فارس أخر يرحل/ الاستاذ احمد نبيل الهلالي (القديس)

(عدل بواسطة nuba on 06-18-2006, 02:14 PM)

Quote: رحم الله الهلالي..باع نفسه وعمره للناس

Quote: زول لى طريقو اختار اختارو دغرى عديل غير الغبش ما اختار جهة عليها يميل

Quote: زول لى طريقو اختار اختارو دغرى عديل غير الغبش ما اختار جهة عليها يميل وياله من فارس!!!!!

Quote: أحمد بلال - ولاد البلد: ----------------------------------------- لم أكن أعلم أنها المرة الأخيرة التي سأراه فيها، و لكنني علمت الآن سبب الحزن المفاجئ الذي شعرت به هذه المرة بالذات وأنا أنظر إليه واقفا بتواضعه المعروف وابتسامته الهادئة التي لم تفارق وجهة طوال حياته، حاملا شنطته السوداء الممتلئة بأوراق وملفات قضايا العمال والفقراء، منتظرا إحدى سيارات الأجرة!! وقتها تسمرت قدمي في الأرض وقلت بكل ألم لصديقي الذي كان يرافقني في التسكع في شوارع وسط البلد وأنا أشير على الأستاذ نبيل الهلالي "القديس واقف في الشارع مستني عربية أجرة"، فرد صديقي على الفور "ولكن هذا لا يقلل من شأنه"، ولما كان صديقي قد أساء فهمي فقد واصلت المسير والحديث و أبرته أنني أوافقه الرأي تماما ولكن سبب حسرتي هو أن يكون هذا الإنسان موجودا في وطن باع فيه الغالبية العظمى من طليعته مواقفهم و مبادئهم بشكل أو بآخر ويركبون اليوم أغلى السيارات، بينما يقف ابن الباشاوات الذي تربى في القصور لينتظر سيارة أجرة.!! ابن البشوات أحمد نبيل الهلالي أو"القديس".. كما يطلق عليه نشطاء اليسار المصري، ولد في 7 / 8 / 1928 لأحد كبار الباشاوات المصريين، نجيب باشا الهلالي، الذي تولى رئاسة وزراء مصر مرتين في عهد الملكية، و برغم ذلك خرج نبيل الهلالي "ابن الباشا" متمردا على هذه الطبقة، ومطالبا بحقوق العمال والفقراء والكادحين وكل المستضعفين في الأرض. كانت اللحظة الفارقة في حياته عندما كان لا يزال طفلا في الحادية عشر من عمره، حين اصطحبه أبوه "الباشا" إلى جروبي ليأكلا الجاتوه معا، وفجأة شاهد الهلالي الابن مواطنا مصريا جائعا، يقف أمام جروبي ويلحس بلسانه زجاج الفاترينة التي تحتوي على ما لذ و طاب من الحلويات الأوربية، كان الموقف مؤثرا في نفس الطفل أحمد نبيل الهلالي، وترك أثرا كبيرا في حياته، فشب منحازا للفقراء رافضا استغلال الإنسان لأخيه الإنسان ورافضا أيضا لتلك الطبقة. تعاطف نبيل الهلالي بعد ذلك الموقف مع الفقراء ولكنه كان مجرد تعاطف طفل مجردا من أي أفكار نظرية حتى التحق بالجامعة وانضم فيها للحركة الشيوعية المصرية، وأصبح أحد كوادر الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو). وفي عام 1949 حصل الهلالي على ليسانس الحقوق واشتغل بالمحاماة منذ ذلك التاريخ حتى تلك اللحظة التي غاب فيها عن دنيانا، و قد لعب الهلالي دورا كبيرا في العمل النقابي في نقابة المحامين التي أصبح عضوا في مجلس إدارتها منذ عام 1968 و حتى 1992. الرفيق بشير كان القديس.. مناضلا صلبا في كل العصور، في عهد الملكية مناضلا من أجل الاستقلال والديمقراطية، وفي عهد عبد الناصر مناضلا من أجل الديمقراطية، وفي عهد السادات مناضلا من أجل الديمقراطية و العدالة الاجتماعية، وفي عهد مبارك مناضلا من أجل الحرية للشعب والخبز للفقراء. وبرغم رقة ملامحه التي عرف بها، وابتسامته الدائمة التي تعلو وجهة، وحميميته الشديدة في التعامل، إلا أنه كان مثالا للمناضل الصلب القابض على الجمر في أشد المحن، وأقواها محنة السجن التي ذاقها مرات ومرات امتدت لسنوات طوال، إحدى هذه المرات كانت في عام 1965، ووقتها كان التوقيع على حل الحزب الشيوعي المصري والاندماج مع نظام الرئيس عبد الناصر شرطا للإفراج عنه، وما كان من الهلالي إلا الرفض فطالت مدة اعتقاله إلى 4 سنوات أخرى. بعد حل الحزب في منتصف الستينات، وبعد أن نال حريته مرة أخرى أسس الهلالي مع آخرين الحزب الشيوعي المصري مرة ثانية في أوائل السبعينات، وبسبب بعض الخلافات التنظيمية داخل الحزب قرر الهلالي مع آخرين الانسحاب من الحزب الشيوعي وتأسيس حزب الشعب الاشتراكي عام 1987، وتولى الهلالي موقع الأمين العام للحزب تحت اسم حركي هو (الرفيق بشير). وبرغم ذلك، وبرغم كل الخلافات الموجودة بين أطياف اليسار المصري، الذي اشتهر بالانشقاقات لأسباب معظمها شخصية، إلا أن أطياف اليسار المصري لم تجتمع على شيء بقدر ما اجتمعت على حب وتقدير وإجلال قديس اليسار، فكان الهلالي هو الوحيد القادر على الحديث باسم كل تيارات اليسار المصري دون اعتراض أو حتى امتعاض من أحد. فلاح برتبة باشا كان مكتبه الكائن في 5 شارع محمد صدقي بباب اللوق، مقصدا لكل المظلومين والمضطهدين، الذين كان يدافع عنهم بدون أي مقابل، فرأيناه في ساحات المحاكم مدافعا قويا عن حقوق الفقراء وحقوق العمال والفلاحين وأيضا النشطاء السياسيين. حتى هؤلاء الذين كانوا يناصبونه العداء ويرمونه بالإلحاد (الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد) دافع عنهم وترافع عنهم دون مقابل لا لشيء إلا لإيمانه الشديد بالحرية، حرية الفكر والعقيدة، وأيضا بالديمقراطية الاجتماعية التي تمنع استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، فقد تنازل الهلالي عن كل ثروته وأملاكه التي ورثها من أبوه الباشا للفقراء والفلاحين، مؤمنا بمبدأ، الأرض لمن يفلحها. وفي يوم السبت الماضي، اتصل بي صديقي.. أحسست من صوته أن كارثة ما قد وقعت، وعندما سألته ماذا حدث أجاب بكلمتين لم يستطع أحدنا أن ينطق بعدهما، قال لي صديقي "القديس مات"، وأقول لك يا صديقي العزيز أن الموت لم يهزم نبيل الهلالي وإنما رحل الهلالي عن عالمنا لأنه ليس عالمه.. فالملائكة لا تعيش على الأرض.