كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
|
 ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف
|
تناولت صحيفة صنداي تايمز اللندنية قبل وقت مضى بالتحليل مقالاً كتبه ريتشارد إيلمان، وهو أول أميركي يعتلي كرسي الأستاذية في الأدب الإنجليزي بجامعة أكسفورد ( من 1970 إلى 1984). وأكثر ما يشتهر به هذا العالم الأمريكي هو كتاباته المتعمَقة عن رواد الحركة الأدبية الانجليزية من الايرلنديين ومنهم: الروائي أوسكارد وايلد والشاعر ييتس والروائي جيمس جويس والمسرحي صمويل بيكيت (حيث تحدث عن كل واحد منهم بإسهاب في كتابه: رجالات دبلن الأربعة Four Dubliners كما كان لإسهامات هذا العالم فضل كبير في إزالة الغموض الذي كان يلازم لفترة طويلة رواية عوليس Ulysses المثيرة للجدل والتي ألفها جيمس جويس وهو يعاني من ضعف في نظره فاعتمد على سكرتيرته في كتابة ما كان يمليه عليها مما جعل بعض النقاد يرون أن الرواية في بعض فصولها لا تمت للمؤلف بصلة.
ونسبت الصحيفة للبروفيسور الأمريكي قوله إن كارولين أسبرجن كانت ضمن فئة من النقاد الذين يرون أن الشعراء الميتافيزيقيين هم أول من أدخل الفكر في القصيدة. بمعنى أن الاعتقاد السائد قبل مجيء هؤلاء الميتافيزيقيين كان يذهب إلى أن الفكر غريب على القصيدة. وأن الشاعر لم يكن يفكر بل كان يدع لمشاعره وعواطفه أن تنساب، وإذا ما فكر ترك لها أن تفكر نيابة عنه! وأن هذه المشاعر والعواطف، وحتى الصور التي تحمل شيئاً مما يمكن تسميته "فكرياً" لم تكن تعني في داخلها أكثر مما هو في ظاهرها! إلى أن جاء الشعراء الميتافيزيقيون.
كارولين أسبرجن ناقدة إنجليزية مشهورة كتبت نحو أحد عشر مؤلفاً جلها عن شكسبير. وذاع صيتها على وجه الخصوص بعد مؤلفها الذي نشر في يناير من عام 1989 بعنوان: المجاز وأبعاده لدى شكسبير. ففي هذا الكتاب تناولت كارولين صور شكسبير بالتحليل وسعت إلى توصيف سيرته الذاتية ووجدانه ومعاناته وميوله من خلال اختياره لصور معينة في أعماله. ولعل شكسبير نفسه يسهّل المهمة على من تصدى لهكذا مهمة ففيما تحفل أعماله بالصور الخيالية والتشبيهات الثرية نجد أن المعروف عن حياة شكسبير الخاصة والعامة ضئيل جداً.
في سوق الأدب قال بعض النقاد إنها أصابت كبد الحقيقة حين فسرت على سبيل المثال صور الفيضان عند شكسبير على أنها ذكريات عن فيضان نهر أفون الذي أمضى طفولته على ضفافه. فالمعروف عن هذا النهر الواقع في شمال نورثامبتونشير في وسط إنجلترا إنه كان ولا يزال نشط الفيضان، وكان هذا على حد زعم الناقد سبب إكثار شكسبير في استخدام الفيضان لظواهر أخرى، وتقول إننا نرى تلك الصورة المستوحاة من الفيضان والتي مردها إلى طفولة شكسبير في مسرحية عطيل حين يقول على لسان عطيل:
إن حزني أنا قد فاض
وطغى عالياً ونضح
فابتلع كل أحزان الناس
فلم ينقص بل ظل كبيراً
(يتبع)
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف (Re: الزاكى عبد الحميد)
|
(2)
يبدو أن الناقدة، انجرفت مع تيار تلك الفئة من النقاد، فأطلقت حكمها الشمولي الإطلاقي هذا على الشعر الإنجليزي قبل الميتافيزيقيين. وهو الحكم الذي رفضه البروفيسور الأميركي جملة وتفصيلاً لخلوه من الموضوعية وجنوحه إلى الغلو في الإنتقاد.
ولعل كثيرين يشاطرون العالم الأميركي رأيه،. ذلك أن ما ذكرته الناقدة كارولين أسبرجن يثير في حقيقة الأمر مشكلة الحد بين الشعر والنظم. وكيف نميز أحدهما عن الآخر، وما هي المقادير التي يجب توافرها في الشعر من الفكر حتى يعد شعراً أو نظماً تعليمياً. وهل أن التمييز بينهما يكون عن طريق حجم الفكر في الشعر أم عن طريقة الشاعر في التعبير عما لديه من أفكار بطريقة شعرية؟
على أن الثابت هو أن النشاط الإبداعي مهما كان نوعه منذ أقدم عصوره الموغلة في التاريخ لم يكن يخلو من مغزى إنساني أو فكرة دالة. فالأسطورة والحكاية والخرافة المروية شعراً أو نثراً لم تكن تخلو من هذا. ولعل الأصح أن يقال إن الإنسان الأول في فجر حياته، كان يفكر ويتأمل ويصوغ رؤاه من خلال الأسطورة أو الحكاية هذه.
فقصص الموت والبعث والخلق والقصص التي تجسد عقاب الإنسان بالأوبئة مهما تلبست بمظاهر الخرافة فإنها تمثل ضروباً من الفكر المتأمل والذي يربط الأسطورة بالواقع.
أما القول بأن الميتافيزيقيين هم أصحاب القدح المعلى فيما للشعر من حظ في الفكر فهو قول مردود. إننا لا ننكر إسهامات الميتافيزيقيين في إعمال الفكر في قصائدهم أكثر من غيرهم، ذلك أن أغلب شعرهم يتناول العبادة أو التصوف ومن أهم مميزات شعرهم أنه لا يعتمد إلا قليلاً على إثارة عواطف القراء بالصور الوجدانية المألوفة بل يتعمق دائماً في المعاني والاستعارات والتشبيهات بحيث يضطر القارئ إلى أن يكون واسع الثقافة وحاد الفطنة لكي يصل إلى أعماق الصور الشعرية المعقدة غير المألوفة. ولعل الإجابة عن سؤال من هم الشعراء الميتافيزيقيون- يلقي ضوءاً على هذه الاشكالية.
إن المفهوم السائد لدى عامة الناس: أن الميتافيزيقا تعني ما وراء الطبيعة لهو مفهوم يعتبر سطحياً وساذجاً لدى علماء الفلسفة، ويوشك الرأي الفلسفي في طبيعة التفكير الميتافيزيقي أن يكون على إجماع بأنه ذلك التفكير الذي لا يقف في تعليله لما يتصدى لتعليله عند مصادره القريبة، بل يمعن في الغوص وراء تلك المصادر القريبة حتى يبلغ أقصى ما يمكن بلوغه.
ويقول الدكتور زكي نجيب محمود إن النظر في العلل القريبة متروك للعلوم، فإذا كان علم الأحياء مثلاً يكفينا لتفسير التكاثر – كائناً حياً من كائنٍ حيٍ كيف يتم- فإن الفكر الميتافيزيقي لا يكتفي بهذا المصدر القريب بل يغوص بفكره خطوة وراء خطوة ليعرف ما الحياة نفسها.
وهناك نوعان من الميتافيزيقا: الميتافيزيقا التأملية ورائدها هو الفيلسوف الألماني هيغل والميتافيزيقا النقدية ورائدها هو الفيلسوف الألماني أيضا كانط.
(يتبع)
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف (Re: الزاكى عبد الحميد)
|
(3)
أما الشعراء الميتافيزيقيون فهم ستة شعراء إنجليز عاشوا في القرن السابع عشر وهم جون دون وجورج هربرت واندرو مارفيك وهنري فوغان وتوماس ترهبرن وريتشارد كراشو. ويتميز شعرهم بالمهارة الفنية والقوة الفكرية والاعتماد على السخرية والتنافس الظاهري والطباق والشدة الدرامية في التعبير والاهتمام بالتحليل الداخلي لدوافع النفس.
ففي قصيدته أنا عالم (بفتح اللام) صغير خلق ببراعة
I am a little world
Made cunningly يقول دون إن الشعر الذي يتأمل بجدية في الكون هو وحده الذي يسهم في تحرير الإنسانية من عيوب الضعة والهوان ويزرع فيها بذور الألفة ومحبة الله. وغالباً ما نجد الموصوف الطبيعي في شعر دون قد ارتقى في سلم الكائنات فلم يبق كائناً جامداً بل غدا إنساناً متمتعاً بخصائص الإنسان من تعقل ونطق ورهافة شعور. ويتضح هذا الأسلوب بجلاء في قصيدتين كتبهما دون في رثاء صبية تدعى اليزابيث دوري توفيت عن خمسة عشر عاماً وهما قصيدتا "تشريح الكون" و "تسامي الروح".
أما القصيدة العربية القديمة ومضمونها الفكري فلعلنا من خلال نظرة متأملة فاحصة على بعض القصائد ندحض ما ذهبت إليه كارولين أسبرجن.
فلامية العرب (وشاعرها الشنفري عاش قبل الميتافيزيقيين بألف عام ويزيد) التي تعد واحدة من أشهر نتاج الشعر الجاهلي لا تخلو بأي حال من الأحوال من مغزى فكري. ما نواجهه في اللامية هو: مذهب شعري مستقل. ففي حين يجعل الشاعر الجاهلي وصف الطبيعة من الجبال والفيافي وغيرها غرضاً مقصوداً لذاته. يتخذ شاعر اللامية هذا الوصف بمثابة منظر أساسي بهيج لتصوير الإنسان نفسه وأعماله.
فتصوير الإنسان لا يكون ما لم يصاحبه إعمال للفكر. فبداية قصيدة الشنفري بداية متمردة على منطق المألوف الذي ألفه السلوك المنطقي العادي: ففي البيت الأول من القصيدة يقول الشنفري:
أقيموا بني أمية صدورَ مطيِّكُم فإنِّي إلى قومٍ سواكُم لأَمْيَلُ
فالذي يريد الرحيل هو الشاعر وهو الذي ينبغي أن يقام له صدر مطيته استعداداً لذلك الرحيل أما القوم فهم المقيمون المرتحل عنهم. ومن ثم فمن المنطقي أن تظل نياقهم نياخاً لكن الشاعر بعثر أوراق المفاهيم الثابتة تمهيداً لبعثرة مفاهيم الوحشية والأنس التي حكمت علاقة الكائن بالجماعة المحيطة به في دوائرها المتتالية بدءاً من القبيلة الأم وإلى القبيلة المعادية. ثم إلى إتحاد هذه الدوائر على تناقضها أحياناً، ضد دائرة أوسع هي دائرة الحيوان المستأنس أو المتوحش كما يقول الدكتور أحمد درويش في كتابه متعة تذوق الشعر.
يقول الشنفري:
ولي دونكم أهلون: سيّدً عَمَلَسٌ
وأرقطُ زهلولٌِ، وعرفاء جيألُ
هم الأهلُ، لا مستودعُ السرِّ ذائعٌ
لديهم، ولا الجاني بما جرَّ يُخْذلُ
إن أهله الجدد هم ذئب قوي (سيد عملس) ونمر مرقط (أرقط زهلول) وضبع كثيف الشعر (عرفاء جيأل). إن القانون المتوازن الذي يحكم حياة هذا التجمع الجديد، يشكل مفهوم الحرية في الثورة على السلوك الجائر للجماعات البشرية المحيطة بالشنفري. فالسر محفوظ بين الجميع، والجماعة تحمي الفرد.
هل من الممكن بعثرة أوراق المفاهيم الثابتة دون أن تعمل فكرك في ماهية هذه المفاهيم نفسها؟
وها هو طرفة بن العبد في معلقته يقول:
:
ذريني أروي هامتي في حياتها مخافة شرب في الحياة مصرد
كريم يروي نفسه في حياته ستعلم إن متنا غدا أينا الصدى
أرى قبر نحام بخيل بماله كقبر غوي في البطالة مفسد
ترى جثوتين من تراب عليهما صفائح صم من صفيح منضد
إن طرفة (الذي سبق الميتافيزيقيين أيضاً بأكثر من عشرة قرون) يضعنا من خلال الأبيات المتقدمة أمام مشكلة الحياة والموت وهي مشكلة فلسفية شغلت الشعراء والفلاسفة أنفسهم فانقسموا فيها مذاهب وواضح أن مذهب طرفة هو مذهب من يريد أن يروي هامته في الحياة خوفاً من عطش في الممات ذلك أن طرفة كما يبدو لم يكن يرى بعد الحياة من حياة وأن الموت قد ساوى في ديمقراطية عجيبة بين الجميع: الأغنياء والفقراء فكلهم جثوة اليوم أو غد.
ولعل الفكرة التي يطرحها الشعراء الصعاليك في أشعارهم تكاد تكون مشروع حياة وضرباً من السلوك، فعروة بن العبد يميز بين صعلوك وصعلوك: صعلوك خامل همه أن يجد ما يملأ بطنه، فإذا ملأ بطنه فذاك هو الغنى والقناعة، ليس بصاحب إدلاج ولا غزو ولا مروءة. وصعلوك آخر هو الذي يرى عروة نموذج الصعلوك الذي كانه وكانه رفاق آخرون له في الصعلكة إلى حد ما. هذا الصعلوك ليس همه أن يشبع نفسه ويستر عرضه، بقدر ما هو صاحب مروءة، همه أولاً أن لا يترك أخوانه للجوع والموت:
ولا يستضام الدهر جاري ولا أرى كمن بات تسري للصديق عقاربه
وإن جارتي ألوت رياح ببيتها تغافلت حتى يستر البيت جانبه
وقد كانت المشكلة الأساسية التي حسمت عند عروة أموراً عدة، هي مشكلة الفقر. فقد رأى في الفقر عدوه، وعدو الناس جميعاً، ومبرراً، لأن يطرح الإنسان نفسه كل مطرح:
ومن يك مثلي ذا عيال ومقتراً من المال يطرح نفسه كل مطرح
لقد أجادت كارولين اسبرجن حين أماطت اللثام عن بعض جوانب شخصية شكسبير من خلال أعماله وتبوأت بذلك مكانة أدبية سامقة لم تتأت للكثيرين ولكن منحها الميتافيزيقيين أكثر مما يستحقون مع تلك الفئة من النقاد حاد بها عن طريقها المألوف..
فربَّ مخطئةٍ من الرامي الذَّعَّاف.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف (Re: الزاكى عبد الحميد)
|
Quote: إن المفهوم السائد لدى عامة الناس: أن الميتافيزيقا تعني ما وراء الطبيعة لهو مفهوم يعتبر سطحياً وساذجاً لدى علماء الفلسفة، ويوشك الرأي الفلسفي في طبيعة التفكير الميتافيزيقي أن يكون على إجماع بأنه ذلك التفكير الذي لا يقف في تعليله لما يتصدى لتعليله عند مصادره القريبة، بل يمعن في الغوص وراء تلك المصادر القريبة حتى يبلغ أقصى ما يمكن بلوغه.
|
صديقي الاستاذ الحصيف / الزاكي عبد الحميد
لقد شفيت غليلي بتقديمك لهذا التعريف لمفهوم الميتافيزيقيا فللاسف التعريف السائد عندنا هو ان الميتافيزيقيا تعادل الغيبيات او عالم الغيب تحديدا وهذا التعريف يهدر كل قيمة لهذا المصطلح . و بهذا المعني ان الشعراء الميتافيزيقيين هم الشعراء الذين يغلب على شعرهم التامل الفكري . لذلك كنت في كتاباتي عن جاك دريدا احرص دائما على التشديد على ضرورة تصحيح فهمنا لدلالة المصطلح على النحو الذي اتيت انت به هنا فبدون ذلك سوف نضل ضلالا بعيدا عن الفهم الصحيح لاستراتيجية التفكيك عند جاك دريدا .
وكان الشاعر ت اس اليوت قد اعاد اؤلئك الشعراء الميتافيريقيين في القرن السابع عشر الى دائرة الضوء من جديد ، واعلن عن تاثره بهم وجريا على طريقته صار كل الشعر الحديث ميتافيزيقي بمعنى انه شعر تاملي اكثر منه غنائي او عاطفي .
__________
* هذه الصورة التي تظهر هنا على اليمين ليست لي ولا اعلم من وضعها .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف (Re: Agab Alfaya)
|
صديقي العزيز الأستاذ عبد المنعم
جزيل الشكر على التعقيب..هؤلاء الميتافيزيقيون لعبوا دوراً هاماً
في تطور الشعر الانجليزي..وأثروا على عدة حركات شعرية أتت بعدهم..
**
من محاسن الصدف أن الصورة التي أشرت إليها هي لصديق عزيز مثلك..اسمه أيضًاً (عبد المنعم) خليفة خوجلي من الاقتصاديين الكبار.. أما كيف جاءت فعلمي علمك..وربما كانت (صدفة) خيرا من ألف ميعاد كما يقول أهلنا الطيبون لتصبح بداية معرفة بينكما عبر هذا المنبر الرائع..
لك شكري ثانية وكثير احترامي
الزاكي
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف (Re: الطيب شيقوق)
|
عزيزي شيخ العرب
كثير الشكر على كلماتك الرائعات في حقي..
كما تعلم يا صديقي قال طرفة الكثير من الشعر وله فلسفته في ذلك كما له فلسفته في الحياة:
نَدامايَ بيضٌ كالنجومِ وقينةٌ
تروح علينا بين بُردٍ ومُجْسَدِ
رحيبٌ قِطابُ الجيبِ منها رفيقةٌ
بجَسِّ النَدامى بضةُ المتَجَرَّدِ
إذا نحن قلنا لها أسمعينا انبرت لنا
على رِسْلها مطروفةٌ لم تَشَدَّدِ
طرفة لا تجده في الحوانيت-كما قال طه حسين في شرحه للأبيات أعلاه-ولا هو بالذي ينادم الصعاليك وأخلاط القوم وإنما تجده فيها كريماً ممتازاً، ينادم قوماً كراماً ممتازين أحراراً مثله، كأنهم النجوم وهم لا يحبون هذا الشراب الجاف الخشن وإنما هم أصحاب لهو مترف له حظ من الفن ، فهم يشربون ويسمعون ويستمتعون أيضاً، لهم قينة جميلة حسنة الصوت لا تبخل عليهم بما يحبون من دعابة..
طرفة إذن ليس صاحب لذة غليظة تصدر عن الحس لترضي الحس وإنما هو صاحب لذة رقيقة تصدر عن تفكير وعن فلسفة وعن اختبار للحياة..وقد ظن به قومه مثل هذا الظن فأنكروا عليه إسرافه في اللهو وإتلافه الطارف والتليد..فاجتنبوه وقاطعوه..
وما زال تشرابي الخمور ولذتي
وبيعي وانفاقي طريفي ومتلدي
إلى أن تحامتني العشيرة كلها
وأُفرِدتُ إفرادَ البَعير المعبّد
إلى أن يقول:
أرى قبر نحام بخيل بماله
كقبر غوي في البطالة مفسد
ترى جثوتين من تراب عليهما
صفائح صم من صفيح منضد
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي
عقيلة مال الفاحش المتشدد
إنها لوحة تمثل للمشاهد ما بين قبر البخيل الحريص وقبر الكريم الذي
ينفق (يفسد) ماله ويستمتع بحياته. فهناك تشابه بينهما: كلاهما جثوة تراب عليها حجارة منضدة لا يفرق بينهما أن أحدهما يضم رجلاً قد حرص على ماله فأبقاه وأن الآخر يضم رجلاً قد طابت نفسه عن ماله فأتلفه إتلافاً فالذين يرثون مال البخيل كالذين يرثون إعدام الكريم..لن يستطيعوا أن يغيروا ما بين هذين القبرين من الشبه ولا أن يمحوا ما بينهما من المساواة..
ثم يعود في آخر القصيدة إلى فلسفته التي كان فيها، مجدداً تهوين الحياة وتحقير أمرها وتعظيم أمر الموت وما يصور من اليأس:
أرى الموتَ أعدادَ النفوسِ ولا أرَى
بعيداً غداً ما أقربَ اليومَ من غدِ
ستُبدي لك الأيامُ ما كنت جاهلاً
ويأتيك بالأخبار من لم تُزوّد
الأستاذ الطيب:
بكل تأكيد هناك من هم أدرى مني بفهم قصيدة طرفة وشرحها وأملي
أن لا يبخلوا علينا بعلمهم لتعم الفائدة..
لك شكري ثانية وودي
الزاكي
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف (Re: أبوذر بابكر)
|
العزيز أبو ذر
نسأل الله أولاً أن يوليك بعاجل الشفاء مما ألم بك من سقم..
فقراؤك- وأنا منهم-في شوق لسماع حرفك المكتوب..
إطلالتك على المنبر تعني أن الدنيا ما زالت بخير وأن هناك
أقلاماً لا تملك إلا أن تقرأ لها وأنت لأصحابها شاكر ..
......
هؤلاء الميتافيزيقيون استفادوا كثيراً من الفكر الفلسفي الشرقي –كالذي نادى به أبو حيان مثلاً- فأفادوا البشرية بشعرهم ورؤاهم للكون..
أجد في أشعارهم "نفساً" شرقياً واستمتع بها كثيراً رغم أنها "ترهق"
حين تسبح في فضاءاتها..
ليتك عزيزي ذكرت عنهم شيئاً..
خاتمة:
أشكرك أبا ذر كثيراً على التصويب..
لا أدري كيف قلبت اللام كافاً اللهم إلا إن كان "العتب على النظر"
الشاعر الراحل المقيم الدكتور محمد عبد الحي –كان أستاذ الأدب الانجليزي أيام الدراسة الجامعية وكثيراً ما كان هذا الرجل العظيم يحدثنا-خارج قاعات الدراسة- عن دور هؤلاء الميتافيزيقيين في تطور الشعر الإنجليزي ولكنه لم يذهب ما ذهبت إليه كارولين أسبرجن..
لك ودي وتقديري
الزاكي
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف (Re: الزاكى عبد الحميد)
|
الزاكى العزيز
أجمل التحايا وعالى التقدير
Quote: ليتك عزيزي ذكرت عنهم شيئاً..
|
ليتنى والله أقدر
فأنا لا أريد أن اضع بعض إنشاء أو قليللا من الإنطباع عن هذا أو ذاك
فإن هذا المقام يا الزاكى، يستحق أن نأتى بالمجود من البيان والموثق من المعلومة
وكم كنت أتمنى والله أن استشهد بالكثير من اشعارهم ومقارنتها بغيرها أو بأعمال من تأثر بهم تحديدا، وكل هذا يستلزم النظر فى مواضع وجوده حتى لا يكون الأمر مثلما اسلفت أعلاه، مجرد حديث نظرى لا يخرج من كونه تمجيدا ومدحا وإعجاب، وهذا يتطلب الإستعانة بعديد المصادر والموارد ولا أظن أنه قد بقى شئ داخل هذه الذاكرة الخربة الصدئة كثيرة الثقوب الآن، بعد أن إحتلتها هموم ورزايا أخرى
وربما اسعفتنا الأيام فى قادمها وأتيت غليك بما يليق ببهاء حديثك يا الزاكى وعلو شأنه الجميل
إذن فإنى أطلب العذر والسماح منك، وكلى إستحياء والله يا زاكى
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف (Re: الطيب شيقوق)
|
اخي الزاكي
لطالما نحن في سياق الحديث عن الشعر والادب يسعدنا تماما ان نهتبل هذه السانحة لنبحر معكم في اغنية يا مريا للشاعر الفذ صلاح احمد ابراهيم والتي تغني بها حمد الريح . لقد إستفسرت الاستاذة ليلي المغربي - طيب الله ثرها - عما اذا كان اللقاء بين مريا وصلاح وحمد من قبيل الصدفه؟
لا شك لاخوتنا الاستاذ محمد المرتضى حامد والاستاذ احمد
الشايقي وغيرهم الكثير هنا للمساهمة به معكم.
لكم اطيب الاماني
شيقوق
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف (Re: الطيب شيقوق)
|
أخي الطيب
قصيدة مريا وشاعرها الكبير صلاح
مجال ربما يفيدنا بالحديث فيه إلى -جانب
من ذكرت من الأستاذة الأجلاء-الدكتور
أحمد القرشي وصديقه الدكتور طراوة..
والكرة الآن في ملعب الدكتور أحمد القرشي..
ونحن كلنا آذان وشوق لسماع رأي هذا الرجل الموسوعي..
لك كل الود
الزاكي
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف (Re: الزاكى عبد الحميد)
|
العزيز عادل
التحية لك ثانية والشكر على تعليقك..
أما سؤالك عن الصلة بين الفقرة الأولى وبقية المقال
فأرجو أن أورد الآتي على أمل أن يلقي بعض الضوء
على تساؤلك:
الفقرة الأولى تتحدث عن البروفيسور الأمريكي الذي كتب مقالاً أوردته صحيفة الصدنداي تايمز.
في هذا المقال انتقد هذا العالم الأمريكي ناقدة انجليزية مشهورة اسمها كارولين اسبرجن. كارولين ذكرت أن الشعراء الميتافيزيقيين هم من أدخل الفكر على الشعر..بمعنى أن الشعر قبل مجيئهم لم يكن فيه "فكر"..
أما الفقرات التالية فتتحدث –من وجهة نظري-عن أن الشعر العربي عرف "الفكر" قبل مجيء الميتافيزيقيين بقرون عدة وسقت أبياتاً من الشعر كأمثلة من الشعر العربي الذي يتناول "الفكر"..هي ليست مقارنة بين الشعراء الميتافيزيقيين والشعراء العرب وإنما هو تتبع لأثر "الفكر" في الشعر العربي قبل مجيء الشعراء الميتافيزيقيين..
آمل أن يكون ما ذكر قد أزال ما يكون قد صاحب الموضوع من غموض..
لك ودي واحترامي
الزاكي
| |
|
|
|
|
|
|
| |
الزاكى عبد الحميد
Agab Alfaya
محمد المرتضى حامد
الطيب شيقوق
أبوذر بابكر
Adil Osman
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست