المخيال الإجتماعي في خدمة (ملائكة) بدر! (1/2) // غالب حسن الشابندر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-09-2024, 12:20 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-07-2006, 09:07 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
المخيال الإجتماعي في خدمة (ملائكة) بدر! (1/2) // غالب حسن الشابندر

    لا أتحدث هنا عن موقع الملائكة في المعركة كما يُفهَم من النص القرآني الكريم، فلذلك حديث سوف استوفيه بعون الله عندما أتطرق إلى معركة بدر في القرآن العظيم، حيث هناك خلافات وتوجُّهات ومواقف متنوعة في خصوص هذه النقطة بالذات، ولكن أريد أن أتطرق إلى ما جاء في الموروث عن هؤلاء الملائكة، الموروث الخرافي والأسطوري والشعبي الذي أبتلى به الإسلام ورسوله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، كمسلم أؤمن بما جاء في كتاب الله عز وجل، ولكن ذلك لا يشرط علي أن أؤمن بكل ما جاء في هذا الموروث، سواء كان في سيرة إبن أسحق أو طبقات بن سعد أو كافي الكليني أو بحار المجلسي، وحان الوقت لتصفية هذا الموروث فيما يخص أشرف خلق الله، ذلك هو النور الرباني محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، ولا يهمني ولن يهمني أن يُرضي ذلك أبا بكر أو عليا أو فلان أو علان، سنيا أو شيعيا، فمحمد أغلى من الجميع، وفوق الجميع.

    عمائم الملائكة!
    يتحفنا إبن أسحق باكثر من رواية عن سيماء الملائكة الذين قاتلوا في بدر! ومن أبرز هذه السمات كونها ذات (عمائم بيضاء قد أرسلوها على ظهورهم) فيما كانت عمائمهم يوم حنين (صفراء)! ولست أدري سر هذا الاختلاف الصارخ في اللون من معركة إلى أخرى! وقد فتشت عن نموذج لهذه الرواية فيما يسمى بصحيح السيرة ــ وهو مجموع الروايات التي وردت في الصحاح وغيرها مما صحّ إسناده وقد جُمِعَتْ في كتاب مهم عنوانه : صحيح السيرة النبوية، جمعها الدكتور إبراهيم العلي، وهو عالم دين أردني، وقد إعتمدت طبعته الثانية سنة 1996، دار النفائس في الاردن ــ فلم أجده، على أن سند إبن أسحق ضعيف جدا وذلك من البداية، فهو يقول (... وحدَّثني من لا أتهم عن مقسم، مولى عبد الله بن الحارث،عن عبد الله بن عباس، قال : كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء...) / المصدر ص 374 / فالراوية ضعيف بـ (لا أتهم) كذلك ضعيفة بـ (مِقسم)، فقد ذكره البخاري في الضعفاء، وكذلك إبن حزم / مغني الذهبي 2 رقم 6404 /
    ولكن لماذا هذا الاختيار؟
    أقصد هيئة العمائم!
    هل لثقافة ذلك الزمن أثر في هذا الأختيار؟ فإن العمائم تيجان العرب كما نعلم، ولهم في لبسها وخامها ولونها وطريقة التباهي بها وشرفها مذاهب ومدارس وأخبار، وقد أصدم القاري إذا قلت له : أن رواياتنا عن عمائم العرب أكثر بكثير من رواياتنا عن (الحجاب)، بل ليست هناك نسبة تذكر، حتى يحار المرء كيف يتغلب أدب العمامة في حديث رسول الله وأهل البيت على أدب الحجاب، فيما الأول من المستحبات أو المندوبات فيما الثاني واجب كما يقولون!
    هنا نستطيع أن نلمس اثر الثقافة، ثقافة الزمن الذي صيغت فيه هذه الروايات في طبع مضمون الرواية سواء فيما يتعلق بعمائم الملائكة أو غير ذلك من موضوعات تمس سلوك الإنسان، وليس سرا، أن الكثير من مواقف وأداب وتصرفات و أذواق العرب أقرتها الشريعة الغراء نصا أو بنحو من التغيير بأضافة أو حذف.
    ترى ماذا لو كانث ثقافة ذلك العصر هي ثقافة (الجينز) مثلا؟
    لقد مرت رسوم السيد المسيح على نبينا وعليه السلام بنماذج مختلفة في بحر التاريخ الفني الغربي، تارة هو جسد قوي عملاق، وتارة هو جسد ناعم شفاف، تارة هو أبيض الون ترف اللحم، و أخرى هو أسود اللون خشن اللحم، وتارة هو بين هذا وذاك، هل نستبعد أثر التصورات الشعبية وا لثقافات السائدة في هذا الزمن أو ذاك كـ (سبب) جوهري في هذه المفارقات فيما يخص صورة السيد المسيح عليه السلام في أذهان الناس، ومن ثم أنعكاسها على مخيلة الرسامين والفنانين؟
    على أن رواية إبن اسحق تعارضها رواية الطبقات، ففي ا لجزء ا لثاني ص 26 نقرا (أخبرنا عتّاب بن زياد، أ خبرنا عبد الله بن مبارك، اخبرنا هشام بن عروة عن عبّاد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير قال : نزلت الملائكة عليهم عمائم صُفر، وكان على الزبير يوم بدر ربطة صفراء قد أعتجر بها)! ولسنا ندري أي عمامة نصدق ذات اللون الأبيض أم ذات اللون الأصفر، عمامة إبن عباس أم عمامة عبّاد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير، على أن الرواية مرسلة.
    تتسع مخيلة الواقدي ـ وهو يحرص في كثير من المرات أن يأتي بسند فيما لا سند لابن اسحق فيه!!! ـ لألوان العمائم الملائكية هذه فيقول في مغازيه (... قالوا : وكان سيماء الملائكة عمائم قد أرخوها بين أكتافهم، خُضرا وصُفرا وحُمرا من نور...) / 1 ص 75، بل ويزيد على ذلك (والصوف في نواصي خيلهم)، وهكذا تتصاعد المخيلة الاجتماعية في فعلها السحري، لتصبغ المفارِق بالزمني، والزمني الكثيف وليس الشفاف!
    والان ما هو لون تلك العمائم؟ بيضاء، ام صفراء، أم حمراء، أم هي من كل الألوان؟ ربما لو أقترحنا النموذج الأخير سوف نطلق عنان الخيال للفنانين والرسامين، فنكون قد قدمنا خدمة للفن الجميل.
    يروي الواقدي (حدّثنا محمد قال : حدّثنا الواقدي قال : فحدّثني محمّد بن صالح،عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الملائكة قد سوَّمت فسوِّموا. فأعلموا بالصوف في مغافرهم وقَلانسهم) / المصدر ص 76. ومحمود بن لبيد هذا يروي عن الرسول الكريم أحاديث ولكن لم تصح له رؤية ولا سماع، أو رأى النبي وهو صغير / تهذيب التهذيب 10 رقم 110 / وعلى قول الواقدي كان عمره ثلاث عشر سنة، فهو صغير السن يوم بدر، وبالتالي، روايته عن بدر أشبه بالمرسلة.
    يبدو أن المخيال الاجتماعي (عمَّم) الملائكة بهذه العمائم في سياق القانون الذي يقول أن الحرب خدعة ومكر وتخطيط، أم هي الإستغراق في قيمة العمامة وقيمها وهيبتها في ثقافة ذلك الزمان؟

    الملائكة واللون المفضَّل
    تقول الرواية (أخبرنا الواقدي قال : وحدّثني موسى بن محمد، عن أبيه، قال : كان أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلِمون في ا لزحوف : حمزة بن عبد المطلب مُعلِم يوم بدر بريشة نعامة، وكان علي عليه السلام مُعْلِما بصوفة بيضاء، وكان الزبير مُعْلِما بعصابة صفراء، وكان الزبير يُحدِّث : إن الملائكة نزلت يوم بدر على خيل بُلق، عليها عمائم صفر، فكان على الزبير يومئذ عصابة صفراء، وكان أبو دجانة يُعلم بعصابة حمراء) / المصدر ص 76 / لقد كانت عمائم الملائكة على لسان الزبير صفراء اللون، ولكن لماذا؟ هل لان عصابته كانت صفراء اللون هي الأخرى؟ هناك زي موحد كما يبدو بين عمائم الملائكة وعمامة الزبير! ومما يسهل الخطب هو أن الرواية مرسلة. تُرى كيف سيكون لون هذه العمائم لو أن عليا تحدث؟ حتما سيكون البياض هو اللون!

    (إعمى) ينتقم!
    تقول رواية إبن اسحق (وحدّثني عبد الله بن أبي بكر، عن بعض بني ساعدة، عن أبي أسيد مالك إبن ربعية وكان شهد بدرا، قال : بعد أن ذهب بصره : لو كنت اليوم ببدر ومعي بصري لأ ريتكم الشِعب الذي خرجت منه الملا ئكة، ولا اشك فيه ولا أتمارى) / المصدر ص 373 /
    هل هي عقدة العمى؟
    الرواية ضعيفة بـ (عن بعض بني ساعدة)!
    هناك سر خفي في السند، ذلك أن أبي أسيد هذا هو من بني ساعدة بالذات! فقد جاء في مغازي الواقدي قوله [ وكان أبو أسيد (الساعدي) يحدِّث بعد أن ذهب بصره قال : لو (وساق الحديث) ] / المصدر ص 76 / فهي لعبة المفاخر والخيالات إذن.
    ولكن أي نوع من الملائكة هذا التي تخرج من الشِعب؟
    ذلك هو المخيال الاجتماعي!
    رواية الواقدي هذه موصولة برواية سابقة يقول فيها (حدّثني الواقدي، قال : فحدّثني عبد الله بن موسى بن أمية بن عبد الله بن أبي امية، عن مصعب بن عبد الله، عن مولى لسهيل، قال : سمعت سهيل بن عمرو يقول : رأيت يوم بدر رجالا بيضا على خيل بُلق بين السماء والارض، مُعلمين، يقتلون وياسرون...) / ص 76 / الرواية ضعيفة لمجهولية هذا المولى، ولكن يبدو أن المولى المذكور أراد أن يسجل لسيده مكرمة تارخية عظيمة، ذلك أنه شاهد ملائكة الله!

    أسانيد تفرز متونها!
    في سيرة إبن هشام [... عن بعض بني ساعدة،عن أسيد بن مالك أبن ربعية (الساعدي / برواية الواقدي) وكان شهد بدرا... لو كنت يوم بدر ومعي بصري لأريتكم الشِعب الذي خرجت منه الملائكة... ] / سبق ذكره /.
    بنو ساعدة يخلّدون إبن عشريتهم، ذلك هو الصحابي الساعدي أسيد، وبالتالي، هو فخر للعشيرة ذاتها.
    في الواقدي (... عن مولى لسهيل، قال : سمعت سهيل بن عمرو يقول : رأيت يوم بدر رجالا بيضا...) / سبق ذكره /.

    مولى مجهول يخلِّد سيّده!
    يروي البيهقي ذلك بسند متصل (... حدثني سلامة عن عُقيل، حدثني إبن شهاب، قال : قال أبو حازم،عن سهل ابن ساعد، قال : قال أبو أُسيد الساعدي بعد ما ذهب بصره : يا ابن أخي والله لو كنتُ أنا وأنت ببدر ثم أطلق الله لي بصري لأريتك الشَّعب الذي خرجت علينا منه الملائكة غير شك ولا تمار) / البيهقي 2 ص 336، طبعة دار الفكر /.
    وسلامة هذا هو (سلامة بن روح الأيلي)... والسند هش فإن (سلامة عن عُقيل) منكر الحديث على رأي الرجالي المعروف أو زرعة / مغني الذهبي 1 رقم 2512، وفي تقييم (صدوق له أوهام)، قيل إنه لم يسمع من عمه وإنما يحدِّث من كتبه (هامش المغني ص 272).
    أن هذا الذي رأي الملائكة تخرج من الشِّعاب أي سهل بن ساعدة يمكنه أن يصف الشِّعاب المذكور، فما له بخل على أبن اخيه هذه النعمة العظيمة؟ مما قد يشير أن الرواية سيقت بلا وعي على لسان مختلقها، خاصة وإن مهمته كانت إثبات فضيلة لا أكثر ولا أقل.
    قال في سيرة إبن هشام (وحدَّثني أبي إسحق بن يسار، عن رجال من بني مازن بن النَّجار،عن أبي داود المازني، وكان شهد بدرا، قال : إني لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه، إذ وقع قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قتله غيري) / المصدر ص 373 /.
    (مازنيون) يخلِّدون إبن عشيرتهم، ذلك هو الصحابي الجليل أبو داود المازني،فرؤية الملائكة شرف عظيم، ودلالة على كرامة من طراز رفيع، وهي كرامة قابلة للتوارث في قيم العشيرة وفي ثقافة عصرها.
    هذه الرواية الخيالية يرويها البيهقي في كتابه دلائل النبوة (ولكن الرواية الاخيرة ضعيفة بطبيعة الحال بـ (عن رجال من بني مازن)، فنحن لا نعرفهم، والرواية (أخرجها أحمد بن حنبل في مسنده 5 / 450، عن طريق إبن إسحق، حدثني أبي أسحاق بن يسار عن رجال من بني مازن عن أبي داود... وأخرجه كذلك البيهقي في الجزء الثاني ص 338 طبع دار الفكر طبع 1996، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 6 / 83 : رواه أحمد وفيه رجل لم يسمَّ) / راجع صحيح السيرة هامش صفحة 181 / فهي رواية في الأساس عن إبن أسحق عن أولئك الرجال من بني مازن!
    في سيرة إبن اسحق (وحدّثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة مولى إبن عباس، قال : قال أبو رافع : كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب، وكان الإسلام قد دخل هذا البيت، فأسلم العباس وأسلمت أم الفضل وأسلمتُ...) ثم يستمر بالحديث حتى تصل النوبة ليوم بدر فيقول (لقينا رجالا بيضا،على خيل بُلق، بين السماء والارض، والله ما تليق شيئا / اي لا تبقي / قال أبو ر افع : فرفعت طُنُب الحجرة بيدي، ثم قلت : تلك والله الملائكة، قال : فرفع أبو جهل / وكان حاضرا / يبده فضرب بها وجهي ضربة شديدة...) / المصدر ص 382 /. ولا أشك أن الرواية مساقة لإثبات أن العباس أسلم قبل الهجرة! وهي ضعيفة بـ (حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس..)!.

    خيول وصخب وغبار وحصى
    يبدو أن الملائكة في خوضها المعركة مع قريش إلى جانب المسلمين يوم بدر لم تشذ عن قانون البشر، بل كا نت طبق قواعد ومقتربات وحيثيات ذلك الزمن!
    في سيرة إبن إسحق (وحدَّثني عبد الله بن أبي بكر أنه حُدِّث عن أبن عباس، حدثني رجل من بني غفار، قال : أقبلت أنا وأبن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف لنا على بدر، ونحن مشركان، ننتظر الواقعة على من تكون... فننتهب مع من ينتهب، قال : فبينا نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة، فسمعنا فيها حمحمة الخيل، فسمعت قائلا يقول : : إقدم حيزوم ــ فرس جبريل! ــ فأما أبن عمي فأنكشف قناع قلبه، فمات مكانه، وأما أنا فكدت أهلك، ثم تماسكت) / المصدر ص 373 / ولست مستعدا أن أقبل رواية لص! ثم الرواية مرسلة كما هو واضح. والمتن يكشف عن ثقافة زمن بعينه، يبدو لو كانت معركة بدر قد حصلت في مثل هذا الزمن، لكان جبريل ياتي على دبابة أو طائرة نفاثة!
    يروي مثلها أو هي مع تغيير وتحوير الواقدي في مغازيه ص 76، وفي سنده مجهول (...فكان يحدث عن رجل من بني غفار ...)، ويكررها في ص 77، مع تحوير وتغيير وفي السند مجهول (... عن أبي رهم الغفاري، عن إبن عم له...)، فإن إبن العم هذا لغز، أنه شخصية مجهولة، فيما الحدث كوني هائل، فأي قسمة ضيزى بحق هذا الخبر المسكين ?
    وفي دلائل البنوة للبيهقي (... حدّثني أبو الحويرث أن محمد بن جبير بن مطعم حدثه أنه سمع عليا رضي الله عنه فقال : بينما أنا أمتح من قليب بدر إذ جاءت ريح شديدة لم أر مثلها قط، ثم ذهبت ثم جاءت ريح شديدة لم أر مثلها قط إلاّ التي كانت قبلها، وأظنه ذكر : ثم جاءت ريح شديدة قال فكانت الريح الاولى جبريل عليه السلام ونزل في ألف من الملائكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت الريح الثانية ميكائيل نزل في ألف من الملائكة عن يمين رسول لله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر عن يمينه، وكانت الريح الثالثة إسرافيل نزل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأ نا في الميسرة، فلما هزم ا لله أعداءه حملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه فخرت بي فوقعت على عقبي، فدعوت الله فامسكت، فلما إستويت عليها طعننت بيدي هذه في القوم حت اختضب هذا. وأشار إلى إبطه) / المصدر 2/ ص 337 /.
    هذه الريح الكونية العاتية لم يروها غير علي بن أبي طالب، ترى هل كانت ريحا سرية لم يشهدها غير علي عليه السلام؟
    يرويها صاحب المغازي الواقدي مع تحوير وتغيير واضحين، ولكن الرواية ضعيفة بسندها، ففيه مجهول (... عن أبي رُهم عن أبن عمل له...) / الواقدي ص 77 /
    خرافة تعبر عن خيال مريض، ومهما يكن فالرواية ضعيفة بـ (أبو الحويرث) فهو مجهول / مغني الذهبي 2 / رقم 7422، 7423 /
    يقول الواقدي (... فحدَّثني عائذ بن يحي، عن أبي الحويرث،عن عمارة بن أكيمة الليثي، عن حكيم بن حزام، قال : رأيتنا يوم بدر وقد وقع بوادي خلْص الرويشة ـ فإذا الوادي يسيل نملا، فوقع في نفسي أن هذا شي من السماء أيَّد به محمد، فما كانت إلا الهزيمة، وهي الملائكة) / ا لمصدر ص 80 /

    أنه أبو الحويرث الذي تجهله كتب الرجال!
    ولكن هذه الرواية يرويها البيهقي بسند أخر بطلها شاهد أخر (... حدَّثني جرير بن حازم، حدَّثني أبي، قال سمعت محمد بن إسحق يقول : حدّثني أبي عن جبير بن مطعم قال : رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل اليجاد الأسود أقبل من السماء مثل النمل السود فلم أشك أنها الملائكة فلم يكن إلا هزيمة القوم) / ص 341.
    يبدو أن يوم بدر كان رياحا عاتية، وبريقا صاعقا، وخيولاً تنزل من السماء إلى الأرض، وملايين من الملائكة تحتشد في الوادي وعلى أطرافه، وأسواط تشتغل على ظهور الاعداء من فوق...

    لم نقرأ مثل ذلك في القرآن الكريم!!
    يروي البخاري (حدثني إبراهيم بن موسى، أخبرنا عبد الوهّاب، حدَّثنا خالد عن عكرمة، عن بن عباس رضي الله عنهما : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : هذا جبريل آخذ براس فرسه عليه أداة الحرب) المصدر ح 3995 /. وفي سيرة إبن اسحق مرسلا (... هذا جبريل آخذ بعنان فرس يقوده، على ثنياه النَّقع) / ص 370 /.
    فإذن لجبريل فرسه، ولا ندري هل هي فرس من جنسه ولاهوته، أم هي فرس عادية كتلك التي نعرفها نحن بنو البشر؟ ويبدو أن جبرائيل يحتاج لعدة، عدة يحارب بها كفار قريش، ولسنا ندري هل هي عدة من جنس هويته وماهيته المفارقة، أم هي كتلك العدة التي نعرفها نحن أهل البشر؟
    يرويها كذلك البيهقي ولكن في سنده المجهول (أبو الحويرث) وذلك في الجزء الثاني ص 336.
    جاء في مغازي الواقدي (حدّثنا محمد قال : حدَّثنا ا لواقدي قال : فحدَّثني موسى بن يعقوب،عن عمِّه، قال : سمعت أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة قال : سمعت مروان بن الحكم يسأل حكيم بن حزام عن يوم بدر، فجعل الشيخ يكره ذلك حتى ألحَّ عليه، فقال حكيم : إلتقينا فأقتتلنا، فسمعت صوتا وقع من السماء إلى الارض مثل وقع الحصاة في الطست، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم القبضة فرمى بها فأنهزمنا) / المصدر ص 95 /.
    يبدو أن (حكيم بن حزام) يستحق الحضور في ملحمة الرواية، أي رواية معركة بدر، وذلك نظرا لمواقفه المحبِّطة لقريش، ورفضه لها من حيث المبدأ، فهذا الرجل كثير الحضور في هذه الرواية، وتركز روا يته على الخوارق والمعاجز والغرائب.
    حكيم بن حزام هذا من أشراف قريش، وهو الوحيد الذي نجى من القتل، وذلك ضمن فريق المشركين الذين صمَّموا على الشرب من حوض الملسمين (فأنه لم يُقتَل، ثم أسلم بعد ذلك، وحسن أسلامه، فكان إذا إجتهد في يمينه، قال : لا والذي نجّاني من يوم بدر) / سيرة إبن هشام ص 367 /، وهو الذي سعى بتكليف عتبة بن ربعية لأقناع قريش بالعدول عن قتال محمد بعد أن علم من الراصد أن جماعة محمد مستميتين بالقتال!
    حكيم بن حزام هذا شهد الكثير من الآيات البينات في حرب بدر، فهو يروي حادث نزول النمل من السماء في وادي بدر، وهو الذي يروي خبر الصوت السمواي، وهو يروي غير هذا وذاك، فما الذي منعه من الإيمان والتصديق بمحمد حتى يتأخر إسلامه إلى يوم الفتح، بل ويكون من صنف المؤلَّفة قلوبهم؟ / سير أعلام الذهبي 3 رقم 12 /
    يخلو القرآن الكريم من خبر هذا الصوت السما وي المعجز أو الخارق، الذي لعب دورا مهيبا في هزيمة قريش كما يبدو من لحن الكلام الصريح!!، وهو الخبر الذي سيحرص ــ أغلب الظن ــ على ذكره لو كان، لأنه من الآيات الجميلة، ومن الدلائل الكبيرة، وهذه سورة الأنفال تتعرض لكثير من الحقائق والوقائع والحالات النفسية للمقاتلين والمشركين في معركة بدر، ولكنه لم يأت على ذكر هذا الصوت المزعوم، الذي يبدو كان صوتا مخيفا، مرعدا!!! وهل هو أقل آية من نزول المطر الذي ساعد على تثبيت أقدام المؤمنين على التل، وأربك مسير الكافرين في الوادي؟
    في المغازي أيضا (حدَّثنا محمد قال : حدَّثنا الواقدي قال : فحدَّثني أبو إسحق بن محمد، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد،عن عبد الله بن ثعلبة بن صُعَير، قال : سمعت نوفل بن معاوية الدِّيلي يقول : إنهزمنا يوم بدر ونحن نسمع كوقع الحصا في الطَّساس بين أيدينا ومن خلفنا، فكان ذلك أشد الرعب علينا) / ص 95 /. ولكن سنده هش!

    يتبع
                  

11-10-2006, 08:59 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المخيال الإجتماعي في خدمة (ملائكة) بدر! (1/2) // غالب حسن الشابندر (Re: Sabri Elshareef)

    كلمة حول (عِكرمة) وسيِّده بن عباس!

    (عكرمة) هو يروي ذلك عن بن عباس، وعكرمة هذا الذي إعتمده البخاري في روايته صدرت في حقه ذموم كثيرة، ولا يهمني سعة روايته في التفسير عن إبن عباس، ولا مدى الحلقة الأولى
    حفظه لما يقوله الآخرون، فالحفظ وسعته، بل العلم بحد ذاته ليس دليل صدق وأمانة وحرص على قول الحقيقة ونقلها، فليكن أعلم الناس في التفسير، فهل يغني ذلك عن غواية شيطان، وتحريف حقيقة، ونزول نفس عند صغائرها المذمومة، وتحيز مسبوق بنية وتصميم؟
    يتحدث عكرمة عن نفسه فيقول أنه صرف أربعين سنة في طلب العلم، ويقول إنه كان يفتي بالباب وإب عباس في الدار، وكان يقول إن بن عباس كان قد وضع على رجله (الكبل على تعيلم القرآن)، وكان يقول عن نفسه (إني لأخرج إلى السوق، فأسمع الرجل يتكلم بالكلمة، فينفتح لي خمسون بابا من العلم)، وكل ذلك لا يزكيه بطبيعة الحال، لأنها رواية عن نفسه، وعلى ذات المستوى تلك النقول التي تصفه بالبحر، وبسعة العارضة العلمية، وبأنه حافظة بن عباس، فهي لا تزكيه ولا ترفعه بالضرورة إلى مصدر رواية موثوق به، ومن ثم، لم يكن عكرمة سالما من النقد الجارح، وقد تعددت فيه مناحي النقد، ومجالات الذم، فقد كان الرجل بداية محل شك، أي هو محل كلام (قال حماد بن زيد : قيل لأيوب : أكنتم تتهمون عكرمة؟ قال أنا فلم أكن أتهمه)، وبالتالي كان محل شك من حيث المبدا، يعزز ذلك الرواية التالية (قال أيوب : قال عكرمة : أرأيت هؤلاء الذين يكذبوني من خلفي، أفلا يكذبوني في وجهي؟).
    هناك اكثر من كلام رجالي يفيد أن عكرمة كان يبحث عن المال، عن الثروة، ولهذا رحل إلى أفريقيا بعد أن وصفوا له أهلها بالسذاجة والبساطة، فقد جاء في الكتب الرجالية (سعيد بن أبي مريم،عن أبن لهيعة، عن أبي الأسود، قال : كنت أول من سبب لعكرمة الخروج إلى المغرب، وذلك أني قدمت من مصر إلى المدينة، فلقيني عكرمة وسألني عن أهل المغرب، فأخبرته بغفلتهم، قال : فخرج إليهم، وكان أول ما أحدث فيهم رأي الصفرية).
    تتعدى صيغة الموقف المرتاب من عكرمة لتصل إلى إتهامه بالكذب صراحة (... جرير بن عبد الحميد،عن يزيد بن زياد، قال : دخلت على علي بن عبد الله بن عباس، وعكرمة مقيد على باب الحش، قال : فقلت : ما لهذا كذا؟ قال : إنه كان يكذب على أبي). ونسب لسيعد بن المسيت إتهام عكرمة بالكذب، كذلك كان يقول بن أبي ذئب بأنه ليس بثقة، وكان مالك بن أنس فقيه المدينة سي الرأي بعكرمة، وقال بن علية (كان قليل العقل...)، وفي خبر (قال أحمد بن أبي خيثمة : رأيت في كتاب علي بن المديني، سمعت يحي بن سعيد يقول : حدَّثوني والله عن أيوب،أنه ذّكِر له : عكرمة لا يحسن الصلاة. قال أيوب : وكان يصلي؟). وأتهمه رشيد بن كريب بأنه شاهده يلعب النرد، وقال بن سعد (كان عكرمة كثير العلم والحديث، بحرا من البحور، وليس يحتج بحديثه، ويتلكم الناس فيه)، وعندما مات عكرمة لم يحتل موته اهمية لدى الناس، فقد مات (كثير عزة) وعكرمة، فشيع الناس كثير وتركوا جنازة عكرمة!!!
    لقد صدرت توثيقات بالرجل، ولكن مع هذه الذموم، فإن أبسط ما يدعو إليه الفكر الحصيف هو التوقف، خاصة في الروايات ذات الطابع الغيبي المثير، التي تجعل من صاحبها محل نظر وتقدير وتعظيم وإشارة، وكانت مادة المعجزات والغرائب ذات سوق رائجة!
    ولكن هناك سؤال مهم يتعلق بسيِّده بن عباس، ذلك أن الرجل لم يذكر مصدره في أخباره عن سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فهو يتحدث عن معركة بدر وكأنها شاهد عليها، أو شاهد من أهلها، وهذا تدليس بطبيعة الحال، لأن الرجل قد أخذها عن غيره، وهناك من علماء الرجال منْ يقول : أن أزني خير لي من أن أدلس. تدليس بن عباس مسالة يجب أن لا نتعامل معها ببراءة، فهل كان يريد أن يطرح نفسه كمؤسس للزمن النبوي؟ أو يريد أن يحصر بنفسه شرف هذا العلم العظيم في وقته؟ أو للأيحاء بأنه الوحيد الذي يعرف سيرة النبي الكريم؟

    عار الأسر!
    الأسر عار عند العرب، فأن تؤسر دليل ضعف أو جبن أو قلة حيلة في شؤون الحرب وفنونها ودروبها، فكيف إذا أُسر بطل، أو شجاع، أو سيد، أو شيخ عشيرة وزعيم واد؟
    لا ننسى أن الأسير يسمى عبدا، أو يُعامل معاملة العبد!
    لقد أسر العباس بن عبد المطلب في معركة بدر، والعباس رجل مطوال، أبيض اللون، شيخ أهل الوادي، ند إبي لهب، ملجأ بني هاشم، فهيم، قوي، كريم، إسمه يشفع، وصوته مميز، وإقباله مهاب...
    أسر في معركة بدر، ولكن يجب أن نعلم أن إبن اسحق كان يكتب السيرة في زمن بني العباس، وبطلب من الخليفة العباسي، ذلك هو (المنصور) مؤسس الدولة العباسية، لهدف مرسوم بدقة، ذلك أن تكون السيرة نديم قوة، وحافز إعتزاز، ومنبع دليل لأبنه المهدي بل للدولة العباسية بالذات . و في الحقيقة هي إشارة من (المنصور) إشارة ذات نزعة باطنية، لا يخفى جوهرها على إبن اسحاق الذكي الفطن،إذن يجب معالجة صدى الأسر هذا، معالجة مستحقاته، همهماته في داخل المجتمع، وقد كان العباسيون يعملون على تاسيس ملكهم أو إعطاء ملكهم صفة شرعية مستمدة من علاقة مميزة بين محمد وعمه (العم صنو الأب!!!!!)، بين النبي الكريم وعمه، وكان ذلك عبر روايات مختلقة، ومواقف تعالج كل ما سجله التاريخ في حق العباس ولكن سجله بكلمات مثيرة للسؤال، والسؤال الذي يتصل بحق وجدارة بني العباس بالخلافة.
    نقرأ في المغازي (جاء رجل من الأنصار بالعباس قد أسره،فقال العباس : يا رسول الله ليس هذا من أسرني،أسرني رجل من القوم أنزع من هيئته كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أزرك الله بملك كريم).

    ما هو المخفي من الرواية؟
    أولا : لم يُذكَر الآسر، لقد حجبت القوة هنا التاريخ.
    ثانيا : تحويل الأسر إلى كرامة، فلم يـأسر العباس بن عبد المطل رجل عادي، بل ملك كريم.
    ثالثا : تبرير خوار قوة العباس بين يدي الآسر العادي، ذلك أن الملك الواحد يستطيع بجناحه أن يزيل جبال.
    هل بأمكاننا أن نقول أن رجلا عاديا أسر العباس لان العباس لم يرد أن يحارب حقا محمدا وأصحابه بدافع العصبية القبلية؟ ولماذا لا؟ وهو الذي كان يجهد أن يدفع بهذه الحرب بعيدا.
    لست معنيا هنا بالسند، فقد رو اه الهيثمي واحمد وقالوا : والحديث إسناده صحيح. لست معنيا بهذه الصحة السندية التي تحولت اليوم إلى قضية منسية في الدراسات الحديثة التي تناولت قيمة الشفهي كتاريخ، والشفاهية كطريقة لنقل وحفظ التاريخ، بل وقيمة السند أمام العاطفة حتى ولو كان رجاله ثقاة عند أصحابه الذين قد لا نرتضي ولا نرضى طريقتهم بالتقييم والتوثيق، ولكن أنظر إلى السياق الذي ورد فيه الخبر، وزمن تدوينه، وهدف كتابة السيرة بأمر المنصور، والشخصية التي يتناولها الخبر وصلة ذلك بالصراع من أجل السلطة، رحمك الله يا ميشيل فوكو.
    نقرا في البيهقي (... حدَّثنا موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه، قال : كان السايب بن أبي حبيش يحدث الناس في زمن عمر إبن الخطاب رضي الله عنه يقول : والله ما أسرني أحد من الناس فيقال قن. فيقول : لما إنهزمت قريش أنهزمتُ معها، فيدركني رجل أبيض طويل على فرس أبيض بين السماء والارض، فأوثقني رباطا وجاء عبد الرحمن بن عوف فوجدني مربوطا، وكان عبد الرحمن بن عوف ينادي في العسكر من أسر هذا فليس يزعم أحد أنه اسرني حتى أنتى بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : يابن أبي حبيش من أسرك؟ فقلت : لا أعرفه وكرهت أن أخبره بالذي رأيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أسرك ملك من الملائكة، اذهب يا بن عوف بأسيرك، فذهب بي عبد الرحمن بن عوف، فقال السايب : ما زالت تلك اللكمة أحفظها، وتأخر إسلامي حتى كان من أمري ما كان) / المصدر ص 340 /
    أولا الرواية على لسانه، وهي كلمة أراد أن يتحرر بها من عار الأسر، فهو لم يؤسَر بشكل عادي وطبيعي، لم يأسره رجل عادي (فيُقََال قن)، أي عبد!!
    تلك هي القوة الخفية التي كانت تصنع النص، وتخلق الخبر، بل وتبدع الخيال، مرة أخرى رحم الله مشيل فوكو.
    ولكن في السند : موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، وكان معاصرا لمالك، حكم الدار قطني بتركه / مغني الذهبي 2 / رقم 6519 /. وأبوه محمد بن إبراهيم التيمي، وإن كان من ثقاة التابعين، ولكن في حديثه شي كما قال أحمد، فقد روى مناكير / المصدر رقم 5203 /
    وفي الحقيقة سواء كانت الرواية صحيحة السند، أي منقولة حقا عن السايب أو لا، فإ نها تعكس بوضوح ثقافة زمنها فيما يتعلق بالأسير، نظرة المجتمع إلى الاسير، وإلى الأسر بحد ذاته.

    و... ثقافة الأسماء
    كان المحيط العربي مفعما بثقافة الأسماء، أسماء العشائر والأفخاذ والقبائل والمناطق والمعارك والأيام والزعماء والشعراء والانساب وغيرها وغيرها... فكيف كان حظ الذين قتلتهم الملائكة في معركة بدر من ثقافة الأسماء؟ كيف كان نصيب الذين شاركتهم الملائكة في أسر هذا البطل أو ذاك من ثقافة الأسماء؟
    لقد قالوا أن الجن قتلوا سعد بن عبادة، فاشتهر الأمر عند العرب، وقيلت فيه أشعار، مشككة ومؤكدة، ولا يُذكَر أسم سعد بن عبادة حتى يقرن بقصة إغتياله على يد الجن!
    يعقد إبن أسحق فصلا بعنوان (من قُتِل ببدر من المشركين)، ويبدأه بالقول (وقُتِل من المشركين يوم بدر من قريش ثم من بني عبد شمس : حنظلة بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس، قتله زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم... ويقال إشترك فيه حمزة وعي وزيد...) / المصدر ص 414 / ويستمر في سرد الأسماء، من قتلى ومن قاتلين، مع ترجيح وتوكيد هنا وهناك، ولكن لم يذكر لنا إبن اسحق من قتلته الملائكة، قتلى الملائكة مجهولون، غائبون.
    تقول الرواية (وحدّثني أبي اسحق بن يسار، عن رجال من بني مازن بن النجَّار،عن أبي داود المازني، وكان شهد بدرا قال : إني لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أ نه قد قتله غيري) / السيرة ص 373 /.
    فهذا المازني كما يبدو من روايته عن نفسه أنه قتل اكثر من مشرك، وأنه لم يكن هو القاتل، بل ملك قتله بدلا عنه، تُرى أي مشرك هذا؟ فإن إبن اسحق وغيره قد أحصوا لنا قتلى بدر، كل قتيل مقرن بقاتله، هكذا نقرا في السيرة، فكيف غاب على إبن اسحق هذه الأضافة المهمة، نعم، هي إضافة في غاية الأهمية، لأن القاتل لم يكن المازني، وإنما هو ذلك الملك العظيم الجبار!!
    الغريب أن المازني هو بالذات تجاهل ذكر إسم هذا المقتول على يد الملائكة، ترى لماذا؟ وهل حدث بمثل هذه الضخامة الروحية والإعجازية، مع سيادة ثقافة الأسماء ... هل في حدث بمثل هذه المقتربات يغيب الأسم؟ الأسم هنا مهم، مهم للتذكير، وللاستدلال، ولتضخيم الحدث، ولتكريس الواقع المزعوم، ولتخليد المازني نفسه، فكيف يغيب بمثل هذه الطريقة البائسة؟
    في الواقدي (… عن أبي عفير،عن رافع بن خديج، عن أبي بردة بن نيار، قال : جئت يوم بدر بثلاثة رؤوس، فوضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت : يا رسول لله، أمّا رأسان فقتلتهما، وأمَّا الثالث فإني رأيت رجلا أبيض طويلا ضربه فتهدى أمامه، فأخذت رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذاك فلان من الملائكة …) / ص 79 / ولست أدري كيف ينسى أبو بردة هذا أسم ذلك الملك العظيم، وهو ما يجب أو يرجح أن ينحفر في ذاكرته أخر عمره، على أني لم أجد فيما يدي من مصادر (أبي عفير)، ورواه البيهقي مع مجهوليَّة إسم الملك القاتل! لكن المفاجأة الكبرى أننا عندما نعود
    لجدول بن اسحق في قتلى المشركين وقاتليهم يوم بدر، لم نجد سوى قتيل واحد لأبي بردة وعلى شك، والقتيل هو جابر بن سفيان (وقتل جابرا أبو بُردة بن نيَّار، فيما قال إبن هشام) / المصدر ص 417 /
    تقول الراوية نقلا عن البيهقي (... يونس بن بكير،عن عيس بن عبد الله التميمي، عن الربيع بن أنس قال : كا ن الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة ممَّن قتلوهم بضرب الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار) المصدر ص 338 /
    إذن هناك تمييز واضح بين قتلى الملائكة وقتلى المسلمين، وعليه تكون الأسماء هي الأخرى واضحة، ولكن عرفنا قتلى المسلمين ولم نعرف قتلى الملائكة، فيما ينبغي أن تكون هذه الأسماء أكثر شهرة من أسماء قتلى المسلمين!
    الرواية مرسلة بـ (الربيع بن أنس)، فهو شيعي مات في خلافة أبي جعفر المنصور سنة 139 أو سنة 140، ثم يونس بن بكير لم يوثق عند بعض رجال السنة، وهو شيعي، فقد ضعَّفه العجلي، والنسائي قال عنه ليس بالقوي / مغني الذهبي رقم 7261.

    التجسيد والتقمُّص وقصة (سُراقة)
    نقرا في الواقدي (فحدّثني أبن أبي حبيبة،عن داود بن حصين، عن عِِكرمة، عن أبن عباس، قال : كان المَلَك يتصوَّر في صورة من يعرفون من الناس يثبتونهم، فيقول : إني قد دنوتٌ منهم...) / المصدر ص 79، ويرويها البيقهي في دلائل النبوة بذات السند، وفيه أبن أبي حبيبة، وداود بن حصين، وكلاهما مجروحان، ودواد مغرم برواية هذه النماذج من الروايات!
    وكان لإبليس دور كبير في ما يروى عن معركة بدر (أخبرنا الواقدي قال : حدَّثني عبيد بن يحي،عن مُعاذ بن رفاعة بن رافع، عن أبيه، قال : إن كنَّا لنسمع لأبليس خُوارا، ودعا بالثُبور والويل، وتصوّر في صورة سراقة بن جُعشُم، حتى هرب فأقتحم البحر، ورفع يديّه مداَّ يقول : يا ربّ ما وعدتني! ولقد كانت قريش بعد ذلك تعيِّر سُراقة بما صنع يومئذ، فيقول : والله ما صنعتُ منه شيئا) / الواقدي ص 75 / وفي سند الرواية معاذ بن رفاعة بن رافع، لم يوثقه غير ابن حبان، وهو موثِق متساهل، فيما ضعَّفه بن معين، وقال الازدي لا يُحتَج في حديثه / تهذيب التهذيب 10 رقم 353 /.
    قصة (سُراقة) هذه خضعت لإحكام إسطوري مخدوم بقدرة فنية رائعة، فالرواية السابقة تعززها رواية مكمّلة بحيث تبدو الحكاية نابعة من صميم الواقع، وإنها محل تسالم حسي مشهود (حدّثنا الواقدي قال : فحدّثني أبو إسحق الأسلمي، عن الحسن بن عبيد الله بن حنين مولى بن عباس، عن عُمارة بن أكيمة الليثي، قال : حدثني شيخ عرّأك ــ صياد من الحي ــ كان يومئذ على الساحل مطلاّ على البحر، قال : سمعتُ صياحا : يا ويلاه! ملأ الوادي! يا حزناه، فنظرت فإذا سراقة بن جُعشُم، فدنوت منه فقلت : مالك فداك أبي وأمي؟ فلم يرجع إلي شيئا، ثم إقتحم البحر ورفع يديه مدّا يقول : يا ربّ، ما وعدتني! فقلتُ في نفسي : جُنَّ وبيت الله سُراقة! ذلك حين زاغت الشمس، وذاك عند إنهزامهم يوم بدر) / نفس المصدر ص 75 /وفي سند الرواية مجهول، ذلك هو صياد الحي، وقد أختلفوا في (عمارة بن أكيمة الليثي)، فقد عدَّه بعضهم مجهولا كالبيهقي والحميدي، ومنهم منْ لا يحتج بحديثه.
    وهكذا تتقن الحكاية الخرافية حبكتها على يد فنانين من الدرجة المتقدمة في صياغة الأساطير والحكايات الغريبة، لم يتلبس إبليس بصورة سراقة مرة واحدة، أي في بحر المعركة، بل كان ذلك قبل المعركة، في أثناء الأعداد لها، فقد كان بين قريش وبني كنانة دم، وخافت قريش أن تغتالها (كنانة) من خلف، لأن طريقها ـ أي طريق قريش ـ إلى بدر يمر بـ (بني كنانة)، فما كان من إبليس إلاّ أن يتجسد بهيئة (سراقة بن جُعشُم) هذا ليغريهم بأن كنانة لهم جار، وليس لهم غير الأمان، فمضت قريش مطمئنة لوعد سراقة، الذي هو في الحقيقة البعيدة إبليس لعنة الله عليه / سيرة بن اسحق ص 361 /.
    نقرأ في مغازي الواقدي أيضا (حدّثني عمر بن عقبة، عن شعبة مولى ابن عباس، قال : سمعت ابن عباس يقول : لما تواقف الناس أغمي على رسول لله صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم كُشف عنه فبشّر المؤمنين بجبريل بجند من الملائكة في ميمنة الناس، وميكائيل في جند آخر في ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم،وإسرافيل في جند آخر بألف، وأبليس قد تصوِّر في صورة سُراقة بن جُعْشُم المُدلجي يذمر المشركين ويخبرهم أنه لا غالب لهم من الناس، فلما أبصر عدو الله الملائكة نكص على عقبيه، وقال : إني بريئ منكم إنِّي أرى ما لا ترون،فتشبث به الحارث بن هشام، وهو يرى أنّه سُراقة لِما سمع من كلامه، فضرب في صدر الحارث فسقط الحارث، وأنطلق إبليس لا يُرى حتى وقع في البحر، ورفع يديه وقال : يا ربّ، موعدك الذي وعدّتني) / المصدر ص 71 / والرواية مرسلة بطبيعة الحال، لأن ابن عباس لم يبين لنا مصدره، ومولاه شعبة بن يحي محل نظر عند بعض الرجاليين، فقد قال عنه النسائي (ليس بالقوي)، وقيل هو شعبة بن دينار، وقد قال فيه صاحب الميزان (صدوق سي الحفظ) / مغني الذهبي رقم 2766 /.
    السؤال الذي يطرح نفسه هنا، تُرى لماذا اختار إبليس ِ أن يتجسّد بـ (سُراقة) هذا دون غيره؟

    هل هو الوحيد من كنانة؟
    يحتل (سراقة) في منظومة الأسطورة في التاريخ الإسلامي مكانة مهمة، فهو الذي لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم هاجر من مكة إلى المدينة بهدف قتله لينال دية من قريش، وقد أدرك رسول الله وصاحبه أبا بكر رضي الله عنه، ولكن بدعاء النبي الكريم ساخت فرسه أكثر من مرة، وقد عرضته للموت، وعلى أثرها أعلن أسلامه على يد البني آنذاك، وحسن إسلامه ــ وربما أتعرض لهذه القصة بالتفصيل لاحقا إن شاء الله ــ
    تُرى ألهذا السبب كان إبليس يتقمص صورة سراقة؟
    الغريب أن الناس بقيت تؤمن وتعتقد أنه سراقة بعينه، بل كانت قريش تعيره بذلك، فيما هو المسكين ينكر ذلك ويحلف لهم بالله إنه لم يكن هو!!
    تتكرر عملية التقمُّص هذه في معركة بدر، ولكن مع جبرائيل في هذه المرة، ففي الواقدي (قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ : هذا جبريل يسوق الريح كأنه دِحيَّة الكلبيّ) ص 78 / ولست أدري ما حاجة جبريل لَئِن يتقمّص بهذا الرجل كي يسوق الريح العاتية؟

    جبرائيل ذلك الفارس العربي!
    تجمعّت في معركة بدر من خلال الروايات في كتب السيرة كل مواصفات الفارس العربي في شخصية جبرائيل عليه السلام وهو يشارك في المعركة الكبيرة، فهو ذلك العربي الجميل الذي فاق في جماله كل من عرفته العرب في ذلك الوقت، والدليل على ذلك تجسّده بـ(دِحيَّة الكلبي كما في الرواية التي تقول (هذا جبريل يسوق الريح كأنه دِحيَّة الكلبي)، وهذا الذي تجسَّده جبرائيل عليه السلام صحابي جليل، ولكن صفته المميزة التي فاق بها الآخرين هو جماله كما تؤكد الروايات، فعن عُفير بن مَعْدان،عن قتادة، عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : يأتيني جبريل في صورة دحية، وكان دحية جميلا) / سير أعلام الذهبي 2 رقم 116 /، ويقول الذهبي (قال عبد الله بن صالح العجلي : قال رجل لعوانه بن الحكم : أجمل الناس جرير بن عبد الله لبجلي؟ فقال : بل أجمل الناس من نزل جبريل على صورته، يعني دحية) / ص 554 /. ولا أريد أن أناقش الجانب الأريتوكي في هذه الروايات، ولكن الذي أريد أن أخلص إليه هو أن الجمال كان أول علامات جبريل مجسّدا في معركة بدر، وبعد هذا العنصر يأتي عنصر أخر، أقصد لباس جيريل عليه السلام، كانت العمامة (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبشر يا أبا بكر هذا جبريل معتجر بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه على ثناياه النقع يقول آتاك نصر الله إذ دعوته) / ص 336 من البيهقي / وبذلك يُضاف عنصر جديد إلى صورة جبريل البطل، الفارس العربي البطل. فجبريل كان مصداقا حيا لهذا الفارس، الفارس العربي الجميل، القوي، النشط، الذي يسوق الأخرين تحت إمرته، وبذلك تشبعت ملائكة بدر وبأعلى مستويات ممكناتها وطاقاتها بروح الثقافة العربية السائدة في زمنها، ولنا عودة إلى بدر إن شاء الله، بعنوان (بدر في القرآن الكريم)
                  

11-10-2006, 09:45 PM

Mohamed Elgadi

تاريخ التسجيل: 08-16-2004
مجموع المشاركات: 2861

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المخيال الإجتماعي في خدمة (ملائكة) بدر! (1/2) // غالب حسن الشابندر (Re: Sabri Elshareef)

    Thanks Sabri for the article... could you provide the URL, if there is one..
    thanks

    mohamed elgadi
                  

11-11-2006, 12:42 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المخيال الإجتماعي في خدمة (ملائكة) بدر! (1/2) // غالب حسن الشابندر (Re: Sabri Elshareef)

    شكرا محمد القاضي

    والمصدر ايلاف الموقع الرائد للاستنارة

    اشكرك علي المرور والي ان نستيصر الامر فالمعرفة والتنوير

    ما انحو تجاههما
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de