|
|
 رافضـــون لأبــوجا..كــيد ســياسي أم مــبررات مــوضوعية؟
|
رافضون لأبوجا..كيد سياسي أم مبررات موضوعية؟
اعداد : صباح احمد
ربما لن يحقق اتفاق ابوجا ، الذي وقع يوم الجمعة الماضى بين الحكومة و«حركة تحرير السودان» برئاسة منى اركو مناوي السلام فى دارفور ، وان انهى الحرب، وربما لم يلب الاتفاق طموحات شعب دارفور ، كما قال لي عارفون بقواعد اللعبة السياسية رفضوا الاتفاق باعتباره اتفاقا منقوصا ، لكن ربما وفر المزيد من الحماية لملايين اللاجئين الذين مازالوا يتعرضون للهجمات كما قالت الامم المتحدة عبر مبعوثها في السودان يان برونك امس الاولِ ، فى وقت شكك فيه عدد من المحللين السياسيين في حديثهم معي فى صدق الحكومة التي بيدها مفتاح تنفيذ الاتفاق نظرا لتقويضها العديد من الاتفاقيات في الماضي ، فالدكتور زهير السراج الكاتب الصحفى وبعد اعلانه لرفض اتفاق ابوجا بوصفه غارقا في التفاصيل وفي جمل انشائية رأي انها كانت مبهمة المعالم ، تنبأ بان الاتفاق سينسف في اقل من شهر ، ومضي السراج يتحدث معي بمكتبه امس عن ان اتفاق ابوجا مؤامرة من الحكومةلادخال القوي الدولية في دارفور بعد ان تيقنت من ان الامور لا تسير في صالحها ، وقال ان الحكومة ترغب فى تحويل دارفور لبركان مشتعل اما باستمرار القتال مع الفصائل غير الموقعة على الاتفاق او بتدخل القوات الدولية وما يجره ذلك من تدخل لجماعات ارهابية على رأسها تنظيم القاعدة او من خلال استمرار النزاعات القبلية في الاقليم.
حسنا.. غير ان ماذكره السراج يحتمل الخطأ والصواب ، لكن فيما كانت واشنطون تضغط من اجل نشر قوات حفظ سلام تابعة للامم المتحدة تحل محل قوات الاتحاد الافريقي ، اشارت الحكومة عقب توقيع الاتفاق الي احتمال قبولها نشر قوات تابعة للامم المتحدة لحفظ السلام في دارفور تحل محل القوات بعد ان ظلت ترفض ذلك ، فقد نسبت وكالة فرانس برس للسفير جمال ابراهيم المتحدث باسم الخارجية قوله بعد يوم من توقيع اتفاق ابوجا ، ان الحكومة ستدرس ما اذا كانت ستحتاج الي مساعدة القوات الاجنبية وربما تقرر الطلب بنشر قوات دولية ، غير ان الامر الاكيد لدي السفير كان لايخرج عن اطار القول بانه لن تحضر اية قوات اجنبية الي السودان دون موافقة الحكومة.
وهو الامر الذي قال عنه كمال الجزولى المحامي والكاتب المعروف انه ادى لانزلاق الامور بعيدا عن مصلحة دارفور ومطالب الحركات المسلحة ذلك لان القوي الدولية وجدت في وعد الحكومة مخرجا ملائما لمسألة القوات الدولية ، وبالامس نقلت الوكالات العالمية عن الرئيس الأمريكي جورج بوش قوله إن وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس ستتوجه الي الأمم المتحدة لدعم مشروع قرار بزيادة عدد قوات حفظ السلام الدولية في دارفور.
و بالنسبة للجزولى الذى تحدثت معه بمكتبه الانيق بشارع (الجمهورية) امس الاول ، بعد ان رفض صراحة اتفاق ابوجا ، فان ايسر طريقة لدخول هذه القوات هى موافقة الحكومة حيث يكون الغزو ـ ولازال الحديث للجزولى ـ هو البديل في حالة رفضها لدخول القوات ، والغزو خطة بالغة التكلفة سياسيا وعسكريا بدليل افغانستان والعراق.
وخلال حديثى معه تيقنت بان ليس لكمال الجزولى ما يقنعه البتة بأن الوسيط الافريقي في مفاوضات ابوجا كان يعمل بمعزل عن املاءات القوي الدولية وعلى رأسها امريكا وبريطانيا ، ولذلك وما ان تلقت القوي الدولية وعد الحكومة بامكانية قبول القوات الدولية حتي انقلبت ، كما يقول الجزولي، وانقلب معها الوسيط الافريقى ليمارسوا ضغوطا قاسية على الحركات المسلحة حتى تتنازل عن مطالبها.
طلب منى الجزولي مراجعة صحف الخرطوم خلال الشهرين الماضيين لأري ما وصفه باختلال ميزان الحياد المفترض في يد الوسيط الافريقي، الذى قال انه راح يحتفى بمقترحات الحكومة وموقفها التفاوضى وبنائب رئيس الجمهورية ـ يقصد على عثمان محمد طه ـ منذ وصوله ابوجا، ولهذا فان محدثى لم يندهش كما اخبرنى حينما نشرت بعض الوكالات والصحف والفضائيات كيف انخرط اعضاء الوساطة واعضاء الوفد الحكومى فى عناق الفرح بعد ان نجحوا في الضغط على منى اركو مناوى لحمله على التوقيع بعيدا عن بقية الحركات.
ويعتقد الجزولى صادقا عقب قولى له (بانه لا يعجبه العجب ولا الصيام فى رجب) ان ما حدث فى ابوجا ليس اتفاقا للسلام ولن يفضى له ، بل شق الحركات المسلحة ، وهيأ لاصطفاف جديد يؤدى لتفجر الاوضاع فى دارفور بأشرس واسوأ مما كان عليه الحال عاجلا او آجلا..فابوجا انتهت وفقا لكمال الجزولى بالاعيب صغيرة تحت المائدة واعلان احتفالى مظهرى بتوقيع ما يسمى اتفاقا للسلام اجهض مطالب اهل دارفور العادلة كما قدم نموذجا سيئا لما سيكون عليه الحال فى مفاوضات الشرق قريبا.
وسألنى الجزولى: (هل بعد كل ما قلته اوصف باننى لا يعجبنى العجب ولا الصيام فى رجب)؟
قلت..ربما كان حملة السلاح يعتقدون انهم حققوا جزءا من مطالبهم بواسطة السلاح ويرغبون من توقيعهم للاتفاق تحقيق بقية المطالب بالعمل السياسى، غير ان كمال الجزولى قذف بكلماته فى وجهى معترضا على ما ذكرت بقوله ان ما لا يتم تحقيقه فى الاتفاقية كاملا وبضمانات دولية وشعبية جماعية او شبه جماعية لن يتم تحقيقه بعد ذلك عبر ممارسة الاعيب السياسة اليومية ، ودليله على ذلك هو الحالة المتعثرة لتنفيذ اتفاقية نيفاشا فى الراهن المعاش.
سألت الجزولى:اتساقا مع دعاويكم السابقة حول المآسي الانسانية وشلالات الدماء فى دارفور الا يمكن ان تكون لابوجا (حسنة) حقن هذه الدماء ؟
(ضحك) هذا ما اسميه عض الاصابع..فقد وجدت نفسى رغم كل المآخذ على نيفاشا مجبرا على قبولها لمجرد انها اوقفت الحرب ووفرت الدماء والارواح وبنفس القدر اجد نفسى الآن مضطرا لقبول هذا الجانب فى ابوجا رغم ان المخاطر لا تزال محدقة بدارفور.
وبنظرة سريعة في صحف الايام الماضية نجد ان القوي السياسية المعارضة وعلى رأسها حزب الامة القومي والمؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي السوداني وبعض الكتاب رفضوا اتفاق ابوجا بدعوي انه اتفاق جزئي وناقص ولم يستجب لجوهر مطالب أهل دارفور المشروعة ، وهو الامر الذي دفع الدكتور نافع على نافع نائب رئيس المؤتمر الوطنى للشؤون السياسية والتنظيمية لتفسير موقف المعارضة من اتفاق سلام ابوجا بانها حالة (هيستريا) اصابت الاحزاب جراء توقيع الاتفاق ، وامس الاول وفى المؤتمر الصحفي الذي عقده الدكتور مجذوب الخليفة رئيس الوفد المفاوض عقب عودته من ابوجا قال ان رفض المعارضة للاتفاق يدل على عدم وعيها.
وعندما قلت للسيد الصادق المهدي زعيم حزب الامة ان المعارضة تعارض من اجل المعارضة فقط دون تقديم البديل لرفضها للاتفاق ، جاءت اجابته بان اطلاق الحديث علي عمومه ليس صحيحا ، وقال ان كل اتفاق لا يحقق مقاصده باطل ، وان ماحدث بابوجا كان مجرد اتفاق جزئي وثنائي و(طبخة نية ) لن يحقق مقاصده.
وعندما وجهت ذات السؤال للدكتور بشير آدم رحمة المسؤول السياسي بحزب المؤتمر الشعبي اعطاني ورقة (ازمة دارفور ..رؤية للحل) اجازتها هيئة شوري الحزب في ديسمبر العام الماضي وقد اشتملت الورقة المكونة من تسع صفحات علي تشخيص للازمة وما قام به المؤتمر الشعبى سعيا للحل من اتصال بالفرقاء وعقد مصالحات بين مكونات دارفور.
قلت : (نحن ابناء اليوم يادكتور فقد وقع الاتفاق وما عاد ممكنا الرجوع عنه او تعديله بعدما قالت الامم المتحدة ان المفاوضات لن تفتح مرة اخري وان نص الاتفاق لن يعدل (شولة) غير انه أجاب بان الحل سهل ، وقبل ان تمطر كلماتي سؤالا اقترح الا تتمسك الحكومة باغلبيتها المطلقة(52%) حسب اتفاق نيفاشا والجلوس مع الحركات التى لم توقع للوصول الى اتفاق يحقق الامن والسلام لدارفو ، وسينعقد المؤتمر الدارفوري ـ الدارفوري ـ لازال الحديث لرحمة ـ ويمكن ان تتم هذه المعالجات فيه وبهذا يمكن للحكومة ان (تتخارج) من هذه الورطة وتحفظ ماء وجهها علي حد قوله ..
وهنا يبرز سؤال .. هل تستند المعارضة علي اسباب موضوعية لرفضها الاتفاقات التي وقعتها الحكومة مع اطراف مناوئة لها ام ان الامر لا يعدو ان يكون معارضة من اجل معارضة الحكومة ؟ السؤال علي بداهته قد يبدو مهما ومحتاجا لاجابة في اعقاب دعوة وجهها لي الصادق المهدي للتقصي عن منطق القوي المعارضة في رفض هذه الاتفاقات.
عثمان ميرغنى الكاتب والمحلل الصحفي المعروف ولدي اجابته علي هذا السؤال لفت نظري امس لما وصفه بالخلل الهيكلي في قوام الاحزاب نفسها ، وقال لي ان هذه الاحزاب تعاني مشكلة في بنائها السياسي والديمقراطي الذي يجعلها تفتقر للرؤي السياسية والبرامج العملية التي يمكن لها العمل وفقها.
وفي مثل هذه الحالة تصبح المعارضة من وجهة نظر ميرغني هي الاسلوب الاسهل لانها لا تتطلب اكثر من ادانة موقف الاخر والاعتراض عليه كما يحدث الان ، واحيانا بناء موقف تزايدي علي الاخر الذي تعارضه.
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
صباح احمد
ناذر محمد الخليفة
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست