شفرةٌ أُخرى ، لمريمَ أُخرى !!!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-14-2024, 07:44 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-20-2006, 01:01 PM

منوت
<aمنوت
تاريخ التسجيل: 03-18-2002
مجموع المشاركات: 2641

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
شفرةٌ أُخرى ، لمريمَ أُخرى !!!

    بقلم/ يحى فضل الله
    يتخلخل الدخان بين مسامات جلدي، أحس إني انتمي إلى تلك النداوة، دخان الطلح يتسرب من بين فتحات النافذة المغلقة ومن بين فتحات باب غرفتي المغلق، هذا الصباح، جلست على حفرة الدخان، أحاول بذلك أن أمنح جسدي نداوته، أهيئ نفسي للدخول في تحقيق حلمي بزواجي من "عبد الباسط" من وراء كثافة الدخان داخل غرفتي أتأمل اللوحة المعلقة على الجدار الذي أمامي، بخط يدي كنت قد كتبتُ هذه الجملة الشفيفة، كان ذلك أيام دراستي في كلية المعلمات، لا زلت أمارس علاقتي بفن الخط، من وراء غلالة الدخان، تتعلق عيوني بحروف تلك الجملة، كل حرف فيها يعيدني إلى ذلك الزمن الجميل، عيوني تمتص حروف تلك الجملة:
    "ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء"
    أتأمل هذا التضاد المعلن بين الحروف السوداء وبياض الورقة الذي كُتبت عليه، البرواز تآكل بعض الشيء، أحس بالدخان وهو يخرج متسرباً من بين فتحات الشملة تحت أقدامي ومن على عنقي، أحس به يداعب أحلامي، ها أنذا أدخل في محمرة من العبق عذا الصباح وكأني أدخل مجمرة عواطفي تلك التي تحرضني على حياة جديدة، جديدة ولكنها تعربد فيها أحلامي القديمة، أتابع بعيوني حركة الدخان الشفيفة وأحس بأن جسدي ينضح بالنداوة، بعد أسبوع سيتم عقد قراني بعبد الباسط، بالأمس جاءني عبد الباسط، جاء وقد ترك خلفه كل اعتراضات أسرته على زواجه بي، حكى لي كيف أن أخاه "حسب الرسول" اعترض على هذه الزيجة ولوح في وجهه بأن الأسرة كلها ستقاطعه إذا تم ذلك الأمر، أنها نفس تلك الدائرة القديمة التي عصفت بأحلامي وأحلامه، جاءني عبد الباسط وقد حسم أمره تجاه كل تلك الاعتراضات جاء منتمياً إلي وخرج بعد أن حددنا موعد عقد القرآن، وها أنذا أجلس هذا الصباح على حفرة الدخان، أدخل هذا الطقس الأنثوي منتمية إلى البحث عن نداوة جسدي، منتمية إلى عاطفة بكر برغم كل تراكمات السنين والأحداث، تراكمات الوقائع وانكسارات الأحلام، تراكمات تراكمات، أهرب منها وأراني صبية تحلم بفارس أحلامها، الدخان يتسرب من بين ثنايا الشملة موزعاً لهيب عاطفتي تلك على كل أنحاء الغرفة أذوب بكل مسامي في اشتهاءاتي لتلك اللحظة الاندماج مع "عبد الباسط" أنظر إلى الساعة الموضوعة على المنضدة القريبة مني كي أعرف كم من الزمن قد قضيته داخل الشملة، أتناول صندوق السجائر من على المنضدة، أشعل سجارتي كي أضيف نوعاً آخر من الدخان إلى ذلك الدخان الخاص الذي يتحسس أنوثتي المهيأة تماماً للدخول في حياة جديدة ستعيدني حتماً إلى خصوبتي، ترى هل لازلت خصبة؟ كم يقلقني هذا السؤال، لا تحتمل الأنثى فقدان الخصوبة، أتلذذ بسيجارتي، أغرق في استرخاء عميق، اعتلي قمة شهوتي، أتحسس انفعالاتي الأنثوية النقية والدخان يعبق، يملأ فضاء الغرفة، عطر الطلح يقذف بي إلى هناك إلى حيث تتجوهر أنوثتي معلنة رغباتها الخفية، إلى ذلك الإحساس الشفيف الذي ينبض بين عروقي تلك التي أحس بها وقد تهيأت لخصوبتها، أغمض عيوني وأرحل في عوالم اشتهاءاتي، أغفو وأراني أوزع عاطفتي ورغباتي في خيوط الدخان الي يلفني ويتسرب من بين ثنايا الشملة، أنا أجلس على نار شفيفة تجادل أنوثتي وتذهب بها نحو تلك النداوة، أموع بين كثافة الدخان المعطر، أصابع قدمي أحس بها ندية، اتحسس بأناملي الساقين وأتحسس نداوة جسدي وأنا داخل هذه المجمرة، العرق ينتح من جسدي بسبب تلك السخونة التي أغرق جسدي فيها، أطفئ سيجارتي وأنظر مرة أخرى إلى الساعة واحس بأني مكتفية هذا الصباح بهذا القدر من البحث عن نداوتي، أزيح الشملة من على جسدي وأنهض، أتأمل جسدي وقد بدأ يتجد بدخان الطلح، اطفئ برشة ماء حفرة الدخان، ارتدي ملابسي واسترخي على السرير، أشعل سيجارة أخرى، أفتح النافذة كي يتجول ذلك الدخان المعطر في الفضاء، أفكر في الخروج، لا بد من ذلك، أفتح باب الغرفة، أجلس على العنقريب في الراكوبة، أكمل تلذذي بالسيجارة، أشرب كوب ماء من الزير، أدخل غرفتي مرة أخرى، ارتدي ملابس الخروج، أحس بي خفيفة كنسمة في هذا الصباح، أسقي شجرة الليمون الصغيرة، أحواض الزهور، أفتح الباب الخارجي أغلقه بالمفتاح من الخارج.

    ها هي "حبوبة بتول" تجلس أمام بيتها، لا استطيع أن أتفاداها، لابد أن أمر بها اقتربت منها وها هي تستقبل قدومي إليها بلهفة.

    -"صباح الخير"

    -"يسعد صباحك، على وين؟"

    -"مشاوير قريبة"

    -"هي كدي تعالي شوفي البامية دي"

    -"بجيك راجعة"

    -"الرسول كان تجئ"

    لا مفر منها أبداً، غيرت اتجاهي إليها

    -"البامية دي سمحة وحاتك، بتخاطفوها أخلي ليك منها، كومين ولا تلاتة"

    -"كويس، خلي لي ثلاثة أكوام"

    -"أها دحين وين ماشة"

    -"مشاوير قريبة بجيك راجعة"

    -"الرسول كان تقعدي، خشم خشمين"

    -"بجي بعدين أتونس معاك، أنا مستعجلة يا حاجة"

    -"العجلة من الشيطان، هي الدنيا دي طايرة؟"

    نهضت من جلستها واقتربت مني متحمسة وملأت أنفها بدخان الطلح الذي يعبق مني.

    -"كدي كدي، دخان السرور، الدخان ده شيلتي الصباح ده ولا شنو"

    -"أي يا حاجة بتول، أها خليتك بي عافية"

    وتحركت منها إلا أنها لاحقتني بخطواتها وأمسكت بيدي وجرجرتني نحوها

    -"هي تعالي، ما سمعتي نفيسة قالت شنو؟"

    -"نفيسة منو"

    -"نفيسة أخت عبد الباسط"

    -"أها مالا"

    -"وحاتك قالت مريم دي ما بتخلي عبد الباسط ألا يمشوا لي فكي"

    -"فكي"

    -"أي وهسة قالوا الليلة ماشين فريق الفلاتة الوراني عشان يطفشوا عبد الباسط ده منك، هو العرس متين يا مريم"

    -"بعد أسبوع"

    وهربت من إلحاح "حبوبة بتول" وصوتها يلاحقني

    -"يا بتي كان في قسمة خلاص، إلا عاد كان ما في قسمة دخانك ده يبقى بندق في بحر ساكت"

    هربت منها وأعرف أن موضوع دخاني سيكون بمثابة خبر جديد ستنتقل به "حبوبة بتول" بين أذان نساء الحي، لا يهم، أدلف إلى ذلك الزقاق الضيق الذي سيخرج بي إلى تلك الفسحة أمام السوق، خطواتي أحس بها خفيفة، نادراً ما أخرج في الصباح ولكن هذا الصباح كانت بي رغبة حارقة في الخروج، لابد من البحث عن الشيخ "مصطفى الدرويش" غيابه عن مملكة الأحلام أصابني بنوع من القلق، لا احتمل هذا الغياب خاصة وأن الشيخ "مصطفى الدرويش" يمر بهذا التحوّل إضافة إلى أن وجوده في عقد قراني أمراً له وقع خاص عندي، لذلك قررت أن أبحث عنه، كنت أمسع أنه لم يعد يتجول كعادته لذلك قررت أن أذهب إليه في منزله بحي "العصاصير" خرجت من ذلك الزقاق إلى تلك الفسحة متجهة إلى السوق، لا بد من عبور السوق حتى أصل إلى حي العصاصير، أحس بخطواتي تمتكل نشوتها الخاصة وأنا أقترب من السوق، حركة الصباح في السوق تشعرني باستمرار الحياة، زحمة زنك الخضار الحميمة، الأكشاك الصغيرة المرصوصة في الجانب المقابل للجزارة، عربات الكارو التي تقودها الحمير تربط بين أول السوق وآخرها منتقلة بأصناف مختلفة من البضائع تحمل وتفرغ ويتجه بعضها إلى "السوق البرة" أحس بالعيون تتابعني وأنا اقترب من الجزارة، كنت أريد أن أسال "حمد الجزار" عن الشيخ "مصطفى الدرويش" لعله يعرف شيئاً عنه، أقتربت من تربيزة "حمد" استقبلني ببشاشة معلنة.

    -"خطوة عزيزة يا مريم"

    -"أزيك يا حمد"

    -"مرحب بيك يا مريم، عايزة لحمة"

    -"لا أبداً"

    كان "ود النصيح" يقف أمام تربيزة "حمد" فاحتج بصوته الواهن قائلاً: "ما تمشيني يا ولدي"

    -"كدي بايع جدك ده أول"

    كان "ود النصيح" قد تجاوز السبعين لكنه كان لا يتخلى عن حيوته مطلقاً.

    -"أها يا جدو، طلباتك"

    -"أديني أوقتين ضأن"

    ابتسمت أنا وقررت أن أتابع هذه المبايعة ذات الأصداء القديمة، لا زال "ود النصيح يتعامل بالأوقة هو الآن في حالة خرفه ذلك الطريف، يتعامل بأسعار قديمة، أسعار الأربعينات، مسجون في ذلك الزمن القديم، يتعامل مع كل الأسواق بأسعار ذك الزمن والغريب أنه يتملك عملة ذلك الزمن يتعامل بالمليم، يقال أنه كان يدخر تلك العملة القديمة بدفنها تحت شجرة مهوقني كبيرة في منزله، وقد أخرج ذلك الكنز في لحظة تجلي وأصبح يتعالم بتلك العملة القديمة في سوق البلدة، يدفع بالمليم في زمن أصبحت فيه الأسعار بالجنيهات وأجبر "ود النصيح" و"حمد الجزار" الذي يحاول أن يجد موازنة بين معيار "الأوقة" القديم ومعيار "الكيلو"، بعد أن جهز "حمد" طلب "ود النصيح الخرافي، أدخل "ود النصيح" يده في جيبه وبأصابع مرتجفه بفعل الزمن وتلك الشيخوخة التي يحاول أن يتمرد عليها أخرج مبلغ ثلاثة ملاليم وأعطاها لحمد الجزار الذي أخذها منه قائلاً: لكن يا جدو، الأوقة ما بقت بي مليمين" وهنا صرخ "ود النصيح" في وجه "حمد" الجزار مشهراً سبابته المرتجفة في وجهه.

    -" يا ود أنت حرامي ولا شنوا، متين بقت الأوقة بي مليمين، الأوقة بي مليم ونص فقط.

    -" وحمل "ود النصيح" لفافة اللحم ووضعها داخل تلك القفة القديمة وتحرك بخطوات مرتجفة بينما شاركت "حمد الجزار" ضحكته تلك الحميمة وابتعد "ود النصيح" عن الجزارة متجهاً إلى زنك الخضار بملاليمه تلك وبخرفه ذلك الذي سجن ذاكرته في زمن قديم.

    -"أكتر زول مُروق في البلد دي هو جدك "ود النصيح"

    -" والله مُروق، هسع يا حمد الملاليم دي بتعمل بيها شنو؟"

    -" ما مشكلة، هو ما بشترى اللحمة إلا مني وبعد ذلك بحاسب أولادو، أولادو متفقين معاي على كدة"

    -"قلت ليك يا حمد، قريب ده شفتا الشيخ مصطفى الدرويش"

    -"لا ده اختفى من السوق خالص ما قاعد يجي ليهو زمن"

    -" يعني كان مشيت بيتم في العصاصير بلقاهو؟"

    -" والله يا مريم علمي علمك"

    -" طيب مع السلامة"

    مررتُ بكشك المرطبات الذي كان يعمل فيه "علي" لازال الكشك مغلقاً، عاودني ذلك الإحساس الكثيف بالفقد، كنت حين أتى إلى السوق لابد أن أمر بـ"علي" كان هذا المكان تضج فيه الحيوية، ها هو الآن تسيطر عليه الكآبة، حين اقتربتُ من صف الدكاكين لمحني "جاد المولى" واعترض طريقي بوقاحته الأزلية، يبدو أنه سمع بمشروع زواجي من "عبد الباسط" نظر إلى بقسوة قائلاً:" ما كنت عارف يا مريم أنك بتكرهيني للدرجة"

    -" هسع إن شاء اله تكون عرفت"

    وأزحته من طريقي وتجاوزته متجهة إلى الشارع الضيق الذي سيؤدي بي إلى حي "العصاصير"، تركت ضجة السوق الصباحية خلفي، أحس بخطواتي متلهفة إلى لقاء الشيخ "مصطفى الدرويش" ذلك الكائن الشفيف تُرى هل سأجده؟ سبق أن زرته في هذا البيت، عاودته فيه حين كان مريضاً بالملاريا، له غرفة بعيدة عن باقي الغرف في البيت، يبدو أنه كان منعزلاً عن أفراد أسرته المكوّنة من والدته المقعدة بسبب الشلل وأخته الوحيدة العانس وأخيه "محمدين" مع زوجته وأولاده "محمدين" هو الذي يدير تلك العصارة التي تركها لهم والده "محمدين" ترك الشيخ مصطفى الدرويش لتهويماته الصوفية ولم يحاول إجباره على العمل في العصارة، كانت العلاقة بينهما حميمة أو هكذا أحسستُ بذلك حين زرته.

    اقتربت الآن من حي "العصاصير" وتستقبلني روائح المكان الخاصة، رائحة السمسم المعصور وأصوات جمال العصارة تلك المنهكة والمختلطة بأصوات العصارة نفسها، أدخل في زقاق ضيق وأدلف يميناً إلى حيث يوجد بيت الشيخ "مصطفى الدرويش" أنقر بأصابعي على الباب، تفتح لي طفلة صغيرة هي بنت "محمدين" أدخل إلى الداخل، أرفع صوتي بالسلام تخرج "رقية" أخت الشيخ مصطفى العانس من الغرفة القريبة إلى الباب، تبدوا عجفاء ويابسة الملامح تعتصرني يدها المخشوشنة بالسلام.

    -" اتفضلي"

    وأدخل معها إلى الغرفة تجلسني على السرير، تتفحصني بنظرات فيها من الفضول ما يكفي لارتباكي، تخرج من الغرفة، أتجول بنظراتي حول الغرفة تدخل "رقية" حاملة كوب ماء، قبل أن أشرب أسألها.

    -"مصطفى موجود"

    -" مصطفى أخوي سافر الصعيد"

    -" متين"

    -" قبل أربعة أيام"

    -" إنشاء الله خير"

    -" خير"

    -" مشي لي غرض يعني ولا"

    -" والله يا هو سافر إلا ما قال لينا غرضو شنو"

    -" ما قال بجي متين"

    -" كان ما جاء الليلة بجي باكر، أنتي مغروضة فيهو؟"

    -" والله طوّل ما جانا، قلت أشوفو مالو"

    -" كتر خيرك"

    -" ممكن أخلى لي وصية، يلقي عندك ورقة وقلم"

    ونهضت رقية مدهوشة وبحثت عن ورقة وقلم وجاءتني بقلم رصاص وكراسة قديمة، نزعت منها ورقة وكتبت عليها:

    الشيخ مصطفى

    تحياتي وودي

    لماذا هذا الغياب؟

    أسمع عنك أخبار غريبة

    حضرت إلى منزلكم وعلمت أنك

    سافرت إلى الصعيد

    سأتزوج عبد الباسط

    لابد من حضورك

    احتاج إليك

    اختك مريم"

    طبقتً الورقة ومددتها إلى "رقية" التي كانت تنظر إلىَّ بدهشة لا توصف

    -" لمن يجي أديهو الورقة دي"

    وهممت بالوقوف كي أخرج وخرجت "رقية" من دهشتها لتقول لي

    -" هي عليك النبي أفطري معانا"

    -" معليش، مشواري طويل"

    -" هي ما الفطور جاهز، عليك النبي كان تقعدي"

    ولاحقتني بإصرارها ذلك الحميم حتى خرجت.

    في عودتي عبرتُ السوق، اشتريتُ بعض الحاجيات، كانت الحركة في السوق قد هدأت قليلاً وحين خرجت من السوق إلى تلك الفسحة تكاثف في القلق على الشيخ "مصطفى الدرويش" ضجت في ذهني التساؤلات، كنت أرغب أن أعرف ما الذي حدث له، ما سر هذا التحوّل الذي سمعت عنه، خطواتي أصبحت هامدة بعض الشيء وأنا أعود دون أن التقي به، في طريقي إليه كنت أحس أنني أركض نحو رغبتي في اللقاء به وها أنذا أعود بخوات هامدة ودون أن التقي به ترى هل سيعود؟

    عبرت الفسحة ودخلت في ذلك الزقاق، في منتصفه قابلني "حسب الرسول" شقيق "عبد الباسط" الأكبر قادماً من الجهة الأخرى بدراجته وحين وصلني نزل من على الدراجة وقذف بها على الأرض واندفع نحوي، صارخاً في وجهي.

    -" شوفي يا مريم، أنا مشيت ليك في البيت، أبعدي عن عبد الباسط ولا ما حا يحصل"

    -" أنت مالك هايج كدة"

    -" والما بهيجني شنون، شوفي يا مريم قصر الكلام عبد الباسط مصر يتزوجك ونحن في البيت البيت كلو رافض العرس ده ولو ده حصل نحن حنتبرأ منو، لا هو مننا ولا نحن بنخضو، عشان كدة أنا جيت أقول ليك ما في داعي للزواج ده ما معقول يا مريم الموضوع ده اتحسم زمان تاني الرجعو شنو؟ دي حكاية غريبة".

    أزحته عن طريقي وتجاوزته، لكنه ظل يلاحقني بالشتائم والصراخ حتى أن أبواب البيوت على جانبي الزقاق قد فُتحت وأطل منها، الفضول الذي احتل عيون الذين على تلك الأبواب وخاصة عيون النساء، لم أهتم بصراخه وشتائمه وهو يتابعني وأنا أعبر ذلك الزقاق، أعبر الفضول القاتل، خرجت من الزقاق و"حسب الرسول" يقود دراجته خلفي ويشتمني وأنا أمشي، مررت بحاجة "بتول" و"حسب الرسول" خلفي بشتائمه الصارخة وصلت إلى باب بيتي وانضمت "حبوبة بتول" إلى ذلك الحدث وتركت مكانها وتابعت "حسب الرسول" وشتائمه اقتربت مني وأنا أمام بيتي، قذف مرة أخرى بدراجته على الأرض واقترب أكثر مني وأنا ألوذ بصمتي وأحاول أن أدخل المفتاح كي أدخل بيت، صرخاته الشاتمة جعلت أبواب الجيران تفتح ليصبح لهذه المشاجرة جمهور من نساء وأطفال الجيران وبعض العاطلين من الشباب، "حبوبة بتول" تقترب أكثر بتلذذها المعتاد وحين تمادي "حسب الرسول" أكثر وجذب يدي ليسقط المفتاح على الأرض، حاولت أن أتمسك بصمتي وحين صرخ في وجهي قائلاً "شوفي نحن دمنا ما بنخلطوا بدم الخدم والعبيد"

    وبقوتي كلها، صفعته على وجهه صفعة قوية حتى كاد أن يسقط مترنحاً على الأرض وحاول أن يرد صفعتي ولكني صفعته مرة أخرى وبقوة أكثر حتى وقع على الأرض وتدخل بعضهم بيني وبينه، التقطت المفتاح من على الأرض وفتحت بابي ودخلت وأغلقته خلفي ولاحقتني شتائمه اللاذعة والصارخة وأنا استلقي منهكة على العنقريب في الراكوبة وأخرجت آهة عميقة من داخلي ضد كل تلك الضجة التي في الخارج.


    ( نقلاً عن مداخلة ناذر محمد الخليفة 18 يونيو 2006 ، في بوست ناصر محمد خليل " جارتي تأذيني بدخان حفرتها ، ماذا أفعل ؟ . سودانيز أون لاين )
    __________________

    و ... يا ضلنا المرسوم على رمل المسافه ،
    وشاكي من طول الطريق ..
    قول للبنيه الخايفه من نار الحروق ،
    تحرق بويتات الفريق ،
    قول ليها ما تتخوفي ..
    النسمه ، بتجيب الأمل ،
    و الأمل بيصبح رفيق .
    يا ضلنا .
    و ...
    يا داووووووووووووودنا !!

    (عدل بواسطة منوت on 06-24-2006, 04:18 PM)

                  

06-20-2006, 05:29 PM

وانجا

تاريخ التسجيل: 03-01-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شفرةٌ أُخرى ، لمريمَ أُخرى !!! (Re: منوت)

    سلام ليك/عليك
    يا
    منوت ..
    و لمريمَ أُخرى
    ويحي فضل الله ..
    التحية..
                  

06-21-2006, 00:31 AM

محمد الامين احمد
<aمحمد الامين احمد
تاريخ التسجيل: 08-28-2004
مجموع المشاركات: 5124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شفرةٌ أُخرى ، لمريمَ أُخرى !!! (Re: منوت)

    على سبيل التحية...
                  

06-21-2006, 01:35 AM

قرشـــو
<aقرشـــو
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 11385

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شفرةٌ أُخرى ، لمريمَ أُخرى !!! (Re: منوت)

    الأخ منوت

    لك التحية وليك وحشة يا سيدى

    كالعادة تأتى متأبطا رائعة اخرى بين عطاياك لنا ..

    Quote: أتناول صندوق السجائر من على المنضدة، أشعل سجارتي


    Quote: أتلذذ بسيجارتي،


    عند قرأتى لاعلاه ولتفاصيل أخرى فى ثنايا القصة وجدت نفسى كجدك ود النصيح مسجون فى أفكار ورؤى قديمة حاولت مرارا الانعتاق منها ولم انجح وادركت اننا فعلا نعيش فى ظلال السودان الجديد ...

    التحية لك وللقاص يحي فضل الله على هذه الرائعة ....

    لك التحية
                  

06-21-2006, 11:56 AM

منوت
<aمنوت
تاريخ التسجيل: 03-18-2002
مجموع المشاركات: 2641

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شفرةٌ أُخرى ، لمريمَ أُخرى !!! (Re: منوت)

    * وانجا ، يا وانجا ..
    يا غصنَ ليمونٍ تدلى على دربٍ التواصل ..
    معاااااااااااااااك .

    * محمد الأمين أحمد ،
    قبلنا التحية ..
    ولك مثلها ملاييييييييييييييييين .


    * قرشو ،
    يا أبها الرجل المحارب ( البوردي ) القديم !!
    تشكر على الإطراء ..
    جدي " ود النصيح " وجدك ، يتلبس الجميع !! ، ولكن إلى حين !!
    وغداً ، نصيحٌ آخر ، ومريمُ أخرى ..!!


    * التحية للصديق القاص يحي فضل الله ( أبو اليحي ) ..
                  

06-22-2006, 12:12 PM

منوت
<aمنوت
تاريخ التسجيل: 03-18-2002
مجموع المشاركات: 2641

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شفرةٌ أُخرى ، لمريمَ أُخرى !!! (Re: منوت)

    و هاكم ،
    هاكم هذا التناص " الثيمي " لشفرةِ مريمَ " مغيبة " أُخرى !!
    مريم / أنونق + عبد الباسط / الدوش = صفر كبييييييير !!!


    ***

    " كُلَّما اتسعتِ الرُّؤيةُ ، ضاقتِ العبارةُ "
    (الإمامُ الَّنفّري)

    - Nyan Tenu? , Nya Tuktuk , Yee kal Kanj ?
    - Ya Kal Luk
    - Tundur Ba ne ne Kedi Pinj , Ne Ne Ba tau, Ru waw we
    chada
    - Kub Maya bil Nya Mau me mada , chung ya dong Malakal Wa youda .

    - أ صغيرتي ؟ ، يا أيتها التي تتزيَّنُ بالسكسك ، من أين أتيتِ ؟
    - أتيتُ من الجانب الآخر للنهر
    - تعالي نَنَمْ ، نوماً كالموت ، و عند بزوغ الفجر نذهب
    - أخبرنَ أمي بأن تحتفظ لي بمريستي التي أحب ، و عند عودتي من ملكال أجدها .

    (إحدى الأغنيات المشهورة بديار قبيلة الشلك)


    للنهرِ مسارٌ تاريخيٌّ صاخب ، ضجيجٌ حياتيٌ مُزبد . التيّارُ الوابليُ الفكتوري الجنوبي يدفعه إلى الأمام تجاه الشمال ، معانقاً أعشاب النيل الريّانة بالخضرة و الماء المنقّى – طبيعياً- . و (الدّيس) الشامخ كثافةً ، يتشابك غابةً من الأوراق الرفيعة الخضرة على السطح و في الجوف ، يطاوع النهرَ تيّاراً و انتباهاً ، محتضناً في أغواره البعيدة ، و أعماقه الدافئة السحيقة ، جماعاتِ السمك المتنوعةَ الطّباع .. المتباينةَ الألوان .. المتفاوتةَ الأحجام و السلوك الزعنفي . هذا (البلطي) يأبى أن ينصاع لأوامر الأم ، فيضلُّ السبيلَ ضائعاً بين جذور العشب النيلي المنتفخ ماءً و ثباتا . و ها هنا سمكة تخترق كثافة ال (H2O) مسبِّحةً لربِّها الذي حباها فماً حادّاً أحمر اللون ، لتعزف لحنها المتفرِّدَ و تشدو بهرمونية الأحياء النيلية و سمفونية الأسماك ، إنها (خشم بنات) هذا الوسمُ الذي أطلقه عليها النيليون جنوبَ كوستي ، شمالَ تونجه على ضفاف النيل ، مروراً ب ملكال ، و فشوده ، و كدوك ، و ملوط ، و كاكا التجاريه ، وجبل أحمد أغا ، و فلوج ، والمطيمر، و جلهاك ، و كوع المنقو، و ملولو ، وليلو أماره ، و ود دكونه ، و البشاره ، والرنك ، و أبو خضره ، وبير كدوك ، و القيقر ، و الكويك ، و أم جلاله ، و هلكه ، و جوده ، و الجبلين حتى تخوم النعيم و جوري و الرديس و خور أجول و أم مهاني جنوب النيل الأبيض ، و ذلك للتشابه الواقع بين كليهما في حدة الاختراق. و على جذور (أم فوله) المسماة – بحق – وردةَ النيل ، تختبئ (البَرَده) تلكم المشحونة بدفق الحياة في فيزيائها الفاعلة، و كيمياء لسعاتها الكهربائية المخففة ، باثةً مفردات الشفاء و التعالج في الذهن الشعبي المستسلم لجازم الاعتقاد في النيل و ما يحوي من أنماط حيولات و تمائم خرافية . أما (أُكوك) هذا (القرموط) أو (القرقور) فتأبى خياشيمه التسليم لأناشيد (الصير) المهتزة دوماً - حال القلب - آن يرجُّهُ الفرحُ السخي . و حدّث عن فرس البحر و حارسه الأمين ( القرنتيه) هذا المخلوق الذي ينتسب إلى عوالم لا تعرف الانتماءَ إلى غير أعظم الأنهار في المعموره ( النيل الأبيض ) ، مطلقاً صوته – المحايد- " حُووو ، حُووو ، حُووو " ، واضعاً فكَّه على ظهر الذي يسبقه سبحاً و – عوماً- في إلفةٍ تستدعي تواريخَ المخاوف المحدقةِ بقبيلةٍ من العصر الحجري يتعاضد أفرادُها زوداً عن إرثٍ تاريخي يحاول الهرب . ثعبانُ البحر ( أم دبيبو) يعشق الطينَ و السوادَ اللّزج ، و كأنه فطن إلى أصل الخلق و قيمة الوطن الممهور بالسواد و خصوبة التمازج بين العناصر المشيمية للتراب . و على مناخيرِ سيِّد الأعماق الرحبة و الضفاف الواعدة بالتحدي التاريخي في النهر العتيق ، هذا الفتى الشائخ نيلياً( التمساح ) ينفض الطائرُ الصديقُ – من على شموخه - جناحيه من البلل انتشاءً بصحبة الملك .. و سيدُ النيل يضرب بذيله الأسطوري شاقاً طريقه إلى فريسة سمكية أو أخرى حيوانية بريّة . و هناك على الضفاف الخلاسية يرقد خادمُ البرِّ و البحر ( الورلُ ) هذا البرمائي الموسوم بالجبن في القاموس الشعبي ، و الممتلئ لحماً مدرّاً للسعد المفضي إلى عوالم الخصوبة في فضاءات النيليين المسكونة اعتقاداً في طاقته الجبّارة و مداه ذي الأفق اللامتناهي الإشباع .
    ( أنونق ) فتاةُ العشقِ النيلي المحض الهاربِ مخلِّفاً إرثَ التطلُّعِ إلى البوح الصُّراح ، و وارف الأحلام و الآمال (الورلية) في أرضٍ تستوعب (شتاته) و تشرُّده بين اليابسة و الماء .. تتماهى في لحنها الليموني العبق ، صادقةَ الابتسام مهديهً إياه للسابلة و ضالي الطريق، بطاقمِ اللُّجين الأسناني اللّبِن .. مُحبةٌ للحياة في ابتدائها المشيمي الآسر .. تؤمن بأن الجدة ( نادينق ) تتقمصها برويةٍ حتي أقصى بليدِ التَّصرُّفِ فيها آن يشاغب ذروةَ الإشراقِ فيها نغم ٌ من (ربابة) السفر المشع – ضياءً – على درب التواصل الحميم .. تقول و تفعل - بلا ريب أو تهارب - ما يعنُّ لها من بهرة حقيقةٍ تطرّز كاملَ الأحلام في أنثى حباها اللهُ عمقاً وطوقاً من جمال الروح قبل متاهات و دهاليز الجسد الفناء .. طينيةٌ الملامح و الصفات .. لا أرضَ تستوعب أحلامَها العذراء و لا سماء .. حتى (الكجور) صار يذكرها في جلساته الحميمة الاستشرافية الأودية و الأصقاع .. لها بُعدُ التفاؤلِ و انطفاءاتُ الرؤى البليدة ، و السلام .. تحمل (جرّتها) يومياً و تهاجر نحو الحياة و سخبها النيلي .. نعم تهاجر كعادة قريناتها – دوماً – ينزلقن في محبّةٍ إلى النهر و عوالمه السخية الواعدة بالانطلاق إلى مواطنِ مزامير الزمن اليحنِّ إلى حداء الأسئلة ، و الولود بالاستجابات الغارقة في اللا متناهي ، و المغيّب ، و المسكوت عنه ، و المخبأ بين صُديفاتٍ زرقٍ / بِيضٍ تمنح النيلَ معنى أن يرشق الضفافَ بالأمل الغياب .. نعم يتدحرجن إلي ضفاف إمبراطور الأنهار ، و هو سادرٌ في انحداره التاريخي تجاه الريح بكل ما يستطيع من دفقٍ شديد البوح ، كاملَ القناعة في التواصل (المُؤنَّسَنِ و المُحيوَنِ و المُنبَّتِ) ، كاشفاتٍ عن معانٍ تسكن الماضي ، و الحاضر ، و ما ستأتي به الصباحات جميعها .
    في إحدى تلكم الصباحات الندية من بدايات أبريل بعد منتصف السبعينات - و الصيف يرسل أولى زخّات السخونة - تَصادفَ أن كان على ضفة النيل الغربية "محجوب الدوش" ، هذا الفتى ( الشندي) المنداح سودانويةً تظلل البلاد و العباد ، عابرةً ديار (الريح) لتنشر أريجها في كل الأصقاع الزولية ، مركزةً عبقها على (الصعيد) . إنه معلم تلاميذ المدرسة الابتدائية ألفَ باء التعليم النظامي ، و يائيةَ الحياة ، و الذي يذكره جميع (الود دكوناب) بكل خير و احترام و محبة .. كانت – حينها – أنونق تتدحرج إلى النهر مع صويحباتها ، تملؤها النضارةُ و ألقُ الفتوةِ و بياضُ السريرةِ سحراً من رونق ظلالٍ ذات جاذبيةٍ حوائيةِ الأصل و المنبت . ساعتها التقط الدّوشُ أولى إشاراتِ التواصل الحياتي الحميم آن شاهدها و هي ترشقُ إحدى صويحباتها بالماءِ الينزِّ رشاقةً ، مذكرةً إياه بما سجَّله الشاعرُ السودانوي الضخم – مع اختلاف مفردات المكان و الزمان ، و اتساق المآلات و فضاء النصين - (الناصر قريب الله) في إحدى قصائده :

    " و فتاةٍ ثمَّ تجني ثمرَ السُّنطِ في انفرادِ الغزالِ ..
    تمنحُ الغصنَ أسفلي قدميها ، و يداها في صدرِ آخرَ عالِ ..
    و يظلُّ النّهدانِ في خفقانِ الموجِ ، و الكِشحُ مُفرِطاً في الهزالِ ..."

    وهكذا ، قادته قدماه في رحلةٍ شاعريةٍ ذات جذور مشيمية إلى النيل في هذا الصباح المفارق لتواريخ مكوثه و تماهيه في القرية الأم و أهاليها ( ود دكونه ) . حيث كلَّفه العمدةُ (أبو آسيا) بإلقاء كلمة أهل المنطقة في الاجتماع التأسيسي الأول للجمعية العمومية لأصحاب مشاريع الطيارة الزراعية المطرية ، و الذي تقرّر إقامتُه بود دكونه . ومنذ أن شرّفه أبو آسيا بهذه الكلمة نيابةً عنه و أهل المنطقة ، ظلت الكلماتُ تتقافز أمامه و تنفر في حيادٍ و تبلُّد جانحة ًإلى الصمت السكون ، كفراشات تأبى الدخول إلى (جراب) مخزونه الفصيح عربياً و زوليا .. ناداها : يا كلماتُ ، أنبُتي على دربي الأخضر الفسيح ، و انسجيني لساناً يمنطق الآني و يهدي البوارَ شعاعَ الأسئلة النبيلة.. و لكن لا مجيب سوى الصدى و.‍‍‍‍‍.. و في ذلك الصباح قرر النزولَ إلى النهر مجترّاً تواريخ ( القرايه أم دق ) حينما كان تلميذاً بمدرسة (جبل أم على الوسطى) _ جنوب شندي / شمال الجيلي _ حيث للصباح إكسيره المدرُّ للتذكُّر و صفاء الذهن ... لذا حزم نفسه نازلاً إلى النهر قبيل بزوغ شمس يوم الاجتماع ، فكانت (أنونق) ملهمةَ المؤتمرين ظلال كلماتٍ ارتجلها الدّوش ، ( فوافقَ شنٌّ طبقا ) .
    تقاطرت جموعُ المحظوظين بامتلاك أرضٍ مساحتُها ألف و خمسمائة فدان زراعي في مشاريع الطياره المطريه .. كان تسعون في المائة منهم و أكثر من أبناء ( الريح) أي الشمال في القاموس السليمي ، و ما تبقى كان من نصيب أولاد (الصعيد) و من انتسب إليهم ، أي الملكية و السليم و الشلك و البرقو و الزغاوه و الفور والجعليين (علياب) وبني هلبه و سائر بطون الأنصار و مَن سار سيرهم المُتعب نحو أفقِ يتسودن .. حيث لم تُفلح نداءاتُ (أبو آسيا) لسكان القرية و ما جاورها باغتناء مشروع زراعي على أرض الطياره حتى و لو في شكل جمعيةٍ تعاونية ، مذكِّراً إياهم بما حدث لأهالي (الرنك) الأصليين من دينكا (أبلانق) و (صَبحه) و (نزّي) و (رفاعه) حينما قامت المشايعُ المطرية بأرضهم ، فلم يصيبوا منها غيرَ (الفتات) .. و حتى مَن كان منهم ذا رؤيا و بُعدِ نظر ، تهاوت محاولاتُه متهالكةً بعيداً عن الاستمرار في الزراعة ، و ذلك لتمكُّن العقل (الرعوي) من بصيلات تفكيرهم ، و غياب الحسِّ الزراعي من على أمسهم ، و تعتيم يومهم بالجهل و الركون إلى متاهات التعاضد ضد تيار الحياة الدافق بالجديد. و كما جرت العادةُ ، فإنّ أهلَ الرِّيح أصحابُ حقٍّ في الأرض – كسودانيين - ، و لكنِّ الأولوية – دائماً – تكون للقاطنين بتلكم الديار ، و لكن لا حياة لمن تنادي .. حيث يضرب الجهلُ و غيابُ الوعي التاريخيُّ بأطنابه نواحي فرقان و قرى و أشباه مدن تلكم المناطق . ونتيجةَ العوزِ (الثقافي - تنويري) لم يرعوِ اللاحقون بما حاق بالأولين منهم .. و كأننا يا (عمده) لا رحنا و لا جئنا !!!.
    عموماً ، كان الملتقى الأول لاتحاد مزارعي الطيارة تحت ظلال ثلاثِ شُجرات من (العرديب) شمالَ مُشرعِ البنطون ، جنوبَ محطة وابورات النقل النهري بود دكونه ، حيث ذُبحت البهائمُ بتنوعها من عجول و ضأن و دجاجٍ قروي .. و تنادى شبابُ القرية بكل ألوان طيفهم من ملكية و سليم و شلك و جعليين (علياب) خادمين للضيوف .. و حانت لحظةُ التشريف و القول الفصيح ، فشنَّف آذانَهم كَلِمُ (الدّوش) مرحباً و داعياً إلى نهضة زراعية ، ثقافية ، اجتماعية ينتظرها ( الكتاكو) قبل المالكين للمشاريع الزراعية و ثرواتها المتوقعة – حجراً بكف – .. و انتهى المؤتمر بتعيين أعيان الزراعة و من بينهم (أبو آسيا) قادةً للعمل الزراعي و اتحاد مزارعي الطياره ... أمّا الدوش فقد كانت له مسارب أخرى و كلمات مجنحة ارتوت بطين الأرض و انتشت بالذي يأتي . فقد رشحه (العمدة) لقيادة الاتحاد ، و لكنه رفض في شموخ (تربوي) و آثر العيش (مؤدباً) و مرشداً لعموم (الكتاكو) و مَن ينتجون مِن بذرٍ إنساني . و حتى فكرة حيازة مشروع مطري نواحي الطياره ، رفضها الدوش متفرغاً لمشاريعه المنتمية إلى تواريخ مهنة الأنبياء في إقتناعٍ راسخ ركوزَ النيل في رحلته السرمديه .
    انتهت مراسيمُ تدشين أوَّلِ اجتماع عمومي لمالكي المشاريع المطرية نواحي الطيارة ، و لم تنتهِ – بدورها- أحلامُ الفتى الدّوش .. فقد ترسّخت عنده فكرة الانتماء إلى (القريض الجنّه ) ، أي ود دكونه .. وقبل بداية موسم الزرع ، أوائل الرّشاش ، حزم أمرَه و اندلق نحو ديوان العمدة ، معلناً أمامه الانتسابَ إلى مشروع إنسانوي زولي يهدي البلاد و العباد قيمةَ التمازج و التعارف الحق .. حيث طلب المشورةَ و السماحَ في تزويجه ب (أنونق) ملهمةِ الجمعِ المُستضاف كُليمات ٍتنزُّ حضورا.. قارَعهُ العمدةُ حجةً بحجه ، و دعاه إلى التفكير برويه .. و لكنَّ الذي حدث هو الإصرارُ على ما استوطن مستقراً في كروموسومات أفق الدُّوش من انتسابٍ إلى تواريخ النهر و مَن ينتمي إليه سودانوياً .. و كانت آخرُ الأوراق ( الواقعية / الواعية ) لدى أبي آسيا هي السؤال الغارق في وحل الاجتماع السوداني و الذي يبحث عن إجابه : " هل شاورتَ أهلك يا دوش " ؟ ، و كانت إجابته ، نعم .. بعثت إليهم بالخبر ، و لم يصلني منهم أيَّ رد حتى الآن .. و مهما يكن فأنا عازمٌ على المضي قدماً في هذا المشروع الحياتي (المُدوّش) .. و ها أنا ذا أرجوك بأن تقوم بدور الأب و المستشار .. حينها اسقط في يد العمدة ، فنادى على الأعيان ، و تمَّت مشورةُ أنونق ، فكان ما رغب فيه الدوشُ و باركته أنونق و أهلها ..
    القرية دبّ فيها الروحُ و الفرحُ السخي بعد زفِّ النهر الجنوبي إلى عديله ابن الشمال ، حيث مازالت أصداءُ (الدلاليك) تغازل بُرعمَ الموجِ الجديد ، و رقصة (الفنجفانج) السليمية تدوي مكسرةً و مقسمةً لأمواج سطح النيل و الدنيا رشاش ، و (عطرابة) أرجل الراقصين على إيقاع (نقارة) الشلك المدرّة للتواريخ الندية تنسج الأحلامَ في درب الصبايا ، و تهديهم الأمل اليجيء .
    و لكن ، و على نحوٍ مضطردٍ كما عودتنا (الزولية) في بعض بوارها التاريخي ، هبط – فجأةً – على القرية – و الناس نيام – أخو الدّوش ، حالاًّ ضيفاً على العمده ، سائلاً عن بيت أخيه في إحدى مساءات الدّرت ، بعد ثلاثة أشهرٍ و أربعةِ أيام من الاقتران ( الدوش - أنونقي) .. فاستمهله أبو آسيا حتى الصباح .. و بُعيدَ صلاة الفجر كان الضيف يلم أخاه حاقباً إيّاه في (بص) حاج محمد المتجه نواحي كوستي ثم الخرطوم و شماليها .. حيث كانت الحجة هي (مرض أم الدوش) و سؤالها الملح عنه .. طالت غيبة الدوش ، و أهل القرية في تضرُّع للخالق بأن يهبها السلامة و الشفاء .. أما أنونق ، فصارت صلواتها تتكاثف ناظمةً يومها و لياليها .. حتى أنها فكرت في استخارة الكجور .. و لكنها تراجعت مستغفرةً ربّها ، سالكةً درب زوجها العقائدي في إخلاصٍ خرافي .. حيث علّمها الفاتحة ، و آيةَ الكرسي ، و بعضَ آياتٍ من سورة الكهف كان يتلوها في الجُمعاتِ جميعها. و صارت تعي الفرق بين (القاف) و (الغين) ، حيث كانت تردّد في محاكاةٍ بهيه / مفرحة / مضحكة ما ينطق به الدوش ( معلمها أس الهجاء و DNA الحياه ) ابن نيلها المشحونُ حياةً سودانوية .. و ظلّت تردد الكلمات واعيةً بمعانيها، تاليةً لها بلكنةٍ شلكيةٍ كان يحبها الدّوش و يطرب لها بعنف ..
    شهرٌ يمرُّ و خلفه دهرٌ من الذكرى الحميمه ، و أنونق تنتظر فتاها المخطوف على أسنةِ رماح الاجتماع .. حتى إذا الوقت قارب عامهما الزواجي الأول .. عندها ناداها العمدة مفسراً لها غياب الدوش ، و رسالته النّازة بوحاً بالذي تخافه النيليات .. معلناً أمامها الطلاق .. لم تبكِ أنونق ، و لكنها (داخت) و عندما أفاقت ، كان (جار مويه) هو الخطيب المُرتجِي بسمةً من ثغرها البسّام .. فوافقت .. و اندلقَ الحلمُ يجري في عروق القرية بنيناً وبنات مهدياً إياهم برعم الانتماء إلى هذا الإنسان المسودنِ زولنةً أعمق و أندى مِن زُهيراتٍ صارَ يسكنها الخرابُ و بوارُ الأسئلةِ الحلال !! ... أمّا (الدّوش) ، فقد تناقل الناس أخباراً عنه – معظمها – تصبُّ في نهر المظان و الاحتمال .. فمنهم من قال بأنه كان مكتوباً بسحر الكجور ، و مأسوراً بظلال الطفشِ الجنوبي .. و بعضهم جنح إلى أنّ أمه منحته حق الاختيار بين رضاها و الزواج من أنونق – فتاةِ النهر الصعيدي الأنقى - فاختار رضى الوالده .. و آخرون بثّوا خبراً يقول بأنه ترك مهنة التدريس و صار إماماً لأحد مساجد ضواحي (السافل) .. أما زميله و رفيق دربه الأستاذ (ميرغني) فقد كان دائم الصمت ، قليل الخوض في تفاصيل الدوش ، و لكنه كان دائماً ما يردد في خلوته ، أو حتى – أحياناً – أمام ضيوف العمدة في ديوانه العامر بالناس ليل نهار، بيتَ شعرٍ ينسبه إلى الدّوش في غيابه القهري المنتسب إلى ( تابوه) الاجتماع الزولي ، قائلاً :
    النّاسُ تعشقُ مَن خالٌ بوجنتِه ..
    فكيفِ بي و حبيبي كلُّهُ خالُ ... !!! .





                  

06-22-2006, 12:58 PM

sharnobi
<asharnobi
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 4414

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شفرةٌ أُخرى ، لمريمَ أُخرى !!! (Re: منوت)

    الصديق منوت

    الفنان

    تعرف يحى فضل الله مدرسة زاخرة ، له مقدرة للرسم باللكلمات شعرا ونثرا
    قصيدة ورواية سهل ممتنع... لا اعرف كثيرا فى النقد ولا الادب.. حيث انى
    من غير الناطقين بها.. ولكن تأثرنى الكلمة الجميلة التى تصور لنا الواقع
    واذا افردت ليحيى فضل الله.. بحر من الكلمات لما اوفيت حقه فى الابداع.. ولكنى
    احى فيك القدرة العالية لاختيار ما تمتع به الآخرين .. انه لفن راقى مقدرة التنقيب والعرض.. لاشياء او روائع تكون مغمورة او مطمورة.. لا لشئ فى هذا الزمن غير تكلفة فرصة الاطلاع المعدومة الموغلة فى الندرة. المهم اسمك فى هذه الساحة يا صديق
    صنوان للابداع.. ودمتم رائعا..

    (عدل بواسطة sharnobi on 06-22-2006, 01:08 PM)

                  

06-22-2006, 04:18 PM

منوت
<aمنوت
تاريخ التسجيل: 03-18-2002
مجموع المشاركات: 2641

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شفرةٌ أُخرى ، لمريمَ أُخرى !!! (Re: منوت)

    شرنوبي ،
    صديقي في الهم المهجوسِ بالإبداع ..
    لك الود في أصفى تجلياته الحميمه ..
    يا أيها الرجل المقاتل - بوردياً - منذ بواكير الإنتماء ..


    لستَ غيرَ ناطقٍ بالعربية ، ولكنك ناطقٌ بها بعد لغتك الأم !! و لغاتٍ أخريات !


    تسلم يا جميل ..

    ويتواصلُ الفعلُ الجميل .

    قول : يا داووووووووووووووووووووووووووووووووووووود !!
                  

06-23-2006, 08:00 PM

ودرملية
<aودرملية
تاريخ التسجيل: 07-27-2002
مجموع المشاركات: 3687

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شفرةٌ أُخرى ، لمريمَ أُخرى !!! (Re: منوت)

    سلامات
    وعوافي
    منوت الجميل ..
    اليوم فقط عثرت علي هذا البوست القمين..
    لا افضل القراءة من الشاشة للشامخ فينا الاستاذ يحيي فضل الله لذا قمت بطباعة النصين اعلاه ..
    وربما اعود للرد هنا ...
    يحيي فضل الله هو اول من علمني قراءة الصحف اليومية ...ابان تداعياته في جريدة الصحافة في عودتها للنشر .. العودة قبل الاخيرة طبعا.. يوم ان كان يحيي يجدل مساير شعر امبدة والخرتوم ويخيت صفحات الجرايد بالدر والمتون .. ليته يكون بخير..
    يحيي جميل يامنوت .. جميل جدا جدا ...
    وبلغوا عني شديد المحبة (ان كنت علي اتصال به) ... فالرجل من القلائل الذين يستحقون الاحتفاء بهم يوميا

    معزتي العالية لك يامنوت
                  

06-24-2006, 02:30 PM

ودرملية
<aودرملية
تاريخ التسجيل: 07-27-2002
مجموع المشاركات: 3687

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شفرةٌ أُخرى ، لمريمَ أُخرى !!! (Re: ودرملية)

    سلامات
    وعوافي
    شكرا مرة اخري منوت ..
    النص الاول ليحيي فضل الله والنص الثاني لمنوت ان لم يخب ظني ..
    ....
    في مقدمة كتاب (البيت الكبير) لـ(الفارو سيدما ديسمبا) كتب غبريال غارسيا ماركيز ان الفارو كان طفلا يوم ان حدثت مجزرة (عمال الموز) التي ارتكبتها شركة امريكية والتي راح ضحيتها مابين 3 الي 10 الف قتيل ... وفي مضمون مقدمته للبيت الكبير اي ماركيز ايضا قال ان *ابو الواقعية السحرية (يقصد الفارو) لم يذكر جثة واحدة في (البيت الكبير) ...
    وفي حضرتهما (اعني الفارو وماركيز) تكون كل الاغلال محطمة فكلاهما انتصر للحق وللجمال والحقيقة ...وايضا ينبغي ان ينتصر كتابنا للحق .. فالنهايات المؤلمة تعتبر تاريخ .. والتاريخ جامد واجتراره في حاضرنا من غير معالجة لسؤاته نكون قد اعدناه للحياة .. اعدنا القديم بكل تفاصيله القبيحة للحياة ..
    يجب ان تنتصر الكتابة للحق .. للضعفاء والموظلومين ولقيم الجمال ..
    ...
    شكرا ثالثا منوت ..
    فقط اتمني ان اعرف تاريخ كتابة شفرة اخري لمريم اخري .. وتاريخ نشرها ..
    اعتقد ان كتابة يحيي فضل الله تطورت كثيرا واشم في هذا النص رائحة قديمة ..
    هذه كلها طبعا انطباعاتي الشخصية (كقاري مبتديء) ليس الا.. فاتمني الاتفهم خارج هذا السياق ..
    مازلت اكرر التحاياالعالية ليحيي ولك يامنوت ..

    ............
    * لا اتذكر جيدا هل ماركيز سمي الفارو ابو الواقعية ام قال انه استاذه الاول .. وربما الحالين يجعلان الفارو سيدما ديسمبا ابا للواقعية السحرية
                  

06-24-2006, 03:28 PM

منوت
<aمنوت
تاريخ التسجيل: 03-18-2002
مجموع المشاركات: 2641

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شفرةٌ أُخرى ، لمريمَ أُخرى !!! (Re: منوت)

    ود رمليه ،
    أيها الشيخ " البوردي " مغتسلاً بمياهِ المبدعين ..
    طِبت مساءً ، وصباحاً ، وعلى مدار الثواني .

    " ... فقط اتمني ان اعرف تاريخ كتابة شفرة اخري لمريم اخري .. وتاريخ نشرها ..
    اعتقد ان كتابة يحيي فضل الله تطورت كثيرا واشم في هذا النص رائحة قديمة ... " .


    * " شفرةٌ أخرى ، لمريمَ أخرى " ، هو عنوانٌ من بناتِ أفكار منوت !! ، وهي محاولةٌ لتلخيص " ثيمة " النص في نظري ! و " مجابدة " لوضعه على عجلات قطار الزمن !!
    * تاريخُ النشر ، ليس متوفر لدي !! وحاولت الاتصال بيحي ، ولم أوفق !!
    * مثلك أنا ، أشتم فيه ( النص ) رائحةً قديمة " متجددة " في كتابات يحي . برغم التطور ، أعني : الخروج من طور إلى طور . فيحي مهجوس بالواقع الراهن ( الشتات ) ، وصاحب رؤى مواكبة لما يلفه من تحديات ، وآخر نصوصه المحايثة لرؤيته الإبداعية الراهنة التي قرأتها نص " حارس الهزيان " ، والذي تدور أحداثه نواحي بلاد الصقيع الحار ( كندا ) !.


    * سأوافيك بالمزيد ، حالما أتحصل على الجديد .

    * صدقتَ ، وما خاب توقعك في النص الثاني ، حيث منوت هو الكاتب . و لمزيدٍ من التناص ، أحيلك - قراءةً - لهذا النص السادر في تماهيه مع روح " ثيمة " الشفرةِ المريمية الزولية الأخرى !!
    و هاك ،
    هاك بعض إخفاقاتِنا " الزوليةِ " في أفقها الاجتماعي - ثقافي ، الغابر و المتمدد آنياً ( للأسف ) !!!



    "... لو كنتُ في (طنجة) لَما أحسستُ بهذا الفراغِ المُمِلِّ . هناك أستطيعُ أن أولّدَ من أكثرِ الأيّامِ كآبةً و عوزاً بعضَ المتع. العزلةُ هناك حرةٌ لها مذاقُ التوتِ البرِّي ، هنا (العرائشُ) مفروضةٌ لها مذاقُ الحنظل " .
    " زمنُ الأخطاءِ " .. سيرةٌ ذاتيةٌ روائية.. للروائي المغربي محمد شكري.

    "... هل أجازفُ فأقول بأنَّك عوّضتَ حبَّ المرأةِ بحبِّ طنجة أيها المتوحِّشُ الذي يخافُ عتمةَ الدفءِ و ينتشي بشسوعِ البحرِ و لا نهائيةِ المدى... ؟ "
    " أخطاؤك التي تُحبُّها " ، مقدمةُ محمد براده في " زمن الأخطاء "


    تُرى ، ما سرُّ العلائقِ بين (طنجة) شكري ، و ود دكونتي ؟، و (العرائشِ) و هذه المدينةِ الموسومةِ ب (كوالا لمبور)، أي ملتقى الطمي– باللغة المالايوية- ؟
    لمن يا ترى ، تغرّد عصافيرُ خريفه (الدَّرتي) على سرير أمسه المترع توقاً للذي يأتي عبيراً غازل النسماتِ فيه بعضُ إيراق و ذكرى ؟ .. من يا زمانُ .. و يا مكانُ .. و يا بعضَ كلّي .. و كلَّ ألوانِ الفراشات المحلِّقة انتصاباً يحوم مختالاً فوق هامات القرى و البوادي و النوّارِ الأفقي، و قد لفّ الندى – أرقاً - حدقاتِ أعينه السواهر ؟. و مَن يا أنا ، ينساق – مُنجرّاً- تجاه البرق آن يكون أوّلنا يغادر كيف ما شاء الخريف ؟.. إنه الإنسانُ حين تشاغب (دلوَه) المسكونَ امتلاءً بوريقاتٍ تنزُّ أشجاناً ، عواملُ الزمنِ المُعرّي للتواريخِ الصوادح، و المساءاتِ الفوارح ، و الصباحاتِ الأواتي.
    تطاولت أعناقُ قناديل الذرة ، و شمخت في إباءٍ سنابلُ السمسم مجاريةً زهرةَ الشمس في نضوجها البكري تنادي مناجلَ الحاصدين .. و الحاصدون هم أولئك العمالُ الموسميون الذين يتجمعون – عادةً- في الأنادي أو على أطراف أسواق القرى أو المدن القروية أو فلنقل : القرى المتمدِّنة ، ينتظرون أصحابَ المشاريع الزراعية المطرية المنتجة ذرةً و سمسماً و عبّادَ شمس .. و قد جرت العادة أن يمرَّ صاحبُ المشروع - في وقت الحصاد - على هذه المظانِّ العماليةِ المكانية ، متفقاً مع مجموعة منهم كعمالٍ للحصاد يٌطلقُ عليهم نعت (الكتاكو) . و هؤلاء الكتاكو ، ينحدرون من أصلاب جدّتنا الأولى التي أبت – في شموخ – أن تعير الأرض لوناً آخرَ غير السواد بدرجاته المتفاوتة بين الصحراء و غابات الاستواء و ما بينهما من آدميين . سلالاتٌ من البشر يجمع بينهم القلبُ النظيف إلا من بعض إرهاقٍ و فاقه ، و تغسل يومَهم همومُ العيش الحلال . يتكاثرون كالنمل في السُكَّر آن ينادي أذانُ الحصاد على بذرٍ هو الحياة في مسرح التوقع و انتظار وابل المطر الغياب. ليس بينهم مَن له شجرةُ نسبٍ عرقيٍّ سوى الأرض و ما تهدي من زاد ٍ تشكِّلُه النساءُ محاولاتٍ جعلهُ وجبةً يوميةً تتمظهر (عصيدةً) أو (بليلةً) أو( ماناكيلو) ، هذا الطعام الشلكي المصنوع من الذرة ، و الذي يشبه شكلاً ( السكسكانية) ذات الأصول القمحية ، أو مشروباً يغذي كاملَ الأحلامِ في عيشٍ سعيدٍ يلفح الحزنَ و العوزَ المقيم بثوبٍ من توقٍ متوهم ، أعني ( أتابوب) ذلك المشروب المقوّي للحوامل و شيوخِ القبيلة من ذوي السبعين خريفاً كما تقول أدبياتُ الشلك.
    أواسطُ سبعيناتِ القرن المنقرض، قامت مشاريعُ (الطيّارة) الزراعية المطريةُ غربي ود دكونه ، جنوب شرق مشاريع (المقينص) الزراعية التابعة لمديرية النيل الأبيض – آنذاك - ، شرقي مشاريع (هبيلة) المطرية المنتسبة إلى جنوب شرق كردفان . و الطيارة أرضٌ تعجُّ بالخصوبة ، و ببهرةِ التواصل الحميم بين سبلاتٍ وبتلاتٍ (زولية) سكتت عنها محافلُ الآني من ثقافتنا الممهورة بالصمت (المغبّش) و المحرّف للتواريخ الشموس. وقد سميت بذلك حينما سقطت طائرةٌ عليها - و الزمان قبل الاستقلال - ، و قد قام الإنجليز بإنشاء مدرسة أولية في مكان سقوط الطائرة ، نتمنى أن تكون قائمةً حتى الآن تحكي عن زمنٍ سالف و وفاء مستحق ، كما تشهد بذلك المشاريع المطرية الماثلة حتى اليوم ، سلةَ غذاء يسبق شقُها الروحيُ جانبَها المعاشي.. تهدي البهيمَ قبل الإنس لقمةَ الحياة و نضارةَ الزرعِ المثمِّن للعمل كقيمة ولود .. و تكفي الجياعَ شرَّ التشرد في البنادر و المنافي بعيدها – جغرافياً و نفسياً – و قريبها المتثاقف في تعاضد حميم. و ها هو الصديق القاص "يحي فضل الله" ، يحكي على لسان العم حسن محمد على ، و الذي كان شاهداً على حادث الطياره ، بل معيناً و مساعداً لأبناء ( جون ) في تحديد موقع سقوط الطائرة ، مما جعلهم يسجلون هذا الحدث التاريخي في شكل مؤسسة تعليمية نقاربها - إسلامياً – و نضعها في مقام الصدقة الجارية .. صديقنا " يحيى " يهدينا مداخلةً تنز إيثارا ، قائلاً : " لست أدري من أين أدخل في السرد ، و حيرةٌ تكمن في أنني أدّخر شخصيةَ العم حسن محمد علي لحكايات أظنها في مقام الرواية ...؟ " . حيث كان العم حسن مفتشاً زراعياً من أوائل الذين درسوا الحقل و سياسته على يد و فكر الإنجليز . فقد تخرّج العم حسن في كلية غوردون ، أو قل في ما يخص علاقة هذه الكلية بالزراعة . و قد تأسست على يده فكرة البنك الزراعي السوداني ، حيث قام بافتتاح العديد من أفرع البنك في نواحٍ زراعية تنتظم أرض المليون ميل مربع مطري ، كالرنك و كوستي ... إلخ .. و قد آثر الإقامة بمدينة كوستي التي أحبها ، ونظنه قد فاض به شوقُه و غالبه عشقُه السرمدي للحقل و الزرع ، فأقام نواحي المدينة التي أطلقت عليها ميرفت نصر الدين – مؤخراً - في اجتراحاتها الحميمة مع إشراقه مصطفي – على سودانايل – هذه الصحيفة السايبرية الرائدة ، واصفةً إياها - أعني كوستي – بالمدينة التي ( تتآكل و تتحول إلى مجرد بقعةٍ مباركةٍ منقرضه ) . و قد كانت – زمان العم حسن – بقعةً مباركة تسمق زهيرات عشقها للإنسان لتطول الأعماق العامرة بالود و التسامح و الزولية المترعة نقاءً و إلفة . و لعل الطريق المسفلت الخارج من تقاطع ميدان الحرية و المجلس البلدي ، مؤدياً إلى حي النصر ، أثار كوامن أفراح العم حسن و كبله بإيثار مساكنة من و ما أحب ، خاصةً و أن البنك الزراعي يشمخ قبالة الكنيسة و حوانيت الهنود و الأقباط التي (تتزوّل) في تماهٍ يشي بعطرٍ أريجه التسامح الحر ، و زمنٍ يتفجّر انتماءً للإنسان في أرقى درجات تحضره و انتسابه لفكرة التعايش على وجه البسيطة.
    أصحاب المشاريع المطرية بالطيارة و الرنك و المقينص ، يفضلون (أولاد المك) - إشارةً إلى أبناء قبيلة الشلك - عمالاً للحصاد ، و ذلك لما يتميزون به من صفات تجنح إلى الإخلاص في العمل ، و صدق الكلمة ، و قلة المطالبة بما ليس حقاً لهم ، إضافةً إلى الجدية في إنجاز ما يوكل إليهم من عمل . و من محاسن سياسات مؤسسة الزراعة الآلية ، إنصافُ عمّال الحصادِ و إبعادُ شبح نتائج (الطمع) المتوقع من أصحاب المشاريع المطرية و رغباتهم الملحة في إصابة أرباح (خيالية) في أسرع وقت، دون الالتفات إلى كروموسومات العمليات الزراعية ، ألا وهي (عمال الكتاكو) .. فقد تشددت إدارةُ العمليات الزراعية في المشاريع المطرية – وهي جهة حكومية – في إعطاء العمال حقهم كاملاً دون نقصان . و من أبرز هذه الحقوق : ترحيلُ العمال من مواقع تواجدهم إلى موقع المشروع وحق التفاوض ، و في حالة عدم الاتفاق ، وجب على صاحب المشروع إرجاعهم إلى حيث أخذوا .. أما في حالة الاتفاق على إنجاز العمل الحصادي ، فعلى مالك المشروع تزويدهم بأساسيات و مقومات الحياة ، من دقيق ذرة ، و زيت طعام ، و ملح طعام ، و كبريت ، و بصل ، و كجيك .. و الكجيك هو السمك النيلي المجفّف المملوح ، و الذي يستطيع مقاومة آفات الأحياء الدقيقة لمدة تربو إلى السنة إذا ما أُحسن تخزينه.. و قد اُشتهر و برع في صيده و تجفيفه أبناءُ ( الهوسا) القادمين من غرب إفريقيا و الذين يطلق عليهم – تعميماً – لقب الفلاته، و هناك فرق شاسع بين الفلاته (الفولاني) ساكني النيجر و تشاد و بعض أجزاء من الكاميرون و السودان .. و هؤلاء الهوسا المنحدرين من بلاد نيجيريا - جنة أفريقيا المعلقة بين سندان الذهب الأسود و خراب الخدمة المدنية - . فكتب التاريخ و الاجتماع تشير -في صرامة أكاديمية- إلى الفرق بين هذه الإثنيات و الجماعات الإنسانية .. فمن أهم بطون الفولاني ، فلاته (فوته) و (أم بررو ) ، أما من نعني هنا فهم الهوسا ، هؤلاء المسلمين من النفر الذي يمَّم أجدادُه صوب الكعبة في رحلته (الحجّية) منذ مئات السنوات، فطاب لهم المقام في ديار الزولية الرحبه . فكانت إقامتهم خيراً و بركةً على ديار و أهل السودان برغم ما يحمله العقلُ الشعبي من اتجاهات (خرافية) و إقصائية تجاههم . و يكفيهم أنهم صائدو و صانعو الكجيك – طعامِ الكتاكو – واهبِي (الأزوال) ما يقيم أصلابهم.. و بذلك – فقط - يكون الهوسا أهلَ بلدٍ بحكم المواطنة و صالحِ العمل.
    (جار مويه) ، شاب نشأ و تربى وسط أهالي مشروع البشاره الزراعي المروي المنتجِ للذهب الأبيض (القطن)، شمال ود دكونه على بعد خمسين كيلومترا .. أصولُه شلكيةٌ محضة تتحكّر راكزةً في قرية ( كوع المنقو ) جنوب ود دكونه ، شمال كاكا التجاريه و المطيمر.. منبتُه سودانوي .. استطاع تعلم حروف الهجاء في خلوة الأنصار على يد أحد فقهاء المهدية .. فصارت (جناح أم جكو) لباسه الغالب ، و لسانه العربية ذات اللكنة السليمية الشلكية المشوبة بظلال ِ لسان البرقو والزغاوة و طريقةِ بني هلبه في معالجة العربية .. بدأ حياته عاملاً في حصاد الذرة و السمسم (كتاكو) و استطاع في موسمه العملي الأول جمعَ دستتين من الجنيهات السودانية مشترياً بها بقرةً و نعجتين .. و قبل حلول موسم الحصاد التالي ، ولدت البقرةُ (عجلتين) وصارت نعاجُه خمسةً .. فواصل عمل الحصاد مستبدلاً – هذه المره – جنيهاته بجوالات ذرة صار يبيعها (بالملوة) و (الكيله) أمام طاحونة القرية و التي يملكها حاج أبكر ولد إسحاق الفوراوي.
    في موسمه الثالث ( كتاكو) آثر جار مويه مزاولةَ حصاد السمسم ، و ذلك لقصر فترة حصاده و التي لا تتعدى الأيام المقمرة من الشهر ، حيث إنّ للقمر مفعوله في تفتيح سنبلات السمسم ، محتجاً باختصار الزمن و التفرغ لأعماله (البيعية و الشرائية) المزدهرة ، إضافةً لما يدرّه حصاد السمسم من أموال تختصر المسافة بين الواقع الحافي و الغد المأمول و المفرهد ثراءا .. فكان له ما يريد و يبتغي من ثروة جعلته رمزاً للشباب الآمل في حلمٍ يعشعش في عقول المحرومين باثاً فيهم ظلال ما يملكه الحاج محمد من أسطول حافلات (باصات) تتقاطع – يومياً – طاويةً أراضي جنوب النيل الأبيض و شمال أعالي النيل ، ناقلةً العباد و ما يملكون من ثروات بهيمية و زراعية.
    موسم الكتاكو الرابع جاء ، و تتابعت فيه نجاحاتُ جار مويه فاتحةً أمامه شهية َ الزرعِ و الضرع و الانتماء إلى الأرض و الأنثى .. استأجر نصف مشروعٍ مطري نواحي الطيّاره ، و صار يبحث عن (أولاد المك) رفقاء دربه (الكتاكوي) عمالاً لحصاد سمسمه اليانع .. فاستجاب الجميع بنصف الأجر ، فتحقق الحلم في امتلاك أول (بص) ينتمي إلى تواريخ الكتاكو .. و نبتت طاحونة أخرى في البشاره .. تلتها شباك و مراكب ( موتورية) صائدة لأسماك الكجيك .. و تحقق معظمُ ما كان يرجوه جار مويه و تطمح إليه نفوسُ أقرانه .. إلاّ أن الحلم المستعصي على التحقيق ظلَّ يطارده و أقرانه .. ألا و هو الانتماء إلى أنثى تطرّزُ يومه دفئاً و تهديه الولد .
    ثرواته تتضاعف موسماً بعد موسم ، بل شهراً بعد شهر .. و حاجة الانتماء الإنسانية تعلو فوق صهيل الجنيهات .. و هو الذي وجد نفسه منتمياً (ثقافياً) إلى السائد – حضارياً – من معتقد أهل القرية و ما جاورها .. فقد كان مسلماً بالفطرة و الممارسة .. و يشهد له أعتى شيوخ القرية بالصلاح .. فلم يقرب صدراً أو حقاً لا يستحقه شرعاً .. وهكذا كان يحدّث نفسه باضطراد .
    و ذات صباحٍ درتي - قُبيل الفجر - ، قرر جار مويه الانتماءَ إلى مستقبل الأنسنه ، حيث إنه عاش و تربّى يتيماً فاقد الأبوين في حادث (صاعقة) في خريف ممطر قبل ثلاثين عاما. وبُعيد أدائه صلاة الصبح ، داهمه هاجسُ الانتماء و السؤال المحوري .. من أنا ؟ و ماذا أريد ؟ .. و إلى أي المرافئ تتجه مراكبي و ترسو ...؟ و على كرسي وثير أمام دكانه العامر بالبضائع – و الشمس ترتفع قامةَ رجُلين - ، و على مقربةٍ من مخزنه المجاور الذي يئن من تزاحم جوالات الذرة و السمسم و الكركدي و الصمغ العربي ، سأله حاج أبكر أحدُ أعيان القرية - و هو يحتسي القهوة - ، لماذا يا جار مويه لم تكمل نصف دينك حتى الآن ؟ فأنت و الحمد لله مستطيعٌ للباءة و أكثر ؟ .. حالها، سقطت علبةُ (صلصة) من على رفِّ الدكان ، و تبعتها أخرياتٌ محدثاتٍ صوتاً كالرعد فجّر فيه تواريخ الفقد الجلل و الولد الانتماء ، فالتقطها صبيُ جار مويه و مساحات من الصمت تعلو لتعمَّ المكان برهةً كأنها الدهر .. فكان الرّد : و هل لديك امرأةٌ ترشحها لي ؟ و كان ردّ حاج أبكر : لِمَ لا تتقدّم لنفيسه بنت مبارك البشير ؟ فهي بنت جميلة و أكملت الابتدائية و أمها من الشلك و أبوها من الشماليه ؟ .. و أنت رجل حسن الدين و الأخلاق و ناجح في عملك .
    تفاقمت أحلامُ جار مويه متصايحةً بالذي يأتي وريثاً لعرش السودنة ، و تداخلت أنفاسُه و تقطَّعت كاللبن الصراح آن يعانقه عصيرُ ليمونٍ حامض ذي أفقٍ فاعل .. نفيسه ..؟ إنها حقاً لإمرأةٌ حلم .. و لِمَ لا .. ؟ كان يحدّثُ نفسه قبل أن يردّ على حاج أبكر .. و لكن يا حاج ، أبوها و ابن عمّها الآن في المشاريع يعملان ( كتاكو) في حصاد الذرة ، و كما تعرف ، فإنّ حصاد الذرة يحتاج إلى أكثر من ثلاثة أشهر ، و أنا قرّرتُ أن أتزوج في أقرب وقت ممكن ، و لا أستطيعُ التأجيل أكثر من هذا .. و في أبوةٍ نادرةٍ كان قرار إرسال (لوري) جار مويه إلى مشاريع الطيارة لإحضار مبارك و ابن أخيه .. و لمّا وصلا إلى القرية ، فتح عليهما حاج أبكر - بصحبة أعيان القرية - موضوعَ زواج جار مويه من نفيسه .. فطلب الأبُ فرصةَ يومين – على الأقل - للرد .. فكانت إجابتُه بعد ثلاثة أيام : " البنت عاوزها ولد عمها "... و هكذا تدحرجت آمالُ (جار مويه) متجهةً –جنوباً- نحو (أنونق) فتاةِ العشقِ النيلي المحضِ ، و وارفِ الأحلام .. حيث الانتشاءُ بشسوعِ النهرِ و لا نهائيةِ المدى الزولي و انفتاح المدى الأرحب .



    ________________

    و باكر أجمل ...
    قول آمييييييييين ،
    ويا داووووووووووووود تلحقنا وتفزعنا !!

                  

06-28-2006, 02:33 PM

منوت
<aمنوت
تاريخ التسجيل: 03-18-2002
مجموع المشاركات: 2641

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شفرةٌ أُخرى ، لمريمَ أُخرى !!! (Re: منوت)

    و براعمُ البوست " المريمي " تستنشق نُسيمات شفقٍ جديد ،
    دعونا نبدأ رحلة البحثِ عن مظان الظلمةِ في صباح الأزوال !!!


    و ...

    تعالوا نغني ...
                  

06-28-2006, 04:55 PM

ودرملية
<aودرملية
تاريخ التسجيل: 07-27-2002
مجموع المشاركات: 3687

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شفرةٌ أُخرى ، لمريمَ أُخرى !!! (Re: منوت)

    سلامات
    وعوافي
    منوت الجميل ...
    زد ولا تقف ..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de