|
|
 أضبط: والي دارفور غير المتوج هنا..توجد صورة
|
خزين الشعر ووالى الفاشر غير المتوج
حسن عبد الماجد: الرجل الذي نسى نفسه في الآخرين..!
(1)
التوزيع الجغرافي لأسنانه الامامية يستحلب من ضرع ذاكرتك شخصية الزين في رواية الطيب صالح الشهيرة، وحين تراقبه تتأكد من إنه مكتول في حوش العمدة عثمان محمد يوسف كبر ولو تقربت منه قليلاً لنفيت عنه نزق الزين وجلائطه الكبار..!
(2)
على محياه وهن الدنيا، كأنه يسحب أحمالاً بحجم رقعة الحرب الامريكية على الارهاب.. يتأبط مايكرفونه الابيض الذي تبرع به أحدهم حفاظاً على حباله الصوتية من الاهتراء، فتقفز عليك ذكرى الراحل الخزين الذي ما عاد يذكره أحد ..!
(3)
عمق إيمانه ويقينه بما يفعل، يتجلى في توقيعات السجود الطوال على جبهته بحبر الوضوء الابيض من قلم الصلاة..التحديق في وجهه متعة، متعة ان تقاتل نفسك لتكون محايداً في تصور المعاني المنبثقة من ثنايا تقاطيعه المكلومة..!
(4)
خليط من رحيق البؤس ورائحة الجوع وعصارة الفقر وغنى النفس.. عناوين لمقالات مبثوثة بين طيات جبينه المعروق يكاد يفسد مابين سطورها بدايات ذقن كاد ينبت فيه، أو ربما عزّ عليه موس الحلاقة أو كان على عجل من أمره ليلحق بضيوف حوش العمدة ليلقى على أبصارهم قصيدة من بنات أفكاره المؤدبات..!
(5)
معلم عتيق، أفنى زهرة شبابه بين سواد السبورة وبياض الطبشورة، كان مصنعاً لأجيال من التلاميذ الذين سمكر جهلهم بمطارق علمه الغزير طلاء سماحته التي لاتخفى على أحد..تلاشى في العلم حتى تمكن من بناء مدرسة بأكملها من ماله الخاص..مدرسة آمو الاساسية بمحلية كتم..ولانه أفرط في العطاء، فرط في نفسه حتى نسى ذاته في الآخرين، والافراط في الشيئ كالتفريط فيه يا حسن..!
(6)
يستقبل المعلم حسن عبد الماجد كل زوار مدينة الفاشر ممن يأتون للصيد في بركة الجنجويد في صبر عجيب، أسقط جدل الزمان والمكان وغلظة البروتوكولات من قاموسه.. يلقى على زواره ما يزعم بأنه شعر، ولا يهمه أن يستمع إليه الناس أم لا.. يدلق شعره في فضاء الضيوف من كل البحور.. لم يترك بحراً من الشعر لم يخضه، ولا يكترث قط لبحر التجاهل الميت الذي يعبره المستهدفون لتفاديه ..!
(7)
إستوقف كونداليسا رايس بجلالة ساقيها الرقيقتين حين زارت الفاشر ليسمعها شعره.
ـ قُلت ليها شنو يا حسن؟
لم يتردد حسن عبد الماجد كأنما الابيات كانت تتزاحم على حافة فمه وتنتظر مني الاشارة رغم انه حين يتلبسه شيطان الشعر يستحيل كله الى فم وحنجرة ولا ينتظر إذناً من أحد..
ـ أقول ليك قصيدة كوندا؟!
ـ أيوه.
بسمَل المعلم حسن وتعوّذ وتحوْقل ثم قال:
من الاعماق يا كوندرايس
وندعو لك بالتوفيق والسداد
أروي لنا قصص الكفاح
من أجل الخارجية..!
(
صدقوني.. إن طوية المعلم حسن عبد الماجد أنقى من أن نسخر من شعره حين يختبئ خلف مايكرفونه مثلما يختبئ البستان في الزهرة، واستعانة حسن بالمايكرفون لا ينفصل عن محيطه الدارفوري الذي إستعان كل أطراف ازمته بالمايكرفونات الدولية، حتى تكاثرت لصيحاتهم الآذان من كل جنس، فضاع صوت المعلم حسن في الزحام فإضطر هو الآخر لمكبر الصوت..علّ وعسى..!
(9)
من مواليد مدينة كتم في العام 1943م، التحق بسلك التعليم العريان في العام 1958م حتى صعقته الى المعاش في 2003م وهو مدير لمرحلة الاساس..هنا ضاع أساس بنيانه فإمتهن الترحيب بالناس، شعراً وصبراً وهدايا من حر ماله..!
(10)
هل تصدقوا ان الاستاذ حسن يشتري لضيوف الفاشر من زوار الجوار والضرار والنطيحة وما أكل السبع الامريكي والامم المتردية والمحبين لفاشر زكريا هدايا من حر مال؟!
يتقصى عن طبيعة الوفد الزائر وعدده.. يلج سوق الفاشر ويشتري مركوبين تلاتة أو بضع عصايات صقلية ممّا إمتازت به الفاشر ويغلفها بالسلوفان ويذهب لبيت الوالي ـ حوش العمدة ـ لينتزع فرصته ويقدم هداياه..!
(11)
بلغ الاستاذ حسن مقاماً من العفة وعزة النفس حتى انه لايستجيب لكل دعوات الموائد في بيت الوالي حين يكون في معيته ضيوف.. يتنحى بعيداً متأبطاً مايكرفونه ويقلب اوراقه، ربما ينجر خلالها قصيدة تساعدهم في الهضم.؟!
(12)
في الصباح الباكر عقب صلاة الفجر، كنت أجلس مع الاستاذ عثمان محمد يوسف كبر، والي شمال دارفور في بيته وانا احدثه عن الاستاذ حسن وتفرده، فوافقني الوالي وزاد عنه بما يستحقه من ثناء فإقترحت عليه ان اسميه بوالي الفاشر غير المتوج، فجأة ضحك الاستاذ كبر وقال:
ـ أهو ده..الوالي بتاعك جا..!
نظرت أمامي فإذا بحسن عبد الماجد يتجه صوبي يحمل مايكرفونه ولفافة ضخمة من الورق.. انتحى بي جانباً ليحدثني عن ديوانه الشعري الذي أسماه بـ «اللؤلؤ» وبدأ في كتابته منذ العام 1980م.
(13)
لم ينس حسن أن يسألني إن كان الضيوف قد إستلموا هداياه..فسألته من أين له بقيمة ما يشتريه؟
ـ والله من المعاش بتاعي..!
متزوج ياحسن؟
ـ أيوه.
ساكن وين؟
ـ في حي الطريفية بالفاشر.
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست