|
|
 رسالة للعباسي ومهاتفة من السيدة/نضال الأشقر 2004
|
( إجترار الذكريات... )
د. ابوبكر يوسف
أبا أسعد ... صديقي .. أخي .. وأبي : الطيب العباسي
أسعد أخي الأصغر أبن أبي (الذي لم يلدني) وصديق العمر،
صبح يوم 20/6/2004:
لا أدري لماذا أخاطبكما هذا الصباح ... وشعور بالحزن يلف روحي ويدثر ذاتي ولكن مَن أقرب إلي منكما حتى أبوح لهما بما تعتمل به النفس هذا الصباح الأجرب !!
هذا الصباح رمادي اللون .. متجهم القسمات قاتم الإشراق من أثر الغبار , نور الشمس ليس مثلما كانت أعماقي دائماً , بداخلي أحساس بالضياع كأنني مولود لتوي من رحم الزمن ومن عمق المجهول ‘ إحساس مرير أن تظل تشعر أنك معتقل في عمق الزمن، محبوس داخل الذات المحدودة الأفق ، فالذات غير الروح ولكن ما يعتمل بالذات ينعكس على الروح في انطلاقتها في اللآ محدود !! أنا أعيش في مشاعر لا أدري كنهها هذا الصباح ولكني أشعر بقلق المنتظر لما هو في علم الغيب ‘ ولا أدري إن كان هذا القلق هو نوع من أنواع شفافية الروح التي تتصارع مع الذات فتصرعها أو تصطرع !! أحس بإحباط مصدره القلق ... وهذا القلق مصدره عدم القدرة على إدراك ما سيحدث وهو في طيات القدر ، وعدم إدراك هذا يدعو إلى الإحباط الذي يحيل كل الآمال المشرقة إلى حزن مميت ...دواعيه انتظار المجهول... وأن مجرد الشعور بالقلق انتظارا لما سيحدث هو قمة الشفافية وبعض من الإدراك !!
نفسي تعذبني وكأنما زبانية غلاظ أمِروا بجلدها...وهي عنيدة لا تنطق بالآه أبداً ... لا لأنها تستلذ الجلد ولا لأنها شجاعة ولكنه القلق الذي يكمم فاهي ، ولكن ربما لأن الآه هي تصريحٌ وتأكيد للحزن فأنا أريد أن أطردها وأتحين اللحظة التي ينجلي قلقي حتى أغدو ( أنا )!! , البكاء كثيراً ما يغسل الأحزان ومهما كانت أسباب مهطل الدموع ، فإنها إنعكاس لمقدار الحزن الحسي الذي يؤرق الذات ويعذب الروح ولكن عندما تتحجر الدموع وكأنها الندي على أوراق الياسمين فهي تجسيد للحزن الروحي والمعنوي المحتبس في أعماق أعماقي الثائرة ضد عدم القدرة بالتصريح وكأنها ضمناً تعترف بالعجز والضعف الذي يعتري النفس البشرية!! .
رنّ جرس الهاتف بصوتٍ ناعم كالهمس وكنت أنتِ المتحدثة, صوتٌ مخملي الملمس ناغم حلو الأثر والذي إنعكس على أوتار المشاعر والأعصاب فأحال توترها إلى استرخاء مليء بالتفاؤل... صوت شفيف فيه عنفوان وأنوثة ... صوت منغم كسيمفونية عذبة الإيقاع تأتي من الجانب الآخر :
ـ ألو ... أبوبكر ... ليش صوتك متغير, شو !؟
ـ لا أدري ولكني أشعر بحزن عميق هذا الصباح من المتحدثة !؟
ـ دعك الآن من أسمي؛ يبدو أنك سريع النسيان وتنسى أعز الأصدقاء!!
ـ لا ...لا هذا اتهام باطل في غير محله ولكن حينما تندلع مشاعر الحزن تنطفئ وتغيب الذاكرة لتستحضر فقط ما هي فيه الآن!!
ـ أنت كما أنت ابوبكر ... ابوبكر الذي يستقطب الوجدان ويحتوي العتاب فيأسر الآخرين داخل مودته ومحبته !!
ـ بربك قولي من أنتِ!؟
ـ أنا التي تلقي القصائد في الجبل !! ( سارية الجبل) أليس هذا ما أطلقته عليّ...ألم تكن أنت الذي قلت عني أنني كولادة بنت المستكفي وأنت كأبن حزم في حضرتها !!؟
_ ست نضال الأشقر، حرامٌ على يا شيخه، إن حزن اليوم الذي عطل هذه الذاكرة يستحق أن يضرب بنعل قدميك... ها قد ذهب الحزن ...ربما أن مصدر الحزن والقلق هو انتظار حدث من رحم المجهول. وبالتأكيد أنها هذه المهاتفة لتحيل هذا الحزن إلي بسمة وإشراق وتفاؤل.
ـ نعم نضال ، نضال التي تكتنز في ذاكرتها كل من جفاها من الخلان والأصدقاء !!
ـ وهل غاب عنا يوماً صدى صوتك العذب المنغم الذي يستقر في أعماق الروح والمشاعر ويحتل الحس ويغزو الذات وأنت تترنمين بعذب الشعر !؟
ـ هل تسترضيني بكلمات إطرائك التي لا يجاريها حتى مدمني العشق!
ـ وهل نضال الشامخة شموخ الأرز والجبل تنيخ مشاعرها غير الكلمات !؟
ـ (تضحك) في دلٍ وكبرياء... ( صدى الضحكة يجلجل في مسامعي)
ـ ست نضال أنت لا أحد يجرؤ على أن يتحمل إغضابك , فإن حدث سأنبري له بقدر حجم مودتي لك ... إن حجمها بحسب حجم الأرقام ... بلا حدود ولا منتهي ؛ إنه مليء كل الكون … أنا مسكون بروعتك؛ فأنت فرقد متقد كلما زاد البعد عنه يظل دليل للتائه وكلما قرُبت منه أزداد توهجاً وألقاً فينير لك دربك .
ـ (بكَفِّي هيك) !! أنت عارف لَشو أنا اتصلت فيك رغم إنك قاطع!!؟ أناعرفت من أستاذنا سعيد عقل أنك كنت ببيروت وما اتصلت ؛ شو ها الزيارة العاجلة !! ما بدي أعاتبك على عدم الزيارة!!
ـ المهم إنك اتصلتِ وأحِلت الحزن لسرور هاتِ ما عندك أيتها الغالية !!
ست نضال أنت تعلمين أنه لا تكفيني سويعات في بيروت لألتقيك ، فلا أريد أن أظلم نفسي بوقت قصير في حضرتك , أنا كالظمآن عندما يرد النمير فأما أن يشرب ويرتوي وإلا فلا يشرب , فكيف أحضر لبيروت فقط لسويعات ترانزيت وأرتوي من نبعك الصافي أما زيارتي لدار شيخنا الشاعر الكبير سعيد عقل ليس تجاهلاً لست الكل ولكن لعدة أسباب: أولاً لأنها بجوار المطار وثانياً لأني سمعت بمرضه وساعات الترانزيت بالكاد تكفي لمعاودته والرجوع للمطار!!
ـ يكفيني هذا وكفى... فأنك قد دغدغت مشاعري، أذبت جليد جبل اللوم الذي كان في داخلي نحوك ، وأيضاً مع ذلك تأكدت لي غريزة مواصلتك لأحبائك في حالة الضعف الإنساني ثمّ إني هاتفتك لأني كنت بالأمس في (برمانا) أحضر ندوة جمعية المرأة وألقيت قصيدتك التي داعبت بها أساتذة وطالبات الجامعة اليسوعية في ذاك اللقاء الذي دعوناك لحضوره قبل خمس سنوات واشترطنا عليك أن تنشي قصيدة للمناسبة. وعندما ألقيتها في تلك المناسبة نالت القصيدة استحسان السامعات ، وضحك السامعون من الرجال مما فيها من روح الدعابة وخفة الظل ، كان بينهم الرئيس نبيه بري. وعندما قلت لهم أن الشاعر سوداني قال بري أنه سيزور السودان قريباً وسيلتقي لأول مرة بمسئولين سودانيين وهذه فاتحة خير !! المهم نالت القصيدة الإستحسان
ـ والله يا نضال أنا لا أحفظ حتى شطراً من أي قصيدة لي
ـ سألقيها عليك في الهاتف وستدفع عوضاً عن قيمة المكالمة دعوة عشاء في مطعم (برج الحمام) في برمانا لما تزور بيروت المرة القادمة!! ويكفي أن كان لي شرف الإلقاء !!
ـ يشرفني أن تشرفني من تعمر المائدة وهي القمر المنير !!
ـ شو هيدا غزل ... جوزي بغير!!
ـ إن كان هذا غزل فقد غازلتك كثيراً في حضرته... أنت فوق الغزل أنت وهو محل التقدير والاحترام الأخوي.
ـ بقولوا اللبناني شاطر ببيعك الشى بالكلام , وأنتو شعراء وأهل السودان تغلبونا و تشترونا بالحياء... نحن وشنا مكشوف !!
ـ ياسيدتي أنت سيدة المسرح والإلقاء ليس على مستوى لبنان بل العالم العربي فمن يستطيع أن يغلبك !؟.
ـ أخجلت تواضعي ... نحن في عجب من أين يأتي أهل السودان بهذا المنمق الذي يرضي غرور الأنثى!!؟
ـ من كل أنثى وهبها الله مواهب وقدرات نضال الأشقر وهن نوادر!!
ـ( بِكَفِّي ... يكفي يا ويلي) لك شو مواهب !! يعني بتقصد مو موهبة واحدة !!
ـ أنت الأنثى الكاملة ... (نِيَّال) جوزك (هنيئا لزوجك)!!
ـ كنت محتاجة لشحنة معنوية وتحفيز حسي حتى أستمر ... شكراً مع السلامة !!
القصـيـدة:
مــدح الحسان:
إليكُن تنقـاد السـلاطين طاعـةً
ولا يستطيعُ الصبرَ عنكن سـاعة
ولا تـرتضي إلا لـكُنَّ شـفاعة
إذا الناس يومـاً أذنبوا وأساؤوا
فكم ملكٌ تخـشى لقاهُ ذو الحجى
إذا ما رأوه بالـوقـار متوجـا
تلاعبه الحسناء منكن في الدجى
وتضربه بالـكف حيث تشـاء
وكم من عالم فيه اّلأنـام قد اهتدت
وصلَّت صفـوفاً النـاس وإقتـدت
تهيـجـه ذات الجـمال إذا بـدت
ولـيس عـليها بـرقع وغطـاء
وكم من شجاعٍ ترهبُ الأسد بـأسه
ويسقي أعاديه من البؤس كـأسه
يطأطئ عند النومِ للغيدِ ترأســه
وهـذا لعـمري للكـماة بــلاء
ألا يـا عصافير الجنـان لقد سـرى
هواكُـنَّ طَّراً في قلـوب بـني الورى
فوا لله لولا كـنَّ لم تعـمر القــرى
ولا قـام فـيها للـرجـال بــنـاء
و حـوت الـفَرشَ النظـيف ديـارنا
ولا قـرَّ يـوماً في الـزمان قـرارُنا
ولا كـثرت بيـن الربـوع صِغـارنا
ولا وجـدت إباؤنــا الـقـدمـاء
فـأنـتُنَّ للـمرض أولات كـفـالــة
تـمرضـنـا دومـا بـغيـر مـلالـة
ومـن لـم يسأل عنـكن في كل حـالة
فـذاك لـعـمري والـجـمـاد سـواء
وأنـتٌنَّ ربــات البيـوت فلا نــرى
سِـواكـُنَّ للأشـياء فـيها مدبــرا
وهـيهـات أن غـبتُنَّ يصلح القـرى
ويـزكُـو فيـها للرجـال غـــذاء
سـلامُ على الجنس اللطيف ورحـمـة
فـكثـرته في الـكون للناس نعـمـة
وفـيه مـن اللـذات للـخلق حـكمة
تـساوت بـها الجهـلاء والعـلمـاء
|
|
 
|
|
|
|
munswor almophtah
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست