المغرب الجميل بعيون سودانية ... وكم أنت جميلٌ أيها المغرب ومشكلة الصحراء!!(9)

المغرب بعيون سودانية ... كم أنت جميل أيها المغرب ... ومشكلة الصحراء المغربية!!(

د. ابوبكر يوسف إبراهيم

أعود بكم إلى مدينة العيون ذات المائة وستون ألف نسمة إن لم تخني ذاكرتي الخربة وفي المقهى الذي جلست فيه أثناء تجوالي ومحاوراتي لرجل الشارع العادي لأستيقن من كل المعلومات التي استقيتها من (سي أحمد) حيث كان حواري هذه المرة مع الشاب عبد الرحمن فهو كما قال يعمل كاتب الضبط بمكتب وكيل الملك..وقلت له هل للملك وكيل؟! فأجاب في كل مكان بالمحاكم و بابه مشرع للجميع على مدار الساعة, وهو الذي يتلقى الشكاوى ويتحقق منها ويرفعها إلى القضاء. بمعنى آخر أنه العامل على ديوان المظالم أو وكيل النائب العام..ثمّ بدأ الحوار عن السودان والمغرب والعادات والتقاليد وانتهى بمشكل الصحراء وسألته أن يلخص لي في كليمات رأيه عن تلك التظاهرة فقال أنا من أبناء الصحراء وكما ترى أني أعيش وأعمل في العيون وهي مدينتي ومسقط رأسي ولم أغادر حدودها حتى الآن. إن ما حدث هو أن البعض مِن مَن نعرفهم أستغل القرار الإداري نقل السجناء وهو عمل روتيني إداري من إصلاحية العيون إلى أكادير فحرض الأطفال والمراهقين والعاطلين عن العمل على القيام بأعمال شغبٍ وبرغم محدوديتها نتجت عنها الأضرار ببعض الممتلكات الخاصة مما اضطر سلطات الأمن للتدخل لوقف هذه الأعمال وقد تمَ اعتقال 33 من المشاغبين تمّ إطلاق سراح نصفهم بعد ذلك مباشرة.) قلت:ـ و ماذا عن النصف الآخر؟ قال يتم التحقيق معهم وفق القانون لأن هناك من حرّض وهناك من قام بحرق بعض ممتلكات المواطنين الذين رفضوا تصرفاتهم المستنكرة أو مِن مَن رفض الانضمام إليهم بالمشاركة في أعمال الشغب التي أعتقد أنها نوع من التنفيس عن ظروف العاطلين فهذه الظروف لها انعكاسات نفسية يسهل توظيفها لأغراضٍ غير نزيهة!!... وعموماً العدالة ستأخذ مجراها والقضاء مستقل وعادل ونزيه...ولنترك القضاء ليقرر فيهم, فوكيل الملك والقاضي والمتهم كلهم مغاربة ولا أظن أن الحق يضيع بينهم. سألته أنت كشاب مغربي من أهل الصحراء المغربية ما رأيك الشخصي في هذا المشكل وكيفية حله, قال عبد الرحمن:ـ أن هناك مشكل اجتماعي ليس في العيون فقط وهي مشكلة العطالة والآن تبحث الإدارة(الحكومة) عن وسائل لحل هذا المعضل الذي يواجه كل دول العالم وليس المغرب وحده وبدأت الإدارة بتأسيس مؤسسات للتكوين الحرفي حتى تدخل كل عاطل إلى سوق العمل وجلّ هؤلاء من حملة البكلوريا ( ثانوية)...كما تعلم أن المغرب انتهج نهج الاقتصاد الحر منذ عقد التسعينات من القرن الماضي وبالطبع هذه المرحلة الانتقالية لها إفرازاتها التي كنا نعلمها سلفاً ونتج عن عمليات الخوصصة(الخصخصة بالمشرقي) سلبيات ومعاناة معيشية هي ضريبة الرخاء النسبي الذي تشاهده الآن ... وأقول نسبي لأن الملك محمد السادس يقود بنفسه حملة شخصية للارتقاء بمستوى معيشة الضعفاء؛ ولكن بعد أن مررنا بسنين التحول وهي سنوات عانت منها حتى دولاً أكبر وأقوى اقتصادا من المغرب مثل روسيا الاتحادية ودول أوروبا الشرقية؛ ولكن الآن بدأ سوق العمل يستوعب الكفاءات والخبرات وارتفعت المداخيل والآن إذا ما أجرينا مقارنات نجد أن السوق استوعبت أعداداً من العمالة يفوق أعدادها الضعفين مقارنة بأعداد ما كان يستوعب في الماضي ؛ وما كان لها أن تجد لها عملاً لو كنا نتبع نهج اقتصاد الدعم والاقتصاد الموجه .إنه من الظلم أن نبحث عن السلبيات لنسلط عليها الأضواء ونتغافل عن الإيجابيات... نحن بحمد الله بخير وعلينا أن نشكر الله. المغاربة هنا يقارنون مستوى المعيشة بين أنفسهم والدول الأوربية المتوسطية لقربهم منها ولا يقارنون مستوي معيشتهم بما هو عليه في الدول الأفريقية والعربية والإسلامية . وأقول لك بصدق أن محمد السادس ركز جهده وطاقات الإدارة لرفع المعاناة عن الطبقات الدنيا التي هي شغله الشاغل.. إننا هنا في العيون نلنا نصيباً مقدراً من التنمية لم تنله ولايات ومدن كثيرة في المغرب. شكرت الشاب عبد الرحمن على المعلومات التي تنم عن الحس الوطني لرجل الشارع المغربي, وحين هممت بدفع الحساب للنادل أقسم أن يدفع ثمن (أتاي ) والحلوى وأنه اعتبر عرضي إهانة له فاعتذرت وقلت له: ( ما تزعل يا أخي أنا آسف) ففي السودان نقول( الجيب واحد) فأبتسم ابتسامة رضا وتراضي . فشكرت له كرم الضيافة وودعته شاكراَ أريحيته وتبادلنا العناوين . وتحركنا و(سي أحمد) إلى موقع آخر وهو مكتبة الحسن الثاني أستطلع محتوياتها علني أجد ما يروق لي اقتناءه أو من أحاوره , ومن لهجتي بادرني (الحاج ميلود) ليتعرف من أي بلد أنا؟. فقلت من السودان؛ قال بلد الدكتور عبد الله الطيب والمشير سوار الدهب!؟ قلت نعم... قال : مرحباً أخي بك في بلدك المغرب فأنتم مزيانين بزاف...فانتشيت من الإطراء وفجأة تنبهت خوفاً من الكِبَر والغرور و قلت:ـ ( الحمد لله ولكن ليس هناك شعب ينفرد بصفة مطلقة؛ هناك عندنا العاطل والباطل والسارق والزاني وعندنا يوجد الخيّر والطيب والمتعلم والمثقف والأمين والعالم والمثقف ... ولكن الحمد لله أن الأشرار عندنا قلة والأخيار ملِّة, وأحسب أن المغرب الحبيب هو كذلك). رأيت علامات السرور على الرجل وسيماءه رحبت بي قبل لسانه, فأصر على أن أشرب (أتاي) معه وبدأ يسألني عن المشير سوار الدهب , وقال أين هذا الرجل الصالح!؟ قلت:ـ في أمن الله وحفظه. ثم قال :ـ كان يزور المغرب بزاف, أحببناه هنا لأنه عاهد وأوفى. قلت كمدخل لحوار ونحن أيضاً نحبكم ولكن كلينا مستهدف, أنتم في المغرب استهدفتم ليفتتوا وحدتكم الترابية التاريخية والجغرافية وإشعال فتنة بين سكان الصحراء المغربية؛ ونحن في دارفور والشرق حالياً نعاني من مؤامرات لتمزيق وحدة الوطن . فقال بإيجاز شديد ( لا يخفى عليك أن أعداء المغرب استغلوا مناخ الديمقراطية وحرية التعبير الذي تشهده المغرب لأجل زرع الشقاق بين سكان مدينتنا الوادعة ونحن نرفض هذا التوجه نرفضه لأن العيون مثل كل مدينة مغربية يتعايش فيها الناس بانسجام تام, وهذه القلة نحن نعلم أهدافها تماماً إنها تحاول الإضرار بالإجماع الوطني المغربي حول قضية والوحدة الترابية. كما أننا نلنا حقنا من التنمية المتوازنة وكثير من ولايات المغرب تغبطنا فماذا يريد هؤلاء الصبية؟( قلت ساخراً منهم و سراً : ( أنا عارف!!).. وهو تعبيردارج نقوله حينما تتملكنا الحيرة فيما ليس هو منطقي), وواصل: أقول لك لدينا مدرس من أبناء الصحراء المغربية غادر إلى حيث أسياده يسكن الآن الفنادق الفارهة ويسافر بالطائرة بالدرجة الأولى ويتحدث إلى الإعلام ويعقد ندوات ومؤتمرات صحفية في أفخم قاعات الفنادق العالمية في الخار؛, وكان راتب هذا المدرس يوم غادر لا يصل إلى ثلاث آلاف درهم وهو معاش معقول لمدرس يمكنه من أن يعيش مستوراً ؛ فمن أين له كل هذه الأبهة والرفاهة المفاجئة؟!! قال: أنا شخصياً أعرف والديه فحالهما متواضع حال كل الطبقة المتوسطة في المغرب ولم يؤتَ لنا بمن يقول أنه ورث ثروة عمه صاحب مزارع البن في البرازيل!!...(ضحكت حتى الثمالة!!)... ولم نسمع أن نزلت عليه مائدة من السماء أو عثر فجأة على كنز قارون...ببساطة أنه يتسوّل بكرامة وقدسية الوطن!!.انتهى حديث الحاج ميلود)... بالمناسبة أعجبني جداً تعبير ( يتسول بكرامة الوطن)... قلت في نفسي:ـ (ربما نجد الأعذار لهذا المدرس ومنها صغر السن وعدم الوعي وقلة التجربة وعدم ترسيخ قدسية الأوطان في المناهج التعليمية منذ الصغر وحداثة العمر فيصبح المواطن محصناً بمناعة من كل جراثيم وفيروسات تهاجم قدسية وسلامة الأوطان حيث كنت دائماً أنادي بهذا بحسب تخصصي في مجال فلسفة الموارد البشرية الذي يؤهلني لأن أقرر أن هناك خلل جسيم في هذا المجال).. ولكن لدينا في السودان من الساسة دهاقنتها الذين لا يجيدون غير التسول بكرامة وسمعة وقدسية وحرمة وشعب الوطن فمن أين نأتِ لهم بالأعذار حتى أصبح التسول جزء من الجينات؛ وهل يصلح العطار ما أفسد الهر.؟!!!... حتى تفنن ممارسوا هذا النوع من التسول فأصبح له مدرسة أطلقوا عليها المدرسة الخنفشارية في فن التسول باسم الوطنية)!! كان الدهاقنة يدعون الله أن يفيض النيل ويحدث طوفان النيل أويمنع الله الغيث ويحدث القحط ليبدأ نشاط المدرسة إلى أن أنقذ الله كرامة أهل السودانبإستخراج البترول!! أسأل الله المغفرة والرشد للمدرس المغرر به ؛ ولساستنا المتكلسين الذين تجاوزهم الزمن وما زالوا يصرون على الحنث العظيم والبقاء (كخميرة عكننة وكأنهم يقولون بلغة البلطجة : يا فيها , يا أخفيها)ونحن نستشرف لمرحلة جديدة وفجر أبلج بعد أن منَّ الله علينا بخيرات باطن الأرض وخارجها وأذكر أمتنا في السودان والمغرب بقول الله عزّ زجل( فلو أهل القرى آمنوا واتقوا..) الآية ... ثمّ أسأل الله أن يديم علينا نعمة الصبر على البلايا والرزايا ...وأقول:ـ لك الله يا محمدٍ السادس, فهذا قدرك أن تصبر على هكذا إبتلاءات...ابتلاءات أنجبتها أرحام أوطاننا فماذا تفعل مع من يعق وطنه وانتماءه ويبيع سمعة أهله وقدسية تراب وطنه بحفنة دولارات أو يوروهات!! ... والله المستعان به على كل نازلة...أصبر وصابر فما صبركم إلا بالله... وفي الغد بإذن الله نتواصل تواصلا يحفه الخير...


حاشية : طلحة جبريل ...روعة الكلمة ومهنية إحترافية عالية ؛ قامة سامقة لم يُلَوَّث حرفه وقلمه ... شخصية يشد لها الرحال ... أسفي أني لم ألتقيك وكذا لم يسبق لي، فعذراً على التقصير فما على هكذا تربينا!! .. إنه جحودُ غير متعمد تسبب فيه ضيق الوقت و أسأل الله راجياً متمنياً أن ألتقيك قريباً.. فعذراً إن قصرت عنك قدماي, فقلبي معك وعقلي يطالعان ما تكتب دوماً... ويا صديقا نشأت بيني وبينه مودة حميمة من على البعد عبر الحرف الذي يكتب فاستهواني ووقع دوماً في نفسي وقعاً حسناً؛ وبرغم كل هذا الذي نشأ؛ فحتى اللحظةً لم ألتقيك فلك العتبى حتى ترضى عني... فاغفر لي ذلتي ، فالقلوب النبيلة لا تمل الغفران !!

(عدل بواسطة ابوبكر يوسف إبراهيم on 05-27-2006, 04:33 AM)
(عدل بواسطة ابوبكر يوسف إبراهيم on 05-27-2006, 04:34 AM)
(عدل بواسطة ابوبكر يوسف إبراهيم on 05-27-2006, 04:59 AM)