محمد سليمان عبد الرحيم لله درك على هذا المقال!!!! الشرف المصون والخيارات القاسية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-14-2024, 01:43 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-15-2006, 02:22 PM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محمد سليمان عبد الرحيم لله درك على هذا المقال!!!! الشرف المصون والخيارات القاسية



    الشرف المصون والخيارات القاسية
    تشيخوف مرة سادسة
    محمد سليمان – الدوحة
    [email protected]

    قبل أقل من سنة، رحلت عن عالمنا روزا باركس، الخياطة الأمريكية السوداء، التي رفضت ذات مساء من عام 1955، وهي تستقل الحافلة عائدة لمنزلها بعد يوم طويل ومضن من العمل، أن تخلى مقعدها لرجل أبيض، كما كانت تقضي بذلك قوانين ولاية ألباما. رفضت روزا أن تقوم من مقعدها ولكنها أقامت أمريكا ولم تقعدها، وأشعلت بموقفها ذلك حركة الحقوق المدنية التي غيرت وجه أمريكا تماماً، ولم تعد أمريكا بعدها كما كانت من قبلها أبداً. فيما بعد، قالت روزا "حينما أمرنا ذلك السائق الأبيض أن نخلي مقاعدنا، أحسست بالإصرار يدثرني كلحاف في ليلة برد قارس". روزا باركس قالت كفى، وفي قصتها يهتم الناس بالمولود الذي أنجبه قول "كفى"، أما في "هرج" فإن تشيخوف يستعرض المخاض الصعب والطلق القاسي الذي يسبق ويصاحب قول "كفى".

    في "هرج" تعود ماشنكا، الفتاة الرقيقة المهذبة، ابنة المدرس، من نزهتها القصيرة إلى القصر الفخم حيث تقيم وتعمل كمربية، لتفاجأ بضجيج وصراخ غاضب وشتائم وخدم مضطربين، فتسرع إلى غرفتها لتجد ربة المنزل فيدوسيا فاسيليفنا تفتش حقيبة يدها، وشكل الغرفة كله يوحي بأنه قد تم تفتيشها تفتيشاً دقيقاً. تخرج السيدة من الغرفة على عجل، وتترك ماشنكا منهارة تماماً تتساءل "ماذا فعلت وأي جرم ارتكبت حتى يحدث لي هذا؟" تجيبها إحدى الخادمات بأن السيدة قد فقدت بروشاً ثميناً، وأن الجميع قد تم تفتيشهم بل وبعضهم تم تجريده من ملابسه. تتساءل ماشنكا غاضبة "ولكن أنا لم أسرق بروشها، هذا مهين، بأي حق تشك في وتفتش أغراضي؟" فترد الخادمة بهدوء "لأنك تعيشين عند الغير، رغم أنك آنسة إلا أنك هنا مثل الخادم .. هذا ليس مثل العيش مع بابا وماما." ترتمي ماشنكا على سريرها وتبكي بحرقة، لماذا يهينونها هكذا، لماذا يرتابون فيها؟ وتطوف بخاطرها كل الهواجس والاحتمالات السيئة، وتظل هكذا حتى تسمعهم يدعونها للغداء.

    على طاولة الغداء، وفي جو متوتر، يحاول الزوج نيقولاي سيرجيتش وطبيب المنزل تهدئة خاطر فيدوسيا "فلننس البروش، الصحة أهم وأغلى من كل النقود"، فتجيب بفظاظة "لست آسفة على البروش ولا على الألفي روبل، ما لا أطيقه هو هؤلاء اللصوص، أنا لا أبخل عليهم بشيء فلماذا يسرقوني؟ لماذا الجحود؟" ويخيل لماشنكا أن السيدة تعنيها مباشرة بذلك الكلام، فتحس بالغصة تخنقها، وتبدأ في البكاء، ثم تعتذر وتهرع إلى غرفتها. وبينما سيرجتش يعاتب زوجته ممتعضاً يعلو صوت الزوجة ويبلغ مسامع ماشنكا "هل تستطيع أن تضمنها؟ أنا بصراحة لا أصدق هؤلاء الفقيرات المثقفات". في الغرفة تعتمل في صدر ماشنكا شتى الانفعالات، لم تعد تحس بالخجل أو الخوف وإنما أخذت تنتابها رغبة قوية في أن تصفع تلك المرأة المتغطرسة البليدة، ولوهلة حلمت بكم كان سيكون جميلاً لو كان لديها المال لتشتري أغلى بروش وتلقي به في وجهها، ثم تستيقظ من حلمها على خيار واحد، أن تترك هذا البيت، لن تبقى هنا ساعة واحدة بعد الآن، صحيح أنه من المخيف أن تفقد الوظيفة، وأن تعود إلى أهلها الفقراء وهي لا تملك شيئاً، ولكنها لم تعد تطيق البقاء هنا، فقفزت من السرير وبدأت ترتب حقيبتها.

    يستأذن سيرجتش في الدخول، ويسأل بدهشة مصطنعة "ما معنى هذا؟" فتجيب "لم أعد أستطيع البقاء في داركم يا سيدي، لقد كان التفتيش إهانة بالغة لي". يحاول سيرجتش تخفيف الأمر عليها "نعم، ولكن التفتيش لن ينقص منك شيئاً"، وتستمر ماشنكا في تجميع أشيائها، فيحاول تبرير الأمر "أنت تعلمين أنها عصبية، غير متزنة، ولكن لا داعي للقسوة في الحكم". وإذ يشعر بأنها لا تعبأ بما يقول، يبدأ في تقديم الاعتذارات، أولاً عن نفسه، ثم عن زوجته وباسمها "لقد تصرفت بعدم لباقة، وأنا أعترف بذلك كنبيل"، ولكنها تتجاهله، فيستمر "إذن أنت تريدين مني أن أشعر بوخز الضمير .. هل تريدين مني أن أركع أمامك؟ نعم أهينت كرامتك، ولكن أنا أيضاً لدي كرامة وأنت لا ترحمينها، هل تريدين مني أن أقول ما لا يقال إلا على كرسي الاعتراف؟ اسمعي إذن، أنا الذي أخذت البروش من زوجتي .. هل ارتحت الآن؟ ولكن أستحلفك .. أطمع في شهامتك .. لا تخبري أحداً." تسرع ماشنكا في جمع أشيائها وهي حالة دهشة وذعر كاملين. ويواصل سيرجتش "نعم، لا تندهشي، كنت بحاجة للنقود، وهي لا تعطيني شيئاً، لقد أخذت مني كل شيء، هذا المنزل وكل ما هنا هو ثروة والدي، البروش كان ملك أمي، لقد استولت على كل شيء .. هل تبقين .. سامحك الله .. أنا أحب أولئك الذين ما زالوا قادرين على الشعور بالغضب .. إذن لن تبقي .. مفهوم .. أنت محظوظة أما أنا .. لو ذهبت فلن يبقى في هذا البيت وجه إنساني واحد .." تهز ماشنكا رأسها نفياً، وبعد نصف ساعة كانت في الطريق.

    قبل أن نلحق بماشنكا في الشارع، نبقى قليلاً مع السلطة، هذه السيدة البدينة، بليدة الإحساس، عريضة المنكبين، حادة التقاطيع، بحاجبين أسودين كثيفين وشارب خفيف وذراعين حمراوين، وهي تلتهم غداءها، بعد أن نهبت وصادرت كل شيء، القصر والمجوهرات والضياع، وتتحدث بأعلى صوتها عن اللصوص وعن الجحود ومكارم الأخلاق. إنها لا تعبأ، كما قالت، بالقانون وما إذا كان يعطيها حق تفتيش الناس أم لا، ولكنها تعرف فقط أنها فقدت البروش، وتعرف أنها ستجده مهما كلف الأمر. كما نعرج قليلاً على السيد سيرجتش، هذا "النبيل" الذي رضي بالعيش متسولاً في بيته، وبأن يقتات من الفتات الذي يلقى له من حين لآخر، حتى انتهي الأمر به لسرقة بروش أمه من زوجته، التي لم تنهب قصره وماله وضياعه فحسب، وإنما صادرت كرامته ومسخت إنسانيته وكسرت إرادته، وهو يستجدي ماشنكا ويتوسل إليها ألا تفضح عجزه الماحق وسقوطه الداوي .

    تخرج ماشنكا إلى الشارع، وإذ تقترب منا تكبر، وتتسامى، ويعلو وقع خطواتها كأناشيد النصر، حرة أخيراً، بينما القصر الفخم الضخم من خلفها يصغر ويتضاءل حتى يكاد يطبق على ساكنيه ويصبح قبراً. وفي الشارع آلاف "الماشنكات" البسيطات الطيبات، وضيئات الوجه طاهرات السريرة، نقابلهن يومياً في الحافلات والدفارات والركشات وعلى أرجلهن، بائعات الشاي والكسرة، العاملات في المكاتب والمستشفيات والمدارس، خدم المنازل والفراشات وغيرهن، ممن يستيقظن قبل شروق الشمس ويعدن إلى بيوتهن بعد مغيبها، معهن قليل مما يقيم الأود وكثير مما يثير الأحزان، قليل من المال وكثير من "الكشات" والقوانين وأوامر النظام العام والاضطهاد والقهر. هؤلاء "المثقفات الفقيرات" هن اللائي يثرن حنق السيدة فيدوسيا، ويستصدرن قرارات السلطة بحرمانهن من العمل في محطات الوقود والكافتيريات صوناً لشرف "النبيل" المراق على جوانبه الفساد والجشع. إنهن اللائي حينما يهجع الجميع، يبقين وحدهن في الظلام وفي صمت يكابدن الخيارات المرة والقاسية، الدواء أم مصاريف المدرسة؟ اللبن أم إيجار الغرفة؟ الشرف أم السقوط؟ ثم يجمعن أشياءهن البسيطة في أكياسهن الممزقة، وبعد نصف ساعة يكن في الطريق.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de