كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
قصة واخرها قصة ادخل وناقش
|
سلامات قصة ، من : راشد أوشي
- 1 - ) كثيرا ما كان أبى يقول إني لا افلح بقرش ، كلما تذكرت ما جري يتقلص القرش حتى يصبح مليما ، لست بنادم عما جري إذ لم يكن فيه حمار أو معزة صغيرة تلحس وجهي ، ثلاثة لا ينزلون من حلقومي ، (( عمار )) وجه الحمار و (( عوضين )) ابن الداية و (( عثمان )) الأطرش الأحمق الخائب ، انهم سبب مأساتي مع أبى والقرش وأمي التي لا تعرف شيئا كالعياط والصراخ وشق الثياب لست بنادم عما جري و لا يهمني شيء علي أي حال . . ! !
(
- 2 - ) كان صباح غير عادي ، ودعتني أمي حتى الباب بدعوات حد الصياح .
- اذهب بارك الله فيك !
ثم :
- احفظه يا شيخي يا عبد الرحمن !
ٍالصباح في البلدة ذا مذاق خاص ، نسيم البحر ، رائحة الزبالة ، هيجان ذكور الحمير ، وعودة الحياة في ثوبها الجديد ، امتطينا حميرنا وتسابقنا وعبثنا مع لسان الماء قليلا ثم تقدمنا خطوة وسبحنا كما يجب ، في طريق العودة ، رفع حماري رأسه نحو السماء ونهق بحدة ، تري ماذا رأي؟ وعندما بلغنا مدخل البلدة من الجهة الجنوبية ، في الشارع الثالث بالتحديد اندفع عجل كبير أمامنا ، حميرنا تحجرت في مكانها ، ثمة فتي طويل مستطيل الوجه كان يركض خلف العجل ويمط خطواته ويشد رقبته ، انه ((عمار)) يطارد العجل ، حميرنا تململت ، هزت رؤوسها وتسمرت تباعا ، قفزنا من علي ظهورها و انطلقنا خلفهما ، نحن نصيح يا عمار يا عمار ! ، هو يتمطى ، نحن نشق حناجرنا ، هو يتمطى ، و المسافة بينه وبين ذيل العجل تتضاءل و تتلاشى ، في قفزة واحدة امسك بالذيل وشده حتى استقام ، هل سيعود بالذيل فقط !! ، بحركة خفيفة ، خفة النسمة الصباحية ، أطاح ((عمار)) بالعجل أرضا وحضر صاحبه وشد علي يده بشدة ونفحة قرشا ، وفي ليلة اليوم التالي غاب الفتي الحمار عن لعبة القمر و البحث عن عظمة شليل ، مضت ثلاثة أيام وقلنا : ((عمار )) صار كبيرا ولن يلعب مع الصغار !! ، مساء اليوم الرابع عاد عودة البطل من ارض المعركة وقف فوق رؤوسنا ، تفحصناه باستهتار وهز رأسه وجلس وهو يطنطن : ((عمار)) يجلس مع الصغار هانت و الله !! . لم يعجبنا ما فعله لكني كنت لا املك ما أتحداه به ، لو أنى من طرح العجل أرضا وتمثلت ((عمار)) يقف أمامي كالتلميذ الفاشل ، زجرته و شددت أذنه فبدا كالحمار وصرخت في وجهه : اذهب إلى أمك لترضعك ! ، تدلي ذقنه علي صدره وادخل إصبعه في فمه وركض يصرخ و اللعاب يسيل من فمه الكبير ، هل فعلت به كل هذا ؟! ، (( عمار )) اتكأ علي كوعه ونظر إلى السماء وهو يدندن ، كنت أتوق إلى معرفة الكيفية التي أطاح بها بالعجل ، هكذا بكل خفة ومرونة هل أساله مباشرة ؟! ، هل سيسخر مني كالعادة ؟! ، لما طال صمته نهض أحدنا قائلا :
- لا نحب أن نعرف الحكاية !
و كأنما اتفقوا ضدي سرا قفز الثاني واقفا :
- يمكننا أن نفعل اكثر من ذلك !
الثالث نفض يده وهو يتمتم :
- دعوه يموت بغروره – هيا !
(( عمار)) لم يأبه بهم ، رمقني بنظرة غامضة وحدق في وجوههم باستهتار ولسان حاله يقول : اذهبوا فأنا لا اكلم الصغار ؟! هل صار كبيرا بهذه السرعة ؟!، تلصصت علي وجهه من كل - الجهات ، لم ينبت له زغب خشن لكنه صار كبيرا بسبب العجل ؟!، قفز السؤال للساني بسرعة :
- قل لي يا (( عمار)) كيف فعلتها ؟!
- ((عمار)) حاف هكذا يا حمار ؟!
ارتبكت ، ماذا عساه سيقول عني ، إني لا افهم شيئا ، عاجلته بسرعة :
- أسف يا بطل !
لم اكن ادر أن لعبارتي كل هذا السحر ، اذ انتفخ وجهه وتهدلت شلاضيمه ، قال بدون رغبة :
- قل ما تريد وخلصني !قلت بدون تفكير :
- العجل !
قال :
-أي عجل !
قلت :
- العجل الذي فعلت به العجب !
قال :
- وماذا عنه ؟!
قلت :
- أود لو تحدثني عما جري ؟!
قال :
- ولماذا هل تنوي اصطياد عجل هارب !
قلت :
- ربما يحدث ذلك يوما !
قال :
- إلا مع البلهاء !
وخزتني عبارته في جبني الأيمن ، ماذا يعني هذا الفتي الحمار ؟! ، يظنني ابله ؟! ، سأفعل مثله وربما اكثر ، لكنه لم يقل شيئا ، وكان علي أن أبادره قبل أن يفقد رغبته في الكلام قلت :
- يكون لي عظيم الشرف أن استمع إليك من موقع البطل !
قال واوداجة تتنفخ :
- لا باس يا صغيري . لا باس ، افتح أذنيك واسمع !!
وكانت حكاية . . . . . . . . . .!!
(
- 3 - ) في حظيرتنا كما في حظائر كل البلدة ، عجل تركته أمه صغيرا وكان يجن إليها جنونا عظيما ، ذات صباح وأبى يستعد لرحلة الأرض و الثواب و العمل ، تمارضت وأمسكت بطني وصحت حتى طار قلب أمي وحط بجوار رأسي يتحسسه ، أبى علي ما يبدو ، لم تمر فيه الكذبة ، ارتدي جلبابه وفحص حماره وصاح وهو يخرج :
- لا أوصيك بهذا الولد الأبله !!
اليوم سأضع حدا لبلاهتي أمي سمعتني أطنطن فصاحت في اثر أبي :
- الحمي طلعت في رأسه !
دثرتني جيدا ، القمتني جرعة ماء حنظل ،ابتلعتها بصعوبة وشعرت ببطني تصدر أصواتا غريبة ، ، قالت وهي تدفع لي بالكوب :
- اشربه فهذا نتاج شيخي عبد الرحمن !
هل يعطي الشيخ الناس الحنظل ؟!، شربت حتى غامت الدنيا أمامي و حدثتني نفسي التائهة وسط الغيوم : لا باس كل شيء يهون ما دمت سأطرح العجل أرضا ! ، أمي أرقدتني و مسحت رأسي أغمضت عيوني كما تكسر عيون الميت وخرجت إلى شئونها الأخرى ، حبست أنفاسي وظللت استرق السمع حتى جاءني صوت الأواني تتلاطم في ماء الطشت ، ألان سأخرج ، تسللت علي أطراف أصابعي وحذائي البالي في يدي ، فتحت باب البيت وأنا أتوسل إليه في خيالي : لا تصدر صوتا وافتح علي مهل !، أخرجت رأسي ، ليس هناك أحد ، عصرت علي كتف الباب المائل و اخترقت مساحة الخروج الضيقة وركضت و أنا اهتف في فرح : العجل ،هي ، هي ! فتحت باب الحظيرة نهض العجل ورفت عينه اليسري و راقبني بحذر و بلاهة ، دار حول نفسه ، أولاني مؤخرته وشرع ينش الذباب بذيله ، هل سيخذلني العجل ابن البقرة الميتة ؟! ، لا يبدو عليه أنه يرغب في اللعب ؟!، ربما يريد افساد خطتي التي رسمتها طوال الليالي العشرالماضية ، سأدخل إليه و ادفعه دفعا ، وان رفض ؟! ، ساضربه حتى يركض ، وهل اقوي علي ضربه ؟! ، لا احب الضرب ، أبى يضربني وذلك مؤلم للغاية ، سأتحايل عليه وأقول له : لك ربطة علف أن طاوعتني ! ، العجل ما تحرك وأفكاري توقفت كيف أتصرف معه ؟!، دخلت الحظيرة ،خطوة ، خطوة ، ليس سهلا هذا الحيوان ،خطوة ، خطوة، ا لف حوله وامسك برقبته و اهمس في أذنه : أنت ولد فالح ! وماذا أيضا ، كمن ركبه الشيطان ، دار العجل حول نفسه و انطلق برأسه الكبير نحوي ، شيء ما ربما الخوف ، ربما الهواء، حملني جانبا و انسل الرأس أمامي بسرعة خاطفة وسمعت صوت الارتطام عنيف ، العجل اخذ الباب معه ، يا للورطة ، أبى أن عاد ولم يعد العجل لن يسامحني ، انه لي ، صحت وركضت خلفه ، جلبابي بين أسناني يقاوم مصيره الممزق ، كلما دنوت منه تراكضت البيوت والشوارع والأزقة ، كل البلدة خرجت خلفي تحبس أنفاسها من الدهشة والانبهار ، تري من كانوا يظنوني ؟! ، أنا افضل من ((عمادر)) الحمار وهذا العجل اضخم من ذاك النحيل الهزيل الذي اطاح به ، الناس بدأت تصيح :
- حاسب يازول
- ابتعدوا –ابتعدوا !
انهم يخلون لي الطريق ، أنا البطل ، العجل يدنو ، أنا االذي يفعل العجائب ، العجل يركض للوراء ، أنا الدقش الخلاء ! ، ذيل العجل أمامي ،امسك به أولا ، هكذا فعل ((عمار)) أسحبه عليك ، نفذ وصيته بالحرف :
- عندما تمسك بذيله اجعله مستقيما و انظر في أي اتجاه يجري ن بعد ذلك سيكون الأمر سهلا ، انفضه بخفة في الاتجاه المعاكس !
افعل مثله ، ولكنه لم يقل لي كيف أدبر رأسي إذا أتى العجل بحركة مباغتة اذ صار يركض في كل الاتجاهات و مساحات الأكسجين في دمي تتضاءل ،انه يسحبني خلفه ،انه يطيح برأسه يتوعد من يقترب منه بمصيره المجهول ، ما عدت قادر علي اخذ أنفاسي ، كل جسدي ينهد تباعا ، وسقطت و قبضتي مازالتا تتشبثان ببصيص الأمل الشحيح ، لن اتركه يهرب ، العجل ما هادن و لا استكان ، مسح بي الأرض جيدا حتى بدت لي البيوت تتمايل في رقصة حزينة ، انهرت بين اليقظة و الأحلام ، العجل توقف علي بعد خطوات مني و استدار نحوي ، ماذا يريد أن يفعل ، نفض رأسه، نفخ بمناخيره الأرض ، دار حول نفسه ، دارت الدنيا في عيني ، تمثل لي أن اسمع صوت أقدام تدب علي الأرض بعنف ، العجل نظر إلى مليا ، ماذا يود أن يفعل ؟! ، سقطت رأسي ، ومرق الرأس الكبير نحوي بسرعة خاطفة . . !!
(
- 4 - ) أين هو ((عوضين )) ابن الداية الآن ؟!، سأصفعه إن رأيته ، (( عوضين)) الذي يبول أي ذكر علي رأسه يضعني أنا في هذا الموقف السخيف ، ماذا فعلت به ؟!، بل أنى كنت أتعاطف معه وأخوض لصالح بعض المشاجرات التقليدية ، ود الداية مثل أمه يصنع كل شيء ، حتى الأطفال ، ولكن كيف لم انتبه الي انه كذب اكثر مما يجب حين همس في أذني ذات عصر :
- في البئر كنز قديم !
بدوري همست :
- أي بئر ابار البلدة ثلاثة !
صاح بغيظ :
- غبي ، حمار !
نططت عيوني وقلت :
- ماذا هناك يا ((عوضين)) ؟!
- في البئر الأولى ماء ، وفي الثانية كذلك ؟!
خمنت :
- أذن تحت الماء ؟!
صك أسنانه :
- وهل تنوي أن تموت غرقا ؟
قلت :
- ربما !
ضربني علي رأسي :
- يا غبي ألم يعلموك جيدا في المدرسة ؟!
تذكرت معترضا :
- ((حافظ)) الطويل كان أبلد مني !
قال بسخرية لم انتبه لها في حينها :
- و ماذا أيضا ؟!
قلت بسرعة :
- كانوا يزفونه أولا ثم يزفوني حتى باب البيت !
(الطيش ..الطيش . . عند الله بعيش !)
ضحك و قال :
- لا باس ، لا باس ، الطيش يصلح لبعض المهام !
صفعتني عبارته فتحديته :
- جرب وستري !
قال :
- حسن إليك الحكاية كما جاءت علي لسان جدتي !
جلس ، جلست ، فتح فمه ، فتحت اذني، قال بعد قليل :
- هل فهمت !
قلت :
- نعم
قال :
- أذن في الصباح !
قلت :
- طبعا !
ابتسم وأدار ظهره و خطأ نحو الأفق البعيد . . .!!
(
- 5 - ) تلك الليلة لم انم جيدا ، أو ربما نمت ، لا ادري ، جرت الصور أمامي سريعة و تكررت كثيرا ، في إحداها كنت اجلس خلف مقود اللوري و اقبض عليه و أديره كلما لاحت المطبات ، كنت احمل شحنة ثقيلة ، كان البعض يتعلقون كما الدجاج ، كما الديوك ، علي حافتي صندوق اللوري القديم ، كنت سعيد و هم يضحكون ويرقصون و يغنون ، الليل من خلف مقود اللوري جميل ، ومرة رأيت ((حافظ)) يركض و يتمطى و البلدة من خلفه ، وفي لحظة خاطفة مرق نحوي رأس كبير و عيون تشتعل نارا ، رأيت الكثير و لكني ، في الصباح، لم أتذكر سوي اللوري و بوقه الصاخب ، و كما اتفقنا أنا و (( عوضين )) ابن الداية التي صنعتني ذات يوم ، حملت ربطة الحبل واتجهت صوب البئر الثالثة ، البئر المهجورة، مسكن صغار الشياطين الماجنة ، هكذا روت له جدته ، و لكي يسحب الخوف الذي اخترقني فجأة ، قال وهو يهز كتفيه :
-أحيانا كانت تخرف ، كانت امرأة شمطاء !
قلت ربما لمذيد من الاطمئنان :
- هل كانت لطيفة ؟!
رفع يده اليمني :
- عييك ! ، لدرجة أنه اكانت تتحدث لنفسها!
قلت ، و الدهشة تقبض علي تلاليب صوتي :
- ماذا كانت تقول !
قلت بسرعة :
- أشياء كثيرة ، أشياء كثيرة لا تهم ، قلت لك أنها خرفانه !
بدأ لي أني لم اسمعه جيدا :
- قلت خروفه !
ضربني علي رأسي :
- جدتي خروفه يا ابن الأبله !
قلت بحدة :
- ماذا تقول !
قال :
- قل لي !
قلت :
- نعم !
قال :
- هل ستكون بطل و تنزل البئر ؟!
قلت وأوداجي تكبر :
- ولم لا !
ثم استدركت :
- و لكن ماذا عن الشياطين ؟!
قال :
- لا تقلق جدتي تقول انهم أناس لطفاء !
قلت يتحد :
- وهل زارتهم جدتك الخروفه ؟!
لم ينزعج هذه المرة بل قال بمنتهى الهدوء :
- و لاعبتهم أيضا !
قلت:
- صحيح!
قال:
- و أعطتهم فتات الخبز و حلوي السكر !!
قلت :
- إذن سأحمل معي بعض هذا !
قال:
- شاطر !
ثم استدرك :
- وبطل!
البطولة ليست أمرا سهلا ، الهبوط في البئر المهجورة مغامرة لا يخوضها سوي الأبطال ، كنت أفكر طوال الطريق الي البئر ، إنها هناك ، بعيد التل الثالث ، قرابة شجرة اللالوب المسكونة ، هناك وجدته ينتظرني ، احتضنني وشجعني بعبارات مشجعة و لف الحبل حول بطني و ربطه و دفعني قائلا :
- الآن حانت لحظة المجد و البطولة !
و نزلت البئر ، و اندفق الظلام من حولي و بدت لي إنها بعيدة غائرة ، وصرت أفكر ، في البئر شياطين ، في الشياطين بئر!، كلما هبطت لأسفل كلما صعد الضوء لأعلى منجذبا نحو فم الشمس الصغيرة ، أخيرا لمست قاع البئر ، أين هي الغرف التي حدثني عنها ((عوضين)) ابن الداية ؟! عن يساري ،عن يميني ، أمامي ، غرقت في بحور الحيرة و الظلام و ساورتني أصوات أمواج تتلاطم بقوة، خفق قلبي ، صحت :
- أخرجني يا ((عوضين)) !
رددت الشياطين :
- ا خ خ خ. . !!
صحت
- بالله عليك أخرجني !
رددت الشياطين:
- به . . به . . به. . !!
صحت :
- يا (( عوضين)) !
الفتي الداهية رمي لي بالحبل ، سقط الحبل بدوي هائل ، تركني و مضي ، غرقت بعيدا حتى ارتطمت بأذني أصوات تتلاطم و أطلت علي رؤوس كثيرة من هناك، من قم البئر المهجورة ، مال رأس نحوي و صاح :
- هل أنت بخير !
رددت الشياطين :
- طير . . طير . . طير . .!!
غابت الرؤوس دفعة واحدة ثم عادت صاح وجه :
- هاك الحبل !
سقط الحبل بجواري هامد – صاح وجه آخر :
- أربطه حول وسطك جيدا و ساعدنا قليلا !
و سحبوني ، سحبوني ، وفم البئر تكبر و تبتلعني ، بعيد لحظات لفظتني ووجدت أبى أمامي ، صعفني و اللهب يتراقص علي عينيه الغاضبتين، امسكني من أذني و جرني خلفه ، و ثمة أصوات كانت تهتف :
الطيش . . الطيش . .
عند الله بعيش . . !!
(
- 6 - ) الواقعة الثالثة كانت بمثابة القشة التي قصصت ظهر حماري، في تمام القمر ، تسلل (( عثمان )) الأطرش الأحمق الأخرق و جلس بجواري ، كنا ستة يرسمون أحلامهم علي الأرض ، أتى و قعد يرسم خطوط متعرجة ، مسحها،رسم خط مستقيم وعلي رأسه وضع سهم ، أشار للسماء و قال :
- من يمشي معي في درب القمر ؟!
كنا قد كبرنا علي تلك التهيؤات الخصبة و نبت لك واحد منا زغب صغير ، زغبي نما بسرعة غريبة حتى أنى صرت أنادى (أبو شنب) ، أبى ركبه عفريت فرح مفاجئ فصار يحدث عني بفخر و يقول : صار رجل يحمل النساء !، أمي كعادتها دست شعورها الحقيقي و مسحت علي رأسي قائلة :
- حفظك الله من عيون الحاسدين !
الأطرش الأرعن حاسد و الأ لما تسلل إلى جواري و همس في أذني :
- أريدك علي انفراد لأمر هام و خطير !
لكزني و نهضنا و سرنا مسافة و هو صامت ، قلت أحثه :
- شغلتني يا أخي !
قال :
- صبرا حتى نهبط خلف كثبة الرمال تلك !
بدت لي بعيدة ، تري ماذا يريد الأطرش مني ؟! ، هل يدبر لي أمرا و ما هو ؟!، انه مسكين و جبان و أحيانا خائن ، احترف بيع صوته ، فتي كهذا لايمكن أن يفعل شيئا ، لا يهم أن أضره آو انفعه، المهم ماذا وراء كثبة الرمال التي اعتليناها و هبطنا خلفها ن حينها قال :
- أتيت بك إلى هنا لان الأمر يتعلق بإنسان عزيز عليك !
فكرت قليلا ثم قلت :
- و من يكون ؟!
صاح:
- فكر !
قلت:
- فكرت !
صاح :
- فكر مرة أخرى !
صحت :
- أهي فزوره !
اقترب بوجهه من وجهي ، تتطاير اللعاب من فمه الكبير الواسع :
- تف . . تف . . تف . . هي فزوره !
قلت استنكر تصرفه ذاك:
- لا اقبل أن تعاملني هكذا !
بدا باردا وهو يقول :
- لا باس،حسن ، الأمر يتعلق بسمية، استرحت !
و من أين تأتى الراحة، ذكر ((سمية)) صار يشعل النار في جسدي :
- ما بالها ((سمية)) !
ردد :
- ود المرضي، ود المرضي !
قلت :
- ماذا به ؟!
قال :
- يعاكسها !
قلت :
- كيف ؟!
تمايل قائلا :
- هكذا ، هكذا ، يقرصها في مؤخرتها !
ابتلعت صوتي ، ابن الكلب ، (( سمية )) يا ود الكلبة ، صبرا ، ستري ماذا يقول أبى عندما يعلم إني طرحتك أرضا و تبولت علي وجهك ، و الله لأفعلها يا ود المرضي ، لن أتركك تنجو بجرمك ، تقرص ((سمية)) البت القهوة ، تعاكسها ، وكيف ؟!، تصفر لها ، تغازلها دون حياء ، حسنا أنا قادم ، التفت لعثمان و قلت :
- ومتي يحدث ذلك ؟!
قال:
-ارفع صوتك ؟!
صحت :
- متي يحدث ذلك ؟!
هز رأسه :
- بعد المغيب مباشرة !
قلت :
- و ماذا يفعلان ؟1
قال:
-لا ادري ! ، أحيانا كان يلتصق بها !
قلت :
- كيف ؟!
اقترب مني يصيح :
- هكذا ، حتى يشعر بحرارة جسدها !
وعدته ، وأنا في حالة غضب عارم ، بحسم الأمر ، فتلت شاربي و أشرت إليه قائلا :
- أن لم اطرحه أرضا لم يقف صقر هنا !
صفق و نطط :
- جيد، جيد، كنت أدرك انك قدر المسئولية !
مضت ثلاثة ليالي و أنا أتابع حركة ود المرضي حتى أنني حفظت كل تصرفاته ، يصحو مع غبش الفجر يغتسل و يصلي و يشد سرج حماره و يقصد الأرض ، يظل تحت الشجرة يراقب الزرع و يعتني به حتى إذا ما أغمضت الشمس جفونها عاد لبيته ، في الليلة الرابعة قصد الشارع الذي يقع فيه بيت ((سمية )) ، مرق بجوار نافذتها وهو يصيح : معتصم ، معتصم ! ، لا اعرف أحدا بهذا الاسم و لا اعرف انه يعرفه ، تري إلى ماذا يرمي هذا الفتي المحتال ؟!، بعد قليل تسلل شبح فتاة و لحق به ثم تجاوزه ، انها ((سمية)) ، استطيع ان افرزها من بين مائة شبح ، مشيتها ، وقع خطواتها ، و قلبي الذي رقص طربا ، سارا لمسافة طويلة و عرجا صوب الخلاء ، كيف تستسلم له بهذه السهولة ؟! ، هل صدق الأطرش ؟! ، ما وصلني عن ود المرضي خلال مراقبتي لكل حركاته و سكناته انه كان يريدها لنفسه وسمعت انه فشل في إقناع أهلها ، اذا لماذا يصر علي مطاردتها و معاكستها، بحركة لا شعورية فتحت فمي و صحت :
- قف عندك !
(( سمية)) انتفضت ، ود المرضي ا نكمش ، دنوت منهما فقالا في ان واحد :
- أنت ؟!
قلت:
- نعم أنا !
نقشت شعر جسدي ، فتلت شاربي ، شمرت عن ساعدي ، ضربت عليها ،وقلت بلهجة فيها الكثير من التحدي :
- نعم أنا ! ، ماذا تريد منها يا ابن الكلب !
شتمته حتى سقط وجهه ، كنت في قمة حماسي ، لكن ما قالته ((سمية )) في تلك اللحظة كان بمثابة الإبرة التي ثقبت بالونا يمتلئ جوفه بالهواء ، قالت انظر هذا المطوفش ، مالذي حشرك بين البصلة وقشرتها .. !!
مارس/ ابريل/ 2002 الخرطوم
|
|
|
|
|
|
|
|
|