاً مما ينبغي أمام مافيا دولية متخصصة بالأكاذيب والاحتيال واحتقار حقوق الإنسان. إن ما يسمى بالمجتمع الدولي، الذي يستحضر هذه الحقوق باستمرار، يجب أن يعيد تثبتها في حالة المراجعين قبل توبيخ البلدان العربية والإسلامية على عدم التسامح أو الظلامية. هذه الاتهامات يمكن بسهولة أن تحوّل ضد الدول التي لا تتسامح بالتساؤل عن خرافة تحولت إلى تاريخ رسمي بحماية قوانين استحدثت خصيصاً، وتمنع قاطنيها من إلقاء الضوء على مواضيع تاريخية معينة.

    9- إن وسيلة جديدة وقوية للمعلومات، هي الإنترنت، باتت تسمح بانتشار متسارع للمراجعة التاريخية، وانظر بالتحديد إلى المواقع المنسوبة لأحمد رامي وأقسامها العربية. وهذه الوسيلة، الإنترنت، تعطي المثقفين العرب والمسلمين الذين تأثروا أكثر مما ينبغي بالأيديولوجيا السائدة في الجامعات الغربية حيث درس كثيرٌ منهم، فرصة للتخلص من آثار مخدر "المحرقة".

    10- الخلاصة، إن شعور القلق العميق الذي أظهره قادة اليهود والصهاينة إزاء انتفاضة صغار الفلسطينيين الذين يعيشون في الإملاق، وإزاء نشاطات المراجعين الذين لا يملكون أي من الموارد الاقتصادية والمالية الموجودة تحت تصرف مافيا "المحرقة" العظيمة يذكّر بالخوف المتوارث الذي يشعر به الغني أمام الفقير، والمستعمِر أمام المستعمَر، والسادة عند مرأى عبيدهم. فالقادة اليهود والصهاينة يرغون ويتوعدون ويضربون. إنهم يرون أنفسهم أغنياء (ولكن ليس أبداًً بما فيه الكفاية طبعاً)، ويرون بحوزتهم جميع أنواع الأسلحة (سواء تلك التي تعتمد القوة العارية أو المعتمدة على الابتزاز)، وهم يعرفون كيف يجعلون أنفسهم مخيفين لكل قادة الأمم الأكثر حظوة. ولكن رغم ذلك، تبقى فكرة مواجهة شجاعة أولئك الذين لم يبقى لديهم أي شيء يخسرونه في الانتفاضة المزدوجة ، انتفاضة الفلسطينيين وانتفاضة المراجعين، تطارد الصهاينة. فالأغنياء والأقوياء يثير حنقهم أن يروا بأنه من الممكن تحديهم من قبل الفلسطينيين بأيديهم العارية إلا من الحجارة، ومن قبل المراجعين بأيديهم العارية إلا من الأقلام.


    الجزء الثالث: الهدف الرئيسي: "غرفة الغاز السحرية".

    --------------------------------------------------------------------------------

    دعونا نتعلم التسديد، ودعونا لا نشتت جهودنا. فلنركز على توجيه انتباهنا نحو مركز عمليات الخصم. لكن مركز الصرح الكبير الذي يشكل ديانة "المحرقة" ليس إلا كذبة اوشفتز، وقلب هذه الكذبة، بدوره، يتشكل من "غرفة الغاز" المدهشة. وهناك يجب أن نصوب.

    لم يتمكن أحد، في معسكر اعتقال اوشفتز أو في أي مكان آخر، أن يرينا عينة واحدة من هذه المسالخ الكيميائية. ولم يستطع أن يصف لنا شكلها الدقيق وطرق تشغيلها. ولم يكشف أثر أو ملمح واحد لوجودها. لا توجد وثيقة واحدة ولا دراسة واحدة ولا تصميم واحد لها. لاشيء! لا شيء سوى "دلائل" عرضية مثيرة للشفقة، مثل السراب تختفي كلما اقترب المرء منها، الأمر الذي أجبر المؤرخين اليهود أنفسهم في السنوات الأخيرة على التبرؤ منها.

    أحياناً، كما في معسكر أوشفتز، تعرض على السياح غرفة غاز "أعيد تركيبها"، ولكن المؤرخين، وسلطات متحف اوشفتز أيضاً، يعرفون جيداً، على حد قول المؤرخ الفرنسي المعادي للمراجعين اريك كونان: "أن كل شيء فيها مزيف"، (المصدر: "اوشفتز: ذاكرة الألم"، مجلة لاكسبرس، عدد 19- 25/1/1995، ص6.

    رغم ذلك، فإن اليهود محظوظون إذ يتم تصديقهم بناءً على كلمتهم. عملياً لا يطلب أحد أن يرى الأعجوبة التكنولوجية التي كان من الممكن أن تكونها غرفة الغاز النازية، كمسلخ كيميائي ضخم حقيقةً. تخيل لو أن أحدهم أخبرك عن طائرة قادرة على نقل ألفين أو ثلاثة آلاف راكب من باريس إلى نيويورك في نصف ساعة، ألن ترغب من أجل أن تبدأ بتصديق الأمر بمشاهدة صورة على الأقل من الشيء الذي يشكل قفزة تكنولوجية إلى الأمام لم يعرفها العلم أبداً من قبل؟! ولكن حسب القراءة التصفوية [لإبادة اليهود]، كان يتم وضع دفعات من ألفين إلى ثلاثة آلاف يهودي في حجرة غاز واحدة مزعومة في معسكر اوشفتز كل نصف ساعة فقط!! فأين هي هذه الحجرة؟ وأين تصميمها وآثارها؟ ألسنا في عصر العلوم الدقيقة والوسائل السمعية- البصرية؟ لمَ كل هذا الخجل المفاجئ عندما يتعلق الأمر بحجرة الغاز؟ لكن مروجي "المحرقة" تسير لعبتهم بيسر، فهم يعرضون عليك ما يماثل حمام منزلك أو مرآب سيارتك، ثم يقولون لك: "هذا هو المكان حيث كان الألمان يقتلون اليهود بالغاز في مجموعات من مائة أو ألف".. وأنت تصدق. إنهم يعرضون عليك شعراً بشرياً كذاك الذي تستطيع أن تشاهده عند أي حلاق شعر أو صانع باروكات [شعر مستعار]، ثم يقولون لك، بدون أي إثبات، بأن هذا هو شعر بعض ضحايا الغاز، يعرضون عليك أحذية طبع عليها: "أحذية ضحايا الغاز"، وأنت تصدق. يقدمون لك صوراً فوتوغرافية لجثث، وأنت تصدق أنك ترى صور المذبوحين. يجعلونك ترتعد من منظر محارق جثث الموتى وهي في الواقع غير استثنائية على الإطلاق. [محارق الجثث طبعاً شيء يختلف تماماً عن أفران الغاز المزعومة]. هناك طريقة بسيطة جداً لإظهار أنك خدعت فيما يختص بالحصيلة "المذهلة" لمحارق الجثث الألمانية في الأربعينات، وهي ببساطة أن نقارنها بحصيلة أكثر محارق الموتى حداثة في مدننا...

    أعرف أيضاً وسيلة مفحمة لإثبات أن غرف الغاز المزعومة لقتل اليهود بغاز الـ Hydrogen Cyanide السام لم توجد أبداً: إنها تتطلب زيارة غرفة إعدام بالغاز في سجن أمريكي كما فعلت عام 1979، أو على الأقل تتطلب أن يدرس المرء غرفة إعدام بالغاز من هذا النوع. إن بنيتها معقدة إلى حد، وإجراءات إعدام شخص واحد فيها، كما يجري اليوم في السجون الأمريكية، تتطلب اتخاذ احتياطات جذرية لأنها خطرة على المنفذين أنفسهم. إن تلك الإعدامات الوحشية يتم استخدام غاز الهيدروجين سيانيد فيها ولذلك تتطلب استخدام إجراءات وقائية كثيرة وتكنولوجيا معقدة، مع أن تطورات كثيرة قد طرأت أو قد تطرأ في هذا الميدان في المستقبل مع التطور العلمي.

    لويس- فرديناند سالين الذي ذكر لأول مرة تعبير "غرفة الغاز السحرية" من أكبر الأدباء الفرنسيين الذين تعرضوا لاضطهاد شديد بسبب مواقفهم المراجعة. مات عام 1961 وما زالت أعماله لا يعاد نشرها، دون قانون يحرم ذلك، ولكن بفضل النفوذ اليهودي، فهكذا هو القانون غير المكتوب للتلمود الحديث. وهناك أمثلة كثيرة أخرى على اضطهاد المراجعين بالطبع... وكان سالين قد استخدم تعبير "غرفة الغاز السحرية" في رسالة صديق يتحدث له فيها عن كتاب بول راسينيه، المعتقل في السجون النازية الذي كان أول من شكك بأسطورة "المحرقة" و"غرفة الغاز النازية".

    نعم، إن غرفة الغاز النازية هي بالفعل "سحرية"، وكما سلف، لم يتمكن أحد بعد من عرض واحدة أو حتى رسمها. لم يتمكن أحد حتى الآن من تفسير طريقة عملها. ولم يتمكن أحد من إخبارنا كيف تمكن الألمان في معسكر اوشفتز من صب أقراص من مبيد Zyklon – B القوي الذي يتألف أساساً من قاعدة من الهيدروجين سيانيد السام من فتحات مزعومة في سقف "غرفة الغاز"، مع الأخذ بعين الاعتبار أن غرفة الغاز المزعومة هذه (وهي في الواقع غرفة باردة لحفظ الجثث بانتظار إحراقها) لم يوجد حتى ثقب واحد في سقفها، كما يمكن أن تلاحظ العين اليقظة بين الأطلال. ولذلك وصلت إلى الاستنتاج التالي: "لا ثقوب، لا محرقة"!

    ولم يتمكن أحد أن يحل اللغز المتضمن في النسخة التقليدية للقصة: كيف يمكن لقوات اليهود العاملين تحت إمرة الألمان، المعروفين باسم Sonder Kommando، من الدخول إلى حجرة الغاز العظيمة دون عاقبة، بعد وقت قليل جدا من عمليات القتل الجماعية المزعومة، ليزيلوا بكل حيوية، يوماً بعد يوم، آلاف الجثث الملقية في أكوام متشابكة؟! فغاز الهيدروجين سيانيد سام جداً وتصعب إزالته بالتهوية، وهي عملية تأخذ وقتاً طويلاً. فهذا الغاز بالذات يخترق ويمكث في الجبس والطوب والإسمنت والخشب والدهان، وقبل كل شيء في الجلد والأغشية المخاطية للإنسان. لذلك، لا يستطيع المرء أن يدخل ويتحرك ويعمل هكذا في ما يشكل فعلياً محيطا من الغازات السامة، وإن يتدبر أمر جثث مشبعة بالسم إلى درجة تقتل كل من يلمسها.

    بالإضافة إلى ذلك، يعرف الخبراء في حقل التطهير أو المبيدات بأن من الضروري في جو من هذا النوع أن يتجنب المرء الجهد الجسدي ولو كان يلبس قناعاً واقياً للغاز، لأن الجهد يسرِّع التنفس، الأمر الذي يسمح للغاز بالمرور عبر الفلتر أو المصفاة، ويسبب مقتل لابس الواقي. أخيراً، لم يعلمنا أحد كيف استطاع اليهود المدهشون العاملون تحت إمرة الألمان أو Sonder Kommondo، من جر جثث أبناء دينهم المسمومين بالهيدروجين سيانيد وهم يأكلون أو يدخنون السجائر، حسب "اعتراف" منسوب إلى رودلف هاس، الأكثر شهرة بين آمري معسكر اوشفتز المتتابعين. فحسب ما فهمنا، لم يضع هؤلاء حتى أقنعة واقية للغاز وطفقوا بالتدخين بين الأبخرة السامة لغاز متفجر، فهل هذا معقول؟!

    إن غرفة الغاز سحرية بالفعل ولكن سحرها شرير ومثير للغثيان، وهي ليست أكثر من كابوس يقبع في أدمغة اليهود، في الوقت الذي يعمل فيه كبار كهنة "المحرقة" على جعل هذا الوهم الفظيع شبحاً يطارد العالم إلى الأبد ويبقيه في حالة أشبه بالتنويم المغناطيسي، فمعيشتهم تعتمد على ذلك.

    وكان سالين السابق الذكر قد قال إن موضوع غرفة الغاز السحرية ليس بمسالة صغيرة، فهي في الواقع كل شيء وتسمح بكل شيء. وبدونها ينهار صرح "المحرقة" انهياراً تاماً. فغرفة الغاز النازية يفترض بأنها الدليل الملموس الوحيد، ولكن الذي يستحيل إيجاده، على التصفية الجسدية التي لم تحدث أبداً، والتي توصف بوقاحة بأنها كانت مدبرة ومخططة وذات طبيعة صناعية عملاقة، بمعدلات إنتاج تليق بـ"مصانع موت" حقيقة.

    سالين، أخيراً، كان محقاً في الاستنتاج "أن عالماً كاملاً من الضغائن سوف يعوي على محطم الأصنام". من جهتي، يجب أن أضيف، بعد أكثر من نصف قرن على هذا التشخيص أو النبوءة، بأن العواء الذي يصم الآذان الآن أكثر وأكثر لم يتوقف لحظة ضد محطمي الأصنام الذين هم المراجعين. في فرنسا، يسمى المراجعون اليوم اسماً همجياً هو "النفيين". وهم لا "ينفون" أو ينكرون شيئاً بل يؤكدون عند الانتهاء من أبحاثهم بأن زيفاً تاريخياً عملاقاً يفرض سطوته.


    استنتاج:

    --------------------------------------------------------------------------------

    إنّ شبح المراجعين يطارد أيام وليالي المدافعين عن القانون اليهودي، ومن أسماهم سالين "احتكار الشهداء" أو "تروستات الشهداء". وضد هذا التروست Trust [احتكار شركات متحالفة أو مصرفها التجاري]، يحاول المراجعون أن يحموا أنفسهم، ولكن التروست يطاردهم بلا رحمة. فهو يسبب لهم الأذى الجسدي والتشويه، ويقتلهم ويجبر بعضهم على اللجوء خارج بلاده، وهو يشعل النار بالمنازل ويحرق الكتب... وهو يقود بعضهم إلى الانتحار كما حصل يوم 25/4/1995 عندما أحرق المراجع الألماني راينهولد الستنر نفسه احتجاجاً على زيف "المحرقة" واضطهاد المراجعين. ويوم 13/5/2000، أنهى بروفيسور العلوم السياسية الألماني وارنر فايغنبرغر حياته بسبب شدة وطول معاناته قضائياً واجتماعياً على يد صحافي يهودي اشتم رائحة المراجعة التاريخية في كتاباته. وكانت الشرطة الألمانية قد اعتقلت الأشخاص الذين أتوا لوضع باقة من الورد في المكان الذي أحرق فيه راينهولد الستنر نفسه احتجاجاً. إذن الترست يسيطر على الشرطة والقضاة وأجهزة السجون ويجعلها تفعل ما تشاء. وهو يمارس الضغط، ويبتز ويسرق، ويسلط كلاب الصحافة علينا، ويطردنا من وظائفنا، ويكيل الإهانات لنا. ومن جهتنا، وحسب معلوماتي، لم يرفع أحدنا يده يوماً ضد أي من هؤلاء.

    إن المراجعين يعيشون حياة المشقة، أما الفلسطينيين فيعيشون مأساة. وبخاصة، إن العديد من الأطفال الفلسطينيين قُدر لهم مصيرٌ مؤسفٌ. قتلتهم الإسرائيليون هم، على مستوى أصغر، خيرَ خلف لسلاح الجو الأمريكي، الجهاز العسكري الذي ساهم بقتل وتشويه وتجويع الأطفال أكثر من أي جهاز عسكري آخر في كل التاريخ البشري، ابتداءً من ألمانيا وبقية أوروبا، ثم في اليابان وفيتنام وبقية آسيا، ثم في الشرق الأدنى والشرق الأوسط، وأخيراً في الكثير من الأماكن الأخرى في العالم حيثما يتلقى الجندي الأمريكي أمراً من أسياده لمطاردة "هتلر" جديد من أجل منع "عملية إبادة جماعية" جديدة.

    ألا فليسمع قادة الدول الإسلامية الفلسطينيين ونداءات المراجعين، فإن محنتنا متشابهة، وانتفاضتينا متماثلتان.

    إلا فليكف هؤلاء القادة أخيراً عن صمتهم إزاء أكبر زيف في الأزمنة الحديثة، زيف "المحرقة".

    إلا فليشجبوا خاصة كذبة غرفة الغاز النازية المزعومة التي لم يذكرها يوماً أي من القادة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية من تشرشل إلى ديغول إلى ايزنهاور.

    إن مأساة الفلسطينيين تتطلب ذلك، ومحنة المراجعين تجعله ضرورياً، وقضية الإنسانية ككل تجعله واجباً أخلاقياً وسياسياً وتاريخياً. إن الزيف العظيم يجب أن يدان، لأنه يثير الحقد والحرب. ومن أجل كل ذلك يتوجب على قادة الدول الإسلامية أن يكفوا عن صمتهم إزاء زيف "المحرقة".

    د. روبرت فوريسون

    تلخيص وترجمة د. إبراهيم علوش.

    الترجمات والنصوص الأصلية لثلاث وثائق متصلة بالموضوع
    1- رسالة ودعوة مفتوحة من مركز سيمون ويزنثال الصهيوني
    في الولايات المتحدة إلى رابطة الكتاب الأردنيين
    11 نيسان/إبريل 2001

    مركز ويزنثال يدعو المثقفين الأردنيين "للجلوس وللتكلم".
    لقاء آخر لإنكار المحرقة يمنع في عاصمة عربية.
    بعد عشرة أيام بالضبط من قيام رئيس الحكومة اللبناني رفيق الحريري بإلغاء مؤتمر لناكري "المحرقة" في بيروت، تم "تأجيل" لقاء مشابه كان مقرراً في عمان الأردن مخافة أن يؤدي ذلك اللقاء، على ما يبدو، إلى إحراج ملك الأردن عبد الله الموجود في واشنطن من أجل لقائه الافتتاحي مع رئيس الولايات المتحدة جورج بوش.

    المتحدثون الثلاثة ومدير الجلسة في لقاء عمان تم إبلاغهم السبت الماضي بأن "ندوة المؤرخين المراجعين (للمحرقة)" لن يتمكنوا من المضي في عقد لقائهم يوم 8 نيسان/إبريل، بسبب الإحراج المحتمل الذي قد يسببه للملك عبد الله عشية قمته الأولى مع الرئيس بوش.

    "نحن نرحب بقرار السلطات بإجهاض هذا التجمع الذي، عوضاً عن الترويج للتبادل الحر للأفكار والفهم الأفضل للتاريخ، سوف يصادق على جهود تلك القوى التي تسعى لتبيض المحرقة النازية، وهي عملية الإبادة الجماعية الأكثر توثيقاً في التاريخ"، على حد قول الحاخام أبراهام كوبر Cooper، العميد المساعد لمركز سيمون ويزنثال الذي قاد الجهود لإلغاء اجتماع الكرادلة الناكرين للمحرقة في بيروت.

    "نلحظ بأن رابطة الكتاب الأردنيين تخطط على ما يبدو لإدانة المثقفين العرب البارزين الذين أعلنوا موقفاً ضد إنكار الشواة [المحرقة - المترجم]، وأنهم يخططون لإعادة تنظيم ندوة عمان"، كما يقول كوبر. "عوضاً عن ذلك، فإننا في مركز سيمون ويزنثال، وكنا قد تشرفنا باستضافة الملك الراحل حسين في متحف التسامح [متحف المحرقة - المترجم] في لوس انجلوس، ندعو رئيس رابطة الكتاب الأردنيين لإرسال وفد لزيارة مؤسستنا وللقاء الناجين من تلك الحقبة الرهيبة وجهاً لوجه، إذ بينما توجد لدينا مواقف متباينة تجاه السلام في الشرق الأوسط، فإن أصحاب النوايا الحسنة يجب أن يكونوا قادرين على العمل معاً لرفض المراجعة التاريخية واللاسامية"، يضيف كوبر.

    وقد صرح الحاخام كوبر أيضاً، بأن هناك تصاعداً في مد اللاسامية وإنكار المحرقة والإشارة للإسرائيليين كنازيين من قبل المسؤولين الكبار في سورية والإعلام الرسمي في مصر وإيران والسلطة الفلسطينية.

    وقد استنتج كوبر: "إن الهدف واضح، وهو تصوير إسرائيل والشعب اليهودي بصورة الشيطان".

    للمزيد من المعلومات، اتصلوا بقسم العلاقات العامة في مركز سيمون ويزنثال على الرقم 9036 - 553 - 310 (الولايات المتحدة).

    [العنوان - انظر النص الإنكليزي]

    [نهاية الرسالة المفتوحة من مركز سيمون ويزنثال]

    ملاحظات:

    الترجمة حرفية وكل المزدوجات من النص الأصلي.
    المؤرخون المراجعون يقترحون أن نوافق على الدعوة بشرط أن تتاح لهم الفرصة ليكونوا أعضاء في وفدنا لكي يتحدوا أسطورة المحرقة ويكشفوا زيف ادعاءات الناجين منها أمام وسائل الإعلام. وقد أبلغتهم أنني سوف أنقل اقتراحهم للجهات المعنية ولكن موقفنا كان وما زال ضد التطبيع مع الصهاينة.
    ردت الرابطة على هذه الدعوة بالإعلان عن موعد جديد لعقد الندوة تم تأجيله بقرار حكومي.
    د. إبراهيم علوش

    عضو رابطة الكتاب الأردنيين

    2- مقال جديد للحاخام أبراهام كوبر يهاجم فيه رابطة الكتاب الأردنيين وثلة من المثقفين العرب
    - هجوم على بشار الأسد وإيران -

    افتتاحية الحاخام أبراهام كوبر كما نشرت في صحيفة الميامي هيرالد الأمريكية:


    "انجيل الكراهية الغربي يضع جذوراً له في الشرق الأوسط"


    [تاريخ 30 نيسان 2001 حسب موقع سيمون ويزنثال على الإنترنت، ولا أعلم تاريخ نشرا في جريدة الميامي هيرالد، والحاخام أبراهام كوبر هو طبعاً العميد المساعد لمركز سيمون ويزنثال الذي يدير متحف التسامح أو متحف المحرقة].


    يوم 7/4، بينما كان اليهود في العالم أجمع يجتمعون حول طاولات العشاء التقليدية في الليلة الأولى لعيد الفصح اليهودي، كانت مجموعة من المثقفين العرب، تقودها رابطة الكتاب الأردنيين، تضع اللمسات الأخيرة على "ندوة حول المؤرخين المراجعين".

    كان الهدف من ندوة عمان هو حشد الدعم لمعهد المراجعة التاريخية الأمريكي الذي ينكر المحرقة، والذي قامت الحكومة اللبنانية بشجاعة بإلغاء مؤتمره الدولي في بيروت، والذي كان سينعقد تحت عنوان "المراجعة التاريخية والصهيونية". وحتى اللحظة يبقى مهرجان الكراهية العالمي لمعهد المراجعة التاريخية بدون بيت [يعقد فيه المترجم]، وهو الأمر المثير لكدر منظمة جيرغن غراف، وهو متعصب محترف هرب من سويسرا إلى طهران بعدما حكم بالسجن لتشويهه ذكرى ضحايا هتلر. والآن، لم يعد لديه مكان يعقد فيه معرض نجوم الأوغاد الدوليين هذا حيث يجتمع مروجو البغضاء العنيفون مثل أحد قادة اليمين المتطرف الألماني هورست ماهلر، ورئيس التحالف القومي الأمريكي ومؤلف مذكرات تارنر، وليم بيرس، الذي كان كراسه برنامج عمل تيموثي ماكفي مرتكب عملية التفجير في أوكلاهوما سيتي.

    [ملاحظة: إن ربط المراجعة التاريخية بأعمال إرهابية مثل تلك التي قام بها تيموثي ماكفي في عاصمة ولاية أوكلاهوما عام 1995، حيث تم تفجير مبنى يحتوي العصب المركزي لوكالات المخابرات الأمريكية في الولاية مما أدى إلى مقتل أكثر من مائة وخمسين من كبار ضباط هذه الأجهزة، هو عمل تحريضي سافر، يهدف إلى تخويف مناصري المؤرخين المراجعين بقدر ما يهدف إلى استثارة الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكي ضد المراجعين ومناصريهم - المترجم].

    لكن جرغن غراف ومعهد المراجعة التاريخية لم يبقيا في وضعهما الجرح طويلاً، إذ تقدم إبراهيم علوش لحشد التأييد لهما من قبل "أعداد من الكتاب والمثقفين عبر الأردن وسوريا ولبنان الذين تحركوا للدفاع عن حرية التعبير في العالم العربي ولتصحيح السجل حول المؤرخين المراجعين". إن ندوة عمان حسب علوش "هي مجرد بداية لسلسلة من النشاطات التي يؤمل أن تتوج بمؤتمر للمراجعين في بلد عربي ما".

    ويخبرنا علوش أيضاً أن العالمين العربي والإسلامي بحاجة لمعرفة "حقائق" مثبتة علمياً مثل "أن غرف الغاز المزعومة لم تكن تستخدم لتصفية اليهود بشكل منهجي، بل لحرق جثث أناس من جنسيات مختلفة بعد موتهم لمنع انتشار الأوبئة"، ومن بين "الضحايا المزعومين": آني فرانك. ورغم هذه المخططات، فإن مؤتمر عمان تم وقفه، على الأقل حالياً. فقد أخبر مسؤولون أردنيون معنيون بعض المنظمين أن الندوة قد تحرج ملك الأردن الشاب عبد الله، بينما كان يستعد للقاء الرئيس جورج بوش للمرة الأولى في البيت الأبيض.

    ولكن لا يبدو أن هناك تحفظات من هذا النوع في دمشق. إذ تم إطلاق هجوم حاقد موازي هناك من قبل الرئيس بشار الأسد، الذي درس في الغرب، والذي وصف الإسرائيليين مرتين بأنهم "أسوأ من النازيين" وأمام خلفية من هذا النوع، بدا قرار رئيس الحكومة اللبناني رفيق الحريري بإلغاء مؤتمر معهد المراجعة التاريخية بأنه أكثر شجاعة مما يبدو للوهلة الأولى، فقد قال: "لبنان لديه أشياء أكثر أهمية من عقد المؤتمرات التي تضر بمكانته الدولية وتلطخ اسمه".

    [وألخص باقي المقال في نقاط بسبب طوله:

    التيار الأساسي في العالمين العربي والإسلامي يعلم الأطفال بأنه لم تكن هناك محرقة، لمحو الدروس الأخلاقية والتاريخية لها وإنكار مشروعية إسرائيل.
    من طهران إلى بغداد إلى دمشق إلى غزة إلى القاهرة تلتحم إيديولوجية إنكار المحرقة بإنجيل "حرب الجهاد" من قبل المصممين على ضرب مشروعية الشعب اليهودي وتدمير إسرائيل.
    هجوم على إيران لمنحها اللجوء لشخص نمساوي شهد في محكمة جيرغن غراف في سويسرا كخبير تقني منذ غرف الغاز، ولنشر مقالات في الصحف الإيرانية تندد بمؤامرة المحرقة.
    هجوم على عبد الله حوراني لأنه نشر مقالاً قال فيه: "عوضاً عن التحدث عن المحرقة المزعومة، كان يتوجب أن نتبع شكوكنا حولها التي باتت تكتسب المزيد من الزخم وبين كبار المثقفين الأوروبيين".
    هجوم على الشيخ نافذ عزام من "الجهاد" لأنه اعترض في غزة على تدريس المخرقة للأطفال الفلسطينيين.
    هجوم على كاتب العامود أنيس منصور لأنه كتب في الأهرام بأن ما حدث لليهود في ألمانيا وبولندا وروسيا كان مبرراً.
    هجوم على معهد المراجعة التاريخية لأنه يحاول ركوب هذه الموجة على زعم أبراهام كوبر.
    هجوم على مصطفى طلاس لأنه اتفق مع المنتج المصري منير راضي على تصوير فيلم اعتماداً على كتاب وضعه طلاس عام 1983، رداً على فيلم "لائحة شندلر" الذي يروج للمحرقة، عن مؤامرة يهودية في دمشق عام 1840 لقتل المسلمين والمسيحيين.
    هجوم على كاتب يهودي اسمه جون ساك لأنه حضر مؤتمر المراجعة التاريخية الأخير وألقى فيه خطاباً وكتب تقريراً عنه لمجلة أمريكية معروفة غطى المؤتمر بشكل إيحابي.
    محاولة لربط "إنكار المحرقة" بأعمال إرهابية لحركة النازيين الجدد في الولايات المتحدة والمسيحيين المتشددين على سبيل المثال هجوم عام 1999 أدى إلى جمع (5) أشخاص في المركز اليهودي في سان فرناندو في ولاية كاليفورنيا.
    ويوضح كوبر أن هذه الهجمات رغم خطورتها الشديدة تبقى أقل أهمية من تأثيرها في الشرق الأوسط إذا أصبح إنكار المحرقة سياسة رسمية، فالعنف هناك سيكون أكثر بكثير. [هذه خلاصة المقال].
    لذلك على صناع السياسة الأمريكية والأوروبيين الذين يبحثون عن دور في الشرق الأوسط أن يرسلوا إشارات للأسديين والعرفاتيين والخامنئيين بأن الكذبة [إنكار المحرقة] لن تمر كسياسة رسمية أمام الأمم المتحدة في العالم. وإلا، فإن المحرقة سوف تتكرر.
    تلخيص وترجمة: د. إبراهيم علوش.

    - وهكذا، يصبح واضحاً أن التأكيد على "المحرقة" هو من الضمانات المعنوية التي يراد لها أن تحمي وجود الاحتلال. لذلك، يمنع بحثها بالمطلق، ويهاجم من يبحثها.

    3 - حاخام "إسرائيل" الأكبر يدعو الملك عبد الله لمنع
    ندوة المراجعة التاريخية في رابطة الكتاب يوم 15 أيار
    ذكرت وكالة أنباء CNS على موقع الإنترنت التابع لها في نبأ من القدس، نقلاً عن جولي ستال Julie Stahl مسؤولة مكتب الوكالة في القدس، أن حاخام "إسرائيل" الأكبر إسرائيل مائير لاو، وجه رسالة للملك عبد الله حثه فيها على منع مؤتمر المراجعين من الانعقاد في عمان يوم 15/5/2001.

    وتقول الوكالة في الخبر الذي أوردته في نسختها الصادرة يوم 2/5/2001 إن الحاخام الأكبر لاو قال أن عقد المؤتمر في عمان سيعتبر بمثابة "لطخة رهيبة" على الأردن، وسيدمر العلاقات بين الجارين، خاصة وأن الأردن وقع معاهدة سلام مع "إسرائيل".

    ويضيف الخبر أن مؤتمر ناكري المحرقة هذا كان سيعقد في بيروت ولكنه الآن سيعقد في الأردن يوم 15/5 بمناسبة العيد الثالث والخمسين لاستقلال "إسرائيل". ويشير التقرير الذي يملأ صفحتين مطبوعتين أن هذا المؤتمر لإنكار المحرقة ترعاه مؤسسة الحقيقة والعدالة السويسرية ومعهد المراجعة التاريخية الأمريكي، وهما من أبرز معاهد المراجعة التاريخية في العالم.

    وينقل التقرير عن المتحدثة باسم عصبة مكافحة الافتراء اليهودية، ADL، في القدس، أنها ستتفاجئ إذا سمح الملك بعقد هذا المؤتمر لأن هذا سيثير بدون شك العداء مع حكومة الولايات المتحدة.

    وأضاف التقرير أن المتحدث باسم الحاخام الأكبر لاو، واسمه اسحاق رات، قال بأن الرسالة للملك أرسلت عبر وزارة الخارجية وأنهم لا يتوقعون رداً قريباً عليها. وتقول هذه الرسالة فيما تقوله: "أن مجدكم ومجد مملكتكم لن يتم بالتعاون مع ناكري المحرقة، ولو كان هذا التعاون سلبياً (أي بمجرد السماح بانعقاد المؤتمر – المترجم)". وإن على الملك أن يفعل كل ما بوسعه لمنع انعقاد هذا المؤتمر.

    إيضاحات من رابطة الكتاب الأردنيين:

    [ملاحظة: تم عقد الندوة يوم 13 أيار/2001 بنجاح وكانت تلك المحاولة الثالثة لعقدها].

    إن جولي شتال مسؤولة مكتب CNS في القدس كانت تعمل حتى أمدٍ قريب مسؤولة المركز الإعلامي الإسرائيلي في وزارة الخارجية الإسرائيلية، وهي تحمل شهادة ماجستير في الصحافة من جامعة Regent.
    إن معهد المراجعة التاريخية في الولايات المتحدة ومعهد الحقيقة والعدالة السويسري لا علاقة لهما من قريب أو بعيد بندوة رابطة الكتاب الأردنيين، وأن الندوة التي ترفع رابطة الكتاب الأردنيين عقدها ندوة محلية بمتحدثين محليين.
    إن مؤتمر "المراجعة التاريخية والصهيونية" في بيروت شيء، وندوة "ماذا حدث لمؤتمر بيروت؟" في عمان شيء آخر، ولا يجوز أن نخلط بين الاثنين.
    إن المراجعة التاريخية ليست لإنكار المحرقة، بل لوضعها في إطارها العلمي، وبالتالي لوضع قيام "إسرائيل" ضمن إطارها العلمي. فمسألة المراجعة التاريخية للحرب العالمية الثانية مسألة سياسية راهنة، لا مسألة أكاديمية تاريخية فحسب.
    إن الحاخام الأكبر ليس من حقه أن يتدخل في سيادة الأردن وشؤونه الداخلية. فندوة رابطة الكتاب الأردنيين تمثل نشاطاً داخلياً لرابطة الكتاب لمواطنين أردنيين يمارسون حقوقهم الدستورية في التعبير الحر عن الرأي ضمن حدود القانون، وأننا على ثقة بأن الموقف الأردني الرسمي سيكون رافضاً لهذا التدخل في شؤونه الداخلية والوصاية عليه.
    إن الولايات المتحدة نفسها تسمح للمراجعين بعقد المؤتمرات وإصدار النشرات هناك، فلماذا يفرض على الأردن تدخل في حريات مواطنيه لا يطبق على مواطني الولايات المتحدة.
    إن الحركة الصهيونية تعرف جيداً أن معهد المراجعة التاريخية الأمريكي، ومؤسسة الحقيقة والعدالة السويسرية، لا علاقة لهما بندوة رابطة الكتاب الأردنيين، وقد كتبت هآرتز والجيروزاليم بوست يومي 20 و 22 نيسان 2001 تذكر فيها أن رابطة الكتاب الأردنيين هي التي ستعقد الندوة في عمان.

    رسالة مفتوحة من معهد المراجعة التاريخية في الولايات المتحدة إلى المثقفين العرب الأربعة عشر
    ترجمة: د. إبراهيم علوش

    من مارك وبر، مدير معهد المراجعة التاريخية في الولايات المتحدة إلى المثقفين العرب التالية أسماؤهم:

    أدونيس (علي أحمد سعيد)، محمد حربي، إلياس خوري، جيرار خوري، صلاح ستيتية، محمود درويش، محمد برادة، جمال الدين بن شيخ، إدوارد سعيد، دومينيك اده، فايز ملص، فاروق مردم بيه، خالدة سعيد، إلياس صنبر.

    لقد أصدرتم مؤخراً بياناً عاماً دعوتم فيه السلطات في لبنان لمنع مؤتمر "المراجعة والصهيونية" الذي كان سينعقد في بيروت بين 31 آذار/مارس و3 نيسان/إبريل، وكان معهدنا، معهد المراجعة التاريخية في الولايات المتحدة، يساعد في تنظيمه. وقد وصلت الأنباء عن بيانكم هذا في وسائل الإعلام، مثلاً، عدد 16 آذار/مارس من اللوموند ديبلوماتيك (عدد 15 آذار على الإنترنت).

    وجاء بيانكم بعد فترة قصيرة من قيام ثلاث منظمات يهودية – صهيونية بإدانة مؤتمرنا ومطالبة لبنان بمنعه. هذه المنظمات الثلاث هي المؤتمر اليهودي العالمي World Jewish Congress وعصبة مكافحة الافتراء اليهودية Jewish Anti-Defamation League ومركز سيمون ويزنثال The Simon Wiesenthal Center .

    لذلك لم يكن مفاجئاً أن يمتدح السفير الإسرائيلي في فرنسا بيانكم علناً. فقد مارست هذه المنظمات الثلاث الضغوط على لبنان، بالاشتراك مع حكومة الولايات المتحدة، وحكومات أجنبية أخرى من أجل منع مؤتمرنا ذي الأيام الأربعة.

    فأعلن رئيس حكومة لبنان تجاوباً مع هذه الضغوطات، يوم 22 آذار/مارس، بأن مؤتمر "المراجعة التاريخية والصهيونية" لن يسمح به.

    لذلك نقول لكم إن دعوتكم السلطات اللبنانية لحظر لقاء مسالم، منظم من جهات خاصة غير رسمية، يضم باحثين وكتاباً وعلماء، لقاء قانوني تماماً في معظم بلدان العالم ومنها الولايات المتحدة، إن دعوتكم هذه تشكل ضربة لقضية الحرية والسلام والعدالة.

    لقد أدنتم مؤتمراً دون أن تعرفوا شيئاً عن مضمون محاضراته، أو على ما يبدو، عن هويات المتحدثين فيه.

    إن بيانكم ليوحي بشكل مهين أن اللبنانيين غير قادرين وحدهم على تكوين رأي ذكي ومطلع عن تاريخ القرن العشرين وأحداثه. يجب أن يتمتع كل إنسان بحق تكوين رأي مطلع حول حجج المراجعين. ولا يجوز أن يكون هنالك مقياس لحرية التعبير في معظم أمم العالم، ومقياس آخر أدنى منه للعرب.

    لقد مررّتم دعوتكم لممارسة الرقابة بالإدعاء بأن مؤتمرنا سيكون "معادياً للسامية". وإنه لاتهام مخزٍ، إذا أخذنا بعين الاعتبار مدى استعداد المدافعين عن الدولة الصهيونية لقذف هذا النعت الرخيص على أولئك الذين يعادون سياسات "إسرائيل" الإجرامية.

    لأكثر من عشرين عاماً عارض معهدنا التعصب والرقابة والقمع في نضاله من أجل ترويج وعي تاريخي أفضل. وكان من عداد المتحدثين في مؤتمراتنا والمساهمين في مجلتنا الأكاديمية المحكمة، مجلة المراجعة التاريخية، علماء محترمون من مختلف أنحاء العالم، منهم المؤرخ الفلسطيني عيسى نخلة، مؤلف الموسوعة عن المشكلة الفلسطينية، وسامي هداوي، مؤلف كتاب "الحصاد المر: فلسطين من 1914 إلى 1979". وكان من بين المتحدثين الآخرين في مؤتمراتنا مثلاً المؤرخ الأمريكي جون تولند، الحائز على جائزة بوليتزر الأدبية، ومؤلف عدد من الأعمال المشهورة عن التاريخ. وهناك أيضاً جون بنيت المحامي الأسترالي المعروف بدفاعه عن الحقوق المدنية ورئيس اتحاد الحريات المدنية الأسترالي. وهنالك أيضاً عضو الكونغرس السابق بول ماكلوسكي. كما أن معهد المراجعة التاريخية هو الناشر الرسمي للنسخة الإنكليزية من كتاب الأساطير لمؤسسة لإسرائيل الحديثة، العرض المؤثر للعالم الفرنسي روجيه غارودي الذي نال الإعجاب عبر العالم العربي.

    فهل رأيكم هو أن كل هؤلاء الأشخاص لا يجوز أن يسمح لهم بالتكلم في أي مكان، أم في لبنان فقط، أم في أي لقاء ينظمه معهد المراجعة التاريخية بالذات؟ وهل دعوتكم لممارسة الرقابة على الفكر مقصورة على لبنان، أم أننا يجب أن نتوقع منكم دعوات لحظر أي لقاءات مماثلة في فرنسا وكندا والولايات المتحدة والدول الأخرى؟ وانسجاماً مع دعوتكم لحظر مؤتمر "المراجعة التاريخية والصهيونية" في بيروت، هل يجب أن نتوقع منكم أن تدعموا الرقابة على كتب ومجلات ونشرات المؤرخين المراجعين؟

    إننا فخورون بالدعم الذي تلقيناه من أناس يحملون وجهات نظر سياسية وخلفيات إثنية ودينية متنوعة. ففي المؤتمر الثالث عشر لمعهد المراجعة التاريخية الذي التئم في أيار/مايو الماضي (عام 2000 ) في جنوب ولاية كاليفورنيا الأمريكية، كان أحد المتحدثين الرئيسيين، السيد جون ساك، يهودياً. وقد ظهر تقرير لهذا الصحافي والمؤلف الأمريكي المخضرم في عدد شهر شباط/فبراير عام 2001 من مجلة اسكوير Esquire بناءً على مشاركته في مؤتمرنا الذي استمر ثلاثة أيام. وقد رفض في ذلك التقرير الكذبة التي يكثر تردادها عن معهدنا، والمراجعين بشكل عام، بأننا قوة متعصبة عرقياً، نكره الغير، قائلاً أنه وجد الذين تحدثوا وحضروا المؤتمر "دافئين، منفتحي الذهن، أذكياء، ومثقفين، وأكد بأن حجج المراجعين المختلفة ونتائج أبحاثهم هي بالتأكيد صحيحة".

    يزداد الوعي حول العالم اليوم بأن حملة "المحرقة" الدعائية هي سلاح أساسي في الترسانة اليهودية الصهيونية يستخدم لتبرير سياسات إسرائيلية تبقى دون هذا السلام غير قابلة للتبرير، وهي أداة قوية لابتزاز مبالغ هائلة من المال من الأمريكيين والأوروبيين. وقد أشار معهدنا خلال سعيه لترويج وعي عام أفضل للتاريخ بأن التشويهات اليهودية الصهيونية للماضي لا تنحصر بتاريخ فلسطين والشرق الأوسط، بل تضم أكاذيب تاريخية عن التاريخ الأوروبي في القرن العشرين. إن الفلسطينيين هم الضحايا الأكثر وضوحاً للأكاذيب اليهودية الصهيونية عن التاريخ، ولكنهم ليسوا وحدهم الضحايا. فملايين الأوروبيين كانوا أيضاً ضحايا لتشويهات مماثلة للماضي، أساساً من خلال حملة "المحرقة". لكننا يجب أن نرفض كل الأكاذيب التاريخية، الممتدة الجذور كما هي، في احتقار الإنسانية غير اليهودية، سواء في الشرق الأوسط أو في أوروبا أو في الولايات المتحدة.

    فلو كانت وجهة النظر المراجعة للمحرقة تبسيطية وخاطئة فعلاً كما يدعي نقادنا، لما اكتسبت دعم أساتذة جامعيين كبار مثل أرثر بوتز وروبرت فوريسون، ومؤرخين مثل روجيه غارودي وهاري المر بارنز، ونزلاء سابقين في معسكرات الاعتقال النازية مثل بول راسينيه. هؤلاء لم يقرروا أن يرفضوا قصة المحرقة الرسمية على الملأ، وأن يعرضوا أنفسهم بذلك للوم المجتمع وما هو أسوأ، على سبيل العبث أو لأن دوافعهم شريرة، ولكن بناءً على تقييم مخلص وجدي للأدلة.

    فعوضاً عن المصادقة على بيان يخدم إسرائيل والمصالح الصهيونية فقط، عليكم أن تقفوا إلى جانب ضحايا الاضطهاد والتعصب، إذ أن أولئك الذين يناقشون ادعاءات المحرقة في العديد من البلدان يتم التعامل معهم كمجرمين. إنهم يسجنون ويغرمون بسبب آرائهم غير العنيفة، حتى من أجل تصريحات يمكن إثبات صحتها. كما أن عدداً من المراجعين تم الاعتداء عليهم جسدياً بسبب آرائهم، واغتيل أحدهم. حتى هنا في الولايات المتحدة، تعرض المراجعون للضرب والاعتداءات ووضعوا على القوائم السوداء، وكان معهدنا بشكل متكرر هدفاً للكراهية والعنف. وفي تموز/يوليو عام 1984، أحرق معهدنا (وكل مراجعه) في هجوم مدمر، ولم يعتقل بسبب هذه الجريمة أحد.

    في عام 1980، أظهر العالم اليهودي الأمريكي نعوم تشومسكي شجاعة كبيرة في دفاعه العلني عن حرية الرأي للمشككين بالمحرقة. ورغم النقد العنيف الموجه له، لم يتراجع عن هذا الموقف، وهو الموقف الأخلاقي الوحيد الذي يمكن أن يتخذه مثقف شريف. واليوم، بعد أكثر من واحد وعشرين عاماً على ذلك، لقد قدمتم أسماءكم بشكل مخجل لتذييل دعوة لممارسة القمع الحكومي ضد المؤرخين المعارضين.

    إن فهم التاريخ، حتى بالنسبة لمسألة مشحونة بالعواطف مثل "المحرقة"، يتطلب مناظرة منفتحة وعقلانية، لا تبادل ألقاب ورقابة. إن دعمكم المخزي للرقابة على العلماء المراجعين سيبقى دائماً لطخة عارٍ على سمعتكم، لذلك نطلب منكم أن تعيدوا النظر فيما فعلتموه.

    التوقيع

    مارك وبر

    مدير معهد المراجعة التاريخية


    هجوم صهيوني جديد على رابطة الكتاب الأردنيين
    الجيروزاليم بوست وال ADC
    وكأنها تصر على تأكيد حساسية الموضوع لدى الحركة الصهيونية، قامت «الجيروزاليم بوست» في عددها الصادر يوم 8 حزيران / يونيو 2001 بشن حملة عاتية على رابطة الكتاب الأردنيين، وعلى بعض المثقفين العرب، كرة أخرى، بعد سلسلة الهجمات الصهيونية المشابهة في شهري نيسان وأيار 2001، بسبب الندوة التي عقدتها رابطة الكتاب الأردنيين في مقرها في عمان يوم 13 أيار / مايو 2001، تحت عنوان :«ماذا حدث لمؤتمر المراجعة التاريخية والصهيونية في بيروت؟».

    وتطال الحملة الصهيونية المتجددة هذه المرة بالإضافة إلى رابطة الكتاب الأردنيين، المحاضرين الذين قدموا أوراقا في ندوة الرابطة، وهم حياة عطية وعرفات حجازي وإبراهيم علوش، كما تطال الكاتب المصري احمد رجب، ونقابة الصيادلة المصريين لأنها دعت إلى مقاطعة لائحة من أدوية الشركة الأمريكية «أيلي ليلي ELI LILLY» بسبب قيام هذه الشركة بتوزيع منتجاتها مجاناً في ثلاثة تجمعات صهيونية لمن يفترض انهم ضحايا «المحرقة».

    المشكلة بالنسبة للطرف الصهيوني حسب الجيروزاليم بوست تتصل بالتشكيك بما يسمى «المحرقة» وبما أسمته القبول المتزايد في بعض الدوائر العربية لنزعة إنكار المحرقة، التي تحركها الكراهية ونزعة اللاسامية في الدعاية المعادية لدولة «إسرائيل».

    المحرقة طبعاً أسطورة تاريخية ذات فوائد سياسية راهنة بالنسبة للحركة الصهيونية العالمية. وهذه الأسطورة تقوم على ثلاث قواعد أو أكاذيب تم ترسيخها في العقل والإعلام الغربيين بقوة. وهذه الأكاذيب الثلاثة هي: 1) ادعاء مقتل ستة ملايين يهودي في الحرب العالمية الثانية. 2) ادعاء مقتل هؤلاء نتيجة سياسة إبادة منهجية نفذتها الحركة النازية ضد اليهود 3) ادعاء مقتل معظم هؤلاء في غرف غاز مزعومة لم يتمكن أحد حتى الآن من إثبات وجودها أو إيضاح طريقة تشغليها....

    وقد جندت الجيروزاليم بوست في الحملة الصهيونية الجديدة ضد من تقول انهم ينكرون المحرقة من العرب، عدداً كبيرا ًمن السياسيين والأكاديميين والإعلاميين الصهاينة من داخل دولة العدو وخارجها، لم يقدم واحد منهم حجة واحدة لإثبات أي زعم من المزاعم الثلاثة التي تستند إليها المحرقة، ولا يوجد في تقرير الجيروزاليم بوست الطويل سطر واحد يرد ولو بكلمة على أبحاث المؤرخين المراجعين المعتمدة على العلم والمنطق في تفنيد مخارق «المحرقة» المختلفة.

    بيد أن هذا لا يعني على الإطلاق أن تقرير الجيروزاليم بوست كان خاوياً من التأثيرين السياسي والإعلامي، وان كان يخلو من الحجج التاريخية والعلمية والمنطقية. فالتقرير يقوم في جوهره الداخلي على محورين: المحور الأول يحاول إقناع العرب أن طرح قضية «المحرقة» استراتيجية إعلامية فاشلة تماماً تأتي بنتائج عكسية في الصراع الفلسطيني / العربي ضد «إسرائيل». أما المحور الثاني فيحاول إقناع الغرب أن إنكار ما يسمى بالمحرقة لدى العرب يرتبط بإنكار كل شيء يتعلق باليهود و«إسرائيل» من هيكل سليمان في الحرم الشريف إلى علاقة اليهود التاريخية والمعاصرة بأرض فلسطين فهي بذلك دليل على عدائهم للسامية وعلى حقدهم على اليهود حقداً لاعقلانياً لا يعرف المنطق!!

    ويلاحظ في ما يتعلق بالمحور الأول من الحملة، أي محور إقناع العرب بالتخلي عن «إنكار المحرقة»، أن فريق الإعلاميين والسياسيين والأكاديميين الصهاينة لا يقول بوضوح لماذا يجب أن يعتبر العرب قضية طرح «المحرقة» بشكل نقدي استراتيجية فاشلة إعلاميا، ولكن الفرضية المتضمنة في هذه الحجة يمكن أن يدركها كل من عاش في الغرب، لأن «المحرقة» أصبحت بمثابة ديانة مقدسة في الغرب، بقرة مقدسة تسرح كما تشاء في حقول الإعلام والفكر والسياسة لا يجرؤ من يريد الوصول والمحافظة على مواقعه الإعلامية والسياسية أن يمسها ولو بوردة. ولذلك، يصنف تلقائياً من يتجرأ على المحرقة على الهامش النازي ويُسفه ويُعزل.. فحجة فشل طرح «المحرقة» بشكل نقدي كاستراتيجية إعلامية تنطلق من ضرورة قبول العرب بالأمر الواقع الذي عرضته الحركة الصهيونية والنخب الحاكمة في الغرب على الرأي العام الغربي حول قدسية «المحرقة» وضرورة قيام كل إعلامي وسياسي بالصلاة في محراب هذا الوثن كي يكتسب المشروعية الإنسانية، لا السياسية فحسب.

    ويلاحظ أيضا أن الفريق الصهيوني في الجيروزاليم بوست كرر مراراً أن نسبة العرب الذين ينكرون المحرقة صغير جداً، ومحدود، وليس له وزن حقيقي، وكأنهم بذلك يطمئنون المخدوعين بديانة «المحرقة» المزيفة، ويرسمون معالم الأمر الواقع الذي يريدون فرضه على الرأي العام العربي. وقد كانت نهاية التقرير دعوة إلى الحركة الصهيونية والغرب لتطبيق المقاييس الصارمة نفسها على العالم العربي المطبقة حالياً على دول الغرب بصدد إنكار المحرقة بحيث يعاقب كل من ينكرها أو يشكك في أسسها المصنوعة من ملح الكذب.

    ولتأكيد هذا الادعاء الإعلامي الصهيوني، جاءت الجيروزاليم بوست للأسف بالناطق الإعلامي باسم اللجنة العربية - الأمريكية لمكافحة التمييز ADC، وهي من اكبر التجمعات العربية – الأمريكية، المكونة من ألوف الناشطين العرب، قواعدها في الجامعات الأمريكية والجاليات العربية في الولايات المتحدة، ورأسها في واشنطن دي سي العاصمة السياسية للولايات المتحدة، حيث السفارات ومراكز الضغط والكونغرس واللوبي الصهيوني. المهم، انضم الناطق الرسمي باسم اللجنة العربية - الأمريكية لمكافحة التمييز إلى الحملة الصهيونية على صفحات الجيروزالم بوست ضد رابطة الكتاب الأردنيين والمثقفين العرب المعادين لهيمنة الحركة الصهيونية تحت إرهاب إنكار المحرقة قائلاً:

    «إن المستعدين حتى لسماع ادعاءات إنكار المحرقة في العالم العربي أقلية صغيرة إلى أقصى الحدود، وأضاف حسين ايبش الناطق الرسمي باسم الـADC، بأن المثقفين العرب والإعلام في لبنان دعوا الحريري لإلغاء مؤتمر المراجعة التاريخية والصهيونية في بيروت، بتأييد من الشعب اللبناني". وأكد السيد حسين ايبش أساطير المحرقة بدون دعم ذلك بأي إثبات، مردداً الادعاءات الصهيونية:«اعتقد أن الأغلبية الساحقة من العرب والفلسطينيين يفهمون بأن لا مصلحة لهم بمسايرة هذه الفكرة السخيفة فالسجل التاريخي واضح بشكل مطلق ويستطيع المرء أن يجادل حول التفاصيل بيد أن حقيقة الإبادة الجماعية الواقعة في السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية في أوروبا ضمن محاولة شاملة لتصفية اليهود الأوروبيين والغجر، وأخيراً السلاف وآخرين، ليست حتى موضع تساؤل، واعتقد أن معظم العرب يعرفون ذلك".

    ولو قال حسين ايبش انه مضطر لقول هذه الأشياء كي لا تغلق في وجهه المنافذ الإعلامية والسياسية، لهان الأمر. لكن جواب د. هالة مقصود، رئيسة الـADC على رسالة استفسارية، أوضح أن حسين ايبش يعبر عن موقف الـADC .

    تغريب الذات
    يلوم بعض العرب أنفسهم دائماً على عدم القيام بما يكفي على صعيد العمل الإعلامي الفعال لكسب الرأي العام في الغرب. ولكن هؤلاء أنفسهم، خلال محاولتهم القيام بالجهود الإعلامية اللازمة لشرح القضية العربية للغربيين، يصرون بعناد عجيب على تجاهل أهم مصدر للتعاطف مع الحركة الصهيونية و«إسرائيل» بين شرائح واسعة من الرأي العام الغربي. فهؤلاء يتجاهلون بتحديد اكثر ما يسمى بـ«المحرقة»، وطريقة وسائل الاتصال الجماهيرية في الغرب بإنتاج رسائل يومية تذكر الإنسان الغربي بالمحرقة لإذكاء نيران التعاطف مع الصهيونية، وللتعتيم على كل إثم «إسرائيلي». ومن هنا تأتي بالنسبة لنا أهمية المؤرخين المراجعين، تلك الأرواح الشجاعة القادمة من كل انتماء أيديولوجي من اجل هدم الأسس الثلاثة التي تتربع فوقها أسطورة «المحرقة»، بمنهج تحكمه الصرامة المنطقية والدقة العلمية ونكران للذات تحدوه روح البحث والتقصي والرغبة بإحقاق الحق مهما غلا الثمن.

    فليس غريباً إذا أن يرغي الصهاينة ويزبدوا عندما يتعرض وثن «المحرقة» للتدقيق النقدي، وهو الوثن الذي يدر عليهم المال والسلاح والمشروعية السياسية والروحية المزيفة. ولم يكن غريباً أيضا أن يشن الصهاينة هجوماً على رابطة الكتاب الأردنيين بسبب عقدها لندوة تتعلق بالمحرقة يوم 13 أيار / مايو 2001 في مقرها في عمان، بعد أن «أجلت» هذه الندوة مرتين قسراً قبل ذلك. وليس غريباً أن تحشد الجيروزاليم بوست في عددها الصادر يوم 8 حزيران/ يونيو 2001 عدداً لا بأس به من الإعلاميين والأكاديميين والسياسيين الصهاينة لمعالجة مشكلة ما أسمته الجيروزاليم بوست «الإنكار المتزايد للمحرقة في العالم العربي»، لأن هذه لم تكن المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يهاجم فيها الصهاينة كل من تسول له نفسه التعدي على بقرة «المحرقة» المقدسة، من العرب أو من المؤرخين المراجعين.

    بيد أنّ الغريب هو مطالبة أربعة عشر مثقفاً عربياً الحكومة اللبنانية بإلغاء مؤتمر حول «المراجعة التاريخية والصهيونية» كان يفترض أن يعقد في بيروت في نهاية آذار / مارس 2001. فهؤلاء المثقفون، بسبب استلابهم وتقمصهم لقيم ومفاهيم العدو ووجهة نظره في العالم أو بسبب مصالح ذاتية، تنكروا لدورهم الاجتماعي كمثقفين عرب عندما طالبوا حكومة عربية بمنع نشاط ثقافي أو فكري، ولأنهم، وهذا هو الأهم، تبنوا الرواية الأيديولوجية التي تبرر النفوذ الصهيوني عوضاً عن كشفها وتعريتها.

    والغريب أيضا، أن تنضم اللجنة العربية - الأمريكية لمكافحة التمييز، المعروفة في الولايات المتحدة برمز ADC، للهجمة الصهيونية على رابطة الكتاب الأردنيين وعلى المثقفين العرب الذين يتجرأون على مناقشة «المحرقة» وكان أهم ما قدمته الـADC (أو اللجنة العربية - الأمريكية لمكافحة التمييز) للصهاينة في هذا السياق ما يلي:

    اسم وسمعة الـADC لإدانة العرب الذين يجرءون على مناقشة المحرقة.
    إعلان رسمي من قبل الـADC على صفحات الجيروزاليم بوست بالتزامها بالأساطير المؤسسة الثلاث لديانة «المحرقة» المزيفة.
    طمأنة الصهاينة والغربيين المؤمنين بهذه الديانة الكاذبة أن عدد العرب المستعدين لمجرد الإصغاء لتقويم نقدي لأساطير «المحرقة» قليل إلى درجة لا تدعو للقلق.
    وبالنسبة للنقطة الأخيرة بالتحديد حول ادعاء حسين ايبش بأن عدد العرب المستعدين حتى للإصغاء لنقد «المحرقة» قليل إلى حد لا يدعو لقلق الصهاينة وأنصارهم، فان خطأها واضح جلي، ولعل أحد الدلائل على ذلك الخطأ، الندوة التي عقدت في برنامج «الاتجاه المعاكس» على قناة الجزيرة القطرية يوم 15 ايار / مايو 2001 حيث نوقشت قضية العلاقة ما بين الحركتين الصهيونية والنازية ، وقضية «المحرقة» في مناظرة بين السيدة حياة عطية من جهة، والعفيف الأخضر من جهة أخرى، واكبتها عملية تصويت على موقع قناة «الجزيرة» على الإنترنت، بيّنت أن معظم المشاهدين الذين اشتركوا في عملية التصويت تعاطفوا بشكل عارم مع مواقف السيدة حياة عطية التي أظهرت بشكل علمي وموثق عمق العلاقة ما بين الحركتين الصهيونية والنازية، وتهافت أساطير«المحرقة».

    ولعل حسين ايبش يعرف أن ما يقوله عن عدد العرب المستعدين للإصغاء لنقد «المحرقة» ليس صحيحاً، ولكنه قاله رغم ذلك لاسترضاء الحركة الصهيونية واتقاء شرها، وهو ما لا يبرر للـADC فعلتها، بل يكشف ضعف حسها المبدئي، واستعدادها للمساومة على الأسس من اجل الحصول على الفتات. إن الذي يعزز هذا الاعتقاد، ويكشف الفرق ما بين موقف الـADC القائم على اعتبارات سياسية انتهازية على ما يبدو، وموقف المثقفين العرب الأربعة عشر الذين تتبنى عريضتهم إلى الحكومة اللبنانية أساطير «المحرقة» بالكامل، وبالتالي تنحاز للموقف الصهيوني على قاعدة أيديولوجية لا على اعتبارات سياسية، وإن كانت انتهازية، كما هي الحال في موقف الـADC هو ما يلي:

    قول حسين ايبش ممثل الـADC في الجيروزاليم بوست إن «المحرقة» شملت الشعوب السلافية والغجر وغيرهم، وهو تعديل على «المحرقة» يضعف من ادعاء الصهاينة بأن «المحرقة» اليهودية فقط فريدة في التاريخ الإنساني بأسره، وبالتالي يضعف من حق الصهاينة المزعوم في تجاوز كل الشرائع الدينية والدنيوية.
    على الرغم من أن حسين ايبش يعلن معارضته باسم الـADC للموقف الذي يقول إن «المحرقة» يجب تفنيدها، لأنها تستخدم لتبرير الجرائم الصهيونية في الغرب، فانه يغتنم هذه الفرصة لاستعراض الموقف الذي يدعي معارضته بالكامل.
    ولكن بالرغم من هذه الخدع الصغيرة، التي تقوم على إعطاء الحركة الصهيونية ما تريده مقابل اتقاء شرها والحصول على فتات، فان ممثل الـADC لم يوفر جهداً في التهجم على رابطة الكتاب الأردنيين وناقدي «المحرقة»، وسمح لنفسه بأن يعطي غطاءاً عربياً للادعاء الصهيوني بأن تفنيد «المحرقة» ليس استراتيجية إعلامية صحيحة، ويضر العرب اكثر مما ينفعهم، وكأن الهدف الأسمى للصهاينة هو توجيه العرب إلى ما يفيدهم إعلاميا أو سياسياً أو غير ذّلك!!.

    والخلاصة هي أن المرء لا يستطيع أن يفصل بين أساطير "المحرقة" واستخداماتها السياسية كما يعتقد البعض أنهم يستطيعون أن يفعلوا، لأن ذلك يشبه القبول بالشجرة ثم رفض ثمراتها، فكل جانب من هذه الأساطير عبارة عن تبرير للصهيونية وممارساتها. فإذا حاول المرء أن يناور قائلاً: "أوافق على غرف الغاز، ولكنني أرفض الممارسات الصهيونية في الأراضي المحتلة..."، قال له الصهاينة: "غرف الغاز تثبت أن اليهود بحاجة إلى ملجأ آمن من لاسامية هذا العالم، ولا يكون هذا إلا بدولة يهودية، أي بإسرائيل". وإذا قال المرء: "إن معاناة اليهود على يد النازيين تشبه ما يعانيه الفلسطينيون اليوم على يد الصهاينة"، أجاب الصهاينة: "أن ما حدث لنا غير مسبوق في التاريخ البشري، ولنا أن ندافع عن أنفسنا بكل الوسائل كي نمنع حدوثه مرة أخرى، ويجب أن يسامحنا العالم". وإذا قال المرء: "سعى النازيون لإبادتكم، فلماذا تسعون لإبادة غيركم؟"، فإن الصهاينة سيقولون: "لا مجال لمقارنة ما يحدث لكم مع ما حدث لنا، فنحن تعرضنا لإبادة منهجية، أما أنتم فقد تعرضتم أساساً لعملية تهجير".

    وهكذا... فإن ما يسمى "المحرقة" يضع اليهود فوراً في موقع المدافع عن الذات، والقبول بأي جانب من جوانبها يضع العربي بموقع ضعيف سياسياً، أي موقع من يعترف بمبررات الاحتلال الصهيوني لفلسطين، موقع تغريب الذات. لذلك، أضطر نورمان فينكلستين صاحب كتاب "صناعة الهولوكوست" لرفض جانب الفرادة، فرادة موت اليهود في التاريخ البشري، كي يرفض الممارسات الصهيونية في فلسطين، ولكنه لم يمس أسطورة غرف الغاز، فاعترف بالتالي بحق الاستيطان الصهيوني في فلسطين. وتحدث نورمان فينكلستين عن المبالغات في الأرقام المزعومة لضحايا "المحرقة" كي يتمكن من كشف الطريقة التي يبتز بها الصهاينة الرأي العام الغربي، ولكنه قبل بأسطورة الإبادة، فترك لعبة الابتزاز نصف مكشوفة. وعلى الرغم من أن المتاح لفنكلستين كيهودي غير متاح لغيره، فإن الخط الذي اتبعه يثبت أنه أدان "إسرائيل" وممارساتها بمقدار ما رفض بعض جوانب "المحرقة"، وتركها غير مدانة بمقدار ما قبل الجوانب الأخرى. والذي يقترحه بعض العرب اليوم كاستراتيجية "علاقات عامة" ليس حتى بهذا المستوى، إذ أنهم يريدون أن يعلنوا تأييدهم لأساطير "المحرقة" بالكامل، لاعتقادهم أن ذلك سيجعل الغرب يحبهم، دون أن يدركوا أن هذه المحبة إن أتت ستكون على حساب حق العودة وهوية فلسطين التاريخية ومشروعية النضال من أجل التحرير بأسره. فلا قبول بالمخرقة إلا بتغريب الذات، ولعل أشد ما يؤيد ذلك القول هو جنوح من يتبنون "المحرقة" من المثقفين العرب إلى اتخاذ مواقف خاطئة أخرى في قضايا التطبيع و العمل المسلح وغيرها.
                  

11-10-2006, 04:45 AM

عبدالرحيم ابوحراز

تاريخ التسجيل: 12-18-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسطورة المحرقة "الهولوكوست" (Re: عبدالرحيم ابوحراز)

    http://www.freearabvoice.org/arabi/kuttab/alMuarakhuna/...uhatwiyatuLKaras.htm
    إهداء ووداع
    أودري بينكي (Audre Pinque) والاتّجاه الصّحيح إلى فلسطين
    توفيت الإعلامية ماكينزي بين (MacKenzie Paine) , واسمها الحقيقي أودري بينكي Audre Pinque, في الساعة السادسة والنصف من مساء 12 مارس/آذار , 2002 , في حادث سيّارة مفجع في ولاية ألاباما الأمريكية. وبوفاتها، خسر الفلسطينيّون والعرب والمسلمون، ومؤيّدو الحريّة والعدل في كلّ أنحاء العالم، مؤيّداً شديداً لهم وناشطة لا تكل.

    كانت أودري بينكي مؤرخة مراجعة صريحة وجسورة , وشخصيّة نشطة، أجرت العديد من الاتصالات، وبشكل مستمر، مع العديد من الجهات، لخدمة القضية الفلسطينية. وفي ذلك، أسهمت أودري بينكي بفاعلية في بناء علاقات وثيقة بين المؤرخين المراجعين، والناشطين الفلسطينيين بوجه عام، ومجلة الصوت العربي الحر بوجه خاص. وقد أثنى الكثير من المؤرخين المراجعين على أودري بينكي آنذاك لإنشاء تلك العلاقة.

    وهكذا كان، وقُبيل وفاتها بساعات قليلة فقط، أرسلت لي أودري هذا البريد الإلكتروني ردّا على رسالة لي على الإنترنت بعنوان: المساعدة! اعتقالات في الأردن:

    عزيزي إبراهيم:

    لقد جمعت مبلغا كاف من المال تقريبا للمجيء لتغطية هذا التاريخ شخصيا، وللاهتمام ببعض المسائل الشخصية. جيم لا يستطيع الذهاب معي، لذا سأذهب وحدي. إذا سافرتُ إلى عمان، هل تستطيع الالتقاء بي، وهل لك أن تدلّني على الطريق الصحيح إلى فلسطين؟

    أودري.

    بعد قراءتي لهذه الرسالة مرارا وتكرارا، لم أستطع إلا أن أتساءل:

    ما هي هذه المسائل الشخصية لدى أودري في هذا الجزء من العالم؟ وبالنهاية، هل يمكن أن يكون للناشطين المتفانين اهتمامات سياسية هي ليست نفسها اهتمامات شخصية أيضا؟!

    ولكن، وبعد إعادة قراءتي لهذه الجملة "... هل لك أن تدلّني على الطريق الصحيح لفلسطين؟" خطرت ببالي فجأة هذه الفكرة: ألا يستحق أن يبجل الإنسان وتخّلد ذكراه فقط لأجل تلك الكلمات إذا كانت آخر ما كتبه قبل وفاته؟

    لكنّ أودري كانت تعرف الطريق الصحيح المؤدي إلى فلسطين.

    ففي حلقات النقاش الفلسطينية على الشبكة العالمية أو الإنترنت، مثل قائمة فلسطين الحرة (Free Palestine)، دعت أودري كل شريف في العالم علانية إلى ممارسة الكفاح المسلح كوسيلة للتحرير ضد الصهاينة الغزاة، في حين تقاعس الآخرون، وبعضهم من الفلسطينيين، في الدفاع عن فكرة القتال من أجل التحرير.

    وهكذا، تناولت أودري بينكي بشكل متواصل مسألتين هما نقطتا الضعف الرئيسيتين لدى الصهاينة واللتان تؤلمانهم بشكل كبير. هاتان المسألتان هما:

    "الهولوكوست" أو "المحرقة"، التي ساهمت في كشف حقيقتها كمجموعة من الأساطير تخدم برنامجا سياسيا معينا. لقد آمنت أودري بينكي كما آمن العديد منا بأنّ هذا الجهد لكشف زيف "المحرقة" سيزيل المبرّر الأيديولوجيّ للكيان "الإسرائيلي" الذي يصور على أنه ملاذ آمن لليهود من "معاداة السّاميّة" في هذا العالم ! ومعًا , فقد آمنا أيضا بأنّ فضح أساطير "المحرقة" يساهم في إزالة الأداة السّياسيّة للابتزاز الصهيونيّ ضدّ الرّأي العامّ الغربيّ , ومن ذلك المساندة الغربيّة "لإسرائيل" . وقد أكدنا بأنّ هذه الجهود أيضًا تحول دون سيطرة الحقّ الأخلاقيّ الصّهيونيّ المزعوم الرامي لجعله دوما فوق القانون تحت الحجّة المريبة بتميّز "المحرقة" في التّاريخ البشريّ .
    الكفاح المسلح الفلسطيني. لقد صرّحت أودري، وبأعلى صوتها، بأن المقاومة المسلّحة الفلسطينية مبرّرة لأنها مقاومة مشروعة ضد الاحتلال، ولم تتردد عن هذا النهج حتى النهاية. وعندما نشرتُ رسالة بالعربية على الشبكة العالمية لم تستطع أودري قراءتها، عن احتجاج وقع في عمان تم بعده اعتقال بضعة ناشطين، كتبت لي وهي شبه جادة: "آمل أن تكون هذه دعوة لامتشاق السلاح...". وبخلاف الكثيرين، فقد عرفت أودري في صميم قلبها بأنّ كل عملية عسكرية فلسطينية ناجحة سوف تقنع "الإسرائيليين" بمدى فشل أساليبهم مائة مرة أكثر من كل المناشدات الفارغة التي تدعو للتعايش السلمي في العقود الثّلاثة الماضية مجتمعة. وفيما بعد، لم تتجنب أودري بينكي من إسداء النصائح للفلسطينيين على القوائم الإلكترونية، حول بعض النواحي العسكرية للصراع، وباسمها الحقيقي.
    لقد أرسلت أودري بينكي بشكل منتظم عدة مقالات سياسية مناهضة للصهيونية في سلسلة بعنوان "صواريخ تبحث عن الحقيقة"، تم نشر أحدها في الماضي من خلال قائمة البريد الإلكتروني لجمعية مناهضة الصّهيونيّة والعنصريّة في عمّان، نقتطفها أدناه لإعطاء أولئك الذين لا يعرفون من هي ماكينزي بين ( الاسم الحركي ) لمحة عنها وعما تمثله في المعركة الإعلامية ضد الحركة الصهيونية، التي كانت تلقبها، احتقاراً لأساليبها، "الفتوة".

    وفي أعقاب حظر مؤتمر بيروت حول المراجعة التاريخية والصهيونية في مارس 2001، بقيت أودري بينكي على تواصل مع مجريات الأمور في الأردن، فيما حاولت رابطة الكتّاب الأردنيين عدة مرات إقامة ندوة حول مؤتمر المؤرخين المراجعين المحظور في بيروت إلى أن نجحت.

    خلال تلك الفترة، أرسلت لنا ماكينزي بين عدة رسائل دعم بشكل يومي تقريبا، وكانت كريمة دائما في اقتراحاتها وتشجيعها وروحها.

    لقد حثّت أودري الناشطين دائما على عمل أكثر وإنجاز أسرع. فهي ما عرفت الخوف يوما ولا التردد. إنّنا ستفتقد أودري بشدة في المعارك الإعلامية والسياسية القادمة ضد الصهاينة وأعوانهم. فها أنا الآن أقدم ألف تحية فلسطينية عربية لروحها الشجاعة والحيوية والمحبة، بالنيابة عن كل أولئك الذين عرفوها وقدّروها.

    كما أنني أهدي هذه الكراسة التي كتبتها حول المراجعة التاريخية و"المحرقة" إلى ذكرى ماكينزي بين.

    طيّب الله ثراها.

    مع احترامي وتقديري،

    د. إبراهيم علّوش


    الحقيقة تطلب صاروخا
    الطوفان حول الأرض للدفاع عن الحقيقة والعدل والحرّيّة.

    14 مايو , 2001


    ذلك السرّ الصّغير القذر

    ماكينزي بين

    15 مايو هو عيد استقلال "إسرائيل" [علامات التّنصيص من المترجم]. كم غريب هذا المسمّى لاحتلال فلسطين الذي بدأ منذ أكثر من خمسين عاما وما زال مستمرا بوحشية حتى الآن.

    "الاستقلال ممن؟" يجب أن نتساءل . فبينما العالم يحني رأسه بإجلال في ذكرى هذا التّاريخ المهيب، أتساءل ما إذا كان شارون سيأخذ راحة من نشاطاته الإجرامية، أم أنه سيكثّفها احتفاء "بالاستقلال" الصّهيونيّ. كيفما تخبّط شارون، فإنّ هذه السنة، وأخيرا، لا أعتقد بأنّ بقية العالم سيقف بإذلال، محنيّ الرأس، مرددا النشيد الصهيوني "أبدًا ثانيةً" (Never again).

    مفاوضات السّلام المزعومة بين "إسرائيل" والفلسطينيّين قد تدهورت إلى إرهاب شارون ووحشيته النّموذجيّة، المدعومة من قبل نظامنا العميل في واشنطن , والمتجاهل كليا من قبل إعلامنا، والمرحّب به من قبل مؤيّدي الفتوة المختلين في الولايات المتّحدة وأوروبّا .

    لكنّ سّرا صغيرا قذرا قد بدأ يطفو إلى السطح حول العالم. هذا السر من شأنه أن يخترق ذاك الجزء الضّعيف للفتوّة، كسكينة تنفذ في زبدة دافئة. لقد أنكر الفتوّة الحقوق الأساسية لأي شخص يعرف هذا السر الصغير القذر . كما عمل الفتوّة على سجن أولئك الذين على علم به، وترويع عائلاتهم، وحرق وقصف بيوتهم.

    يصدر الفتوة تهديدات بالموت، ويفرض تشريعات تمنع إظهار الحقيقة في المحاكم القانونية ـــ إنه يلجأ أيضا إلى قتل أولئك الذين يريدون إخبار العالم بالسر الصغير القذر للفتوّة. ولكن، وبالرغم من كل أساليب الترويع، وقوانين الرقابة، واستخدام القوة، فإنّ حتى الفتوّة لا يستطيع منع الحقيقة من الظهور.

    إنكم تتساءلون، ما هو هذا السر الصغير القذر؟ سأخبركم، ولكن أولا يجب عليّ أن أحذركم بأن تبقوا عيونكم مفتوحة، وأيديكم بعيدة عن آذانكم. إياكم والتراخي، فالشعب الفلسطينيّ بحاجة إلينا لأن نخترق تلك الزبدة الدافئة، للقضاء على الفتوّة بصفة نهائيّة. وهذا يتطلب أن نتكاتف جميعا وأن نوحّد قوانا لفعل ذلك. إن وجدتم أنّ ذلك يفوق قدراتكم، أو أنكم لا تستطيعون مواجهة الحقيقة، فإنّ أيديكم ستتلوّث بالدم الفلسطيني، وأمة الأبرياء تلك قد تهلك. فلن يذعن الفلسطينيّون للعبوديّة أبدًا، لذا سيضطر الفتوّة لقتلهم جميعا.

    حسنا، خذوا نفسا عميقا، وتشجّعوا، فهوا السر الصغير القذر!

    لم يكن لدى الشعب الألماني والحكومة النازية خطة لإبادة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية. أكرر، لم تكن هناك خطة أبدا لإبادة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية. بل على العكس، فقد أثبت بعض أشجع الأشخاص على الأرض، علميا وتاريخيا وديموغرفيا، من خلال البحث المتواصل، وبالرغم من اضطهاد الفتوّة الوحشي، بأنّ النازيين لم يبيدوا ستة ملايين من اليهود في غرف الغاز المزعومة! إنهم حتى لم يبيدوا مليونا واحدا بالغاز! لم يقتل أحد بالغاز. إنّ الرواية الرسمية حول الحرب العالمية الثانية – الرواية الصهيونية– التي تضع اليهود في الصدارة وفي مركز الاهتمام ، وتصوّر عذابهم بأنه فريد من نوعه في التاريخ البشري هي أكذوبة. إنها أكذوبة الفتوّة الذي لا يريد أن يعلم العالم بها. ذلك هو السر الصغير القذر، ذلك الذي بدأ يخرج الآن.

    إذا لم تصدّقوني، فاذهبوا إلى أقرب متحف "للمحرقة"، أو فصل دراسات "المحرقة" واطلبوا دليلا صلبا بأنّ الألمان كانت لديهم خطة وسلاحا لإبادة اليهود.

    هل تعلمون ماذا سيعرضون عليكم؟ صورا لأكوام من الأحذية والنظارات، كانت قد جمعتها الحكومة الألمانية خلال فترة الحرب لإعادة تصنيعها. لكنّ الفتوّة سيخبرك بأنّ أصحابها السابقين قد أُبيدوا بالغاز. سيعرضون عليكم صورا لأكوام من الشعر كانت تستخدمها البحرية الألمانية أبان الحرب كطبقة وقائية على الغوّاصات، لكنّ الفتوّة سيخبرك بأنّ هذا الشعر قد جُزّ قبيل إبادة أصحابه في غرف الغاز. (الحقيقة هي أن ذلك كان لإزالة القمل حماية لأرواحهم من مرض التّيفوس!). سيعرضون عليكم صورا لأناس واقفين أو مترجلين من القطارات، ويقولون لكم بأنّ هؤلاء الأشخاص في الصور سيتم إبادتهم بالغاز. إنّ أي شخص بنصف عقل يستطيع أن يرى بأنّ هذه الصور هي في الحقيقة صور لأشخاص واقفين أو مترجّلين من القطارات. سيعرضون عليكم صورا مخيفة لأكوام من الأجساد الهزيلة ويقولون لكم بأنّ هذه الأرواح البريئة قد أُهلكت في غرف الغاز. إنّ أكثر من أربعين مليونا من البشر هلكوا خلال الحرب العالمية الثانية، لذا، فإنّ الحصول على صور لبعض ضحايا الحرب لن يكون بالشيء الصعب. ولكن، كيف لهم أن يثبتوا بأنّ أولئك الذين في الصور كانوا جميعا من اليهود وبأنهم قد أبيدوا بالغاز؟

    اعملوا كما كان يعمل أستاذنا اللامع والمحبوب، البروفيسور فوريسون، منذ عقود. اطلبوا رؤية صورة لغرفة إعدام بالغاز. (إن "غرفة الغاز" المزعومة في اوشفتز هي نسخة أعيد تركيبها بعد الحرب، من قبل الجيش الأحمر). لا يستطيع الفتوّة أن يعرض عليكم صورة واحدة لغرفة إعدام بالغاز وجدت في زمن الحرب، مع أنّ لديهم صورا لأحذية ونظارات وشعر. هل تريدون أن تخمنوا لماذا؟

    سيضرب الفتوة على صدره ويزأر عن محاكمات نورمبرغ التي "أثبتت" "المحرقة". إنّ نظرة على النّسخ المكتوبة من هذه المحاكمات، وحتى دون التمعن فيها، ستثبت بأنّ هذه المحاكمات لم تكن أكثر من محاكمات صورية سوفيتية، شجبها في ذلك الوقت السياسيون والقضاة في الولايات المتحدة. الشّيء الوحيد الذي تثبته محاكمات نورمبرغ هو تنكر الفتوّة للعدل والحقيقة, كلما رأى ذلك ضروريا.

    فبدلا من تقديم الأدلة القاطعة عن إبادة اليهود، فإنّ الفتوة سيدفعكم للاستماع إلى شهادة "الناجين". إنّ الاستماع إلى شهادة "الناجين" يعني أن تكون جمهورا مأسورا بشهادة أشخاص لا يملكون أي دليل على وجودهم في معسكرات الاعتقال، أو أي دليل على الجرائم التي زعموا أنهم شهدوها أو تعرّضوا لها، أو لديهم أهلية تخولهم بأن يكونوا خبراء على قصص "المحرقة". أدعوهم للشهادة تحت القسم مع إبقاء حقكم لاستجوابهم، وسوف يتم اتهامكم بأنكم "معادون للسامية ومنكرون للمحرقة". إنهم مشهّرون محترفون للشعب الألماني، قلّما يحاسبون على الافتراءات المخزية والمشينة التي يروّجونها دون دليل أو بيّنة.

    لقد عانى اليهود خلال الحرب العالمية الثانية. وقد مات العديد والعديد منهم. ولكن في الوقت نفسه مات الملايين من الجنود الذين بذلوا أرواحهم وهم يقاتلون فداء بلادهم. كما مات الملايين من المدنيين من المرض والمجاعة والهجمات الوحشية على جموع المدنيين من قبل قوى الحلفاء والمحور.

    إنّ معاناة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية لم تكن فريدة من نوعها. فلا يستطيع الفتوّة أن يقدّم دليلا علميا وتاريخيا وديموغرفيا واحدا لإثبات نسخته عن التاريخ. فكل ما يستطيع فعله هو أن يتجهّم ويهدد، ويسجن ويقتل، ويظلم ويقمع. لكنّ الحقيقة قادمة.

    إذا أردتم معاناة فريدة، فلا تحتاجون للنظر لأبعد من الفلسطينيين. فلأكثر من نصف قرن، قام الفتوّة بإطلاق النار على الرّضع في وجوههم، وعلى الأطفال الصغار الذين يقذفونه بالحجارة، وعلى قتل النساء والأطفال، وذبح الرجال وهم في طريقهم إلى العمل، وهدم البيوت وأهلها نائمون، وحفر الخنادق حول القرى لقطعها عن بقية العالم، وقصف البيوت، واغتيال الناشطين وإسكات النقّاد.

    آن الوقت لشجب أكاذيب الفتوّة بكل ما أوتينا من خلق، معا. إنّ إنسانيتنا تطلب منا ذلك في مواجهة هذا الإرهاب والظلم. تسلّحوا بالحقيقة، فالفتوّة لا يستطيع إسكاتنا جميعا. هناك الملايين الذين يعرفون هذا السرّ الصغير القذر، ومن واجبنا أن نفضحه، وأن نخترق ضعف الفتوّة بالحقيقة. إنّ 15 مايو هو يوم الاحتلال "الإسرائيلي". انشروا هذه الحقيقة حتى يمكننا تحرير الفلسطينيين. عندئذ فقط نكون قد رددنا هذه العبارة "أبدا ثانية" بصدق.
                  

11-10-2006, 06:00 PM

BousH
<aBousH
تاريخ التسجيل: 04-19-2002
مجموع المشاركات: 1884

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسطورة المحرقة "الهولوكوست" (Re: عبدالرحيم ابوحراز)

    يا ابحراز ... سلام

    انا عميت يجيك راجع بكره

    مع التحية والتقدير

    بوش
                  

11-11-2006, 00:24 AM

Kobista


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسطورة المحرقة "الهولوكوست" (Re: BousH)
                  

11-11-2006, 02:48 PM

عبدالرحيم ابوحراز

تاريخ التسجيل: 12-18-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسطورة المحرقة "الهولوكوست" (Re: Kobista)

    جمعية شنو يا محترم
    جمعية مع محتل
    كلام عجيب
    الرجاء من الاخوة تزويدنا بمعلومات عن المحرقة
                  

11-14-2006, 02:46 AM

mo
<amo
تاريخ التسجيل: 03-11-2002
مجموع المشاركات: 1187

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسطورة المحرقة "الهولوكوست" (Re: عبدالرحيم ابوحراز)

    لاتدخل (عش الدبابير) فأن في البورد (اصدقاء مقربون لاسرائيل)
                  

11-14-2006, 12:18 PM

د.محمد الطاهر


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسطورة المحرقة "الهولوكوست" (Re: mo)

    فوووووووووووووووووق


    Quote: لاتدخل (عش الدبابير) فأن في البورد (اصدقاء مقربون لاسرائيل)


                  

11-15-2006, 09:50 AM

عبدالرحيم ابوحراز

تاريخ التسجيل: 12-18-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسطورة المحرقة "الهولوكوست" (Re: د.محمد الطاهر)

    شكرا للاخ شعبان والاخ الدكتور محمد
    هل صداقة اسرائل بتنفعنا في ديننا ودنيانا

    وفي سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de