|
|
 حاتم السر: التعليم العالي، مساخر متجددة!
|
التعليم العالي: مساخر متجددة
حاتم السر على المحامى
* عندما أورد د. فاروق كدودة قصة استقالته من جامعة جوبا التي كان يعمل بها حتى منتصف الثمانينات من القرن الماضي، عدها الكثيرون، من الطرف والسخرية التي يمتاز بها الحلفاويون، فقد كانت باختصار: ان مدير الجامعة يومذاك بروفسير عبد العال عبد الله عثمان - متعه الله بالصحة والعافية - قرر فصل د. كدودة لأنه رأى في المنام انه يفصله، ولما عاد د. كدودة بأمر من المحكمة الادارية التي قررت بطلان القرار، تقدم هو باستقالته هذه المرة، فلما سئل عن السبب قال ساخراً «أخشى أن يرى المدير في المنام أنه يذبحني فيحقق رؤياه!!».
* ولما «هبت ثورة الانقاذ، والجيش للشعب انحاز كما غنى كمال ترباس، رأت لصالح التمكين ان تفصل اساتذة الجامعات الاكفاء من غير الموالين لحزبها الاسلامي، فتم فصل د. فاروق محمد ابراهيم من جامعة الخرطوم كلية العلوم بتهمة «تدريس نظرية النشؤ والتطور لداروين»!! وقد كانت تدرس ضمن المقرر الجامعي.
* كانت هذه نماذج للمساخر في التعليم العالي، نحكيها بصيغة «كان» أي من الارشيف، ولكن ما بال الماضي ما يزال جاثماً على صدر وطننا بكل عبثيته ومسخرته وسوء منقلبه، فالقصة اليوم طازجة، وابطالها قابضون على زمام الادارة في جامعة الفاشر، وضحيتها - بل ضحاياها للدقة اساتذة اكفاء، آخرهم، د. محمد علي حمد الاستاذ المساعد بالجامعة، وهو إلى ذلك باحث نشط ومؤلف يشق طريق التأليف العلمي برصانة ومسؤولية، وجدت اطروحته عن «الديمقراطية والتربية في السودان» حظاً وافراً من التقدير والاعجاب لدرجة التوصية بطباعتها في كتاب، نفدت منه طبعتان حتى الآن، الاولى عن دار عزة للطباعة والنشر ، والثانية عن دار العملة للطباعة والنشر، ثم ألف كتاباً مرجعياً تربوياً آخر بعنوان «العلاقة بين الدين والدولة رؤية تربوية». كما أنه وبانحياز طبيعي لقيم الخير والحق والعدل ظل يمارس دوره كمثقف مرموق، يعقد الندوات، ويشارك في السمنارات وورش العمل، اضافة الى قيامه بمهامه في التدريس والبحث العلمي والعملي، وربما لهذا، رأت ادارة جامعة الفاشر في العام 2006م.. أنه يستحق عقوبة الاقصاء، فتم ايقافه عن العمل، وحجز مرتبه، وتكوين لجنة للتحقيق معه ، وهنا تبدأ المسخرة التراجيدية.
فالخطاب الممهور بتوقيع د. يحيى علي عبد الله مدير الجامعة بالانابة، بتاريخ 18/3/2006م بالنمرة 17/أ/7، وموجه للسيد عميد كلية التربية يقول ان حيثيات القرار بناء على الشكوى المقدمة من طلاب الدفعة السابعة بكلية التربية، وشكوى طلاب دبلوم التربية بجامعة السودان المفتوحة المقدمة عبر منسق الجامعة حول تناول الاستاذ المذكور مواضيع غير ذات صلة بالغرض الاكاديمي داخل قاعات الدراسة، لذلك فإن مدير الجامعة بالانابة - يحسب إذا صح ادعاء الجهتين الشاكيتين-ان الاستاذ المذكور يكون قد تصرف تصرفاً لا يليق بمهنته ولم يلتزم بتوجيه رئيس وحدته.. إلخ إلخ..
* يقول د. محمد في مذكرة لوزير التعليم العالي والبحث العلمي: إن التحقيق معه حول تهمه بتحريض الطلاب ضد ادارة الجامعة داخل قاعة الدرس في محاضرة حول مفهوم التدريب والعوامل التي تعوق تحقيق الاهداف ودور النشاط كواحد من اساليب التدريب في صقل شخصية الطالب الجامعي. وان الاستاذ قد هاجم الادارة بقوله انها تصرف ببذخ على الاشياء الهامشية وتهمل عملية التدريب داخل الجامعة، كما انه: حرض الطلاب لممارسة نشاطهم رغم أنف الادارة.. ثم بعد ذلك، صدر قرار اداري بايقاف راتبه ومنعه من دخول الجامعة بواسطة الحرس الجامعي حسب التعليمات الصادرة من مدير الجامعة بالانابة، وقد تم منعه بالفعل وعن طريق العنف (شد الملابس) وامام حشد من طلابه واثنين من زملائه الاساتذة من دخول الجامعة. ثم يمضي د. محمد علي في عرض «التراجيديا» بأن لجنة التحقيق وبطلب من المستشار القانوني للجامعة «أحد أعضائها» طالبت بأن يمثل الطلاب الشاكين والشهود أمامها للاستماع إلى اقوالهم، وكذلك طلب التقارير والمستندات التي بنت عليها ادارة الجامعة قراراتها حتى يتم تفصيل التهمة في مواجهة الاستاذ مثار التحقيق، إلا ان كل ذلك لم يحدث ولم تتمكن ادارة الجامعة من احضار الطلاب الشاكين أو الشهود أو أياً من المستندات المطلوبة.
* من المفارقات المحزنة في قضية د. محمد علي، ان الجهات الشاكية حسب خطاب الادارة هم: طلاب الفصل السابع بكلية التربية، وطلاب دبلوم التربية بجامعة السودان المفتوحة، وهنا يبرز التناقض بين فحوى الخطاب، وحديث عميد كلية الآداب «أحد اعضاء لجنة التحقيق» إذ يقول الخطاب ان المتضررين هم الطلاب بينما يقول العميد ان الاستاذ قام بتحريض الطلاب ضد ادارة الجامعة (أي انها هي الجهة المتضررة» لتبقى المفارقة: ما هي الجهة المتضررة اصلاً؟ الطلاب أم ادارة الجامعة؟ أم الاثنان معاً، أما عن طلاب جامعة السودان المفتوحة، فهنا تثور مفارقة أخرى عن «العلاقة بين ادارة جامعة الفاشر وطلاب جامعة السودان المفتوحة، وما هو السند المنطقي والقانوني الذي يسمح لادارة جامعة الفاشر بأخذ شكوى طلاب جامعة أخرى كسند وبينة ضد استاذ يعمل بها؟
* وهكذا، تتعدد اوجه المفارقات التي وردت في مذكرة د. محمد علي حمد المزمع رفعها لوزير التعليم العالي، مثل كيفية وصول شكوى الطلاب ان وجدت لمدير الجامعة دون مرورها بالقنوات الرسمية عبر عميد الكلية، ورئيس القسم، ثم ان ما ذكر عن مخالفات الاستاذ المذكور، وهل ترقى فعلاً لمستوى يسلك سلوكاً منافياً للآداب العامة والاخلاق أو لا تليق بمركزه الوظيفي.. فما هي المخالفة اصلاً، وما هي المواضيع غير ذات الصلة بالعمل الأكاديمي التي تناولها الاستاذ في محاضراته... إلخ إلخ
* ان ما حدث للدكتور محمد علي حمد في جامعة الفاشر، وفي ظل حكومة الوحدة الوطنية، وسيادة الدستور الانتقالي، يمثل وجهاً من وجوه استمرار ذات الممارسات البغيضة التي وسمت عهد سيطرة «المؤتمر الوطني» منفرداً على مقاليد الحكم والسلطة في كل المرافق الحكومية، وما لم يتم تعديل كبير في سبط القوانين التي مازالت سائدة ومستحكمة في رقاب الشعب السوداني فإن الاتفاقية والدستور والمناصب التنفيذية والتشريعية لن تجدى فتيلاً، وعندما يكون الظلم والحيف في مؤسسة تعليمية عليا فإن على بقية المؤسسات السلام.. ورحمة الله!! فماذا يقول السيد وزير التعليم العالي؟؟ ماذا يقول؟؟..
* ملحوظة: احتفظ بصور من المكاتبات ومسودة مذكرة الدكتور محمد علي حمد المار ذكرها.
http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147503791
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست