|
|
 الأديب: - محمد حسن خضر يرثي شيخ القريبريب بالجزيرة ( سودان الرجال )
|
بسم الله الرحمن الرحيم
النيل يفقد شطه برحيل الشيخ عبد الباقي
إننا نترحم على الفقيد ولم يسعدنا زمان برفقته ما نشاء.
إننا نبكي رجلا كان علماً في القوم وقمراً منيراً في سماوات الخلود، وقد أتاح الرحمن له من النعم ظاهرها وباطنها فما اختار إلا التواضع والهضم، فسريعاً ما حل وسكن القلوب، فلله درهم كيف اختاروا وكيف هدوا وبهداهم نقتدي.
ألا رحمك الله يا عامراً ويا مؤنس وحشة المكروبين، أبناءك عرفناهم خارج المعمورة، يملؤن العين، ويتحببون الناس بحسن الصنائع والخلق الرفيع، فتحسبهم الناس وحدهم وغيرهم الظلال. فوا حر قلباه على ديار وسعت الناس وجمعت كلمتهم، وإذ هي اليوم تفتقد جوهرتها وأيقونتها، أما كان الأجدر بها أن تفتدي بقاءه بكل وجود، لقد ُحق لها أن تفعل وما فعلت. ليتها فعلت.. ليتنا بالوكالة نفعل، إنها السيمفونية الأخيرة ولحن الوداع، فلترحل يا النيل وما يبقيك بعد ذهاب شطك ومرفئك؟ اذهب إلى أي ساح تشاء ولن يعبأ بذهابك من أحد.
ما كانت القريقريب ولا فداسيتاها ، ولا عزازتها ، برفقة "الشيخ طه"، وما حولها من الديار إلا توطئة لميلادك، حزمت إزارها وجست علي الركبتين تحكي لديك الذي مضي من غابر السنين: عظاتهم وعبرهم واعتبارهم، هم سفراؤك يحملون الأمانة وقد دانوا لك بالحب والإخلاص فشملتهم بالرضا والإلف الفريد ! هم اليوم يودعونك بجرح فتقه سيل عرم.
الله.. الله من سيل العرم. أين الأمانة؟ من سيأخذها؟ كأنها إلى زوال ...!!
قبل ذهابك ذهبت الجنتان فبكيت ذهباهما كما يبكي الفصيل، زرت مقابر القوم، أدركت أن القوم غرقى، رأيت طيراً يكأكي فوق القبور. ما أقهر ما ينتظر القوم من طي بعد نشر، وفطام بعد رضاع!!. قد كان لنا المغفور له – بّإذن الله- رمز الخير والثبات الباقي، سماؤنا يومئذ سرعان ما عوجلت بالتبدل والتحول فكأنما آذنت برحيل، وما خطر ببالي لحظة أن رحلة الأفول ستحل بتلك السرعة المهولة، وأن صور الخيال ستتداعى وتتساقط كالنذر والحمم، والقوم مازالوا عند الشط المكفن بالحنوط.
طوى الزمان صفحة جاءها المائج المفعوعم الصخب من أعالي هضاب أثيوبية باحثاً عن شطً ومرفأ خلود، ففتحت له بقدر ما وسعت يداك متكأً كان آية جغرافية،ً ودرة محبورةً اصطفها النيل، فما شاقها أو راعها لحظة عن تراتيل حبها في شيخها الفريد المجيد، فبأجل وأعظم شأناًً مما صنع بك - يا نيل- الاصطفاء والتياعك المسحور بحٍبك، هم قد بزوك وطفقوا يزيدون نصاب محبتهم، فكدتهم يا ذا الشجو المقيت وهم لا يدرون (سوى وجع الحساد داوِ فإنه إذا حل في قلب فليس يحول) .. لم يا نيل؟! لقد كانت لك الضيعة " حضن الملاذ"، لا بل هي قربان هابيل، أهكذا يكون التنافس بين المحبين ؟ فعلى إثرك قميص يوسف فوق ُعبابك نلوح به أن ارجع ركابك يا نيل بعد أن خنت واديك، قميص يوسف لكل جبار لعين .. " قميص يوسف هل يرجع لهم بصر؟" قميص يوسف في الآفاق منذ ذاك الحين ولكل حين. لا.. لا هي سبأ القديمة بجنتيها تتفي ظلاً وتلاحق بالجوار ظلاً لـ "جنينة بت مالك"، فنفحة ثم نفحة تستنبت " جنينة أولاد يوسف ، فبعبق وشذا وفوح سرمدي يستكن في جنينة العمدة، وإلى "زعزوعنا" ذات السر والغاب المكين، ثم غرباً إلى سراية العيدروس، ثم عوداً على بدء حميد..
ملكت يا شيخنا القلوب والآفاق ببذرة الخلود التي لا تبور .. هي القِرى المنشور من سلة الفراديس هبة الله الكريم لروحك الطاهر الميمون .. من وهج الرفاعيين الغر الميامين أولاد عمر، من النائرين النايرين، من آل البنا سراة الكلم والعز التليد، من أخوة الصدق المحجلين العارفين آل بله،من منبر مولانا عمر ومحرابه ذكرى للصالحين العارفين، من أولاد مصطفى كلهم وقد يكفي واحدهم عن فيلق بتراس الفكر متحصن، هم أصحاب العمودية والتاريخ، من أولاد إحميد أهل النور والبهاء، هم همزة الوصل والقول الفصل، من أصحاب اللسان والبيان أولاد أمحمد و فاطمة فلنعم الوالدين، من آل الأطرش السامعين لكل مفيد، الصامتين عن خرس اللحون، من دهاقة القانون والنظام آل قبوجه السادة العارفين، من ابن بابكر رسول الحليماب الحفيظ الأمين، من آل خلف الله الذاكرين، من آل الريح فرسان القلم ومصححي العقول الناصحين، أمن من آل أب شنب مفخرة الوضاءة والرصانة والمعرفة وطب الجسوم والقلوب، ودونك أولاد بخيت زينة القوم ومجمع المعارف أدناها الطب ومن قبله القول الرصين، والطرفة التي تهجن السنين، ولا يضارع أولاد الحاج في أي باب فتحٍ هم أبداً السراة وغيرهم المصلين، من جلدها الناضح بالكد وعرق الرجال الكادحين ينبري أولاد أكرت كقوسٍ مرنان في لحمة العمل الصالح المجلل بالوقار والصمت الحزين ولهم أضراب غير مضاهين، ويمضي أستاذنا علي إبراهيم يكافح الحياة ساعة بالقلم، وساعة يتبضع الناس بالبيع الحسن والخلق النبيل، وأين هم من آل قِريش وهل ستظل مراكبهم كالقلوع تمخر في مسيرتها الأبدية ما بين الأيقونة الحزينة ومعقل الأشراف جيئة وذهاباً، سيرحل النيل عما قريب كما رحل أبو الفوارس فهل إلى عود يا معشر قريش قريب بعد أن خان النيل العهود؟؟ عودوا جميعاً، فالتاريخ الزائف ما صنعه الآخرون !! دوننا إرث رجل جاء من صلبكم جميعاً بل هو روحً خالصً ذكي حلق ثم انطفى كالبريق .. فلو رحل اليوم جسداً فروحه ما يزال وهجها في الحنايا والضلوع، فلنعم الشط كنت يا عبد الباقي ولنعم الملاذ كنت فلكاً حوله الأفلاك تدور، ودائرة تنتهي داخلها كل الدوائر والخطوط.
ولقد كنت صاحب أمانة فقصدت من أعلى الديار، وسالف الأزمان، قل لنا بربك ما نصنع بعدك: أنرجع للتأريخ دورة ، كانت هي في الأصل الشاذ، أو نكب على وجوهنا نلعق أسفاً بعد أسف وسنمضي بلا شواهد ولا مقامات، فما صنعنا كما صنعت وما برينا كما بريت، إننا اليوم أشد فرقة وشتاتاً، وسنتساقط حتماً كما يتساقط أبناء المستعمرات مثل الأوراق الذابلة .. وقبل أن يفجأنا سيل العرم هلم إلينا أخوة الدم، والفصل والمأكل والمشرب ، والكلم المهموس. إننا جميعا في حاضرتنا الكبرى القريقريب بفداسيتهما، وعزازتها وشيخها الوقور طه تحت المظلة الكبرى نبتهل لله عز وجل أن يكرم نزلك في أعلى عليين، وأن ينعم علينا بالتآلف والاتحاد وحفظ مؤونة الدين الأجداد.
والتحية والسلام لإخوان صدق كنا نعدهم ليوم تتلاقى فيه الأيادي والقلوب .. ولقد دنت اللحظة.. أكاد أراهم متآلفين غير مختلفين. اللهم آمين.
2 لقد كان عبد الباقي – حقاً – نصاً غير قابل للتعديل، وماء اللحاء قبل أن يمظأه المنون.
3 فما الحيلة؟
إنها الصلاة والسلام على المصطفى وعلى آله وصحبه أجمعين.
محمد حسن خضر
الرياض( السعودية)
3/6/2006م
[email protected]
00966 556 104786
|
|
 
|
|
|
|
الرشيد حسن خضر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست