إستعراض أهمّ مرجع تأسيسي في علم الإجتماع الإسلامي: " منهج البحث العلمي بين الوضعيّة و المعيارية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 06:27 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-21-2006, 05:46 AM

wedzayneb
<awedzayneb
تاريخ التسجيل: 03-05-2003
مجموع المشاركات: 1848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
إستعراض أهمّ مرجع تأسيسي في علم الإجتماع الإسلامي: " منهج البحث العلمي بين الوضعيّة و المعيارية

    ناشر الكتاب: المعهد العالمي للفكر الإسلامي

    إسم الكتاب: " منهج البحث العلمي بين الوضعيّّة و المعياريّة"

    مؤلّف الكتاب: محمد محمد امزيان

    تاريخ النشر: 1401هجريّة/1981م

    أعتز باقتناء هذا الكتاب القيّم. و أشجّع كل باحث عن المعرفة باقتنائه أيضا. ( احصلوا علي هذا الكتاب القيّم فورا و لن تندموا أبدا )

    و لعلّ أهمّ و أجرأ ما نادي به المؤلّف ماورد في الفصل الثاني من الكتاب تحت عنوان:" ضرورة اعتبارالوحي ضمن المصادر المعرفيّة لعلم الاجتماع "، و ما تضمّنه الفصل الثالث من الكتاب تحت عنوان: " ضرورة إلتزام المذهبيّة الإسلاميّة القائمة علي التوحيد "


    البحث الإجتماعي بين الوضعية والمعيارية

    د. محمد امزيان

    عرض: علي الموسوي

    البحث عبارة عن رسالة قدمه المؤلف لنيل درجة الدكتوراه من قسم الفلسفه بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة.

    تتألف الدراسة التي تولى المعهد العالمي للفكر الاسلامي طبعها وتوزيعها من(500 صفحة) من القطع الوزيري.

    وتنقسم الدراسة إلى قسمين رئيسيين: القسم الأول نقدي، تعرض فيه المؤلف إلى أهم المدارس الاجتماعية، والاُسس والمناهج المتبعة في علم الاجتماع، أو ما يطلق عليه حالياً الميثودولوجيا الوضعية، التي يقصد بها مجموع المقالات المنهجية المتبعة في الدراسات الاجتماعية والوضعية، سواء في الالم المغربي أو الشرقي، التي تبتني جميعاً على النظرة المادية للعالم والإنسان والحياة، وقد تركز البحث في هذا القسم على أربعة محاور:

    1 ـ التحول الثقافي في الغرب وأثره في توجيه البحث الاجتماعي.

    2 ـ تناول بالنقد المنحى الواقعي في دراسة الظواهر الاجتماعية وميتافيزيقية علم الاجتماع في راسة الشعوب البدائية. وكذلك نقد ميتافيزيقية علم الاجتماع في تفسير تطورات المجتمعات البشرية.

    3 ـ تحدث المؤلف في هذا المحور عن أوجه التناقض بين المدارس الاجتماعية، والنتائج السلبيه المترتبة عليها وأسباب هذا التناقض.

    4 ـ محاولة إبراز أثر التوجيه الأيديولوجي على علم الاجتماع، ومدى التزامه بخدمة الأهداف الاستعمارية والقومية للغرب.

    وقبل ان يختم الباحث القسم النقدي من دراسته تعرض إلى المدارس الاجتماعية في الوطن العربي والاسلامي، وكيف انها كانت في أغلب الأحيان، تكراراً للنظريات الاجتماعية في الغرب.

    أما القسم الثاني من الدراسة فهو بنائي، يهدف إلى اعطاء الضوابط المنهجية، لأسلمة العلوم الاجتماعية. أو قل تقديم البديل الاسلامي، كاطار عقائدي في مقابل الأيديولوجيتين السائدتين في النظرية الاجتماعية: الماركسية والرأسمالية. وقد سعى المؤلف، إلى محاولة التأسيس المنهجي لعلم الاجتماع الاسلامي، الذي أراده بديلاً عن المناهج الوضعية.

    كانت تلك هي الهيكلية العامة للبحث، ونحاول فيما يلي قراءته قراءة سريعة.

    في حديثه عن دواعي قيام المنهج الوضعي وتقويض الفكر الديني ضمن القسم الأول من الدراسة، أشار المؤلف إلى حقيقة أصبحت من المسلمات، في تاريخ الفكر الغربي وهي ان الصراع بين العلم والدين، كان ضرورة تأريخية لا محيد عنها إلى الحد الذي قاد بعض المفكرين الغربيين إلى الاعتقاد ان تلك سمة طبعت علاقة الدين بالعلم، بصورة مطلقة وليست خاصة بالمنهج الغربي: يقول المفكر الغربي أميل بوترو: أن أمر العلاقات بين الدين والعلم حين يراقب في ثنايا التاريخ يثير أشد العجب، فأنه على الغرم من تصالح العلم والدين مرة بعد مرة وعلى الرغم من جهود أعاظم المفكرين، التي بذلوها ملحين في حل هذا المشكل حلاً عقلياً، لم يبرح العلم والدين قائمين على قدم الكفاح، ولم ينقطع بينهما صراع يريد به كل منهما ان يدمر صاحبه لا أن يغلب فحسب. على أن هذين النظامين لا يزالان قائمين ولم يكن مدياً ان تحاول العقائد الدينية تسخير العلم فقد تحرر العلم من هذا الرقم وكأنما أنعكست الآية منذ ذاك. وأخذ العلم ينذر بفناء الأديان ولكن الأديان ظلت راسخة وشهد بما فيها من قوّة الحياة عنف الصراع.

    ويرى المؤلف في هذا النص تجسيد للصراع القائم بين النسقين الفكريين: العلمي والديني: تلك الأزمة التي أنتهت إلى إقصاء الدين عن مجال الحياة، وحصره داخل جدران المعابد

    ويعدد الباحث مجموعة أسباب قال انها كانت وراء الحملة العلمانية على إسلوب التفكير الديني وتمخضت أخيراً عن إقتناع الغرب بضرورة قيام المنهج الوضعي، ويقصد بالمنهج الوضعي تلك النظرة الفلسفية المتكاملة إلى الكون والحية والإنسان، التي أقترن ظهورها بالفيلسوف الفرنسي «أجيست كونت» في القرن التاسع عشر. وسنرى أن المؤلف يتجاوز هذا المعنى للوضعية إلى معاني لا تخالفه ولكنها أوسع مه فهو يستعمله في كل نظرة تستبعد وجهة النظر الدينية عموماً والإسلامية خصوصاً في دراسة قضايا الإنسان والمجتمع. وهذه الأسباب هي:

    1 ـ إسلوب التفكير اللاهوتي والمعاكس للحقيقة والواقع الذي أنتجته الكنيسة.

    2 ـ إضطهاد الكنيسة للأسلوب العلمي في التفكير.

    3 ـ التدخل القسري لسلطان الكنيسة في كل مجالات الحياة.

    4 ـ التحالف بين النظامين الاقطاعي واللاهوتي، حيث يقول سان سيمون(1760 ـ 1825):

    «إنني أتهم رجال الدين على موافقتهم على تكوين مؤسستين متعارضتين تماماً مع روح المسيحية: مؤسسة محاكم التفتيش، ومؤسسة اليسوعيين واتهمهم بقبولهم إبتداءً من تلك الفترة حماية هاتين المؤسستين».

    ومما عجل في تقويض النظام اللاهوتي في التفكير وشكل نواة الثورة العلمية الغربية هو دخول البحث التجريبي من العالم الاسلامي إلى اوروبا، يقول سيمون نفسه «فيما يتعلق بنقد معارفنا الخاصة، ومذاهبنا العامة فما كان العرب يبدأون اقامتهم في اجزاء من اوروبا حتى انشأوا مدارس لتلقين العلوم التي تقوم على الملاحظة وظهرت حماسة عامة وجهت كل العقول المتباينة في اتجاه النور الجديد.

    وحين دخل القرن الثامن عشر كان الفكر الغربي قد قطع اعظم الاشواط في التحرر من الفكر الديني وأطلق على هذا القرن عصر التنوير، ولا يقصد بالتنوير سوى استبعاد الوحي عن التوجيه واعتماد العقل لفهم الكون واستيعابه واخضاعه لحاجة الإنسان حتى بلغ الايمان بالعقل درجة الاغترار والافراط.

    ويقول المؤلف انّه مع نهاية القرن كانت ملامح العلمانية واضحة ومتغلبة على الاتجاهات الكنيسية وبذلك مهدت لأكبر ثورة اجتماعية وثقافية في تاريخ الغرب، وهي الثورة الفرنسية(1789م) وكانت اعظم سند للوضعية حتى وصفها «كانت» قائلاً: «لولاها لما أمكن ان توجد نظرية التقدم، ولما أمكن تبعاً لذلك ان يوجد العلم الاجتماعي، ولما أمكن بالتالي ان توجد الفلسفة الوضعية».

    وبعد ان يستعرض صاحب الدراسة السياق التاريخي لنشأة الوضعية، يأتي على ذكر اهم الرواد الذين أسسوا الفلسفة الوضعية، وهم كل من سان سيمون(1760 - 1825) الذي بذر بذورها الاولى واوجيست كونت «1789 - 1857» الذي اعتبر ان حالة التمزق في العقول التي تلت انهيار النظام اللاهوتي لا حل لها سوى احد الحلول الثلاثة:

    اما تعميم النظام اللاهوتي وهذا غير ممكن لفشله وانحلاله، أو التوفيق بين النظامين اللاهوتي والوضعي وهذا الآخر غير ممكن في نظر «كانت» لانه يجمع بين نظامين متناقضين فليس سوى الحل الثالث وهو تعميم النظام الوضعي.

    وقد بلغ هذا النظام أقصى حدوده على عهد اميل دور كايم «1858 - 1917» الذي فاق استاذه كونت في وضعيته واستبعاده للتفكير الديني واصبح العلم بعده ليس مجرد اسلوب في البحث فحسب بل تحول إلى دعوة عقائدية تحل محل العقائدية السابقة. وتشير الدراسة إلى ان المنهج الوضعي قد احرز عدة نتائج خطيرة على الصعيد الاجتماعي، منها احلال النسبة محل المطلق في دراسة الظواهر الاخلاقية فالمهمة الاساسية للوضعية حسب تعبير دوركايم هي: ان تحل في كل شيء السنبي مكان المطلق. كما تم اختزال الظواهر الاجتماعية في المنهج الوضعي ـ في جانبها الواقعي بما في ذلك الظاهرة الدينية التي لا يراها الوضعيون إلاّ وليدة المجتمع ومن وحي وضعي على حد تعبير كونت.

    وبعد ان يستعرض المؤلف تناقض النظريات الاجتماعية وافتقارها إلى اساس موحد يذكّر باستخدام علم الاجتماع كأداة لخدمة الاهداف الاستعمارية وتوظيفه سياسياً.

    ثم يفرد المؤلف باباً خاصا لمناقشة المدارس الوضعية في الوطن العربي.

    حيث يقول على غرار تجربة المناهج الغربية في نضالها المرير ضد التفكير الديني قام الاتجاه الوضعي العلماني في بلادنا ليبني افكاره على اساسها متجاهلاً الفروق التاريخية والثقافية الموجودة بين البنية الفكرية المسيحية والغربية وبين البنية الإسلامية وقد ظهر هذا الاتجاه الوضعي قوياً في انتاجنا الثقافي المعاصر وفي مختلف فروعه وظهرت الدعوة قوية لتبني المقولات الوضعية وامتدت إلى مختلف الدراسات الإنسانيّة

    اما الاسس المنهجية والتصورات المبدئية التي بنى عليها القائمون على التراث السوسيولوجي في البلاد العربية دراساتهم واسسوا عليها نتائج بحوثهم فهي طبقاً لما جاء في البحث ـ كما يلي:

    1ـ تبني المقولات الوضعية وضرورة تجاوز الفكر الديني: حيث يعتقد العلمانيون العرب ان طريقة التفكير وكذلك الثقافة الدينية في القرون الوسطى تقوم على نفس المسلّمات وتتبنى نفس المقولات وهي في نهاية المطاف تمارس نشاطاً مضاداً للعقل الإنساني لانها تجرّده من مقولات التفكير العلمي، وتلزمه بالتفكير في حدود النطاق الديني الميتافيزيقي.

    2ـ الطابع الموسوعي: وتقوم هذه الفكرة على ان ثقافة العصر الوسيط تقدم تفسيراً شاملاً للحياة معتمدة على تصوراتها الدينية للحفاظ على طابعها الموسوعي الذي يمتد إلى كل المعارف والعلوم حيث حجّرت على الفكر الحر ومنعته من التفكير خارج مسلماتها المعرفية مما ادى إلى مواجهة عنيفة انتهت لصالح التفكير العلمي، وهو نفس المصير الذي ينتظره التفكير الاسلامي.

    ويميل المؤلف إلى ان الدكتور فؤاد زكريا من الذين يتبنون هذا النوع من التفكير حيث يقول هذا الاخير في مقال له «اعتقد ان من المفيد للفكر الديني المعاصر ان يحلل ما حدث في تجربة انتقال اوروبا من العصور الوسطى إلى العصر الحديث وهي التجربة التي يبدو ان بعض عناصرها أخذه في الظهور في مجتمعنا المعاصر.

    3ـ افتعال الصراع بين الدين والعلم في تاريخنا الثقافي الاسلامي ففي الوقت الذي يعترف فيه العلمانيون العرب بدعوة القرآن إلى العلم نراهم ـ كما يقول المؤلف ـ يُجرّدون المصطلحات القرآنية من دلالاتها العلمية ويعتبرون تلك الدعوة موجهة إلى العلم التجريدي الذي يخاطب العاطفة، وليس العلم الواقعي الذي يخاطب العقل والمنطق، وهنا يستشهد المؤلف بقول الدكتور محمد عابد الجابري الذي يعتبره من زعماء هذا المنهج اذ يقول: «من الناحية المنهجية يستعمل القرآن بمبدأ المقارنة، فالقرآن يستعمل التشبيه والتمثيل والمجاز والاستعارة والكناية على نطاق واسع ولكنه لا يرتفع بهذه الاساليب إلى مستوى الاستدلال العقلي الذي يوجب الحكم».

    ويرى المؤلف ان الجابري يتابع في ذلك استاذه اركون الذي سبقه إلى القول: «كان الخطاب السلفي ولا يزال ينوه بالعقل يدعو إلى الاحتكام إليه ولكن أي عقل؟ انّه العقل الذي يرجع في اشتقاقه اللغوي إلى عقلت البعير إذا جمعت قوائمه ومنعته من الحركة اي من النهوض».

    ويأخذ الكاتب على الاتجاه العلماني في الوطن العربي تأثره بالفكر الغربي بل يتهمه بالوقوع تحت التأثير الاستعماري والسعي لتحويل الإنسان العربي إلى انسان تابع مقلّد.

    ويذكر في هذا المجال كلاماً للدكتور علي شريعتي قال فيه: «لقد ادخل الاستعمار كل ثقافته المضادّة للكنيسة إلى المجتمعات الإسلامية وأدخل الآداب والفلسفات التي قضت هناك على الاقطاع والارستقراطية والكنيسة المستبدّة والخرافات... وبدأ مفكرونا الذين كانوا مفتونين بهذه الثقافة الاستعمارية حركة النضال ضد الدين القديم والتاريخ والتقاليد والعادات واشكال الحياة. وهم يظنون انهم يقومون بأدوار فولتير وديدرو في المجتمعات الإسلامية ورأينا ان نتيجة نضالهم هي تماماً ما كان الاستعمار إلى استعارة العقائدية المادية والمذاهب العلمانية، وحينما يصل هذا الاتجاه إلى هذه النتيجة يناقض نفسه ويقع في مفارقات صارخة. فهو حينما نادى بالدعوة إلى الذات كانت دعوته موجهة إلى محاربة الفكر الوافد، ولكنّه في اثناء تأسيسه لهذه الدعوة عاد لتبني المذهبيات المستوردة وهي نتيجة تكون طبيعية تماماً».

    وبعد ان انتهى البديل القومي إلى هذه النتيجة التي قررها الباحث لم يعد هناك من بديل سوى البديل الاسلامي الذي افردت له الدراسة باباً خاصاً تحت عنوان «أسلمة العلوم الاجتماعية، والضوابط المنهجية للبحث الاجتماعي» بذل خلالها صاحب الدراسة مجهوداً لاستخلاص البديل الاسلامي المنضبط من خلال التأشير على سلبيات ونقائض الميثويولوجية الوضعية. بعبارة اخرى قام المؤلف بمحاولة اكتشاف علم اجتماع اسلامي من خلال عكس الاخطاء والسلبيات التي وقعت فيها الميثولوجية الوضعية.

    ومن اجل الوصول إلى هذا الهدف وضع مجموعة ضوابط هي:

    1ـ ضرورة اعادة تحديد مفهوم العلمية. اي الاعتراف بوجود فوارق بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانيّة من الناحيتين الوضعية والمنهجية.

    2ـ ضرورة اعتبار الوحي ضمن المصادر المعرفية لعلم الاجتماع، فان ادخال الوحي كعنصر اساسي في توثيق المصادر المعرفية لعلم الاجتماع سيخرجها من الظن إلى القطع واليقين ويُرسي قواعده على اساس متين كما ان للوحي اهميته الخاصة في تصحيح اخطاء ميتافيزيقا علم الاجتماع فان كثيراً من النظم والمؤسسات الاجتماعية التي يعتبرها علماء الاجتماع تلقائية اي نابعة من ذاتية الاعراف الاجتماعية كانت في الحقيقة ترجع في اساسها إلى جهود الانبياء والرسل ودورهم في تغيير المجتمعات البشرية في أعرافها ونظمها، ولا يمكن تجاهل دور الوحي في الكشف عن اصل الإنسان أو الانثرويولوجيا كما اطلق عليه المؤلف وكذلك قضايا الإنسان فالوحي يستوعب الإنسان في اصله وخلقه وتكوينه وحركته على الارض ومصيره المستقبلي. «مالكم لا ترجون له وقاراً وقد خلقكم اطواراً»(1)، وقال تعالى «هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها»(2)، وقال أيضاً: «يا أيّها الناس اتقوا ربّكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء».(3)

    وهكذا فان الوحي قرآنا وسنة يقدمان معرفة غزيرة ومفصلة في الموضوع وليس لعالم الانثريولوجيا المسلم ان يدير ظهره لهذه اليقينيات، ويتعلّق بتفسيرات هي من قبيل ميتافيزيقا علم الاجتماع.

    ان الوحي يعتبر الوثيقة التاريخية الوحيدة القادرة على الامتداد إلى اول مرحلة من مراحل الإنسانيّة وهي المرحلة التي تعجز كل البيانات الاخرى عن تغطيتها فالمعرفة التي يقدّمها الوحي تقترن بنزول آدم على الارض، ويصاحب الاحداث العظمى التي شهدتها الإنسانيّة وقدم القرآن عروضا تأريخية مفصلة عن حياة الإنسان وتفاعلاته تتجاوز المعرفة بالماضي والحضار لتمتد إلى آفاق المستقبل، وتسجل تنبؤات صادقة حول الاحفاث العظمى التي سوف تتجه اليها الإنسانيّة حتماً. وتلك أهم عقدة واجهت البحوث الاجتماعية وفشلت في تحيقها لحد الآن.

    ____________________________________

    1- سورة نوح آية(13، 14).

    2- سورة الاعراف آية: 189.

    3- سورة النساء آية: 1.



    ويستعرض المؤلف امثلة كثيرة يبين من خلالها الدور الذي يقوم به الوحي باعتباره مصدراً معرفياً يقدم الكثير عن الجوانب التي تعتبر مركز اهتمام علم الاجتماع كالنظم والظواهر الاجتماعية التي سادت مجتمعات انسانية معينة. فالقرآن يتحدث بصورة مسهبة عن عادات الاقوام السابقة في الترف والظلم والاستبداد في الحكم وعبادة الاوثان والكواكب وتقديس الحيوان وعبادة الارواح من الملائكة والجن ووأد البنات واحتقار المرأة وتطفيف الكيل والميزان، والاستغلال الذي يمارسه المرابون، وظهور الطبقية وامتيازاتها في المجتمع كطبقة رجال الدين وطبقة المستكبرين وطبقة المستضعفين. وكذلك الحديث النبوي.

    3ـ ضرورة التزام المذهبية الإسلامية القائمة على التوحيد فالعلوم الاجتماعية المؤسسة على العقائدية الإسلامية لابد وان تعترف ان الإنسان يعيش في ملكوت الله، ويخضع لنظامه وسننه في الوجود والاجتماع. وأن كل ما في هذا الكون يرجع إلى الله في الخلق والمعاد والمصير. فان المهمة الاولى للعلوم الاجتماعية ان تكتشف النموذج الالهي في الاخلاق والسياسة والاجتماع وكل النظم، وان تعيد تنظيم نفسها وتديره في ضوء هذا المذهب.

    فعقيدة التوحيد بهذا التوجيه تحمي الشخصية الإسلامية من الانفصام على مستوى السلوك والتفكير، حيث يتطابق سلوكه الاجتماعي مع انتمائه الاعتقادي ولا يستشعر تلك الازدواجية في تفسير اسباب الظواهر التي يعالجها.

    4ـ وعلى اساس هذه العقيدة عقيدة التوحيدينبثق منهج خاص ونسق معرفي اسلامي خاص. فكل محاولة تتم في هذا الاطار ـ كما توصل إليه المؤلف ـ لا بدّ ان تأخذ النظام العقائدي الاسلامي ككل. وتأكيداً لذلك ينقل المؤلف عن الاستاذ منير شفيق قوله: «في الواقع لا منهج مجرّداً من مقولاته ونماذجه لانه تشكّل في أحشاء النماذج التي عالجها واكتسى باللحم من خلال الموضوعات التي ولدها. وعلى سبيل المثال لا يمكن اخذ المنهج الهيغلي دون هيغليته ككل. أو اخذ المنهج المادي الجدلي دون الماركسية ككل، أو اخذ المنهج الوضعي الاميركي، دون النموذج الاميركي نفسه، كما انّه من غير الممكن اخذ منهج مستمد من الإسلام والتجربة المجتمعية الإسلامية دون الإسلام ككل».

    وعلى هذا الاساس يستخلص المؤلف ان الدعوة إلى قيام المنهج الاسلامي البديل في العلوم الاجتماعية لابد وان ينتظره وبدلاً من ان تحدث الثورة الفرنسية الكبرى والتقدم العلمي... رأينا ان مجتمعنا الذي كانت له شخصية وكان يفكر بنفسه ويختار بنفسه صار جسداً مكوناً من عناصر متنافرة.

    واخيرا فقد انتهت هذه الدراسات الاجتماعية المتأثرة بالفكر الغربي إلى الفشل في فهم واقع المجتمع الاسلامي. لذلك يقول الباحث ظهرت الدعوة إلى ضرورة العودة إلى الذات وبناء علم اجتماع على اساس من واقعنا وتراثنا وقيمنا. وقد تبلور هذا البديل المنهجي في اتجاهين متعارضين مبدئياً ومنهجياً، تمثل الاول في البديل القومي الذي نادى بضرورة انشاء علم اجتماع عربي ينطلق من خصائصنا القومية. وتمثل الثاني في البديل الاسلامي الذي طرح الإسلام كأطار ايديولوجي عقائدي. عن الاتجاه القومي يقول الدكتور محمد امزيان: «ان روّاد علم الاجتماع القومي يدكرون تماماً انّه من المستحيل ان يتحول المتعصب للجنس إلى مذهب ايديولوجي وتصور عقائدي له نظرته في الحياة ولذلك انتهى هذا الاتجاه. تكون مؤسسة بالشكل الذي يجعلها تنظر إلى مجموع القضايا التي تطرحها وفق النسق الداخلي للاسلام وفلسفته في الوجود حتى لا تفقد خصائصها الذاتية وتنقطع عن هويتها وتذوب في انساق ومناهج اخرى تقف منها موقف النقيض».

    وتأسيساً على ذلك ايضاً ينتهي صاحب الدراسة إلى اننا لا يمكن ان نفهم واقع المجتمعات الإسلامية في امتدادها التاريخي والعوامل التي اثرت سلباً وايجاباً أو نعيد رسم مؤسساتها الاجتماعية واهدافها المستقبلية مالم نضعها في وعائها الحضاري الخاص بها الذي يشكل عقيدة التوحيد روحه وجوهره.

    وينبّه صاحب الدراسة في الضابط الرابع إلى ضرورة التحرر من النزعات الذاتية والتوجهات الايديولوجية ليحقق علم الاجتاع الموضوعية والعلمية المطلوبتين، كما انّه يميز بهذه المناسبة بين الالتزام الايديولوجي والالتزام العلمي، فقال ان الالتزام الايديولوجي لا يعني السلبية المطلقة تجاه الظواهر الاجتماعية المختلفة كما يفهمه علماء الاجتماع وانما هو الارتفاع على المصالح الطبقية والنزعات الشخصية والانتماءات القومية والمؤثرات الحضارية والتاريخية وليست هناك ايديولوجيا يمكن ان ترتفع إلى هذا المستوى سوى المذهبية الإسلامية، باعتبار مصدرها الالهي. «يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا انّ اكرمكم عند الله اتقاكم».(1)

    اما الالتزام العلمي فهو التجرد عن الآراء الذاتية والموازين الوضعية وصياغة افكارنا وفق المذهبية الإسلامية

    وخلافاً لما ذهب إليه اكثر علماء الاجتماع من ان البحث العلمي وخصوصاً في مجال علم الاجتاع يجب ان يكون محايداً ومجرّداً من كل القيم والمعايير الاخلاقية. فقد توصل الباحث في هذه الدراسة إلى ضرورة التزام النظرة المعيارية في علم الاجتماع الاسلامي، وجعل ذلك ضابطاً خامساً من الضوابط السبع، التي حددها من اجل صياغة علم اجتماع اسلامي. وقد دافع صاحب الدراسة عن هذا الاستنتاج بدفاعات ثلاثة:

    الاول: ان علماء الاجتماع الوضعيين انفسهم التزموا المعيارية رغم محاربتهم لها نظرياً فقد ظل الباحث الغربي ـ على حد تعبير الدراسة ـ معبراً في كل ما يكتب عن القيم الغربية وملتزماً بالنظرة الاستعلائية لهذه القيم تجاه بقية الشعوب.

    الثاني: قيام اتجاه جديد بين علماء الوضعية يدعو إلى الالتزام المعياري، يقول احد علماء الاجتماع الوضعيين الكس انكلز «على الرغم من ان التطلع على علم اجتماع متحرر من القيمة أو محايداً سياسياً كان هو الاتجاه السائد بين علماء الاجتماع، إلاّ انّه وجد من عارض هذا الموقف بشدة.

    الثالث: الفارق بين المعنى الوضعي للمعيارية والمعنى الاسلامي. حيث استخلص الباحث أن هناك فرقان أساسيان، بين المعنى الوضعي للمعيارية والمعنى الاسلامي لها:

    1ـ ان المعيارية بالمعنى الوضعي تطلق على النموذج المتخذ اساساً للقياس وما ينبغي ان يكون عليه السلوك العام والمواقف الجماعية بالنسبة للمشاعر السائدة في المجتمع، وبهذا ستكون المعيارية من المفاهيم النسبية القابلة للاختلاف والتعارض زماناً ومكاناً، بينما المعيارية في المعنى الاسلامي لا تستند إلى المقاييس الاجتماعية بل تأخذ معاييرها من الوحي نفسه الذي يتجرد عن كل النزعات الشخصية والذاتية.

    فالأول له معنى ذاتي والثاني له معنى موضوعي:

    2ـ ان هذا اللفظ استخدم للدلالة على المنهج المعياري الذي يقابل المنهج الموضوعي أو الوصفي التقريري، «فلفظ المعياري» صفة لما ينبغي ان يكون. أمّا «الوضعي» فهو وصف لما هو كائن.

    ولا يوجد مثل هذا التعارض بين المعيارية والوضعية في الميثودولوجيا الإسلامية فالمنهج الاسلامي منهج وصفي تقريري أولاً ومعياري قيمي ثانياً.

    وفي الضابط السادس شدّدت الدراسة على ضرورة تحديد الثابت والمتغير بعد ان احل المنهج الوضعي النسبي محل المطلق وأصبح لكل مجتمع قيمه ومثله الخاصة فليس هناك صورة ثابتة للخير والشر، والحسن والقبح. ويتناقض هذا المنهج الذي سارت فيه الميثودولوجيا الوضعية مع أهم مطلب تحرص عليه المثودولوجيا الإسلامية وهو التسليم بوجود ثوابت لا تقبل التبديل والتغيير، واعتبار تلك القيم قيماً موضوعية ومستقلة عن كل اهتمام شخصي أو ثقافي، واخيرا سجل الباحث تحفظه بل رفضه للتفسير الآحادي الذي يهتم بجانب واحد من جوانب الإنسان ويغفل الجوانب الاخرى، ودعا إلى النظرة الشمولية التي ترى الإنسان كلاً متجانساً وليس وحدات مجزّأة كما هو عليه المنهج الاسلامي. ولم تغفل الدراسة نقاط الاتفاق بين المنهج الوضعي والمنهج الاسلامي، ولم تعتبر المنهج الاسلامي نفياً للمنهج الوضعي. وعقدت جدولاً للمقارنة وتوضيح نقاط الاتفاق والاختلاف بين المنهجين.

    وأنهى المؤلف بحثه بملحق خاص قدّمه كمنهج لدراسة التراث الاجتماعي في الإسلام ويهدف هذا المحقق إلى تقديم تصور منهجي لكيفية التعامل مع التراث الاجتماعي الاسلامي كما يهدف الملحق إلى تحديد بعض المعالم التي من شأنها ان تعين الباحث المسلم على تمييز ما هو اسلامي حقاً عما هو دخيل على الإسلام في تراثنا الاجتماعي.

    ____________________________________

    1- سورة الحجرات. 13.

                  

10-22-2006, 05:19 AM

wedzayneb
<awedzayneb
تاريخ التسجيل: 03-05-2003
مجموع المشاركات: 1848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إستعراض أهمّ مرجع تأسيسي في علم الإجتماع الإسلامي: " منهج البحث العلمي بين الوضعيّة و (Re: wedzayneb)

    Up
                  

10-23-2006, 04:33 PM

wedzayneb
<awedzayneb
تاريخ التسجيل: 03-05-2003
مجموع المشاركات: 1848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إستعراض أهمّ مرجع تأسيسي في علم الإجتماع الإسلامي: " منهج البحث العلمي بين الوضعيّة و (Re: wedzayneb)

    up
                  

10-23-2006, 07:52 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إستعراض أهمّ مرجع تأسيسي في علم الإجتماع الإسلامي: " منهج البحث العلمي بين الوضعيّة و (Re: wedzayneb)

    الأخ ود زينب كل عام وانت بخير وربنا يحقق لك الأمال والأمانى ولك من الدعاء....أما بخصوص الموضوع فخيرا فعلت جئت به فففيه دسامه فلك الشكر ولك السلام............




    منصور
                  

10-24-2006, 04:00 AM

wedzayneb
<awedzayneb
تاريخ التسجيل: 03-05-2003
مجموع المشاركات: 1848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إستعراض أهمّ مرجع تأسيسي في علم الإجتماع الإسلامي: " منهج البحث العلمي بين الوضعيّة و (Re: munswor almophtah)

    أخي و صديقي العزيز منصور:

    كل حول و أنت و أفراد أسرتيك: الصغيرة و الكبيرة، في عافية، و أمن، و رخاء.

    أشكرك جزيلا، أخي الحبيب، علي إطرائك بعرض الأستاذ الموسوي لهذا المرجع الإجتماعي الإسلامي

    ، و الذي رغم جمعه لكثير من المحامد لا أخاله يغني عن الأصل. لذا تجدني أكرّر المناشدة لكلّ

    باحث عن المعرفة الحقّة بإلاقتناء هذا المرجع القيّم الذي أبدع الدكتور محمد محمد امزيان في

    سبكه. و يبقي لنا فضل لفت الانتباه لهذا العمل الفكري القيّم. (أو ما يعرف بأجر المناولة ، في \

    التعبير العربي السوداني الدارج )

    طارق الفزاري

    ود زينب
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de