تحرير الارض ام الانسان، لأيهما الأولوية ؟ الصاوي من جريدة القاهرة الإسبوعية

Quote: تحرير الارض ام الانسان، لايهما الاولويه ؟ عبد العزيز حسين الصاوي كاتب سوداني بعد ان سكتت اصوات المدافع والصواريخ في الحرب الاسرائيلية علي الساحة اللبنانيه يؤمل الا يعود مجري السياسة والفكر العربيين الي دورانه العقيم حول نفسه بتفادي مواجهة المثقفين العرب للسؤال موضوع هذه السطور الذي طرحته هذه الحرب، او بالاحري اعادة طرحه، بصراحه. في ظروف تاريخية لن تتكرر كانت الامة العربية قد حشدت كافة طاقاتها خلف الناصريه لتحقيق توازن استراتيجي عسكري – سياسي دائم مع اسرائيل يمنعها من القيام بأعتداءاتها المدمره ولم تنجح، مع انها كانت اكثر المحاولات قابلية لذلك من حيث درجة الالتفاف الشعبي المصري والعربي حول القياده وتماسك الكيان الوطني ودولته فضلا عن مواتاة الظروف الدوليه. وطوال الفترة منذ عام 1967 بقي درس تلك المحاولة معلقا في الهواء : استحالة الجمع بين الاستبداد الداخلي والانجازات الباقيه القابلة للتطور والتجذر سياسيا او عسكريا او اجتماعيا. وبقي الفلسطينينون واللبنانيون يدفعون الثمن باهظا من حاضرهم ومستقبلهم. بمرور الزمن تحول الدوران حول النفس الي ركود حتي اضحت الدنيا العربية، دنيا الحضارة التي فتحت الطريق للغرب من القرون الوسطي الي عصر التنوير، تنتج امضي انواع المقاومه ضد النهضة والتحضر ممثلة في طوابير لاتنتهي من شباب التكفير الانتحاري. ففي جوهرها هذه الظاهرة ( تطور ) لفكرة تغليب الديموقراطية الاجتماعية علي الديموقراطية السياسيه التي تبنتها النخب القيادية العربية بأسم الوحدة العربية و/ او الاشتراكيه في مرحلة المد القومي والماركسي خلال عقود الخمسينات والستينيات بما ادي الي تجريد الانسان العربي من ملكة النقد واستقلالية الرأي. بذلك ضعفت مناعة النخب العربية العقلية والنفسيه امام الفكر السياسي الديني مما فتح المجال رحبا امام المرحلة الاسلامية التي انجبت هذه النوعية من المقاومات العدميه. الحصيلة هي ان الدنيا العربيه تعقدت لدرجة يتعذر معها علي المرء احيانا مجرد التفكير بالتجرؤ علي فك طلاسمها. لنأخذ، علي سبيل المثال، موضوع الساعة عربيا وهو المقاومه وعلاقتها بالاستناره. العلاقة بين تحرير الوطن والارض من جهه وتحرير عقل الفرد وطاقاته الابداعية من جهة اخري. فيما مضي، في مفتتح القرن الماضي، كانت الاولي تقود الي الثانية بسلاسة ومباشره. في السودان وغيره كانت حركات الاستقلال الوطني ضد الاحتلال هي الوجه الاخر لبوادر حركة النهضة الاجتماعيه والفنية والادبية والفكرية والعلمية الحديثه لان هذه الحركات كانت تحالفا عريضا يضج بالحيوية الفكرية والسياسيه ومفتوحا بذلك للتطور الي الامام. بيئة حاضنة لامكانيات تفتح ديموقراطي طريقا وحيدا نحو عصر تنوير عربي، لعبنا نحن اليساريون القوميون والماركسيون وغيرنا دورا لايستهان به في اهدارها. بيد ان حركات التحرير الان ملتزمة بأيدولوجيات محدده وهي الي ذلك ايدولوجيات شموليه والي ذلك شمولية دينيه بل وطائفيه احيانا. هي بذلك سكة مغلقة سلفا نحو الديموقراطيه بأكثر مما كانت عليه الشموليات ( العلمانيه ). الي متي اذن سنؤجل سؤال الاستنارة فيما يتعلق بالمقاومة الفلسطينيه ( حماس + الجهاد ) واللبنانيه ( حزب الله ) والعراقيه ( بن لادن + الزرقاوي ). هل نحرر الوطن لنجعل منه بعد ذلك محرابا نتعبد فيه لخراب طالباني جميل ؟ لعل الامر لن يصل الي هذا الحد فأقطار الوطن العربي ليست افغانستان ولكن هل يمكننا الامتناع عن التساؤل حول مصير نضال استمر منذ ايام قاسم امين ومحمد عبده لتحرير المجتمع من دونية نظرته للمرأه في صلتها الوثيقة بكيفية تفسير النصوص الدينية، اذا لاحظنا ، علي سبيل المثال، ان احد الجوامع بين هذه المقاومات هو الارتداد لاعتبار شعر المرأة وذراعيها عوره ؟ والقول الاعم وراء هذا السؤال هو : هذه المقاومات حركات عقائدية مغلقه لها فهمها الخاص للدين والديموقراطيه والمرأة والموسيقي ومايأكل المسلم ومايلبس و..و.. ومن واجبنا ان نشير الي خطورة هذه الافكار بأصابعنا العشره قبل ان نمنحها تأييدنا مهما كانت قداسة قضية التحرير التي تتصدرها وحجم التضحيات التي تقدمها. حزب الله اللبناني، اكثر هذه المقاومات العربية بروزا من حيث الانجاز التحريري لارتباطه بخروج اسرائيل من الشريط الحدودي عام 2000، هو بالوقت نفسه الحركة التي بدأت هذه المهمة بالتصفية، العنفية احيانا، للمقاومات اللبنانية الوطنية والشيوعية كما انها تبني علي ارض جنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبيه مجتمعا وراءه عقيدة " ولاية الفقيه " التي هي النسخة الخمينية لعقيدة ظل الله علي الارض التي حكمت اوروبا القرن الخامس عشر وماقبله. الشيخ حسن نصر الله، هذه الكريزما التي تمشي علي قدمين، هو النقيض الفكري للمرجع اللبناني الشيعي المتفتح الشيخ حسن فضل الله بالضبط حول هذه النقطه... فمن القاب الامين العام لحزب الله انه الوكيل الشرعي لاية الله علي خامنئي في لبنان ويتضمن ذلك الالتزام بأوامر " قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه وتتجسد في روح الله اية الله الخميني " كما ورد في بيان للحزب بتاريخ 16 فبراير 1985. محمد خاتمي حاول التململ علي هذه العقيده ولكن قبضة تلاميذ الخميني وخلفائه علي عقول الناس التي تركها لهم المثقفون الايرانيون تحت ضغط شعار " لاصوت يعلو فوق صوت المعركة ضد الاستكبار "، المصحوب بضغوط قمعية مباشره، هزمته فتراجع وتراجع حتي وصلت ايران الي احمدي نجاد الذي بدأ حياته الرئاسيه بتقبيل يدي خامنئي. " صوت العقل يعلو فوق اي صوت اخر ". اذا لم يقلها المثقفون العرب الان في اصعب الظروف واكثرها حاجة للشجاعة الادبيه فمتي سيقولونها؟ الحرب الوحيدة الجديرة بتأييد مطلق دون اسئله هي تلك التي تضئ طريقنا اليها الاستفادة من درس حروبنا السابقه وهو استحالة الفصل بين تحرير الارض وتحرير الانسان في استراتيجية مواجهة اسرائيل. بدون ذلك يبقي الانتصار في معركه او اخري ممكنا ولكنه يغدو وصفة لخسارة حرب النهضه الحضارية بما فيها العسكريه علي المدي الابعد. -------------------------------------------------------- كاتب سوداني له عدد من المؤلفات حول قضية الهوية والازمة السودانيه وحول معضلات الحركة القوميه. سبق ان نشرت له القاهره بعض المواد اخرها حول جون قرنق. Tel/fax 442073701502 e- mail [email protected]