الصادق الشامي: ولا يزال التعذيب مستمرا !

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 02:20 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-03-2006, 06:39 AM

مكي النور

تاريخ التسجيل: 01-02-2005
مجموع المشاركات: 1627

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الصادق الشامي: ولا يزال التعذيب مستمرا !

    ولا يزال التعذيب مستمراً (1)

    شباب في مقتبل العمر عذبوا حتى الموت فما ضعفوا ولا وهنوا وذهبت ارواحهم فداء لهذا الوطن ونذكر منهم د. علي فضل ومنهم من وضع في برميل ملئ بالثلج حتى تجمدت أطرافه وتلفت شرايينه فبترت ساقه ونذكر المحامي عبد الباقي عبد الحفيظ وتعرض الكثيرون لأصناف وأساليب ونماذج من التعذيب لا يقرها ضمير حي ولا دين ولا قيم ولا خلق سوي.
    ونخشي أن تضعف ذاكرة التاريخ وتضيع الحقائق والوقائع الثابتة في خضم الاكاذيب والترهات وصناعة التزييف.
    فبعد فترة وجيزة من استشهاد د. علي فضل سأل الصحفي والكاتب فتحي الضو العقيد يوسف عبد الفتاح في 9/5/1990م عن موت د. علي فضل بالتعذيب في السجن فكانت الاجابة "هذه اشاعات لقد مات بالملاريا".
    ومنذ فترة وجيزة سئل احد قادة النظام عن حقيقة بيوت الأشباح وما كان يمارس فيها من تعذيب جسدي ومعنوي فكانت الاجابة مرة أخرى "هذه إشاعات".
    إن السكوت عن بيان هذه الحقائق يفتح المجال لطمسها ونسيانها ومن ثم ضياعها ولذلك لابد من تعرية وفضح جميع ممارسات التعذيب وكافة أوجه انتهاكات حقوق الانسان ومصادرات الحريات الأساسية توثيقاً واثباتاً وتاريخاً لها.
    لقد قرأنا في الصحف الصادرة خلال الأسبوع المنصرم خبراً عن استمرار نفس وسائل التعذيب لبعض الطلاب في جامعة أم درمان الإسلامية وفي غيرها مما يدل على أن هؤلاء الزبانية لا يزالوا في طغيانهم يعمهون ومما يعني ان السكوت يغري بممارسة هذه البشاعات مرة اخرى وبأساليب جديدة ولذلك رأيت ان أنشر تجربتي اضافة جديدة قديمة لتجربتي د. فاروق محمد إبراهيم وعمار محمد آدم سيراً على نهجهما، وادعوا الآخرين لتوثيق وتسجيل تجاربهم في هذا المجال.
    * معاملة السجون:
    عندما وقع انقلاب الانقاذ كنت مشاركاً في مؤتمر المحامين العرب في سوريا وعند عودتي إلى السودان في 4 يوليو 1989م اعتقلت في مطار الخرطوم لبضع ساعات وبعدها بعشرة أيام تم اعتقالي وحبسي ادارياً لمدة اربعة أشهر بسجن كوبر ثم افرج عني لمدة اسبوع وتم اعتقالي مرة اخرى لمدة أربعة أشهر امضيتها بين كوبر وسجن بورتسودان ثم اعتقلت مرة ثالثة لمدة ثمانية أشهر لقد امضينا تلك المدة بسجن كوبر بأقسامه المختلفة وبسجن بورتسودان.
    وأشهد بأنه طوال الستة عشر شهراً التي امضيتها بين سجني كوبر وبورتسودان كنت وغيري من المعتقلين نتلقى معاملة عادية ولم نسمع أي سباب أو إهانات جارحة أو ألفاظ نابية ولم يقع علينا أي اعتداء وكنا نعامل وتصان حقوقنا وفق لوائح السجن وقد كان ضباط السجون وأفرادها يعاملوننا بكل مودة واحترام طوال مدة الاعتقال.
    تجربة بيوت الأشباح
    صدمة البداية:
    لقد جاء الاعتقال في المرة الثانية بعد منتصف الليل في 10/11/1989م واخذت في عربة بوكس تايوتا وكان معي في نفس العربة المرحوم المهندس/ عبد الله السني والمحامي عبد الرحمن الزين والمهندس عبد الجليل محمد حسين وقد عصبت اعيننا حتى لا نعرف الجهة التي سوف نؤخذ اليها وتوالت علينا الاهانات والضرب منذ بداية الاعتقال فسأل المشرف على الاعتقال المرحوم المهندس عبد الله السني هل لك سكرتيرة وعندما اجاب بالنفي ضربه بمؤخرة البندقية بقوة على صدره ولقد ظل أثر تلك الضربة بارزاً وظاهراً على صدر المرحوم السني حتى فارق الحياة.
    ثم بدأ سيل الاهانات والشتائم والألفاظ النابية دونما مبرر أو أي سبب ولقد تجملنا بالجلد وقوة العزيمة والصبر على المكاره.
    وعندما وصلنا إلى مكان الاعتقال طلب منا ان نقف معصوبي الاعين إلى جوار احد الأعمدة وبدأ الزبانية يركلوننا بأقدامهم وينهالون علينا ضرباً بالأيدي وعندما اعترضت على ذلك ضربني احدهم بسوط على صدري وظهري فما كان مني إلاَّ أن أمسكت ذلك السوط وأخذته منه بقوة تربال وتمكنت من نزعه منه ورفعت العصابة عن عيني فوجدت انه يغطي رأسه بطاقية من صوف تغطي وجهه حتى ذقنه وليس بها سوى فتحتي الأعين وليست بها فتحات للأنف أو الفم وسألني "ماذا تريد ان تفعل لي هل ستضربني" فأجبته بالايجاب وخاطبته بألفاظ حادة يستحقها ولكني وجدت العذر في قوله سبحانه وتعالى:
    "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاً عليما"
    كنا مظلومين ولقد ذهب الرد الحاد ببعض غيظ قلبي وبعد ذلك ارجعت له السوط فاحجم عن ضربي ولم يكررها مرة أخرى وبعد ذلك اجلسنا ولكني ندمت عليها لأن ذلك ليس من طبعي ولا خلقي واجلسنا على الأرض معصوبي الأعين وإذا بمقادير كبيرة من الثلج والمياه الباردة تصب علينا بالجرادل وكان منظراً بائساً ومزرياً ومؤلماً للغاية.
    وقد مكثنا على تلك الحالة باقي تلك الليلة وفي اليوم التالي اخذوني والثلاثة الذين اعتقلوا معي معصوبي الاعين إلى غرفة ضيقة وقفل علينا بابها من الخارج وكنا نشعر بوجود مياه تحت أقدامنا وراوائح نتنه وكريهة وحر شديد.
    وبعد قفل باب الغرفة نزعنا الاربطة عن أعيننا فوجدنا اننا محتجزون في دورة مياه قديمة بها مياه راكدة ولم يكن من الممكن ان نجلس في تلك المياه وهي تغطي حتى منتصف الساق.
    وكان لزاماً أن نباشر في غرفة تلك المياه واخراجها من تحت باب ذلك الحمام القديم وبالفعل نزعنا ما كنا نرتدي من قمصان او عمائم وجلابيب وبدأنا في شطف تلك المياه بغمس ملابسنا فيها ثم عصرها تحت الباب حتى تخرج تلك المياه الآسنة.
    وللاستمرار في هذه العملية كان لابد أن تكون بالتناوب يقوم بها اثنان ويبقى اثنان على جانب لضيق المكان. لقد استمرت تلك العملية لمدة خمس ساعات متصلة وبعد ان انهكتنا وضعفت قوتنا تمكنا من نزح تلك المياه.
    ولضيق الحمام لم يكن من الممكن ان نجلس نحن الاربعة فيه ناهيك عن رقود او راحة واتفقنا على ان نتناوب بأن يجلس اثنان ويقف اثنان وهكذا وقبل أن يبدأ ذلك التناوب سألنا احد الحراس من خارج الباب المغلق "هل تمكنتم من تجفيف ارضية الحمام؟ وعندما اجبنا بالايجاب قال "مبروك ارتاحوا" وخلال دقائق معدودة بدأ تدفق المياه قوياً من ماسورة مكسورة قفلها أو مفتاحها خارج الحمام فقد قام الحارس بفتحه ليعود تدفق المياه لتملأ وتغرق المكان مرة أخرى.
    رغم مرور هذه السنوات الطوال التي تزيد على الست عشر عاماً لا يزال ذلك الشعور بالغيظ الكظيم العميق والألم الممض ينتابني ويؤرقني بسبب تلك التصرفات المهينة واللا انسانية واقسم وقتها لو كنا تمكنا منه وقتئذ لقضى احدنا على الآخر.
    ورغم شعورنا بالألم والمهانة والغيظ إلاَّ اننا قررنا عدم (شطف) المياه مرة أخرى حتى لا تتكرر العملية ويعاود فتح الماسورة وتصبح امر مسلياً له ومتلفاً لأعصابنا.
    وأمضينا ليلتنا تلك والجميع وقوف وظل الحال هكذا حتى عصر اليوم التالي.
    واكتشفنا في تلك الليلة ان اي انسان له قوة كامنة هائلة ان فجرها صار في مقدوره ان يتغلب على اصعب واقسى الظروف وان يتعايش معها هل يصدق احد ان يقوى شخص على الوقوف وتحته مياه ترتفع حتى منتصف ساقيه يقاسم ثلاثة أشخاص آخرين ذلك الحيز الضيق ويغفوا غفوة هي بين منزلتي النوم والصحو.
    وفي عصر اليوم التالي فتح احد الحراس الباب وسمح لنا (بشطف) تلك المياه وتنظيف الحمام، وبعد تجفيفه قمنا بعد بلاطات الحمام الصغيرة وكانت تسع بلاطات طولاً وخمس بلاطات عرضاً أي أن مساحة دورة المياه التي حشدنا فيها كانت متراً مربعاً ونصف المتر.
    ولقد مكثنا في ذلك المرحاض الشديد الضيق المقفل بابه من الخارج بلا منفذ للتهوية سوى (شباك) جد صغير في أعلاه طوال مدة اعتقالنا في بيت الأشباح ذاك لمدة شهر كامل.. وهؤلاء الزبانية الطغاة يسومونا سوء العذاب ضرباً وركلاً بالأقدام وألفاظاً نابية وجارحة وكل ذلك بغياً وعدوا.
    الطعام والشراب:
    في حوالي الخامسة من عصر اليوم التالي احضروا لنا اربعة (سندوتشات) من الفاصوليا وكانت مليئة بمقادير كبيرة من (الشطة) وعندما اعترضنا على ذلك قالوا هذا طعامكم لكم أن تتناولوه او تتركوه فقمنا بإخراج الفاصوليا وأكلنا ما تبقى من الرغيف.
    ولقد ظل موعد تناول تلك الوجبة الوحيدة ثابتاً طوال شهر قضيناه في بيت الأشباح وظل الطعام هو الفاصوليا الملغومة بالشطة التي تراكمت بقاياها داخل المرحاض مما جعل لها رائحة نتنة تأذينا منها وتعايشنا معها.
    أما عن مياه الشرب فحدث ولا حرج ذلك إننا طوال تلك الفترة لم نشرب إلا من ابريق وضع في دورة المياه التي كان يسمح لنا بالذهاب اليها مرة واحدة في اليوم وهو لم يكن من نوع أباريق البلاستيك العادية وإنما كان علبة من الصفيح او شيء من هذا القبيل ضغطت في وسطها وتركت بها فتحتان من الجانبين مثل النوع المستعمل في الخلاوي والأسواق الشعبية وهو أبريق صدئ وفي مكان ملوث وكنا نشرب منه مرة واحدة في اليوم.
    وبدأ أذى الحرمان من الأكل والشرب إلى أن فقدت شخصياً ثلاثين كيلو جراماً من وزني خلال شهر واحد ورب ضارة نافعة.
    قضاء الحاجة:
    وإذا كان للوجبة الواحدة موعداً ثابتاً فلم يكن لقضاء الحاجة مرة واحدة في اليوم موعد يحدد الحاح الحاجة وانما يحدده مزاج أولئك الحراس فيختارون لكل منا وقت قضاء حاجته وفق اهوائهم فقد يكون آخر الليل أو أول الصباح أو منتصف النهار او أي وقت يحلو لهم وفي كل الأحوال فقضاء الحاجة كان محظوراً لأكثر من مرة واحدة في اليوم. ولقد حرصنا على أن نتناول أقل قدر من المياه لعدم نقائها وحتى لا نضطر لاستعمال دورة المياه المحظور علينا استخدامها إلاَّ مرة واحدة في اليوم يحددها الزبانية كيفما اتفق ولا تحددها حاجتك.
    وكان يخرجوننا من المرحاض حيث كنا نعتقل إلى دورة المياه الأخرى معصوبي الأعين واذكر إنني كنت انتعل (سفنجة) وكانت لهم ممارسات صبيانية معها وهي ان يضغط الواحد منهم على آخر (السفنجة) أثناء سيري معصوب العينين ما يجعلني اتعثر حتى لاكاد أقع على الارض، فكان هذا مصدر فكاهة وتلذذ وسخرية لهم وأذكر في احدى المرات ان تعثرت بشدة وكدت أقع على الأرض فكان تعليقه امامي الحفرة التي دفنوا فيها د. امين مكي مدني وانا كنت أعلم أن د. أمين مكي مدني لايزال بسجن بورتسودان وقد كنت معه في زنزانة واحدة وأعلم أنه لم يطلق سراحه حتى تاريخ اعتقالي ولم ينقل لسجن كوبر ولذلك لم أعر ذلك الأمر أي اهتمام وبالتالي لم يتحقق للجلاد ما أراده منه.


    www.alayaam.info
                  

08-03-2006, 06:40 AM

مكي النور

تاريخ التسجيل: 01-02-2005
مجموع المشاركات: 1627

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق الشامي: ولا يزال التعذيب مستمرا ! (Re: مكي النور)

    ولا يزال التعذيب مستمراً الحلقة الثانية

    * التعرف على موقع احد بيوت الأشباح:
    في إحدى المرات وأنا ذاهب إلى دورة المياه تلك رفعت عن عيني عصابتها لأتعرف على موقع الاعتقال فلفت انتباهي عدد كبير من الصناديق الصغيرة مكتوب عليها "لجنة الانتخابات القومية" فعلمت إننا معتقلون في مقر لجنة الانتخابات القومية وهو المنزل الذي يقع جنوب غرب المصرف العربي للتنمية وحتماً كان هذا احد بيوت الأشباح.
    وما يثير الاستغراب إننا طوال تلك الفترة لم يتم التحقيق معنا سوى مرة واحدة وكانت اسئلة شكلية عن الاسم والعمر والمهنة ومقر السكن والمعتقدات السياسية ولا شيء غير ذلك.
    وكنت اعجب من ذلك التحقيق فكلها معلومات معروفة لجهاز الأمن وكنا نشعر بوجود معتقلين آخرين ولكن لم نكن نراهم وانما كنا نسمع اصواتهم وحركاتهم وبما ان جميع الحرس كانوا يرتدون تلك الطواقي الصوفية الكاسية حتى الذقن ولم نكن نراهم ولا نرى المعتقلين الآخرين وانما نسمع أصوات وهكذا جاء "مصطلح بيوت الأشباح".
    * وجبات التعذيب:
    كنا نسمع مخاطبة الحرس للمعتقلين في الغرفة المجاورة وكان أول اليوم يبتدي بالمناداة على المرحوم بدر الدين لأخذ الوجبة الأولى وبالطبع لم نكن نعرف أي نوع من التعذيب يتعرض له ولكن كنا نشعر به يعود متألماً متأوهاً.
    ثم كانوا ينادونه عند المغيب لأخذ وجبة المساء. ثم يخاطبونه بقولهم تشتكينا لعمر البشير خلي عمر البشير ينفعك هنا.
    وفي إحدى المرات جاء متألماً ويبدو نازفاً وسمعنا طرقات على باب الغرفة المجاورة والحرس يخاطبونهم بعباراتهم المعهودة "مالكم يا وهم" فنلقوا اليهم حال بدر الدين وجاء الرد "ما معاكم دكتور فاروق محمد ابراهيم خلو يعالجه" فرد عليهم فاروق بأنه دكتور في الزراعة وكان ردهم العجيب "ماكلوا واحد".
    ولم نكن نسمع طوال تلك الفترة من أولئك الحراس سوى هذه العبارة الفارغة "يا وهم".
    * السخرية المؤلمة:
    كما ذكرت فقد كنا نعيش في ذلك المرحاض النتن بمساحته البالغة الضيق وافتقاره إلى التهوية ومع بواقي الفاصوليا المتراكمة واجسامنا المتسخة وملابسنا القذرة ولم نكن قد سمح لنا بالحمام او الاغتسال طوال تلك الفترة بخلاف ما قد نغسل به أفواهنا من ذلك الابريق الملوث. ولا شك ان رائحتنا كانت منفرة ولكن أشد ما كان يحز في نفوسنا سخرية اولئك الحرس منا عند فتح الباب لمناداتنا لتناول (السندوتشات) أو لأخذ أحدنا لدورة المياه فكانوا يجعلون اصابعهم على أنوفهم ويخاطبوننا بقولهم "أنتم بني آدمين أم جيف"؟ وهم يعلمون انهم سبب كل تلك القذارة وما نكابده من ألم ومشقة.
    * الحرمان من الراحة أو النوم:
    بالرغم من أننا كنا معتقلين في ذلك المرحاض الضيق والذي لا تزيد مساحته عن متر ونصف المتر مربع وبالرغم من أننا كنا أربعة معتقلين في ذلك الحيز الضيق منعدم التهوية، وكانت تلك المساحة لا تسمح بأن نجلس جميعاً فيها ناهيك عن الرقاد او النوم، إلاَّ أن أولئك الزبانية وللمزيد من ارهاق اعصابنا فقد حرصوا على القرع على الباب في فترات قصيرة متفاوتة وبصفة خاصة اثناءالليل كل ذلك بغرض ان نظل يقظين طوال الوقت ولا ننال حتى تلك الغفوة القصيرة. ومن المؤكد أنهم قد درسوا كل أساليب وأصناف التعذيب قبل أن يطبقوها علينا.
    أضف إلى ذلك عصب الأعين في فترات الخروج البسيطة لدورة المياه مما يعني حرماننا طول فترة الاعتقال من أشعة الشمس وانعكاس ذلك على صحتنا.
    * منع العلاج:
    أنا شخصياً أعاني من ارتفاع في ضغط الدم ومن تضخم في عضلة القلب وأواظب على الكشف الطبي والعلاج من الدكتور القدير سراج أبشر.
    ومنذ اليوم الأول اخطرتهم بذلك وبأني لم يسمح لي بأخذ الأدوية معي وطلبت منهم الاتصال بالأسرة لاحضارها ولكنهم رفضوا بصورة قاطعة وفي احدى المرات اصبت بإغماء بسبب ارتفاع درجة الحرارة وانعدام التهوية فخبط الاخوة في الحمام على الباب بشدة حتى اتى من ينادي "مالكم يا وهم" فاخبروه بالحاصل فقال "يعني ايه ما يموت او تموتوا كلكم بتساوا شنو يا وهم".
    ومع الاصرار على خبط الباب والقرع بشدة فتحه لبعض الوقت إلى ان افقت من تلك الغيبوبة وعلمت منهم تفاصيل المواقف التي ذكرتها وتم قفل الباب بعد ذلك ولكن لم يسمحوا لي بأي علاج أو باحضار الأدوية المطلوبة.
    * منع العبادة:
    ومنذ اليوم الأول طلبنا منهم السماح لنا بالوضوء واخراجنا في أوقات الصلاة سواء فرادي او جماعة لآداء الصلوات في أوقاتها فكان الرد "انتم مالكم ومال الصلاة وهل انتم مسلمون" يا سبحان الله ورددنا بتذكيرهم بقول الحق سبحانه وتعالى في سورة العلق:
    (ارأيت الذي ينهي، عبداً إذا صلى، ارأيت إن كان على الهدى)
    ولكن ذلك لم يحرك فيهم ساكناً بل زادهم إصراراً واستكباراً على منعنا من الوضوء والصلاة. ورفعنا أمرنا إلى الله وشكوناه له سبحانه وتعالى. ونعلم ان الصلاة لا تسقط عن المسلم في كل الأوقات ولكن لم يكن من الممكن ادؤها في ذلك المكان القذر وعلى غير طهارة فأديناها في قلوبنا وقمت بقضائها بعد ان انتقلنا إلى سجن كوبر.
    * اللهم لا غل ولا حقد:
    نحن نتعرض لك تلك المعاني وتلك الانتهاكات والآن وبعد كل هذه السنوات لا أجد في نفسي أي غل أو حقد على أولئك الحراس.. فقد كانوا أدوات وقطعاً من رقعة الشطرنج وأشعر أنهم ضحايا مثلنا تماماً لقد غسلوا ادمغتهم وسيطروا على عقولهم ومسخوا شخصياتهم ونزعوا عنهم آدميتهم وأفهموهم إن كل الذي يقومون به انما هو من اجل تمكين الاسلام والاسلام برئ مما يفعلون.
    أنا أقول هذا ولا أعفيهم من المسئولية ولكن أشعر ان المجرم الحقيقي والمسئول الأول هو الذي يحرك تلك الدمي الخشبية وهو الآمر بكل تلك الأفعال والموجه بفعلها وأياً كان موقعه في تراتبية نظام الانقاذ وهرمه وكل القابعين في قمة ذلك الهرم لانهم هم الذين اختطوا منهجاً يستحل كل حرام في سبيل استدامة سلطتهم. وأولئك المسئولون هم الذين يجب ان تطالهم المحاسبة هم الذين وجهوا اولئك الصغار بلبس تلك الاقنعة واعدوا تلك المنازل "بيوت الأشباح" لممارسة ابشع اساليب اذلال الناس واحتقار آدميتهم، وقد كانوا يحضرون بأنفسهم ويشاهدون تلك الانتهاكات ولعلهم كانوا يستمتعون بأنين المعذبين وآهاتهم.



    * قوة العزيمة والإرادة:
    لقد تمكن أولئك النفر من الجلاوزة والعسس والجلادين من تعذيب أجسامنا والحاق الأذى بها ولكنهم فشلوا في قهر ارداتنا أو النيل من عزيمتنا وكبريائنا والحق أقول إننا كنا كل ما زادت المعاناة والقهر قويت عزائمنا وازداد ايماننا بقضيتنا وازددنا اصرار على التمسك بكبرائنا وعجبنا لتلك القوة الخفية في الإنسان التي تجعله يصمد كل الصمود وينتصر على كل الأهوال والرزايا.
    * الانتقال إلى كوبر:
    وكما دخلنا تلك البيوت في منتصف الليل خرجنا منها في منتصف الليل في يوم 11/12/1989م فقد حضر الحراس في أول المساء وأخبرونا بأن أجلنا قد دنا إذ جاء وقت أخذنا إلى الدروة وتنفيذ الاعدامات، وجمعونا في تلك الليلة ولأول مرة عرفنا أسماء جزء ممن كانوا معنا واحضروا حافلة ووضعونا فيها ونحن لا نزال معصوبي الأعين وتحركت العربة لا ندري إلى أين؟ وكنا نسمع أصوات البنادق وأصوات حراس آخرين حتى لقد صدقنا لأول مرة أن تلك هي الدروة وعندما طلب منا رفع عصابات الأعين وجدنا أنفسنا في بوابة سجن كوبر.
    هل تصدقوا إن أحداً يفرح لدخوله السجن كما يفرح لذهابه لمنزله؟ والله لقد فرحنا عندما علمنا أننا انتقلنا لسجن كوبر فقد كان في ذلك خلاص لنا من ذلك العذاب المقيم، فنحن نعلم أن ضباط السجون كما عهدناهم أكثر التزاماً بقوانين السجون وأكثر حرصاً على انفاذها ولن ينالنا منهم أذى او اهانات او انتقاص من اي من حقوقنا كافة.
    * المفاجأة داخل سجن كوبر:
    في الساعات الأولى من الفجر حضر مدير سجن كوبر اللواء م. الكامل محمد سليمان وعندما قدم له الحرس الأمر بإدخالنا سجن كوبر وشاهد حالتنا رفض استلامنا. وقال انه لا يمكن استلام معتقلين بهذه الحالة وبعضهم مشرف على الموت وهذه مسئولية بالنسبة له وبالنسبة للسجن لذلك أخطر حرس الأمن بإرجاعنا من حيث جئنا.
    وكنت أعرف الكامل معرفة شخصية امتدت منذ تزاملنا بالدراسة في مدرسة مروي الوسطى وأنا في ثلاثة دفع قبله دفعه في المدرسة وتربطني به صلة قربى، وعندما كنت أعمل قاضياً مقيماً في مدينة الدامر سنة 1970م كان هو ملازماً أولاً في سجن الدامر فاخذته جانباً وشرحت له أين كنا وبايجاز ما تعرضنا له من صنوف التعذيب والانتهاكات وانه اذا اراد أن يخدمنا فعليه أن يقبل بإدخالنا سجن كوبر.
    ففكر ملياً وتشاور مع نائبه العقيد م. موسى أحمد الماحي ثم اجاب حرس الأمن بأنه سيقبل بإدخالنا السجن ولكن شريطة أن يتم كشف طبي علينا جميعاً بواسطة أطباء السجن وكتابة تقرير طبي عن حالة كل منا.
    وبالفعل قام بإجراء بعض الاتصالات وحضر طبيب السجن على عجل وقاموا بإجراء الكشف الطبي على كل منا ووصف الحالة ولقد تحصلت منظمة العفو الدولية على نسخة من ذلك التقرير وقامت بنشره وتوزيعه بواسطة فروعها في كل العالم مع صور لبعض من كانوا في بيوت الأشباح. ولا يفوتني في هذا المقام إلاَّ الإشادة باللواء م. سجون الكامل محمد سليمان ونائبه العقيد م. موسى الماحي فقد كانت معاملتهم لكل المعتقلين تحفظياً بسجن كوبر يسودها الاحترام وتوفير كل الحقوق من غذاء وعلاج وكتب ورياضة بل ادخل التلفزيون وكانت النتيجة إحالة كل منهما للمعاش المبكر بحجة معاملتهم الطيبة للمعتقلين.

    الصادق سيدأحمد الشامي

    http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147504156&bk=1

    (عدل بواسطة مكي النور on 08-03-2006, 06:42 AM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de