ميرامار (رواية تحت الطبع)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-09-2024, 12:38 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-23-2006, 09:18 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ميرامار (رواية تحت الطبع)

    ____________

    لم تكن تلك أمنياته عندما ترك محجوب الريّس بورتسودان وقدم إلى ودمدني. لم يكن يتوقع أن ينتهي به الحال في جامعة الجزيرة ليعمل بها خفيراً لكلية الطب. ولم يكن يتوقع - وهو المتغزّل بحياة العزوبية - أن يترك رؤية الجميلات من بنات الثانوية اللواتي كن يبتسمن في وجهه ساعة القيلولة في طريقهن إلى منازلهن ليرافق في فترة ما من حياته إناث البعوض في أبحراز الموبوءة بالأنوفلس وأصوات الجنادب عالية الجودة. كان محجوب عبد السلام صياداً بالوراثة في إحدى مراكب الصيد التابعة لوزارة الثروة الحيوانية في بورتسودان عندما فرضت الوزارة ضرائب إلزامية على الصيادين، فكان عليهم أن يدفعوا لجابي الوزارة كل شهر مبلغاً وقدره. ورغم أن الصيد كان وفيراً إلاّ أن الصيادين لم يكونوا قادرين على بيع أسماكهم بأعلى من السعر الذي كان يطرحه السوق المركزي للأسماك وإلاّ فلن يشتري منهم أحد. فأصبح الصيادون يبيعون أسماكهم بأقل من السعر المطروح في السوق كي يتمكنوا من دفع الضرائب. وما يتبقى لهم من فتات كان عليهم أن يقتسموها مع زوجاتهم وأطفالهم، وكان بالكاد يكفيهم حتى منتصف الشهر. أصبح صيادو الوزارة فقراء مقننين. وفي إحدى اجتماعات صيادي الوزارة تحت غالبونة[1] من غالبونات الميناء الزرقاء الشهيرة بصفائحها الزنكية المتعرجة والمثقوبة في جميع أرجائها، لتسمح بمرور خيوط الشمس على أرضيته الرملية وعلى وجوه الجالسين تحته، ناقش محجوب ورفاقه ما استجد من أوضاعهم في الميناء، واقترحوا جمع بعض المال لشراء قوارب صيد خاصة بهم، لكنهم لم يفلحوا. فأسعار مراكب الصيد كانت غالية جداً، لا سيما تلك المزوّدة بمحرك في مؤخرتها. وكانت التزاماتهم العائلية ترهقهم إلى حد أن أصبح مشروع العمل الحر مثل صيد الماء بغربال رديء الصنع. كما أنّ تجار الميناء الكبار – أو "الحيتان" كما كانوا يسمونهم – لم يكونوا ليسمحوا للصيادين بأن يمتلكوا مراكب صيد خاصة بهم. فأصبح الصيادون واقعين بين مطرقة جشع الوزارة، وسندانة احتكارية الحيتان. ورغم أن وضع محجوب كان أفضل حالاً من رفاقه المتزوجين العائلين، والذين يحملون أعباء زوجاتهم وأطفالاً صغار من خلفهم، إذ لم تكن له التزامات تذكر غير ثمن كيلو التمباك الناشف لوالدته المسنّة، والتي كانت تقوم بتمطيره في البيت، وثمن زجاجة البيرة الرخيصة التي كان يتناولها على فترات متفاوتة وبعيدة، إلاّ أن الجميع بدون استثناء كانوا متضررين من تلك الضرائب التي يدفعونها من قوتهم وقوت أبنائهم.




    ________

    [1] الغالبون: مظلة ذات سقف زنكي وبدون جدران في الغالب.
                  

07-23-2006, 09:23 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    ___________

    كان محجوب الريّس – وهو الاسم الذي اشتهر به محجوب عبد السلام بين رفاقه من صيادي الوزارة – قد بدأ في التفكير بكل جدية في ترك العمل في بورتسودان، والانتقال إلى أي مكان آخر، لا سيما بعد أن سمع من بدر الدين مكاوي الخيّاط في إحدى جلسات الضومانة في نادي ديم بوليس – حيث كان يرتاد كل أسبوع تقريباً – عن توفر فرص العمل في القضارف، وودمدني والخرطوم. وكم مرّة سمع عن ذلك من غيره، غير أنه كان يعشق بورتسودان، وبيوتها الخشبية البسيطة، وأهلها البسطاء. ولم يكن يتصور نفسه في مكانٍ آخر غيرها. فقد ولد ونشأ فيها. يعرف بيوتها بيتاً بيتاً . ويحفظ شوارعها وأزقتها ونواديها وميادينها ومحلاتها. ويعرف الوجوه العابرة: عواجيز المنطقة الجالسات على أفنية المنازل الخشبية، تحت الرواكيب الخيزرانية العتيقة، أو العابرات – كقوافل العير المنهكة – لشوارع المدينة الصاخبة نهاراً، وشبابها الذين يخرجون بعد صلاة العصر إلى النوادي والميادين العامة يلعبون كرة الطائرة، أو تنس الطاولة. ونسائها المتشحات بالسواد والقادمات دوماً – وقت الضحى - من سوق الخضار. وحتى الأطفال الذين كانوا لا يكفون عن لعب السكّج بكّج أو البلّي في ميادين بوتسودان الملحية. لم يترك شبراً فيها إلاّ ووطأه بقدميه، حتى النادي الإفرنجي الذي كان يرتاده الأغنياء فقط، كان محجوب الريّس - كلما وجد في جيبه أكثر من جنيه واحد - لا يتوانى أن يدخله، ويطلب زجاجة بيرة خالية من الكحول من النوع الزهيد بما معه من نقود، مكتفياً بالنظر إلى الآخرين وهم يأكلون ويشربون أشياء لم يستطع أن ينطق أسمائها حتى! كان يجلس في آخر طاولة ويخرج علبة السجائر المحلية من جيبه ليضعها أمامه على الطاولة، وفي كل مرة كان ينادي على صديقه أمير سيدأحمد النادل، يستعير منه القداحة ليشعل بها سيجارة يطفئ جمرتها المشتعلة بلعابٍ يجعله في طرف سبّابته، ليعود فيشعلها مرّة أخرى بعد حين. ولأنه كان يرتاد بشكل شبه شهري على النادي الإفرنجي فقد تعرّف الريّس إلى أمير، الذي يعمل في النادي منذ أن تم افتتاحه في أواخر الستينيات. وأمير هذا شاب وسيم جداً، ساعدته وسامته هذه في اجتياز المقابلة الشخصية التي كانت إدارة النادي تجريها كل يوم أربعاء وخميس من كل أسبوع قبل افتتاح النادي بشكل رسمي.

    * تعال .. قرّب جاي شوية.... اسمك منو؟
    - أمير سيد أحمد.
    * اشتغلت وين قبل كده؟
    - بيّاع تزاكر في سينما الوطنية
    * اشتغلت كم سنة هناك؟
    - سنتين وأربع شهور.
    * وداير تخلي شغلك مالك؟
    - عارف سيادتك .. الأرزاق والمعايش ..
    * مش بطّال والله .. شكلك تنفع معانا .. بس .....
    - بس شنو؟
    * بتعرف إنجليزي؟
    - مممم .. ما بعرف .. بس ممكن أتعلم ..
    * لسّه حتتعلّم ؟
    - شهر .. شهرين بس وتلقاني لبلب في الإنجليزي ديّه
    * أوكي .. حنشوف. حتستلم الشغل من يوم السبت دور الجاي. ومن هنا لحادي الوكت داك .. حاولت تتعلّم ليك شوية كلمات ينفعوك في شغلتك دي.
    - أكيد .. أكيد... بس ...
    * معلوم .. معلوم .. حنديك تلاتة جنيه
    - تلاتة جنيه ؟
    * ده غير الأوفر تايم .. والسكن ... وإزا لقينا شغلك كويس .. راتبك حيزيد

                  

07-23-2006, 09:55 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    ______________

    كان العمل في النادي الإفرنجي حلماً يراود الكثير من الشباب الذين كانوا يتجمهرون بالمئات أمام مكتب إدارة النادي منذ ساعات الصباح الباكر، كما تتجمع طيور الرخام حول جيفةٍ ما. ولكن لم يقبل منهم إلاّ عشرة فقط. كان أمير يعتبر نفسه محظوظاً بالعمل في النادي، حيث الراحة والملبس النظيف والمتعة التي يراها بعينيه، ويسمعها بأذنيه، هذا بالإضافة إلى الراتب المغري الذي كان يتلقاه، والذي كان يعادل راتب ناظر محطة السكة الحديدية. في النادي كانت تمر عليه عشرات الوجوه التي لم يكن ليراها في عمله في كشك التذاكر بسينما الوطنية، أو حتى في حيّه البسيط في (سلبونا). رجال ونساء لم يكن يتصور وجود أمثالهم في السودان قاطبة. كان أكثر روّاد النادي من الأقباط، ورجال الأعمال الذين يقرأ عنهم سكان بورتسودان في الصحف اليومية أو يسمعون أسمائهم في المذياع فقط، أو على اللافتات الدعائية على أسوار الشوارع العامة. كما كان بعض روّاد النادي من الخواجات: بريطانيون وأستراليون وصينيون وهنود. لذا كان اختيار العمّال في النادي يتم بدقة متناهية.



    كان الريّس كلما وجد بحوزته ثمن البيرة الخالية من الكحول، ذهب إلى النادي الإفرنجي واستمتع بمشاهدة الآخرين وهم يعيشون حياتهم المخملية. كان - كلما تحصّل على ثمن البيرة الرخيصة - يفضّل الذهاب إلى النادي الإفرنجي على الذهاب إلى إحدى نوادي الحي البائسة أو السينما، فما يشاهده في النادي كان أكثر إثارة له مما يشاهده على شاشة السينما، وأكثر واقعية. وكان دائماً يقول: "النادي الإفرنجي سينما حقيقية."





    .
                  

07-23-2006, 10:48 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    ____________

    ذات يوم، جلس الريّس فوق إحدى صناديق الشحن الخشبية المختومة بختم التصدير باهت الزرقة، وأخرج ما في جيبه من نقود متآكلة كما لو كانت قد تعرضت إلى سربٍ من النمل الأبيض، وبدأ يعدها. فلما وجدها تكفي لزجاجة البيرة، أعاد طوي النقود، وقبّلها وهو يرفع بصره إلى السماء في امتنان. وضع الريّس نقوده مرّة أخرى في جيب قميصه المبتل بعرق ورطوبة الميناء، وتوجّه إلى النادي الإفرنجي من فوره. دخل، وجلس حيث اعتاد أن يجلس كل مرّة.


    كان أمير منهمكاً في تلميع الكؤوس، ووضعها بشكل أنيق على الرفوف، عندما رفع رأسه مبتسماً للريّس وحيّاه بإيماءة سريعة. ابتسم الريّس وهو يتابع حركة الناس. لاحظ أن النادي مزيّن ببالونات ملوّنة، وهنالك في الركن القصي من خشبة المسرح التي يوضع عليها جهاز ال"DJ" رجال بيوني فورمات زرقاء يعملون على تركيب أجهزة يراها لأول مرة، ولم يكن يعلم فيما سوف تستخدم. ولكنه لم يكن يرهق نفسه كثيراً لمعرفة كل ما يمر عليه. فهو يعلم أنه سوف يعرف لاحقاً عندما يرخي الليل ستائره. كان ما يراه الريّس في النادي الإفرنجي لا يمكن أن يراه في أي مكان آخر، لذا فقد كان يتابع كل ما يجري أمامه بانتباه بالغ. ويحاول الاستمتاع بوقته بقدر الإمكان.


    اقترب منه أمير مبتسماً ، وهو يحمل في يده اليمني زجاجة البيرة الخاصة به، وقد لفّ على ذراعه اليسرى منديلاً أبيضاً :

    * بختك يا عم الليلة بالزات حتمبسط ع الآخر. ويمكن يكون في بيرة ملح زاتو.
    - دقيقة .. دقيقة. شنو الليلة هنابيك وزينات .. الحاصل شنو؟
    * يا زول شايف الراجل الواقف هناك داك؟
    - ياتو واحد فيهم؟
    * الحلبي المتختخ اللابس بدلة كحلي داك، وشايل ليهو علبة في يدّو
    - أيوا .. أيوا .. مالو ؟
    * عيد ميلاد بتّو الليلة.
    - يعني شنو عيد ميلاد بتّو الليلة؟
    * كيف يعني شنو يا الريّس .. بقول ليك عيد ميلادا الليلة .
    - يعني مرتو جابت ليهو بت الليلة ولا شنو؟
    * الريّس إنتا جادي؟ بقول ليك عيد ميلاد تقول لي جابو ليهو بت؟؟؟
    - عليّ الطلاق ما فاهم .. يعني شنو؟
    * يعني قبل عشر سنة، زي الليلة كدي .. بتّو إتولدت .. فالجماعة ديل بيقوموا بيعملوا حفلة زيّ اللي إنتاشايفها دي.
    - يعني زي السماية كدي؟
    * سماية شنو يا الريّس ... بتبالغ!! عيد ميلاد .. أصلو ما حصل سمعت بعيد الميلاد.
    - حرّم أنا ما سمعت غير بعيد الفطر والأضحى والكرسماس وشم النسيم والمولد. هو في عيد تاني غير دول كمان؟
    * حسي حتشوف العجب .. كل ما تمر سنة على ولادة زول من أولاد الجماعة ديل .. بيعملوا ليهو حفلة .. والليلة حفلة بت زولك الحنفولي داك .. ما شايفو مبسوط لمن وشو بقى عامل زيّ الفشّة كيف؟
    - والعلبة الشايلا في يدّو دي بتاعت شنو؟
    * دي غالباً بتكون علبة طورتة .. ولا هدية .. الله أعلم.
    - طيب يا أمير .. الجماعة ديلاك .. قاعدين يركّبوا في شنو؟
    * ديل تبع محل "العديل والزين" بتاع الأعراس .. جايبين ليهم جهاز البخار.
    - ديشك !! جهاز بخار؟ يعني شنو؟
    * جهاز بيطلّع بوخ كده غريب
    - لزوم شنو يعني؟
    * أنا عارف !! أهو هبل وخلاص.

    - في بورتسودان يحلف جميع الرجال بالطلاق إذا كان الأمر بالغ الجديّة ولا يشترط أن تكون متزوجاً بالفعل ليتم تصديقك، وتحلف النساء بالحياة: وحياة غلاوتك، وحياة أولادي، وحياة أبوي وأمي، بينما يعتبر الحلف بالله هو الحلف الرسمي في المحاكم ودور القضاء فقط. حتى مولانا عبد القادر كرّار، بعيداً عن رسميات المحاكم وفي جلسات سمره مع أصدقائه من تجّار مراكب الصيد وتجّار الفاكهة وأصحاب المحلات يحلف بالطلاق دائماً. -





    .
                  

07-23-2006, 11:03 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    ____________

    ظلّ الريّس – بعد أن سحب إليه زجاجة البيرة وأخرج علبة التبغ المحلي – يراقب ما يحدث بكل اهتمام، وكلما سمع صوتاً التفت إليه، وكأنه لا يريّد أن يفوّت على نفسه أي مشهد قد لا يتكرر مرّة أخرى. أو كأنه يريد أن يفهم بسرعة ما يجري قبل أن تنتهي زجاج البيرة، ويضطر إلى الخروج؛ إذ لم يكن يسمح لأحد بالجلوس دون أن يطلب مشروباً أو وجبة. وكم تمنى أن لو كان يملك أكثر من عينين في رأسه! وما هي إلاّ بضع دقائق حتى امتلأ النادي بالناس: رجال أنيقون، ونساء حسناوات يرتدين فساتين ملوّنة ومزركشة، حتى شعورهن كانت ملّونة، تساقطت على نحورهن القلائد الذهبية التي تعطي بريقاً كلما تقاطعت مع ضوء الSpotlights على السقف المستعار الممتلئ بالأنوار الملونة هي الأخرى. هنا حتى السمرة لها رونق آخر غير سمرة النساء العابرات في الأحياء البسيطة، فتلك سمرة متعَبة وكالحة، بينما سمرة نساء النادي الإفرنجي سمرة تملك سر العلاقة بين الضوء والفراشات المنتحرة على أعتابها. وكان كلما سئل الريّس عن اللون الذي يعشقه، يتردد قبل أن يجيب : السَمَار نص الجمال طبعاً !! وهو الذي كان لفترة طويلة يؤمن بأن بياض البشرة هو علامة من علامات رضا الله على عبده. وعندما كانت تشتعل النوافير المائية والجدول المائي الاصطناعي كان الريّس يتعجب – في كل مرّة – من أين يأتي وأين يصب. لم يكن يهتم كثيراً لنظرات البعض التي كانت ترمقه بين الحين والآخر. نظرات وكأنها تتساءل في حيرة: ما الذي أتى بهذا الرجل إلى هنا؟ أو: كيف سمح لهذا الشخص بالدخول بهذه الهيئة؟ لم يكن يكترث لها لأنه يعتبر نفسه جاء من أجل الفرجة عليهم. كان يعتبر نفسه وكأنه على إحدى مقاعد السينما.


    عندما دخلت تلك الحسناء الشيرازية صالة النادي ذات الإضاءة الخافتة، وأضواء الSpotlights ترمي بأطراف أصابعها الملوّنة على شعرها الذي لم يُعرف لونه على وجه التحديد، ومشيتها الواثقة التي تقطر أنوثة مع كل خطوة تخطوها على أرضية الصالة الأبلكاشية، وفستانها الضيّق الذي يبرز أردافها المكوّرة يذكّره بحورية البحر التي طالما سمع عنها في قصص صيّادي البحر القدماء؛ لم يصدّق الريّس نفسه، وهو ينظر إليها في حين بدت مبتسمة للحضور الذي وقفوا في صفين متوازيين. بدأ الجميع يقبّلون يدها التي تشبه قطعة الجيلاتين الغضّة وهي تمدّها بكبرياء وابتسامة ملوكية، حتى توقفت في مقدمة الطاولة الاحتفالية. عندها توجّه أمير نحوها مسرعاً ليناولها بكل أدب جمّ كأساً من النبيذ الأحمر المخفّف بالثلج. ولا ينسى الريّس كيف كانت ابتسامتها له وهي تتناول الكأس منه في امتنان. ظلّ يراقبها أنّى اتجهت، وكلّما حال بينه وبينها أحد الضيوف، ألصق كرسيه في مؤخرته وتحرّك مرّة لليمين ومرّة لليسار. كان وكأنه لم ير امرأة قط. شعر الريّس بشيء بارد يسري في أوصاله كالما رآها مبتسمة. ورغم أنها لم تره – لأنه كان في موقع مظلم في آخر الصالة - إلاّ أنه كان يشعر بدغدغة في صدره كلما التفت برأسها نحوه. ولم يصدّق الريّس نفسه عندما مرّ أمير بجواره مسرعاً، فلتقفه :

    * كويس إنّك جيت براك.. تعال وريني النجفة ديك منو؟
    - هاها .. يا مان والله دي إلاّ تقعد تعاين ليها من بعيد بس .. مالك ومالا إنتا
    * ها يا الهطفة .. حسي أنا قلت ليك داير أعرسا؟
    - دي يا سيدي خوّاجية طليانية ..
    * ياخي لاكين دي ما مبالغة .. اسمها شنو قلتا لي ..
    - اسمهااااااا ... أيوا .. ميرامار.
    * شنو ؟؟
    - ميرامااااار
    * ياخ الخواجات ديل قدر ما سمحين .. قدر ما أساميهم مكعوجة .. ما تعرف ليه.. حسي عليك الله دا اسم بني آدم، ولا دوا كحة!!








    .
                  

07-23-2006, 11:12 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    ___________

    يواصل أمير في عمله، وهو يبتسم، لتغريبات[2] الريّس التي يعرفها جيداً، بينما عاد الريّس لمتابعة الطليانية التي أسرته منذ الوهلة الأولى. كانت ترتدي فستاناً بلا أكمام، ونهداها البارزان يكادان أن يندلقا من تكويرة طالما تعجّب فيهما الريّس وهو يمصمص شفاهه ويقول: "ياخي ديل مخلوقين من شنو أصلو؟." كان أكثر ما يدهشه هو ابتسامتها الساحرة ذات الكبرياء الواضحة والتي لا تفارق وجهها أبداً، وتهافت الجميع للسلام عليها وتقبل أطراف أناملها. كان كلّما فعلها أحدهم، شعر بشيءٍ ما يوخزه، لم يعرف ما إذا كانت غيرة أم حسد. ظلّ الريّس على حالته تلك حتى انتهت زجاجة البيرة الرخيصة، فاضطر لمغادرة المكان مأملاً نفسه بالعودة في الشهر القادم.


    يخرج لتنخفض أصوات الموسيقى في أذنيه، وتختفي الأضواء الملونة في عينيه، ويتركها خلفه وكأنه خارج من الجنة إلى الدنيا، أو من الدنيا إلى الجحيم. متراقصاً على أنغام الموسيقى التي تبدأ بالذوبان في أذنيه كلّما ابتعد. يضرب كفاً بكف وهو يركل حجارة الطريق نادباً حظه العاثر متسائلاً: أين سمعت هذه العبارة "المال روث الشيطان"؟ ومن يا ترى هذا الشيطان الذي زرع في رؤوسنا هذه الخزعبلات؟ وفي كل مرّة كان يتنهد بصوتٍ عالٍ وهو يقول: إإإإإيه .. ناس عايشة، وناس دايشة!!!




    ________

    [2] التغريبة: هي القفشة أو النكتة سريعة البديهة.




    .

    (عدل بواسطة هشام آدم on 07-23-2006, 11:14 AM)

                  

07-23-2006, 11:20 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    ___________

    وفي طريقه إلى المنزل، يشير إلى المركبات العابرة لتقله في طريقها إلى أي نقطة أبعد من مكانه. تتوقف سيارة (بوكس) فيركض ليرمي نفسه في حوضها الخلفي قبل أن تتوقف تماماً، ويجلس مع آخرين. آخرون يحملون ملامح أقرب إلى ملامحه، يشعر إلى جوارهم بأنه أكثر تميّزاً، ربما لأنه يحمل في داخله إردبّات سعادة لا يحملونها، وقد لا يستشعرونها فيما تبقى من حياتهم. يتكلمون عن أشياء يعرفها ويفهمها: أزمة الديزل التي أدت إلى توقف الشاحنات ناقلة البضائع وبالتالي انعدام بعض المواد الأساسية كالزيت والسكر والبصل وبعض الخضراوات، حادثة انقلاب باص الركاب الإكسبرس على طريق العقبة ووفاة أربعة أشخاص إضافة إلى السائق، قطوعات الكهرباء وما تسببه في الصيف من أزمات حادة وتضرر الناس على إثر ذلك، الزيادة الملحوظة للقرّاص وحشرات الصيف. موضوعات يألفها الريّس أكثر من تلك التي يسمعها في النادي الإفرنجي.


    أناس تضحكهم أشياء بسيطة وربما تافهة، يتندرون بأنفسهم وبما يجري من حولهم بكل سخرية. تكلّموا عن حفلة العرس التي انقطع فيها التيار الكهربائي، وكيف أن الحضور دهشوا - بعد عودة الكهرباء - عندما لم يجدوا للعرسان أي أثر. قال البعض – سراً – أن العريس من عائلة محافظة جداً، ولم يكن يسمح له بالاختلاط مع الجنس الآخر، وأنه كان متلهفاً لانتهاء الحفل. وقال البعض الآخر أن العروس كانت مستاءة من عدد السكارى في الحفل. بينما ذهب آخرون إلى أن انقطاع الكهرباء كان مدبّراً من قبل ذوي العريس الذين أرادوا التهرّب من عشاء المدعوين الذين فاق عددهم حد توقعاتهم وإمكانياتهم، غير أن جميع الروايات اتفقت على أن انقطاع الكهرباء كان حلاً سماوياً دون شك. في الطريق، يضرب الريّس بيده على جانب البوكس ليخفف من سرعته، فيسارع بالقفز قبل أن تتوقف تماماً، ويلوّح للآخرين مودعاً إياهم، بينما تنطلق السيارة مرّة أخرى.





    .
                  

07-23-2006, 11:24 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    ___________

    في بورتسودان يكفي أن تلتقي بالناس في مركبة عامة فيتولّد نوع من الإلفة بينك وبينهم. لا يهم إن كنت تعرفهم من قبل أو لا، إذ يمكن لأي شخص أن يشارك الآخرين حديثهم حتى وإن كان قد انضم إلى الجلسة للتو. أهل بورتسودان البسطاء، بسطاء في كل شيء حتى في أحاديثهم وفي علاقاتهم. وهم لا يحبون الذين يتعالون عليهم. من ملامح الناس العابرة صباحاً إلى كل مكان تعرف تفاصيل الطقس الحياتية. وحركة الأقدام لا تخف وطأتها على الأرض إلاّ في موعد المسلسل المسائي، وفيما عدا ذلك فبورتسودان مدينة حيّة وتعج بالحركة. وعندما تخف حركة أقدام البشر، تبدأ الكلاب نوبتها الليلة، فتتعالى أصوات النباح في كل مكان. قلّة من الناس هم من لا يملكون كلباً أو يشتركون مع جار ملاصق نباح كلبهم وحراسته الليلة. الإضاءات الخافتة داخل البيوت والمنبعثة من فوانيس زيتية تجعل الشوارع أكثر عتمة، بينما تتعالى أصوات ضربات الطار في مسيد الطريقة القادرية لتكوّن مع نباح الكلاب جوقة مسائية أصبحت معتادة لأهل ديم بوليس. أسوار المسيد وبابه الزنكي المضاء بأنوار خضراء تزيّن الحي دون أن تزوّد المارة بالضوء الكافي المخفِف للعتمة والظلام هو ما يذكّر الريّس بأن اليوم هو يوم الاثنين دون شك. يمر عبر ميدان الحي المليء بالحصوات الصغيرة المتناثرة، وحفر السكّج بكّج والبلّي المصنوعة بيد الأطفال دون أن تسترعي انتباهه القصائد النبوية التي تتلى، ودون أن يهشّ نباح الكلاب عن أذنيه.







    .
                  

07-23-2006, 11:25 AM

غادة عبدالعزيز خالد
<aغادة عبدالعزيز خالد
تاريخ التسجيل: 10-26-2004
مجموع المشاركات: 4806

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    الاخ العزيز
    هشام

    اتابع معك
    هذا الجمال

    ودى
    غادة
                  

07-23-2006, 11:45 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: غادة عبدالعزيز خالد)

    ____________

    كان الريّس يحس بسعادة تغمره وتشعره بأنه أصغر من سنواته الثلاثين، وهو يتقافز بين الحفر الرملية التي تملئ ميدان دقنة، ملوّحاً بيديه الاثنتين في الهواء كأنه يجرّب الطيران الأمر الذي كان يثير فضول الكلاب ونباحها. كان الظلام والوقت المتأخر ما يغريه بأن يتراقص على الأنغام التي ما زال يتذكر طعم إيقاعها جيداً، ويعيد تعبئتها في كل مرّة، تماماً كآلة البيانولا. الكلاب والمدّاحون والريّس كانوا هم مصدر الإزعاج الوحيد للحي النائم بسلام، متدثرين برطوبة الصيف المعتادة والقرّاص.


    عندما اقترب الريّس من منزله، بدأ في اكتساب بعض الاتزان والهدوء، ورسم كروكياً لملامح جادة نوعاً ما. يرفع يديه، ليُسقط مزلاج الباب بهدوء وحذر خشية أن يوقظ أمه التي تنام في فناء المنزل.

    - جيت يا المسخوت؟
    * إنتي صاحية يا أم محجوب وله صحيتي مع صوت الباب؟
    - هو أنا بجيني نوم وإنتا بره؟ يا ولدي ما قلتا ليك بطّل الصرمحة والصعلكة بتاعتك دي .. القدرك معرّسين وفاتحين بيوت حسي


    يواصل الريّس إحكام إغلاق الباب بكل هدوء دون أن يردّ على اسطوانة والدته التي اعتاد على سماعها في كل ليلة يتأخر فيها خارج المنزل. كانت أمه تعتبر هذه النصائح كالمعوذتين قبل النوم، بل كانت تتحين الفرصة لتتلو "نهج البردة" على مسامعه في كل مرّة تجد فرصة مواتية لذلك. يسحب الريّس بقدمه اليسرى طوباً ملقىً إلى جانب الباب ويثبته من الأسفل، ويدخل إلى الفرندة ويخرج حاملاً سريره بيديه، ويعود ليضع عليه مرتبة من الإسفنج ووسادة تشبه إلى حدٍ كبير ورق الباسطة الناشفة. يقف برتابة ممسكاً بملاءة ينفّض بها بعض الغبار – ربما – عن المرتبة الإسفنجية. أمّه التي كانت تبحث في نقاشها معه عن خاصرة ضعيفة تكسر فيها قناعته بالعزوبية، كانت فقط تحلم بأن تراه متزوجاً كبقية أصدقائه. وبين كل كلمة وأختها كانت تبصق ماء التمباك المتأسّن في فمها على علبة "حليب نيدو" مملوءة بالتراب إلى منتصفها. وتعيد وضع العلبة تحت سريرها وهي تغمغم بكلمات لم تعرف ما إذا كانت دعوات أم لعنات. بجوار السرير الذي تنام عليه نفرين - أم محجوب الريّس - طاولة صغيرة من النوع القابل للطي وعند فردها أو طيّها تصدر صوت طقطقة، لذا يسميها البعض "طقطوقة"، عليها كأس ماء شفّاف تضع عليها نفرين طقم أسنانها، وسبحة طويلة لا تفارقها أبداً.







    .
                  

07-23-2006, 11:54 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    ____________
    الأخت العزيزة غادة عبد العزيز

    بدايةً كيف حالك؟ مشتاقين كتير والله ، وطوّلنا منك ومن بوستاتك الجميلة
    وأتمنى إنو الpromotion بتاع الرواية يعجبك لأنو للأسف ما حقدر أنزّل كامل الرواية لدواعي تجارية طبعاً

    على العموم متابعتك تسعدني كتير ولي قدام يا عزيزة
                  

07-23-2006, 12:03 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    ____________

    يستيقظ الريّس صباحاً على صوت غرف نفرين لحوض الحمّام، وأصوات أبواق باعة الأواني المنزلية المتجولين. يرفع رأسه بتثاقل ليفاجأ بأشعة الشمس تغسل وجهه، فيقطّب حاجبيه وكأنه أحد عمال المناجم الذين يرون النور لأول مرّة. ولا يستغرب كثيراً عندما يرى ماعزاً عابراً يمدّ رأسه بفضول عبر فتحت باب المنزل الموارب. ماعز ألمح مشاكس بقرنين صغيرتين ناتئتين كأسنان الأطفال اللبنية وضع أصحابها حول ضرعها خُرتاية[3] قماشية مربوطة إلى ظهرها تحاول خطف بعض الأوراق الصفراء التي تسقطها شجرة الجميّز العملاقة ظنّاً منها بأن من بداخل البيت لا يمانعون في ذلك، فتتقدم بكل ثقة أو وقاحة عندما تنتبه نفرين فتلوّح لها بالمقشّة البلدية، فتولي هاربة. هذه التفاصيل الصباحية أصبحت تفاصيل معتادة وإجبارية للريّس. ينهض الريّس معتدلاً فوق سريره، وهو يتمطّى بعد أن ألقى تحية الصباح على أمّه التي ترّد عليه باقتضاب - معتاد أيضاً - : "الفطور مغتّى عندك جوّا في المطبخ .. غسّل وشّك وقوم أُكُل ليك لقمة."




    ________

    [3]خُرتاية: كيس قماشي يُربط على ثدي الماعز لمنع صغارها من الرضاعة، وذلك محافظةً على الحليب ليستفيد منها الإنسان
                  

07-23-2006, 12:08 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    ______________

    صباح بورتسودان أكثر ضجيجاً من أي مدينة سودانية أخرى. الكل – بعد إلقاء التحية الصباحية – ينطلق في هدوء وعجلة إلى عمله: عمال الميناء، والصيّادون، وعمّال السكّة الحديدية، وطلاب المدارس، وموظفو الدوائر الحكومية، وأصحاب محلات الخضار والأقمشة، وباعة الأواني المنزلية المتجولون، وحرفيو الورش الصناعية بأفرهولاتهم الزرقاء، والعساكر ببذلاتهم الخضراء، حتى النوارس على طول امتداد رصيف الميناء الكل متجهون إلى أعمالهم، الكلاب هم الكائنات الوحيدة التي تأوي متكاسلة إلى ظلال البيوت والأشجار والميازر بعد قضاء ليلٍ طويل في النباح والوقوف على أسوار البيوت النائمة. يجلس الريّس بعد أن فرش حصيرته على الأرض، متناولاً إفطاره بطريقة ميكانيكية، بينما ما تزال ابتسامة تلك الفاتنة الإيطالية لا تغادر مخيّلته أبداً. كان كلّما تذكر تلك الابتسامة المعجونة بكبرياء من النوع المحبّب، يبتسم لوحده، وكأنها تبتسم له الآن. وما تزال مشيتها التي تشبه تهادي الأفيال الأفريقية مرسوماً على ذاكرته التي حفظت كل تفاصيل تلك الليل وكل تفاصيل تلك الحسناء، ولم يعده له مكان لاسمها، فنسيه. كان يقول: "الأسماء لا تهم، فهي رموز .. ليس إلاّ." لم يُعده من غيبوبته تلك إلاّ صوت تكسّر الرغيف الناشف بين أسنانه.


    انتهى الريّس من وجبة الإفطار، وشرع يرتدي ملابسه استعداداً للخروج. وقف أمام خزانة الملابس الحديدية متقشّرة الطلاء، وبنظرة خاطفة لمح صورة أبيه المعلّقة على إحدى جدران الغرفة الكلسية. رجل فقير متأنّق في مضارب السبعين، ذو ملامح بوهيمية واضحة. يرتدي عمامة كبيرة جداً، ووجه صغير بائس وشلوخ غير متساوية على خديّه السمراوين، وشفاه غليظة. وفي أسفل الصورة جملة مكتوبة على خلفية بيضاء بالآلة الناسخة بالكاد تظهر حروفها: الشيخ عبد السلام محجوب الكاشفي 1957م ، لم يكن للريّس أو أي شخص من ذريّة محجوب الكاشفي (الجِد) علاقة بعائلة الكاشفي الموسيقية المعروفة لدى السودانيين، رغم أنه كان يدعي هذا النسب في كثير من الأحيان. والريّس الذي لم يكن يجيد اللعب على أي آلة موسيقية هو الابن الوحيد لأبيه بعد أن توفي أخوه الأكبر مكيّ عبد السلام محجوب في حادثة غرق قديمة لا يكاد يتذكر تفاصيلها.







    .
                  

07-23-2006, 12:11 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    ____________


    ميرامار

    (رواية تحت الطبع)











    .
                  

07-23-2006, 12:10 PM

معتز تروتسكى
<aمعتز تروتسكى
تاريخ التسجيل: 01-14-2004
مجموع المشاركات: 9839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)


    لوووووووووووووووووووووووول
                  

07-24-2006, 01:40 AM

غادة عبدالعزيز خالد
<aغادة عبدالعزيز خالد
تاريخ التسجيل: 10-26-2004
مجموع المشاركات: 4806

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: معتز تروتسكى)

    الاخ العزيز
    هشام آدم

    استميحك عذرا بالتداخل مرة اخرى, فقج استوقفنى الحكى البسيط, بلا تكلف, او تعقيد. وبالرغم من اننى لا اعتقد اننى ناقدة ادبية, الا ان هنالك فى بعض الاحيان, معانى فى القصص تستوقفنى, و منها هنا قصة محجوب, ذاك الصياد الماهر, العامل بحد و المتفانى فى عملة, و بالرغم من هذا كلة, يجد و زملائة بالكاد, ما يسد رمقهم.. و لا يجدون سبيلا لان يدخرون مبلغا يحميهم من الويلات, و غدرات الزمن..

    و من المفارقات, ان كل العمال, وقفت فى طريق تقدمهم, نفس دولتهم. فرضت عليهم الدمغات, و الضرائب, فاصبح شقاهم يدفع ثمن راحة اناس آخرين. زادت نفس الدولة اسعار المراكب, فاصبحوا محاصرين. العمل الدئب, و الرزق الوافر, و يعد كل هذا..لا يجنى محجوب و زملاة الا الشقاء,, و خيبات الآمال العراض,,

    و بالرغم من كل هذا, نجد الربس سعيدا فى حياتة, و هانئا. تمر بة الايام, و لا يعبأ سوى بزجاجة بيرة, غير كحولية, ليهنأ بها مرة فى الشهر, ينعم نفسة, و نظرة, ساعات قليلة, بها يقاس كل العمر.. و تبقى ميرمار, ساحرتك الفاتنة.. عشقها محجوب فى لحظة, و تعلق بها قلبة كل العمر..و بالرغم من انك لم تستفط فى الحديث عنها هنا, الا اننى ادرك, انك و لا بد, قد افسحت لها المجال واسعا فى كامل القصة..و لا ادرى لمّ, اسميتها ماريمار,, اول شيئ خطر بذهنى كان قصة نجيب محفوظ التى تحمل نفس الاسم..

    خلاصة القول, اننى قد استمتع بالقصة و بالمقاطع التى اوردت انت منها هنا, و لولا ضيق فى الوقت, لكنت قد استفضت,, و لك منى كل العذر.. على التداخل مرة اخرى, و بدون اذن
    خالص الود
    غادة
                  

07-24-2006, 06:11 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: غادة عبدالعزيز خالد)

    ____________
    العزيزة غادة عبد العزيز

    ما يهمني هو أن تكون الملامح الكروكية لهذه الرواية قد نالت إعجابك. في الحقيقة تقف أمامي مشكلتان (عويصتان)، بدأت كتابة هذه الرواية في أواخر الشهر الماضي (يونيو 2006م) وحتى هذه اللحظة لا يستهوني عنوان آخر غير (ميرامار) رغم علمي المسبق بأنها اسم رواية للأديب العالمي نجيب محفوظ. ولكن ما حدث هو أنّ عملية تسمية شخوص الرواية أو القصة يأتي كحدس من الكاتب نفسه، يشترط – ربما – موافقة الاسم للشخصية التي تجسدها.

    وجدت اسم ميرامار، دون سابق إنذار يصرّ عليّ كثيراً. ربما لأن الاسم غريب نوعاً ما، أو ربما لأنه يوحي بجمال أنثوي أريد أعجز عن وصفه، وكان استخدامه بمثابة مساعد أو مخفّف عن وطأة الوصف والسرد حول الشخصية ذاتها. فيكفي الاسم وبعض الوصف القاصر من ناحيتي ليستشف القارئ جمالها الذي هو ركن أساسي في الرواية. منطقية أن يهيم شخص سوداني فقير ب(خوّاجية) بارعة الجمال.

    ميرامار في رواية نجيب محفوظ هو اسم مكان (النزل أو البنسيون) الذي كانت تدور حوله أحداث الرواية، وميراماري إنسانة جميلة. وربما أجنح إلى تغيير اسم الرواية إذا حالفني الحظ ووجدت اسماً آخر.

    المشكلة الثانية والتي لا تقل أهمية عن مشكلة اسم الرواية وإشكالية ذلك؛ هو أنني ما أزال أعتصر ذاكرتي لاستحلب منها (12) يوماً فقط قضيتها في بورتسودان في عام 1994م. أحاول تذكر ملامح المدينة وشكل بيوتها. ولا أدري أي مصيبة هي التي أوقعتني في أن أجعل أحادث هذه الرواية تدور في بورتسودان. ربما أغراني بذلك روعة ال(12) يوماً التي قضيت فيها. يساعد في تفاقم هذه المشكلة، رداءة الذاكرة التي أتمتع بها.

    ما ذكر هنا في هذه السطور، ليس إلاّ ربع الرواية أو خمسها تقريباً، ولكنني أحسست برغبة في مشاركتكم إياها قبل الانتهاء من طبعها بشكلها النهائي. وأتمنى من كل قلبي أن تنال الرواية على إعجابكم سيّما وأنها التجربة الروائية الأولى لي.




    تذييل:
    أموت وأعرف البضحكك شنو يا معتز يا تروتسكي!!!
                  

07-24-2006, 06:55 AM

معتز تروتسكى
<aمعتز تروتسكى
تاريخ التسجيل: 01-14-2004
مجموع المشاركات: 9839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    Quote: تذييل:
    أموت وأعرف البضحكك شنو يا معتز يا تروتسكي!!!

    ابو الشوش راجع ايميلك..بتعرف..
                  

07-24-2006, 11:32 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: معتز تروتسكى)

    ______
    الصديق اللدود معتز (تروتسكي)

    لم أستلم شيء في بريدي الإلكتروني

                  

07-24-2006, 12:18 PM

يوسف الولى
<aيوسف الولى
تاريخ التسجيل: 12-28-2005
مجموع المشاركات: 1312

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    Quote: ما حقدر أنزّل كامل الرواية لدواعي تجارية طبعاً


    اخى هشام

    شكرا لنثر درر الجمال هنا
    وانا شخصيا ساكتفى بما نشر هنا وحاتخيل باقى الروايه
    وذلك لاسباب تواجدى فى بلد طيرا عجم ومافيها كتب بالعربى

    اكرر اعجبابى بميرامار وكتاتبها

    وسانتظر حتى ياتى يوم يكون نشر كل الروايه ها ممكنا
                  

07-24-2006, 12:23 PM

نادية عثمان

تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 13808

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: يوسف الولى)

    هشام ايها المسكون ابداعا ومعجونا بالطيبة والشفافية



    Quote: ميرامار

    (رواية تحت الطبع)



    هل لى ان احجز نسختى منذ الان ؟!!

    بالتوفيق ايها القصاص الرقيق

    وكن بالف خير دوما




    راجع ماسنجرك
                  

07-24-2006, 01:17 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: نادية عثمان)

    _________

    Quote: شكرا لنثر درر الجمال هنا
    وانا شخصيا ساكتفى بما نشر هنا وحاتخيل باقى الروايه
    وذلك لاسباب تواجدى فى بلد طيرا عجم ومافيها كتب بالعربى


    العزيز يوسف الولي

    إنه ليسعدني جداً أن تكون أول خطواتي نحو فن الرواية

    مقبولة من البعض، لا سيما الذين أثق برأيهم. المطبعة التي تتولى مسئولية طبع القصة غير مسئولة مطلقاً عن مراجعتها ، لذا تجدني أضع يدي على قلبي والرواية على أعتاب طرحها في الأسواق ، قبل أن أستشعر مدى صالحيتها وجاهزيتها للنشر والقراءة. ربما كان نشر جزء من الرواية في المنتديات العامة وسيلة تحايلية مني لأقيس بها مدى تقبّل القراء لهذه التجربة الجديدة. وأتمنى ألا تفشل هذه التجربة.

    كنت – وما أزال – بحاجة إلى آراء نقدية حول ما كتب، ولكن يكفيني الارتياح والاستحسان الذي ألمسه من بعض القراء هنا، وفي منتديات أخرى. فقط أدعو لي بالتوفيق يا يوسف



    لك خالص شكري ومودتي

                  

07-24-2006, 02:01 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    ________

    ندوية العسل

    من الطريف أن يلتقي ذات الثلاثي: أنتِ والأستاذة غادة عبد العزيز وهذا اللدود الغياااااظ تروتسكي مرّة أخرى. دخلت الأستاذة غادة – كعادتها – لترفع غطاء بصري عن مواطن لا أستشعرها في ما أكتب. وتتناول بمسحة جيولوجية ملامح عامة لهذه الرواية. فابتسمت بمقدار 20 درجة، وعندما دخل الولد الغياظ ابتسمت بمقدر 45 درجة، وكنت أقول في نفسي، لم يتبق إلاّ شخص واحد، وإذ بي وقبل أن أكمل جملتي أجد اسمك على أبواب هذا البوست، لتكتمل زاوية الابتسامة إلى 90 درجة كاملة غير منقوصة.


    قرأت بالطبع رسالتك في الماسنجر، وأقول لكِ (لا شك عندي في ذلك يا نادية) ولكني بدأت أمل من تكرار ذات الجملة.

    ما يجب أن تعرفيه جيداً يا نادية، إنني بالفعل سعيد بهذه المداخلة تحديداً ، ليس لأنها كانت السبب في اكتمال زاوية الابتسامة المنقوصة، بل لأنني كنت أحتاجها بالفعل.


    على فكرة: زعلان منك عشان ما عزمتيني في عرس أختك، واقتصرتِ العزومة على بورداب القاهرة في بوست يقد عين الشمس وعلى عينك يا تاجر، بس ما مشكلة. إن شاء الله ألف مبروك للعروسين، وعقبال ما نفرح بعروستنا الأمورة بنتك. إلاّ بالحأ هي إسمها إيه؟

    تسلمي من كل شكر يا ندوية وربنا ما يجيب زعل أبداً



    (عدل بواسطة هشام آدم on 07-24-2006, 02:02 PM)

                  

07-24-2006, 02:48 PM

معتز تروتسكى
<aمعتز تروتسكى
تاريخ التسجيل: 01-14-2004
مجموع المشاركات: 9839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    مرات اقول انسى العذاب واقفل كتابك للابد..
    القاك انسان للعيون ملكت للروح والجسد
    مدد ادينى من ريدك مدد
    والشوق البحر ماليهو حد..
    انا فى هواك درويش غرام
    والشوق بحر ماليهو حد..
    ويا اراق من همس النسيم واحلى من طعم الشهد..
    خايف عليك من العيون خايف عليك من الحسد..

    -----------------
    تعرف هشومى قدر ما اخش البوست ده بنفقع من الضحك..
    ماتهم لى خزعبلاتى الغياظه دى اكيد بتكون وقعت ليك..
    لانو اساسا البوست ماحيكون فى اضافه لانو الباقى فى السوق...

    اهو كلو بصب فى مصلحة رفع البوست..

                  

07-25-2006, 10:42 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: معتز تروتسكى)

    _________

    Quote: اهو كلو بصب فى مصلحة رفع البوست


                  

07-25-2006, 11:32 AM

ناصر جبريل
<aناصر جبريل
تاريخ التسجيل: 03-27-2006
مجموع المشاركات: 759

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    العزيز هشام

    منتظر من زمان.....










    تخريمة...

    بحكم عملى (مخرج صحفي ومصمم) عندي رغبة اكيدة في تصميم الغلاف اذا احببت!
                  

07-25-2006, 12:30 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: ناصر جبريل)

    __________

    العزيز ناصر جبريل

    أولاً أشكرك على القراءة .. وسعيد بأنّ الرواية قد نالت إعجابك
    بخصوص تصميم الغلاف فأنا يشرّفني ذلك بالطبع، كما أنني سعيد
    بالحماسة التي استشعرتها في كلامك.


    أتمنى أن ترسل لي تصاميمك المقترحة على عنواني البريدي
    [email protected]

    ويشرفني أن أتعاون معك في هذا العمل، ومن يدري فقد تكون فاتح
    لتعاون مستمر وقادم بإذن الله



    لك التحية والشكر أيها العزيز






    .

    (عدل بواسطة هشام آدم on 07-25-2006, 01:52 PM)

                  

07-25-2006, 02:21 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    _____________
    نقلاً عن منتديات الراكوبة


    عزيزي هشام .

    تحياتي وتهاني ّ علي هذه المقدرة علي الكتابة التي أصبحت أمراً شاقا ً . وأيضا ً تهاني ّ للاصرارعلي الإمساك بخيط الفكرة ، الحوار ، البناء الدارمي . وإن بدا لي غير متماسك ٍ في هذا النص تحديداً ، وهذا ما سأعود إليه لو استطعت ُ تحللاً من واجبات المعاش المرهقة أو قل المقرفة . في اعتقادي – عموما ً – أن ّ الاصرار علي فعل الكتابة والمثابرة عليه لهو استجابة لمحرك ٍ أو محفز ٍ أو قلق ٍ داخلي ( ذلك ، إذا شئت َ وشاء َ لك وليَ الهوي ) . و قد سُميّت الفنون والآداب تعبيراً لكونها تجسّر للداخل و الخارج ، والداخل هو داخل النفس : أشجانها . أحزانها . بل وكل شؤونها . والخارج هو الآخر ، المتلقي . هو أنا بالنسبة لك ( أنت َ ) ، وأنت َ بالنسبة لي ( أنا ). وصدق وكذب التعبير/ سموق وانحطاط المنتوج الفني والأدبي إنما هو في اقترابه من الحالة الشعورية أو ابتعادهـ عنها ، هو في متانة التجسير من عدمه ، ليتواصل الداخل بالخارج عبر ذلك الجسر حد التطابق ليفتح بذلك عوالم الدهشة والغرابة ، أي المفارقة . و يزداد الأمر صعوبة ً كلما أمعنت الإنسانية في ترويض المخيلة التي نتّف ريش َ أجنحتها غولُ الحياة المادية الضارية ، وما القومة والقعدة والمعافرة والمدافرة - يا عزيزي - في كل هذه الدنيا إلا صراع ُ اتصال ٍ وانفصال . وأعلم يا عزيزي ، أن منحني تعلّم رصد الفكرة ، الخاطرة ، الصورة الجمالية لهو في اضطراد ٍ ما ثابر المرءُ علي الكتابة وفعلها الشاق ( الكتابة هي فعلُ تهذيب ٍ وتشذيب ٍ يكون فيها الكاتب كالبستاني في بستانه .. والكتابة ُ في بدايتها فعل ُ انعتاق وفي نهايتها فعلُ توثيق ٍ شاق . سأعود لهذا ) . ما أردت ُ قوله في هذه العجالة أنك يا عزيزي – هشام آدم – من المثابرين علي فعل الكتابة في حدها الشاق الذي يعني بالضرورة معاناتكم مخاض إنعتاق الفكرة ، الخاطرة ، الصورة الجمالية ... إلخ . وهذا شئ ٌ يحمد كثيرا ً . ويفتقدهـ كثيرٌ من المبدعين بالفطرة . فتهاني َ تاني . وأتمني أن يتواصل هذا التدفق .

    ميرامار : اسم محفوظ .. لنجيب محفوظ .

    أعود لميرامار ( رواية تحت الطبع ) . ولن أدخل في تفاصيل النص الذي قرأته ولي عليه ملاحظات أتحفظ عليها الآن علي أمل أن تبطل فاعليتها حال إنزالكم لفصل ٍ آخر ينجلي به الغموض – البادي لي حتى الآن - لكني لم أستطع تجاوز عنوان الرواية : ميرامار . وهو عنوان لرواية ٍ معروفة ٍ للكاتب النوبلي ( أي الحائز علي نوبل ) نجيب محفوظ والتي كتبت في العام 1967 وقد قام باخراجها للسينما تحت نفس الاسم المخرج كمال الشيخ . وقد أثار التعارض والتضاد الكبيرين بين رسالة الرواية ، أي هدفها ، ورسالة الفيلم ، أي هدفه . أثار ذلك لغطا ً كثيراً فقد صب الفيلم جام غضبه علي الثورة و بذلك فقد أربك السينارست ممدوح الليثي والمخرج كمال الشيخ ، أربكا نص الرواية النجيب محفوظية التي كانت تهدف إلي تشريح الواقع وتبيان نقاط الضعف فيه ، وهو واقع ٌ تاريخي - كما نعلم - علي وشك المواجهة مع اسرائيل رغم احتقان الوضع ، أي البيئة الداخلية ، في المنطقة في شروط ٍ يتجاورُ – لا يتحاور ُ - فيها نمط ُ الانتاج البدائي مع الاقطاعي مع الكولنيالي التابع . وهذه الرواية يا عزيزي هشام تثير في نفسي كثير من التداعيات ( تذكر أن ّ اليوم 23/07/2006 تمر ذكري ثورة الضباط الأحرار في مصر التي غيّرت ، مؤقتا ً ، الخارطة السياسية والاقتصادية والثقافية للمنطقة وتبع ذلك تغير في الفنون والآداب ) .. المهم .. تدور رواية ميرامار عند نجيب محفوظ حول فتاة ٍ ريفية اسمها زهرة سلامة تهجر قريتها حتى لا تزّوج ُ قسراً لكهل ٍ لا تحبه . وتلجأ للعمل ببنسيون بمدينة الاسكندرية ، اسم ذلك البنسيون هو بنسيون ميرامار الذي جاء منه اسم الرواية .. وهنالك تدور الأحداث بين رجال أربعة وفتاة يرمزون لمراحل و بني ٍ اقتصادية واجتماعية وسياسية .. فسرحان البحيري هو ذلك الانتهازي الذي صعد بالحماس الزائد ، أكرر : بالحماس وحده ، ليصبح ثوريا ً وقائداً بالاتحاد الاشتراكي والذي تنحصر رؤية العالم عنده ، أي عند سرحان ، في : فيلا وسيارة وامرأة . وهذه المرأة التي يحلم بإدخالها إلي مخدعه هي زهرة سلامة( قامت بالدور شادية ) رغم علاقته الداعرة براقصة البنسيون صفية بركات ( قامت بالدور الممثلة نادية الجندي ) . هنالك العجوز طلبة بك المرزوقي ، الاقطاعي الذي صادرت الثورة كل فدادينه بالاصلاح الزراعي . والذي يحلم باليوم الذي سوف يتمكن فيه من استدراج زهرة سلامة إلي غرفته بالبنسيون كي تدلك له ظهرة وأكتافه . فهو عنّين كما هي طبقته ، وهنالك صاحبة البنسيون ماريانا اليونانية التي فقدت زوجها الكابتن الأنجليزي في ثورة 1919 وصادرت ثورة يوليو مدخراتها في الاسهم بقرارات التأميم ولم يبق لها إلا هذا البنسيون . ماريانا اليونانية والتي كانت عشيقة سابقة لطلبة بك المرزوقي تحلم هي الأخري باليوم الذي تقتنع فيه زهرة سلامة بالعمل في خدمة غرف الزبائن المهمين من بقايا الباشوات . خدمة الغرف تعني خدمة الجسد . إضافة للرقص . وهنالك حسن علام البرجوازي الصغير الذي هو امتداد لطلبة بك يراهن علي مصير زهرة ويحاول استدراجها . ومنصور باهي ، الشيوعي العاجز الذي يغدق العطف والحنان علي زهرة ويقف عاجزاً رغم حبه لها وهو يراها في مصيدة الذئاب .. وقد استلهم الكاتب فتحي غانم شخصية زهرة سلامة وأولئك الرجال في روايتة الشهيرة زينب والعرش ، التي قرأناها في أول الثمانينات (علي ما أذكر) حلقات ٍ مسلسلة في مجلة صباح الخير قبل أن نشاهدها كرواية تلفزيونية أدت فيها الممثلة سهير رمزي دور زينب ، وفي اعتقادي ان ّ رواية زينب والعرش تتناص مع رواية ميرامار دون أن تسقط في فخ العنوان ، حيث يقوم الكاتب فتحي غانم بتطوير شخصية زينب / زهرة سلامة بما يتناسب مع الشرط التاريخي السوسيوبولتيكي الحادث ، أعني السياسي الاجتماعي .

    ذاك ياعزيزي ملخص بسيط لرواية ميرامار عند نجيب محفوظ قصدت ُ به تهئية الذاكرة / المناخ لعقد المقاربات ، أعني مقاربات التناص ، إذا كان ذلك ضروريا ً حيث لا أظن أنك لم تقرأ تلك الرواية وفي اعتقادي أنك ترمي عامدا ً لتهئية النقد لفعل المقاربة . فالربما هدفت بنصك هذا إلي تطوير الرواية ، أعني تطوير معالجتها للواقع السياسي والاجتماعي للفترة التي واكبت هزيمة حزيران 1967 م . وهذا الواقع يقرب من التماثل مع حاضر الهزائم المتتالية في فلسطين والعراق وبيروت والسودان و.... إلخ . خصوصا ً والنص يمركز النادي الافرنجي مكان البنسيون ومدينة بورتسودان مكان الاسكندرية والطبقات الإجتماعية المتباينة مكان تلك البني السياسية والاجتماعية عند نجيب محفوظ .. هذه التشابهات تحتشد وتضج ُ بايحاءات التناص و تغري بالمقاربة لكنها تسقط في فخ العنوان .. هذا الفخ يـُكج ُّ في السؤال : إذا كان للكاتب هشام أن يكتب كما الكاتب نجيب ، هل يحق للكاتب هشام أن يأخذ عنوانا ً للكاتب نجيب ؟؟ بمعني آخير هل يمكنني الآن كتابة رواية باسم : عرس الزين ، زوربا ، ضو البيت . أوليفر تويست ...إلخ ؟ دون أن يكون لذلك هدف ما هو ربما تطوير أو تحوير النص مع بقاء بنياته الأساسية قائمة تماما ً كما فعل ممدوح الليثي وكمال الشيخ في فيلم ميرامار فقد قاما بأنتاج نص ٍ مواز ٍ تأسس علي بنيات النص النجيب محفوظي . وقد فعل ذلك كثير من الكتاب من زاوية رؤية مغايرة أو مختلفة يقتضي معها الامر عنوانا ً تفسيرياً او الحاقيا ً كأن نقول : ميرامار .. مرة أخري ، أو اسكندرية كمان وكمان ( يوشف شاهين ) أو كما أنوي أن أكتب : ألف ليلة وليلتين .وهذا الفعل غالبا ً ما يتم متوسطاً بمكيدةٍ هي الانتقال بالنص عبر الأجناس الأبداعية .. كأن يكتب كاتب ٌ رواية باسم الموناليزا لا أن يرسم تشكيليا ً ذات الموناليزا . أو كما فعل ممدوح الليثي وكمال الشيخ بفيلم ميرامار وكما كتب الأبنودي السيرة الهلالية شعراً واستنطق أمل دنقل التاريخ العربي بهموم الحاضر المهزوم عبر " أقوال جديدة في حرب البسوس " و " من أوراق أبو نواس و زرقاء اليمامة أو العهد القديم " أو كما كتب هشام آدم " من مذكرات يوسف في الجب " .

    عزيزي هشام .
    هذا النص بدا مبعثرا ً وهذا أمر عادي ، فكثير من النصوص تبدأ باستعراض الثيمات المهمة التي ستفك أقواسها في سيرورة العمل .. و ربما يعتبر ذلك بمثابة تمهيد وتهيئة للقاري في مقام المقدمات مثل ، مدينة ود مدني و جامعة الجزيرة ، بورتسودان ، وزارة الثروة الحيوانية و صيادوها .. النادي الأفرنجي و الطبقة الأرستقراطية أحياء بورتسودان وكلابها وكثير من الثيمات التي تبدو مبعثرة مفككة غير أنها حتما ً- فيما أظن محسنا ً - ستخدم بنية النص . أعتذر عن ضيق الوقت الذي ربما حال دون توضيح فكرتي وأتمني أن أتمكن من الكتابة لتوضيح المبهم والمكبسل .

    في انتظارك .
    مودتى إلي حين عودتي .

    محمد عبد الملك

    (عدل بواسطة هشام آدم on 07-25-2006, 02:34 PM)

                  

07-26-2006, 10:44 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    ___________

    For Mrs. Rawan Shalabi with best regards


    _____

    انتهى الريّس من وجبة الإفطار، وشرع يرتدي ملابسه استعداداً للخروج. وقف أمام خزانة الملابس الحديدية متقشّرة الطلاء، وبنظرة خاطفة لمح صورة أبيه المعلّقة على إحدى جدران الغرفة الكلسية. رجل فقير متأنّق في مضارب السبعين، ذو ملامح بوهيمية واضحة. يرتدي عمامة كبيرة جداً، ووجه صغير بائس وشلوخ غير متساوية على خديّه السمراوين، وشفاه غليظة. وفي أسفل الصورة جملة مكتوبة على خلفية بيضاء بالآلة الناسخة بالكاد تظهر حروفها: الشيخ عبد السلام محجوب الكاشفي 1957م. ومات الشيخ عبد السلام بعد تاريخ التقاط الصورة بشهرين على الأكثر. قال البعض: "كأنه التقط هذه الصورة لتخليد ذكراه!!" لم يكن للريّس أو أي شخص من ذريّة محجوب الكاشفي (الجِد) علاقة بعائلة الكاشف الموسيقية المعروفة لدى السودانيين، رغم أنه كان يدعي هذا النسب في كثير من الأحيان. والريّس الذي لم يكن يجيد العزف على أي آلة موسيقية هو الابن الوحيد لأبيه بعد أن توفي أخوه الأكبر مكيّ عبد السلام محجوب في حادثة غرق قديمة لا يكاد يتذكر تفاصيلها. غير أنه سمع من أبيه ومن أمه روايتين منفصلتين متقاربتين، كوّنتا له صورة شبه متكاملة عن حادثة غرق أخيه تلك، والتي لم يشهدها، إذ كان الريّس وقتها يقضي الأسبوع بأكمله في عنابر مدرسة الاتحاد الداخلية. وكان يتغيّب لأكثر من أسبوع إذا لم يجد داعياً لخروجه، فقد كان يقضي أوقات ممتعة مع رفاقه الذين كانوا طلاب مستديمين في مدرسة الاتحاد المتوسطة (بنين) الداخلية. مكي الذي كان أول مولد تضعه نفرين بعد مشقة وجهد بالغين كانت حريصة على تسمية مولدها الأول باسم أبيها صاحب الفضل الأول - كما كانت تذكّر زوجها دائماً - في أن يتعلّم الشيخ محجوب عبد السلام الصيّد وفي أن يمتلك أول قارب صيد في حياته، كان ذلك بعد عاصفة 1911م البحرية الشهيرة، بينما كان محجوب الريّس على اسم جده الذي اندرس ذكره في تاريخ عائلة الكاشفي لسوء سيرته، فقد كان رجلاً مزواجاً، كثير الشراب. وكان رغم زيجاته المتعددة لا ينجب إلاّ أطفالاً ميتين، وكان عبد السلام الوحيد الذي كتب له الحياة من بين أبنائه الذين أنجبهم وربما بلغ عددهم ثمانية أبناء بين إناث وذكور، ماتوا جميعاً ولم يتبق إلاّ عبد السلام لذا فقد كان محجوب (الجد) يحبه حباً جمّاً ويغدق عليه من عطفه ومن حنانه، لا سيما وأنه كان كثير المرض في صغره. وهذا الاهتمام والخوف البالغ هو ما جعل عبد السلام ينشأ مدللاً، ومأثوراً. ولم يُسمح له بالذهاب إلى الكتّاب خوفاً عليه، فلم يُشاهد يغادر المنزل منفرداً قط إلاّ بعد أن بلغ الحادية والعشرين من عمره أي بعد وفاة أبيه بسنتين تقريباً.


    خرج مكي عبد السلام - حسب رواية أبيه - ذلك اليوم وقت القيلولة دون أن يبلغ أحداً عن وجهته، في حين ظنّ الجميع أنه في الجوار. "ولكن كانت تبدو عليه علامات الانزعاج" - قال الشيخ عبد السلام - ، لم يكن أحد ليتوقع نيّة مكي المسبقة في الذهاب إلى البحر، لا سيما وأن البحر لم يكن مناسباً للسباحة ذلك اليوم تحديداً. "وللبحر ساعات لا يقبل فيها مزاحاً من أحد." كان الشيخ عبد السلام منهمكاً في رقع شبكة الصيد الممزقة، عندما دخل عليه أحد صبية الحيّ لاهثاً، بعد أن جّر سلك الباب بقوة:

    * ألحق يا عم عبد السلام .. مكي ولدك وقع في البحر من جهة المينا.

    عندها ترك الشيخ عبد السلام ما كان في يديه، وركض دون أن يرتدي حذاءه - كان غالباً ما ينساه - . كان الشيخ عبد السلام يعلم أن البحر من جهة الميناء غريق جداً، إذ أنه كان معداً فقط لاستقبال السفن الضخمة، كما أن رصيف الميناء مرتفع جداً، وليس من السهل على أحد يسقط في ذلك المكان أن يتشبث بشيء، وكان يتساءل - وهو يركض حافي القدمين - ما إذا كان ولده العشريني قد ينجو رغم براعته في السباحة! ولمّا وصل إلى هناك وجد نفراً من الناس واقفين على الرصيف، بعضهم ينظر إلى الأسفل، وبعضهم يتحدثون إلى بعضهم البعض، وما أن رأوا عبد السلام، حتى توقف الجميع عن الكلام. ولكنه لم يجد لولده أثراً، ما خلا فردة حذاء كانت في جانبٍ ما من الرصيف.


    وفي رواية نفرين، كان مكي يتشاجر مع أحدهم، عندما نادت عليه، فلم يجبها، وانطلقا إلى ناحية الميناء. كانت نفرين، معتادة على شكاوى الجيران المتكررة عن مكي الذي لم يكن يرحم أبنائهم، فقد كان "مفترياً" حسب رأي الجيران، و "ذا دم حار" على رأي أصدقائه المقرّبين. ما تبقى من ذكرى مكي عبد السلام، فردة حذاءه التي عاد بها عبد السلام، وندم وإحساس متعاظم بالذنب ظلّ يرافق نفرين، حتى سنوات قريبة جداً. وربما كانت الحسنة الوحيدة لوفاته هو التفات الأبوين إلى محجوب، ورغبة أبيه في تعليمه الصيد حتى لا يعوز. وكانت نفرين تردد دائماً عندما يخرج محجوب الريّس إلى البحر "البحر شايل مني قلبين، واحد جوّاهو، وواحد فوقو .. يا ربّ تسلّم، يا ربّ تسلّم."


    خرج الريّس بعد أن ارتدى ملابسه متوجهاً إلى الميناء. وفي طريقه، كان يلقي التحية على الجميع. كان يشعر ببقايا سعادة ليلية إفرنجية، ما تزال واضحة في بريق عينيه. ويركض فجأة خلف دراجة إبراهيم الصاوي، ويمتطي خلفه :

    * وين يا بو السيك ... صباحنا قششششطة
    - خير اللهم أجعلو خير .. مالك يا زول الليلة قايم منشرح كده، حلمان بي بت إبليس ولّه شنو؟
    * والله يا بو السيك كان بت إبليس ما تعرف!!


    وعلى بعد خطوات من الطريق المؤدية إلى الميناء يقفز الريّس من الدراجة، وهو يضرب على ظهره برفق: "تشااااااو". بينما يكمل الصاوي إلى منتصف المدينة، حيث يعمل مراسلاً في إحدى البنوك. "أبو السِيك" لقب أطلقه عليه رفاقه في نادي ديم بوليس بعد هزيمة مُني بها في لعبة الوست west. وربما كانت تلك هي الهزيمة الأندى في تاريخ النادي منذ تأسيسه، لذا فإن اللقب التصق به من يومها كما تلتصق دودة القز بأوراق التوت الأبيض. إبراهيم الصاوي أحد المقرّبين جداً للريّس، وهو شخص مرح جداً وهادئ فيما عدا لعبة الوست فهو يفقد أعصابه بسرعة، وقد يُضرب عن الطعام إذا هُزم. ورغم أنه رجل هادئ الطبع إلاّ أنه سهل الاستثارة. ولأن أصدقاءه يعرفون عن ذلك، فهم يتعمّدون إثارته دائماً، فقط ليضحكوا على تأتأته في الكلام عندما يُستثار أو يغضب.



    لا أحد يستطيع أن يحدد أين أو كيف التقى الريّس و أبو السيك لأول مرّة على وجه الدقّة، غير أن أقرب الروايات إلى التصديق هو التقائهما في عراك مراهقين كانت السبب فيه أنثى وقع الريّس في غرامها، في دائرة رقص جماعية في أحد أعراسِ حي مجاور. وكان بادياً أن الفتاة أعجبت بطريقة رقصه المدروسة، وتقبّلت ابتساماته السرّية لها بابتسامات سريعة وخاطفة. وبمزاج توددي قدّم إليها وردة بائسة خلف صيوان الحفل، عندما لمحهما أحدهم، فأبلغ أخاها أبو السيك الذي تأتأ وهو يطلب من الريّس ملاقاته خارج الصيوان لتصفية حساباتهما. ويقال أنهما ظلا يتعاركان حتى بلغ منهما الجهد مبلغه. فتوقفا وانصرفا فجأة كأنهما اتفقا على مواصلة العراك في وقتٍ آخر أو ربما إلغاءه. لم يكن الريّس وقتها "الريّس"، كما لم يكن أبو السيك "أبو السيك". ولأن إيمان الصاوي كانت معتادة على مغازلات الشباب، فإنها لم تأبه كثيراً، لدرجة أنها تركت الوردة البائسة منسية في مكانٍ ما في الحفل. لم تكن إيمان تعشق غير متوددٍ سرّي واحد، فنان مغمور كانت قد التقت به في إحدى الأعراس، ولكنهما انفصلا بعد علاقة شهرية لأسباب مجهولة. حتى إيمان نفسها لم تكن تعرف سبباً منطقياً لهذا الانفصال، بعض الصديقات خمّنّ أن تكون وردة محجوب الريّس هي السبب في غضبه. ولكنها عرفت بعد مضي أكثر من سنة على هذا الانفصال أن علاقتها بذلك الفنان المغمور لم تكن إلا نزوة مراهقة، وغير ناضجة وحسب. غير أنّ علاقة محجوب الريّس وإبراهيم الصاوي توطدت أكثر لا سيما بعد اشتراكهما في نادي الكشّافة ذاته. وبسبب صداقة هذين الولدين تصادقت نفرين مع فتحيّة والدة إبراهيم الصاوي.



    دخل الريّس الميناء بحفاوة اعتيادية، وتوجّه مباشرة إلى الغالبونة التي يضع تحتها صيّادو الوزارة أمتعتهم، وحبالهم، وحقائبهم. نظر حوله، وجلس. بينما راح يجهّز شبكته بسرعة وحرفيّة. البحر يعلّم هؤلاء الصيّادين الصبر، ويربطهم بحبال أسمك من الحبال التي يستخدمونها في ربط مراكبهم، وكأنهم عائلة واحدة. الوجوه السمراء التي تكتسي بلمعان جميل تحت أشعة الشمس المنعكسة على البحر متشابهة من الوهلة الأولى، وخلف كل وجه قصة ذات طابع إنساني خاص جداً. لن تستطيع أن تفرّق - وأنت على رصيف الميناء - بين عمّال الميناء وبين الصيّادين إلاّ من خلال الغالبونات التي يجلسون تحتها، فلكل فئة غالبونة مرقّمة خاصة بهم. وعلى الطرف النائي من الرصيف غرفة خشبية مبنية على الطراز الإنجليزي القديم بسقوف التوتياء المموج، والنوافذ الناتئة وفي الواجهة الأمامية أعلى باب الغرفة صولجان هيرمس[5] حديدي متآكل بفعل الرطوبة، في هذه الغرفة يتم إسعاف المصابين من عمّال الميناء وجبر كسورهم ومعالجة الحالات الطارئة والبسيطة كضربات الشمس أو الغيبوبة أو دوار البحر بالنسبة للعمّال الجدد. كل شيء في الميناء أزرق، وما بين زرّقة البحر وزرقة السماء وجوه سمراء متعرّقة تحمل في تجاعيدها غضباً صامتاً، وحلماً يرفرف كلّما نظر أحدهم إلى المدى البعيد، إلى حيث يلتقي الأزرقان. وكأن الأحلام الجميلة تخرج من بين ثنايا ذلك الخط الداكن. "ليس هناك حلم، هنالك واقع مؤجّل فقط" هذا ما كان يقوله العم صابر مراقب العمّال في الميناء، أو "الكومندة" كما كان يطلق عليه عمّال الميناء. رجل يحمل حكمة السنوات الستين في شعره الأشيب، ويواري وسامته خلف تجاعيد وجهه المتعب. ربما ظلّ يعمل في الميناء إلى هذا العمر لأنّ خبرته لا تعوّض، كما أن جميع عمّال الميناء وحتى الصيادين كانوا يحبونه ويحترمونه، ويعتبرونه أباهم.


    غالبونة الصيادين تحمل الرقم (6)، والوحيد الذي لا يعمل في مثل هذا الوقت هو الباشتمرجي سرور الذي أخرج كرسيّه، ومال به إلى جهة الحائط الخشبي، وبدأ يحرك رجليه القصيرتين بصورة عكسية. وعلي أب شلّوفة الذي كتب أوصى له الطبيب بالراحة ليومٍ واحدٍ فقط بسبب إصابته بالإسهال. بعد مرور خمس ساعات قضاها الصيّادون في عرض البحر، يعود الجميع في شكل أفواج متعاقبة، يفرغون ما في بطون شباكهم من أسماك توقفت تماماً عن الحركة في صناديق خشبية كبيرة.




    ________

    [5] صولجان هيرمس: هو رمز الطب، وهو عبارة عن قضيب منتهي بجناحين في الأعلى وتلتف عليه حيّتان.
                  

07-27-2006, 07:18 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    _______

    UP
                  

08-01-2006, 12:36 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    ____________

    غالبونة صيادي الوزارة تحمل الرقم (6)، والوحيد الذي لا يعمل في مثل هذا الوقت هو المساعد الطبي سرور الذي أخرج كرسيّه، ومال به إلى جهة الحائط الخشبي، وبدأ يحرك رجليه القصيرتين بصورة عكسية، كما يفعل الأطفال المشاغبون في ساعات الهدنة، و عليّ أبو شلّوفة الذي أوصى له الطبيب بالراحة لخمسة عشر يوماً بسبب إصابة في قدمه اليسرى، وصرف له عكازتين حتى لا يطأ بقدمه المصابة على الأرض. ولأنه – أي علي أبو شلّوفة - لم يعتد على الجلوس في البيت فإنه يأتي ليتسامر مع رفاقه في وقت راحتهم. بعد مرور خمس ساعات قضاها الصيّادون في عرض البحر، يمضغون فيها الصبر، ويتعاطون التمباك، يعود الجميع في شكل أفواج متعاقبة، يفرغون ما في بطون شباكهم من أسماك توقفت تماماً عن الحركة في صناديق خشبية كبيرة. لا شيء في رصيف الميناء غير الأرضية الخرسانية والصناديق الخشبية. منذ الساعات الأولى للصبح، يشهد الرصيف حركة متسارعة، وتبدأ الأصوات بالتعالي شيئاً فشيئاً وكأنها صوت صفائح قطار قديم تتعالى كلما اقتربت من إحدى المحطات المهجورة، بينما تختلط أصوات العمّال بأصوات الرافعات في تناغم مزعج ما يلبث أن يستحيل إلى حميمية مفرطة لمن ألفوا الرصيف والعمل فيه. وفي حركة لا تقل نشاطاً عن حركة العمّال – ولكن في هدوء – تبدأ أسراب النمل، التي حفرت في أرضية الرصيف الخرسانية بيوتاً لها، تسير في قوافل من صفين منتظمين خلف بعضها تلتقط ما تجده في طريقها من بقايا غداء العمّال والصيادين، أو تسرق ما يمكنها سرقته من القمح الطازج والمتناثر بوفرة في مستودعات الميناء.


    الألوان هنا عامل مهم جداً يميّز بين العامِلين في الرصيف. فاللون الأزرق هو لون أفروهلات عمّال الرافعات وعمّال الميناء الذين ينقلون الصناديق من السفن إلى المستودعات، واللون الأصفر هو لون العاملين على متن السفن التجارية، واللون الأخضر هو لون مشرفيّ العمّال، واللون الأحمر هو لون كبار الشخصيات كالتجّار والمهندسين. بينما يظل الصيّادون بلباسهم الاعتيادي لا يميّزهم غير شباكهم المتناثرة تحت الغالبونة رقم (6)، ومناديلهم القماشية المقلّمة التي يطوونها في شكل عصابة مثلثة ويلفونها حول رؤوسهم.





    .
                  

08-01-2006, 01:04 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    _________
    في تمام الساعة الواحدة والنصف تتوقف الرافعات، ويندر أن ترى شخصاً خارج الغالبونات، الجميع يتوقفون لتناول وجبة الغداء، يفرشون سجاداتهم البائسة، ويجلسون في حلقات أشبه بحلقات الذكر في خلوة متطرفة بلا أسوار. وبينما تغرق أصوات الآليات، تطفو على أرصفة الميناء ضحكات العمّال والصيّادين. ومن الجهة المقابلة يتقدّم علي أب شلّوفة إلى حيث يتجمهر صيّادو الوزارة، متوكئاً على عكّازيه المنتهيين بمعدن. وكّان وقعهما على أرضية الميناء الخرسانية الملتهبة وقع سنابك خيلٍ عربية أصيلة. تبسّم الصيّادون وهم ينظرون إليه قادماً بابتسامته المعهودة: "ما تقولوا اتفضّل ولاّ أي حاجة ياخ!!" ومن المؤكّد أن تهدّل شفّته السفلى المصابة بالحُمرة بعد اهتراء الخط اللحمي الصغير بفعل التمباك كان السبب في تسميته بأب شلّوفة. كان الريّس عندها يحاول فتح علبة الساردين التي كانت توزّع مجاناً للعاملين في الميناء، بينما وقف البعض منادين على سرور المساعد الطبي ليشاركهم وجبة الغداء وهو ما زال متكئاً على كرسيّه بذات الطريقة التقليدية، فيرفع يديه لهم في امتنان، فالواقع أن طبيب الميناء ومساعده لهما وجبة خاصة.



    تحت كل غالبونة يجلس نفر من الناس موزّعين بأرقامهم وألوانهم المميزة، وكأنهم كرات بلياردو جيّدة التنسيق. يتناول الجميع وجبتهم وسط أحاديث وضحكات وسخريات البعض من البعض الآخر، بينما يجلس العم صابر تحت مظلّة شمسية واضعاً سلّة طعامه على فخذية. يتناول غدائه بأناة وهو يقلّب ناظريه بين العمّال وبين البحر. كان العم صابر كثيراً ما يرمي بنظرات عميقة إلى البحر، وكأنه ينتظر قدوم سفينة تحمل على متنها سنوات عمره التي انفرطت منه كما تنفرط الذرات في ساعة رملية. إضافة إلى الصيادين والعمّال والنمل السارق، كانت جيوش من قطط الميناء الجائعة توزّع نفسها على الغالبونات في انتظار أن يرمي لها أحدهم بقطعة خبزٍ مغمّسة بإيدام، أو ساردين. وبينما تجلس بعضهن في منتهى الأدب، تتعارك بعضهن في مكانٍ آخر على لقمة تعيسة من أحدهم. ما تراه من فوضى للوهلة الأولى في الميناء هو إنّما نمط حياتي من الرتابة بحيث يستحيل تخمين تغيّره على المدى القريب. فوضى اعتاد عليها الجميع بمن فيهم العم صابر الذي تتجمع حوله فقط عشر قطط لِما تعرفنّ عنه من كرمٍ جم، فهو قليل الأكل، سخي العطاء. وسخاء العم صابر مع القطط هو ما أغراها باحتمال قساوة العيش في الميناء. وهذا الجو العائلي الذي يلف الجميع رغم الفقر والتعب، هو ما كان يجعل الريّس يتساهل كثيراً في البدء بمشروع الهجرة إلى الوسط. وكثيراً ما كان الريّس ينفرد بالعم صابر شارحاً له خططه المستقبلية، ووقوعه بين حلمٍ يراوده منذ وقتٍ غير بعيد، وحياة ألفها، ويصعب عليه أن يتركها. وكانت ميرامار إحدى الأسباب المستحدثة التي جعلته يعدل عن قراره رغم إلحاح هذه الرغبة عليه كوسوسة شيطانية لا تفتأ تراوده كلّ ليلة. "اللحظة المناسبة لا تتخيّر المكان" هذا ما كان يقوله العم صابر للريّس كلما حدّثه في موضوع الهجرة. وكان يقول له دائماً بأن لا وطن يُذكر، فالوطن هو حيث بيتكَ وزوجتكَ وأمك حتى وإن كان في أرضٍ لا زرع فيها ولا إنس. ولأن العم صابر عاش في بورتسودان طيلة سنواته عمره التي تناهز الستين دون أن تكون موطنه، فلا أحد يعرف من أي جهة جاء، رغم أنّ لهجته توحي بأنه قادم من جنوب كردفان. وعرفه الجميع بأنه قليل الكلام، دائم الحركة، ذو ملامح حيادية في جميع حالاته. وكان راغباً عن الزواج، محباً لحياة العزوبية. قال البعض أنه ربما كان عنّيناً أو به عِلّة، إلاّ أن الجميع يتفقون على أنه دمث الأخلاق طيب المعشر. وكان دائماً يقول: "أينما ذهبت ستكون هنالك أرض تحتك وسماء فوقك!" جلس علي أب شلّوفة، على إحدى الصناديق الخشبية، بعد أن أسكن عكّازيه إلى جواره، وهو يقول:

    * عليّ الطلاق الريّس ده داير يعرّس
    - الكومندة كان عرّس، الريّس ده ما ممكن يعرّس، ده زول بتاع عرس عليك الله؟!
    * شنو يا الريّس صحي بتفكّر تعرّس؟


    كان الريّس يكتفي بابتسامات هازلة كلّما سمع هذا الكلام. أحسّ أنّ عليه أن يقوم بشيء آخر يسمح له بتوفير مالٍ أكثر، ويضمن له ألا يبتعد عن رفقة الميناء في ذات الوقت. كان كمن يحاول أن يرسم دائرة بمسطرة. فهو لا يجيد صنعة أو حرفة أخرى غير الصيّد، كما أنه لا يعشق شيئاً آخر – خلا أمّه - بقدر ما يعشق البحر، وأصوات النوارس، وأرضية الميناء الخرسانية. يحس أن قلبه واقع - كسمكة سيئة الحظ - في شباكه التي يرقّعها بيديه كل يوم. عندما يفكّر الريّس في هذا الأمر، يشعر بشيءٍ ما يشدّه إلى الأسفل أو إلى الوراء. بورتسودان تمسك بتلابيب البورتسودانيين، وتشدهم إليها كما تفعل بكرة الخيط بالخيط. كان يشعر بابتسامات الوجوه الكالحة التي من حوله وكأنها صفعة تُذكّره بأنه أفضل حالاً من كل هؤلاء: عبد الماجد طه الذي يسكن في بيتٍ من الجالوص بغرفتين وحوش صغير تقاسمه زوجته وأطفاله التسعة ضنك الحياة، يخبأ من صندوق أسماكه، الذي للبيع الرخيص، سمكة للأفواه العشرة المفتوحة. مرزوق عجوة الذي يعول، غير زوجته وأبناءه الثلاثة، أخوته الإناث. وبعد عمله في الميناء يذهب إلى السوق المركزي ليبيع العجوة وقمر الدين والقونقليز في المواسم الرمضانية، معتصم المرضي الذي ابتلاه الله بأخٍ مختل عقلياً وأختٍ مصابة بسرطان الدم وأربعة أخوة غيرهما، ولم يكن يشتكي إلاّ لله في صلوات الجمعة، عندما يكتشفه الريّس وهو يبكي في دعاءه بعد الصلاة، مبارك أب ساقين الذي أرسل زوجته وأبنائه منذ أكثر من سنة إلى أهلها في ضواحي بورتسودان لعدم قدرته على توفير سكنٍ لهم بعد أن طرده صاحب البيت بأمر المحكمة بسبب عجزه عن سداد إيجار المنزل المتراكم منذ أكثر من سنتين. كان الريّس بحاجة إلى نبوءة كنبوءة نوستراداموس[6] تنتشله من ملوحة أرض بورتسودان، وتنقله بطريقةٍ ما ورفاقه والبحر وطيور النورس إلى مكانٍ آخر، حيث لا يشعر فيها بأنه مرهون إلى عدد الوريقات النقدية المبتلة بعرقه في جيب قميصه. لم يكن الريّس يحلم بأن يكون غنياً، فقط كان يريد أن يكون أفضل حالاً، حتى هو لم يكن يعرف شكلاً واضحاً لما يريده. كان كل ما يحلم به هو أن تكون لديه أموال كثيرة لا تشعره بالخوف والعوز مع حلول منتصف الشهر.




    _____________
    [6] نوستراداموس: متنبأ مشهور، في رواية (مائة عام من العزلة) لغبرييال ماركيز هو الذي تنبأ لقرية ماكوندو أن تصبح مدينة زجاجية، كما تنبأ بانقراض عائلة بوينديا
                  

08-02-2006, 10:54 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    ___________


    - 2 -


    في شتاء عام 1983 كان أبو السيك مهجّساً بتزويج أخته إيمان، التي بدأت ملامحها الأنثوية في الاكتمال إلى حد أغرى شباب الحي بالتغزّل بها علانيةً، كلما مرّت عبر ميدان دقنة ذهاباً أو إياباً. كانت إيمان وقتها بدأت، كلبوة نفساء، تدافع بكل ضراوة عن حقها في إكمال دراستها أمام إصرار أخيها الذي وضع لها شرط الزواج قبل فكرة إكمال الدراسة. ما أوقعها في حيرة من أمرها، فهي لم تكن ترغب بالزواج، في حين أن رفض فكرة الزواج تلك كانت تعتبر كفكرة الإلحاد التي أتهم بها الشيوعيون ذلك الوقت. ورغم أن إيمان ليست عدوانية بطبعها إلاّ أن أبو السيك لم يستطع أن يرغمها على الزواج بالإكراه. وربما كان سبب إصرار إيمان على دخول الجامعة، هو رغبتها القديمة في الوصول إلى الحد اليقيني الذي كان عليه إيهاب محمود. فقد كانت لديها قناعات راسخة بأن الجامعة هي من تمنح هذه اليقينية والمنظار المقعّر. ولم يجد أبو السيك غير الريّس يشتكي له مما يختلج في صدره جراء عناد أخته التي تصغره بخمسة أعوام، وترفض الخطّاب الواحد تلو الآخر، بشغفٍ غير مسبوق للتعليم ولم يكن معترف به في العائلة. كانت موافقة أبو السيك على ذلك تعني أن يرسلها إلى الخرطوم وحدها - وهو ما كان يرفضه بشكل قاطع وغير قابل للنقاش - أو أن ينتقل معها إلى هناك، حيث تكون أمام مرآه ومسمعه. عندها وجد الريّس نافذة مشرعة، أو ربما مشتركة تفتح الجرحين على إطلالة واحدة "الهجرة".


    "تعليم البنات قلّة أدب، وكلام فارغ ما ليهو داعي" هذه هي الجملة التي كان يرددها أبو السيك دائماً كلّما فاتحه الريّس في موضوع إيمان، "ما في النهاية مصيرها لي بيت راجلا، لازمتو شنو وجع الراس؟" كان الريّس يحاول أن يوّفق بين حلمه، ورغبة إيمان في إكمال دراستها، ليس لحرصه على مستقبل إيمان الأكاديمي قطعاً، بل لأنه ظنّ أن مارد حلمه القديم بدأ يستجيب له أخيراً، كان يؤمن بأن وجود أبو السيك معه يساعده كثيراً في اجتياز مستنقع الاغتراب، وعندها فقط عرف الريّس أنّ الوحشة والغربة هما ما كان يخشاه، وما كانا يحولان دون جدّيته في تلك الخطوة. عرف أنه لو تمكّن من إقناع أبو السيك فسوف يحقق ذلك الحلم الذي ظلّ يراوده على مدار ثلاثة أشهر. لم يكن الريّس قد حدد بعد في أي مهنة قد يعمل هناك، ولكنه كان يشعر بشيء غامض يدفعه إلى الخروج من بورتسودان، كأنّ أرواح أسلافه المدفونة في مكانٍ ما تدعوه ليلاً. وربما تملّكه إحساس قوي بأنه المقصود بنبوءة شيخ الطريقة البرهانية العتيقة التي ما زال يتذكرها عندما خاطب عبد السلام محجوب الكاشفي بطريقته المنهجية: "سيكون من ذريتك شخص ذا شأن"، وتملّكه هذا الإحساس بعد أن شُفيَ من فاجعة موت أخيه مكي بأربعة أشهر. وربما ظلّت هذه النبوءة مختبئة في مكانٍ ما إلى أن بدأت تخرج مع رغبته الجامحة في الهجرة. كان الريّس يعتقد أن ثروةً ما، أو قدراً سخياً ينتظره في مكان آخر، وأنه على بوابات بورتسودان سوف يلتقي بملائكة ذوي أجنحة بيضاء تدله على الطرق التي يتوجب عليه أن يسلك:


    * ياخي مالو لو كمّلت قراياتها .. مش أخير من قعادها في البيت؟
    - قراية شنو إنتا كمان، يعني نتبهدل أنحنا عشان حضرتها دايرة تقرا جامعة؟ وهو في منو في العِيلة ولا بنات الحِلّة قرن جامعة لمّن هي دايرة تقرا؟ ما ياهونديل بنات الحلّة كلّهن قاعدات في بيوتهن، زايدة عنّهن في شنو يعني؟ دلع وقلّة أدب فارغة.
    * مش يمكن في الخرتوم الله يكتب ليك رزق أوسع من هنا ؟
    - ومش ممكن لأ ؟؟
    * ياخي ما تبقى متشائم كده .. إنتا قول خير بس
    - المسألة ما تشاؤم بس الليلة أنا لو ما لاقي شغل هنا معليش، لاكين أخلي شغلي وأمشي ورا راس الغبيانة دي ولاّ كيف يعني؟ دي شورتك يا الريّس؟
    * والله يا أبو السيك، أنا غرضي ننزل الخرتوم، ونفتّش شغل هناك. حسي عليك الله عاجبك الفقر اللي أنحنا فوقو ده؟
    - وفي الخرتوم داير تشتغل مقاول يعني ولا مدير بنك؟ وبعدين كان ما عاجبك الشغل في المينا سيبو وشوف في مكان تاني، في سلبونا، في ديم نور في الهدا في سواكن في أي مكان تاني .. هو قالوا ليك ما في شغل إلاّ في الخرتوم؟


    كانت مهمّة الريّس في إقناع أبو السيك تبدو صعبة للغاية، لا سيما وأنّه لم يكن مقتنعاً بالحجج التي يسوقها له. ولم يستطع أن يخبر صديقه بأنه يرغب في الخروج من بورتسودان تلبيةً لنداءات قوى عليا خفية. فقد خشي أن يصفه بالجنون أو بالخبل، خاصة وهو يعلم موقفه من عالم ما وراء الطبيعة. وما كان يجعل مهمة الريّس بالغة الصعوبة هو عدم اقتناع فتحيّة شبانة (والدة أبو السيك) بجدوى مواصلة ابنتها في الدراسة، سيّما وأن جاراتها بدأنّ يسألنها - في أحاديث القيلولة - عن سبب بقاء ابنتها من غير زواج حتى هذه السن رغم جمالها وانتهائها من الثانوية العامة. الأمر الذي كان يضعها أمامهن في حرجٍ لا مخرج منه إلاّ القول بأنها لم تجد من يناسبها. وفي مشاجراتها الدائمة مع ابنتها كانت فتحية تردد: "ده الكلام البسمعو بي أضاني .. الله أعلم بيقولوا من وراي شنو؟"


    فتحية شبانة المنحدرة من أصول أرستقراطية منقرضة، لم يتبق لها من برتوكولات الطبقات البرجوازية غير تشذيب الكلام، والتأنق فيه، بينما أصابها الاختلاط بعوالم ما دون خط الفقر بجرم تعليم الفتيات، والاهتمام البالغ بكلام الناس، ومؤخراً نظراتهم التي كانت تلاحقها فيما يتعلق بموضوع ابنتها الوحيدة إيمان. في حين يجلس إبراهيم الصاوي الذي على أعتاب الخَرَف، على كرسيّه العتيق وهو يعدّ الخرزات الملوّنة في علبة ماكنتوش منزوعة الغطاء تستخدمها فتحية لحفظ أدوات ولوازم الخياطة. كانت تشعر بأن نساء الحي لا يجتمعن في منزل إحداهن وقت القيلولة إلاّ ليتناولن موضوع رفض ابنة فتحية للزواج، وكانت تضع سيناريوهات افتراضية لتلك الجلسات النسائية الوهمية. متقمصةً شخصية المرأة اللحوحة، سيئة الظن فيذهب خيالها إلى احتمالية أن تكون الفتاة على علاقة غير شرعية بأحدهم الأمر الذي يجعلها في انتظار أن يتجاسر ويتقدم للزواج منها، قبل أن يفتضح أمرها مع شابٍ آخر. وكانت فتحية في نهاية كل سيناريو تخيّلي يجنّ جنونها، وتنطلق إلى ابنتها لتعيد فتح الموضوع مرّة أخرى. لم يكن لإبراهيم الصاوي، الذي بالكاد يفرّق بين شكل أبنائه من وراء زجاج نظارةٍ بالغة السُمك معلّقة على رقبته بسلسلة سوداء، يملك أمام جبروت فتحية إلاّ أن يصمت مغمغماً بكلمات أقرب للهذيان. وهو ما جعل الجميع يتجاهلون وجوده تماماً، فلم يكن أحدهم ليأخذ مشورته في أمرٍ ما، أو حتى يوجّه إليه سؤالاً أو ينتظر منه إجابة. وكان تواجده على كرسيّه العتيق في فرندة الدار مجرد شكليات بيزنطية لا أكثر ولا أقل، حتى أنّ عدوى اللامبالاة به انتقلت إلى الجيران وزوّار المنزل. في إحدى نوبات هذيانه الدراماتيكية صرخ بصوته الشبيه بغمغمة عالية مرتجفة:

    * فتحية بنت شبانة المصرية بتتكلم صاح .. طول عمرها بتتكلم صاح .. حتىً لمن فلّقت أخوها بالفازه وسيّح دم، ما في زول قال ليها عينيك في راسك، قالوا هوّا الغلطان ولسانو طويل .. بت الباشا، باشا .. والناس كُلّها وراها ماشا

    ولأنّ لا أحد غير فتحية يستطيع فكّ طلاسم غمغمات إبراهيم الصاوي التي تشبه الشيفرات الماسونية، فقد شعرتْ بامتعاضٍ شديد واكتفتْ بمدّ كفّها مفتوحة الأصابع في وجهه. وموقف الصاوي لا يغيّر من الأمر شيئاً، كيفما اتفق.







    .
                  

08-02-2006, 11:24 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    __________

    الفارق العمري الكبير بين فتحيّة والصاوي والذي يُحسب لصالحه بسبعة عشر عاماً، كان بالإضافة إلى لونه والفروق الطبقية هو سبب رفض عائلة شبانة ذات الجذور المصرية لزيجة محكوم عليها بأحد الفائين "الفشل" أو "الفقر". إلاّ أن فتحيّة أصرّت عليه وقتها. وقيل أنه استعان بمشعوذٍ بارع لاستجلاب محبتها التي لم تكن كائنة لولا تدخل عفاريت السحر الأسود ليصوّروه في عينها في هيئة فارسٍ لا يمكن مقاومة سحره، والبعض أوعز ذلك إلى لعنة الاسم البوليتاري الذي أصرّت عليه أمّها كاميليا الدُقلي التي ورغم أنها أخضعت ابنتها لعلاجات نفسية وروحانية متعددة، تحت ضغط من أختها صافيناز وأخوات رفعت شبانة باشا، إلاّ أنّ فتحيّة أصرّت على الزواج به، بل وهددت بقتل نفسها إن وقف أحد في طريق تحقيق حلمها ذلك، فلم تجد العائلة، التي كانت على شفا الإفلاس بعد الحركة التصحيحية أيّام ثورة الضباط الأحرار في يوليو بداية الخمسينيات، إلاّ أن توافق شريطة أن تنقطع صلتها بالعائلة، وأن تتحمّل تبعية هذا التصرّف الذي اعتبرته أرعناً وجنونياً. ومع خسارة عائلة شبانة لابنتهم، وأملاكهم فقد اكتنف قصر شبانة جو ملوكي حزين رافقهم في رحلتهم إلى اسطنبول حيث انقطعت أخبارهم إلى الأبد دون أن يعرفوا سبباً منطقياً واحداً يجعل فتحية تقبل، بل تصر على الزواج من إبراهيم الصاوي المحولجي البائس.


    نادرة هي تلك اللحظات التي تتذكر فيها فتحية شبانة أول يوم التقت فيه إبراهيم الصاوي. بينما لا يفتأ الصاوي يرددها كأغنية وطنية قديمة، بذات التفاصيل التي لا يختزلها أو يحاول أن يعيد صياغتها بطريقة أخرى. ولم تكن إيمان تجرؤ على سؤال أمها عن سبب اختفاء ذلك الحب الجارف الذي تحدّت فيه الجميع، غير أن فتحيّة لم تكن تحبّذ الخوض في هذه التفصيلة تحديداً. وبينما كان الصاوي يعيد رواية القصة بطريقة أقرب للتحسّر منها إلى التذكّر، كانت فتحية تحكيها بتعالٍ يفضح أرستقراطيتها البائدة.


    بين الشائعة والتصديق، كان رفعت شبانة باشا، القادم من مصر لتجارة الصمغ، يعيش أتعس لحظات حياته. بينما أوصى زوجته كاميليا الدُقلي بتسريب مجوهراتها الثمينة تحوّطاً من مدّ "الهوس العسكري المراهق" - كما كان يسميّه - لعصابة الضباط الأحرار. بينما كانت فتحية الفتاة الأرستقراطية تعيش قصة غرام سرّية مع محولجي يكبرها بسبعة عشر عاماً. رؤية فتحية السريالية للعالم هو ما كان يجعلها لا ترى تلك الفوارق التي نبّهتها إليها مربّيتها وكاتمة أسرارها زهرة عبد الواحد. كانت فتحية لا تعترف بطبقية المشاعر الإنسانية، وترى بأنها إحدى الأسرار الكونية التي لا يمكن لأحد أن يتدخل فيها بتشويه أو تزييف. "الحب هو ألا تعرف لماذا تحب." وكأنّ كلمات سارتر[7] هذه كانت موجّة إليها في تليغراف شخصي. على أطراف المنطقة الزراعية





    _________
    [7] جان بول سارتر: فيلسوف وكاتب فرنسي يعتبر ممثل الفلسفة الوجودية المثالية الذاتية.
                  

08-02-2006, 11:37 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ميرامار (رواية تحت الطبع) (Re: هشام آدم)

    ____________
    اكتشاف

    بين قوسين (اعتراف)


    بعد قراءة وتجميع الملاحظات التي قدّمها لي أكثر من ناقد متخصص
    على هذه الرواية، اكتشفت أن الجميع اتفقوا على نقاط تكاد
    تكون موحّدة وهي أنني أمتلك خيالاً خصباً ، ولكن تنقصني الحبكة
    الدرامية، والتخلّص من سلطة الراوي العليمThe Omniscient
    وبمعرفة جيّدة لنفسي اكتشفت أنني لا أصلح لأن أكون قاصاً في يوم
    من الأيام، إذ أنني أستخدم أدواتي التي أستخدمها في الشعر، في
    القصة أيضاً .. وربما غلب عليّ ذلك كثيراً .. وبالتالي فإنني أعترف
    أنني أخفقت في أولى محاولاتي الروائية، وأعترف أنني بحاجة إلى قراءة
    المزيد حول فن القصة والرواية، الذي ربما أهملت القراءة حوله
    بدون قصد.

    عموماً أنا هنا لأعترف بهذا الفشل، ولأشكر كل الذين دعموني معنوياً
    وساندوني حتى أكون. وأقول لهم: شكراً لأنّكم توسمّتم فيني الخير ،
    وشكراً لأنّكم دعمتموني بكل ما لديكم من ملاحظات ومن آراء كانت
    مهمة جداً في سبيل أن أصل إلى هذه النتيجة.


    أعود أدراجي .. لأجلس على مقاعد المتفرجين لمن يمتلكون ناصية
    هذا الفن الراقي الذي استهواني منذ مدة، وحاولت الولوج إليه رغم
    أني لا أملك مفاتيح أبوابه المستعصية. وعلى هامش هذا الاعتراف
    أرسل رسالة شكر خاصة إلى كلٍ من الأساتذة: أبو جهينة، ومحسن خالد
    والدكتور بشرى الفاضل والأستاذ محمد الملك، والأستاذة هند أبو العينين
    للبعض لأنني عرفت مدى الجهد الأدبي الذي يبذلونه في سبيل توفير المتعة
    لنا كقراء ولم اكن أعلم من قبل ذلك. وللبعض الآخر، على ما بذلوه من وقت
    في قراءة الرواية ونقدها ومحاولات تقويمها.. ولإهدائهم لي عيوبي ونقاط
    ضعفي كقاص مبتدئ فاشل.


    ختاماً ... أنا جد سعيد بهذه النتيجة لأنني بدأت أتعرف على نفسي أكثر وأكثر
    وبدأت أعرف حدود مقدراتي، وإمكانياتي .. وسوف ألزمهما في المستقبل


    والشكر للجميع



                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de