|
|
 امبـــراطـــورية المتعــــافي الخـــــرطــــومية -الصحافة 2 يوليو 2006
|
0
امبـــراطـــورية المتعــــافي الخـــــرطــــومية
ياسين حسن بشير
أتيحت لي فرصة حضور لقاء صحيفة «الصحافة» مع السيد/ د. عبد الحليم إسماعيل المتعافي والي ولاية الخرطوم الذي تم في يوم الاثنين 26/6/2006م… ومع احترامي وتقديري للسيد/ الوالي أود أن أسجل تعليقي على ما دار في هذا اللقاء ملخصاً في النقاط التالية:-
أولاً: لقد كان اللقاء بأسلوب «سين وجيم» الذي جعل السيد/ الوالي يجلس ويتحدث طوال ثلاث ساعات وكأنه معلم أمام تلاميذ بمدرسة أساس… بمعنى أنه لم يتم الحوار بين الحضور والوالي الأمر الذي ولَّد الانطباع لدى السيد/ الوالي بأن كل ما يقوله هو «الحقيقة» الكاملة لدرجة أنه قد تمنى أن لا يُسأَل مستقبلاً مرة أخرى من قبل «الصحافة» عن بعض المسائل كمسألة شوامخ… وتناسى السيد/ الوالي أن كل ما يقوله يعبر عن رؤيته الشخصية التي ليست بالضرورة أن يقتنع بها الصحافيون ويصمتون إلى الأبد… فكل ما قاله السيد/ الوالي سيكون موضع نقاش واختلاف واتفاق… وهذا أمر طبيعي.
ثانياً: بدأ السيد/ الوالي حديثه عن المواطن السوداني المتخلف وعن العقلية الرعوية، وعندما قُدِّمت له شكوى المواطن الذي وضعت زوجته في الحراسة وضربت ابنته بسبب رسوم النفايات لم يطمئن ذلك المواطن بأنه سيحقق في الموضوع وسيحاسب المسؤول عن هذا السلوك المشين وإنما قال «هذه ليست سياسة الولاية وهذا جزء من السلوك المتخلِّف للمواطن السوداني الذي يُمنَح سلطة فيضربها في عشرة»… ولا أدري لماذا هذه اللهجة المتعالية… فنحن لم ننكر أننا متخلفون ولم ندَّعِ أن المجتمع السوداني متقدم… ولكننا لا نقبل هذه اللهجة المتعالية وكأن السيد/ الوالي رسول التقدم والحضارة ليخرجنا من عالم التخلف. فالسيد/ الوالي رجل قيادي في جهاز الدولة وعليه أن يعمل لإزالة هذا التخلف وليس تعليق كل شئ بشماعته... فالتخلف الذي يعيرنا به السيد/ الوالي ليس في تركيبتنا الوراثية وإنما بفعل الحكام الذين تداولوا علينا طوال نصف قرن فأغرقونا في مستنقع التخلف الأبدي ليحكموا إلى ما لا نهاية... فمَنْ علم موظف الدولة الصغير أن يحتقر المواطن ويتعامل معه بقسوة لأبسط الأسباب غير السلطة الحاكمة التي بادرت وقدمت القدوة السيئة ببطش المواطن وقهره وتعذيبه؟
ثالثاً: اعترض السيد/ الوالي على أن ما يتردد حول أن نسبة الفقر تصل إلى 90% أو 80% أو 70% ويعتقد أن هذه الأرقام وهمية ودليله على ذلك أن كمية النفايات قد زادت وكمية السكر المستهلك قد زاد… وأقول للسيد/ الوالي هذه انطباعات شخصية عامة فقياس درجة الفقر مسألة علمية معقدة فإذا سلمنا بأن النسبة ليست 90% أو 80% أو 70% فما هي النسبة الصحيحة؟ فالسيد/ الوالي لديه وزارة شؤون اجتماعية وجيش من موظفي الدولة فلماذا لم يكلِّفهم بإعداد دراسة علمية متكاملة كي يستطيع أن يقدم لنا رقماً حقيقياً صحيحاً وسليماً بدل هذا الاعتراض الانطباعي العام غير المؤسس علمياً؟
رابعاًَ: عندما أشرت في حديثي أمام السيد/ الوالي إلى بعض الطرق سيئة التنفيذ كشارع عبيد ختم بالخرطوم وشارع العرضة بأمدرمان وإلى بؤس المدارس في المناطق الريفية لم يعجب السيد/ الوالي ذلك، وقال لماذا لم تشرْ إلى الشوارع الكثيرة الأخرى جيدة التنفيذ والمدارس الحديثة التي قامت الولاية بإنشائها؟ وهنا أود أن أقول للسيد/ الوالي إنه موظف دولة وتدفع له الدولة راتبا وبدلات ومزايا من المال العام مقابل أن يؤدي الأعمال الموكلة له بطريقة صحيحة وسليمة دون أن يستدعي ذلك أن يهلل الصحافيون كل صباح للسيد/ الوالي ويشكروه ويسبحوا بإنجازاته العظيمة… فإذا أنجز السيد/ الوالي أعمال الولاية بطريقة صحيحة وسليمة فهذا من واجبه المدفوع له مقابل عليه من الدولة… والصحافة ليست عيناً مادحةً وإنما هي عين ناقدة تبرز النواقص ونقاط الضعف في أعمال رجل الدولة ليس بغرض المكايدة الشخصية أو الحزبية أو غير ذلك وإنما بغرض إصلاح الواقع ودفعه إلى الأفضل.
خامساً: انتقد السيد/ الوالي الصحافيين بأنهم يكتبون من دون معلومات لذلك لم يعد يهتم بما يكتب في الصحف… وأقول للسيد/ الوالي… لقد انتهى عصر الصحافة التي تتسول المعلومات من المسؤولين والصحفي الذي (يتمرمط) أمام أبواب المسؤولين للحصول على المعلومة… فالوضع الطبيعي هو أن يسعى المسؤول الحكومي للصحافة ليمدها بالمعلومات… فجزء من واجبات السيد/ الوالي أن يوفر المعلومة للصحافة في الوقت المناسب... وإذا كان لا يرغب في ذلك لأنه لا يحترم الصحافة السودانية ويعتقد أننا نكتب بعقلية الرعاة لأننا أبناء رعاة فليقبل أن يكتب الصحافي عن الولاية ما يريد وفق ما يتوفر لديه من معلومات يحصل عليها من هنا أو هناك.
سادساً: أشرت في حديثي أمام السيد/ الوالي إلى أن مشاريع الطرق بولاية الخرطوم لا تتم عبر عطاءات ومناقصات مفتوحة... وأقر السيد/ الوالي بأنه لا توجد عطاءات لأنه يعتقد أن العطاءات ترفع أسعار المشروع لأن المقاولين يتكتلون ويتآمرون على الولاية ويتلاعبون في الأسعار المقدَّمة لذلك هو يضع مواصفات للمشروع ويختار... وهذا طرح غريب ومدهش للغاية... فحتى الآن وفي جميع دول العالم المتقدم والمتخلف لم تُكتشف وسيلة تضمن الشفافية أفضل من المنافسة بين المقاولين لتنفيذ المشاريع... فمن أين جاء السيد/ الوالي بهذه النظرية؟ إن اختيار أي مقاول إنشاءات يتحكم فيه معياران... معيار الجودة ومعيار السعر معاً فماذا استفادت الولاية من نظرية «الأرخص» التي يعمل بها السيد/ الوالي؟ شركات ذات كفاءة متدنية تتعلم الحلاقة في رؤوسنا وبأموالنا... مَنْ كان تاجر مواشٍ أصبح مقاول طرق وجسور... ومَنْ كان صاحب مكتب ليموزين أصبح مقاول طرق وجسور... الخ... ونتج عن ذلك تبديد للمال العام لأن هذه الطرق سيتم إعادة إنشائها مرة أخرى مستقبلاً... جودة متدنية وبطء في التنفيذ... فأيهما أجدى اقتصادياً أن ندفع أكثر مقابل جودة وكفاءة عالية وسرعة في التنفيذ أم العكس؟
سابعاً: تحدث السيد/ الوالي عن موضوع البصات حديثاً تفصيلياً مطولاً... وما زلت بالرغم من حديثه التبريري المطول أعتقد أن السيد/ الوالي قد تجاوز حدود وظيفته كرجل دولة يقود أكبر ولاية في البلاد... فكان من المفترض أن تتكون الشركة المساهمة ثم يسعى لمساعدتها بتوفير التمويل الخارجي ويترك للشركة التفاوض الفني مع الشركات المصنِّعة للبصات وغير ذلك من التفاصيل. السيد/ الوالي قال إن القطاع الخاص لم يكن متحمساً للمشروع ثم أتى إليه مهرولاً بعد أن جاء بالتمويل الذي كان جزءاً منه منحة... وهذا الحديث في تقديري فيه استخفاف بقدرات القطاع الخاص السوداني الذي امتحن قبل ذلك في السودان وأثبت كفاءة عالية في كل نواحي العمل الاقتصادي بما في ذلك توفير التمويل الخارجي... فلماذا يفترض السيد/ الوالي أنه هو «الأشطر» دائماً والآخرون بلهاء وأغبياء ولن يستطيعوا أن يفعلوا أي شئ بدون جهوده؟
ثامناً: إن ما قاله السيد/ الوالي حول الوضع الأمني في ولاية الخرطوم وتفسيره لما قاله السيد/ وزير الداخلية بوجود 47 جماعة مسلحة بالولاية، هو تفسير خطير الدلالة ويجب أن نتوقف عنده... فالسيد/ الوالي ذكر بأنه علينا أن نفهم حديث الوزير بأبعاده التكتيكية، فعندما يخاطب الوزير السلطة التنفيذية يقول بأن هناك 47 جماعة مسلحة للحصول على ميزانية كبيرة، بالرغم من استتباب الأمن وعندما يتحدث أمام المجلس الوطني يتحدث بلهجة أخرى... وهكذا... ما هذا سادتي هل بالفعل تدار الدولة بهذا الأسلوب الفهلوي؟ فإذا أرادت وزيرة الصحة الاتحادية مثلاً الحصول على ميزانية كبيرة تقول لمجلس الوزراء أن هناك عشرة ملايين وفاة بالكوليرا وخمسة ملايين وفاة بالإيدز و... الخ؟ الأمر يحتاج لتوضيح ليس من السيد/ الوالي وإنما من رئاسة مجلس الوزراء ومن السيد/ وزير الداخلية نفسه صاحب التصريح الأصلي.
خلاصة ما أود أقوله هو إنني لأول مرة تتاح لي فرصة الجلوس أمام السيد/ الوالي وجهاً لوجه والاستماع له لفترة طويلة وأعتقد أن العقلية التي يدير بها شؤون الولاية من خلال حديثه الذي سمعته تعكس أنه يتصرف كامبراطور وليس كوالٍ ويتحدث بلهجة قاطعة في دولة متهالكة ليس فيها حقيقة واحدة ثابتة وواضحة... وهذا الأسلوب سيبدد جهوده وستتبخر إنجازاته بالولاية وستخسر الدولة الكثير لأنها تتم وفق رؤيته الشخصية التي في معظم أبعادها هي رؤية تاجر شاطر وليست رؤية رجل دولة... وأمامنا نموذج امبراطور الداخلية السابق صاحب الإنجازات الإعجازية التي بدأت تتبخر وعلى حساب الدولة.
|
|
 
|
|
|
|
abubakr
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست