دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
من صبرا وشاتيلا إلى دارفور تبقى دماء الضحايا واحدة تطارد قاتلها أو الرقص على جماجم الضحايا
|
فيصل محمد صالح
Quote: شاهدت عبر شاشة قناة "العربية" لقاءً مع سيدة سودانية محترمة مقيمة في كندا كان موضوعه الدعوة التي تتبناها لإقامة جمعية للصداقة السودانية الإسرائيلية. قدمت السيدة تراجي مصطفى، والتي أعرف اسمها من خلال إسهاماتها في المنتديات السودانية بشبكة الانترنت، حججها ودفوعاتها أمام مذيع قناة العربية المتمرس حسن معوض، وتلخصت كلها في أن الدول والحكومات والشعوب العربية اتخذت مواقف مؤيدة للحكومة السودانية في نزاع دارفور، لهذا فقد اتجهت هي إلى التفكير في إقامة هذه الجمعية (عقاباً وانتقاماً!) ..وهذا التفسير من عندي. دعنا نبدأ بأن مثل هذه الدعوات ليست جديدة، حتى على مستوى العالم العربي كله وليس على مستوى السودان فقط، فهناك دعوات مشابهة صدرت من عدة دول عربية في سنوات سابقة تلتها خطوات عملية في مصر والأردن ولبنان وموريتانيا ودول أخرى. ففي مصر، وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، تبنى هذه الدعوة الكاتب المسرحي علي سالم وكتب مدافعا عن الفكرة، بل وأصدر كتابا عن رحلته لإسرائيل. وتطورت المسألة بدعم حكومي ودولي لتصل لتكوين ما عرف بـ"جمعية القاهرة للسلام" التي ضمت لطفي الخولي وعبد المنعم سعيد وعلي سالم وآخرين. وتكونت شبكة في الأردن كان أنشط أعضائها النائب البرلماني حمادة فراعنة صديق الإنقاذ الذي عمل معها "مقاول أنفار" يستجلب لها الصحفيين من لبنان وسوريا والأردن. وكانت بداية حجة هؤلاء أن اتفاقية كامب ديفيد وما تبعها من اتفاقيات يمهد الطريق لمرحلة جديدة، وأن إسرائيل مدت يدها للسلام وعلى العرب أن يمدوا أيديهم، وانتهت أحيانا بلهجة مماثلة للهجة البعض هنا من نوع "مالنا ومال الفلسطينيين" إلى آخره. ويمكن القول أيضا أن هؤلاء على الأقل حاولوا تسويق الفكرة بجهد نظري وفكري وسياسي أكبر من ذلك الذي أبدته السيدة تراجي مصطفى، التي لم تقدم إلا هذا التبرير العقابي "لم يساعدونا ويقفوا معنا..فلنذهب للشيطان إذن". لكن لم تستمر الموضة طويلا لأسباب معلومة، ومنها أن إسرائيل نفسها لم تساعد أصدقاءها في المنطقة وأحرجتهم بمواقف وسياسات عدوانية لا تزال مستمرة وبمجازر دخلت التاريخ الإنساني من أسوأ أبوابه في صبرا وشاتيلا ومخيم عين الحلوة وجنين وبيت حانون. لم تحرك هذه المجازر والمواقف المتعنتة العرب فقط بحكم الانتماء والهوية المشتركة، لكنها حركت كل أصحاب الضمير الإنساني من نيلسون مانديلا والقس ديزموند توتو والمفكر وعالم اللغويات نعوم تشومسكي إلى الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز والممثلة فانيسا ريدجريف والنائب البريطاني جورج غالاوي وعمدة لندن اليساري كين ليفنجستون. بل إن النضال العربي والفلسطيني في مواجهة العدوان والاحتلال الإسرائيلي ألهم ثوريين من عوالم مختلفة فساهم فيه بشكل عملي أعضاء الألوية الحمراء الإيطالية وبادرماينهوف الألمانية والجيش الأحمر الياباني ومناضلون آخرون من مناطق مختلفة. ومع اختلاف الأفكار والأيدلوجيات ووسائل التحرك والتضامن إلا أن الموقف المشترك لهؤلاء أنهم ضد الظلم والهيمنة والاحتلال ومع حقوق الشعوب في تقرير مصيرها وسيادتها الوطنية، وهو بالنسبة إليهم موقف مبدئي لا يقبل التجزئة. هذا جانب مهم سنعود إليه لاحقا. ثم هناك هذا التعميم المخل والاستسهال في تقديم الأحكام المجانية وإصدار الآراء والتعليقات دون دراية ودراسة كافية من نوع "العرب لم يقفوا مع شعب دارفور ولم يدينوا الانتهاكات والفظائع الإنسانية...وإن مواقف الحكومات والشعوب العربية كلها كانت مع الحكومة السودانية...الخ" وهو قول مصمت لا يمكن الحوار مع قائله، لكن ينبغي محاورته لأن المستهدف هو جمهور عريض من المشاهدين والقراء الذين قد تصلهم هذه المعلومة الخاطئة. وهو نفس نوع التعميم الذي يمارسه بعض الحكام والكتاب العرب من أرباب نظرية المؤامرة حينما يتحدثون عن الغرب وكأنه كتلة واحدة صماء تتخذ مواقف واحدة من منطلقات تآمرية واحدة ضد المنطقة وضد الوجود العربي والإسلامي تتخذ الحكومات العربية (والإفريقية والعالمثالثية) دائما مواقف سياسية متحفظة تميل لعدم إغضاب الحكومات الأخرى، وينطبق هذا على الحكومة السودانية التي لا ترضينا مواقفها ولا نتحمل مسئوليتها، ولا أرى سببا يحمل المواطن المصري مثلا، مسؤولية مواقف الحكومة المصرية، أو السوري أو الأردني أو اليوغندي أو الأنجولي..الخ مسؤولية مواقف حكوماتهم ونحن نعرف كيف تتخذ هذه الحكومات القرار. والعرب ليسوا كتلة واحدة، إنهم حكام وشعوب، ملوك وسلاطين وجماهير، حاكمون ومحكومون، أحزاب ومنظمات وجمعيات، يسار ويمين ووسط، مسلمون ومسيحيون، إسلاميون وعلمانيون ومتأسلمون، إثنيات وعرقيات متعددة، مناخات جغرافية ونفسية بحر متوسطية ونيلية وخليجية. أما القطاعات الشعبية فتتوزعها انتماءات ايدلوجية وفكرية ومذهبية وسياسية متنوعة، وتجمعها وتفرقها مصالح مختلفة ومتشعبة، فتنقسم على أحزاب ومنظمات وجمعيات وتيارات لا حصر لها. لا يمكن لهذا التكوين أن يتخذ موقفا سياسيا واحدا موحدا، لا حول دارفور ولا العراق ولا حتى فلسطين، ليس هذا من طبيعة البشر أي بشر. الفلسطينيون أنفسهم مختلفون بين فتح وحماس وبين أفضل السبل لحل مشكلتهم، واللبنانيون منقسمون بين الشيخ حسن نصر الله والعماد عون وفتحي يكن من ناحية، والحريري والسنيورة وجعجع وجنبلاط من ناحية أخرى، وفي كل فريق سنة وشيعة ومارون ودروز، وفي العراق مذابح يومية وقتل بالمجان على الهوية والمذهب ولون العشيرة. والسودانيون مختلفون حول دارفور ونيفاشا وابوجا، والذين يتقاتلون في دارفور كلهم سودانيون، ومعظمهم من الإقليم نفسه، بل وبعضهم كانوا رفقاء سلاح، لم يتفقوا ووصل الخلاف بينهم الي مرحلة القتال، رغم هذا تريد السيدة تراجي ومن لف لفها أن يترك العرب خلافاتهم القومية والداخلية ويتفقوا على موقف واحد هو الموقف الذي تراه صحيحا في أزمة دارفور، وإلا فإنها تهدد بإقامة جمعية صداقة سودانية إسرائيلية من مقرها في كندا وبجوازها الكندي..! وابشري يا إسرائيل بهذه الصداقة. ثم دعونا نعود لمواقف منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان وأجهزة الإعلام العربية التي تم إجمالها في خانة (التأييد والدعم لموقف الحكومة السودانية وتجاهل المعاناة والانتهاكات التي يعيشها أهل دارفور) كما ذكرت السيدة المحترمة، وكما كتب ناشطون آخرون ينسبون نفسهم لحركات دارفور، وصل الحد بأحدهم للكتابة أيام الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان شامتا على المقاومة ومؤازرا لإسرائيل مطالبا لها بإبادة العرب. وبغض النظر عن مبرراتهم ومدى اتساقها مع الخط السياسي والمواقف المبدئية لمن يصف نفسه كمناضل ضد الظلم والقمع، فإن هذا التوصيف لمواقف المجتمع المدني العربي كاذب ومضلل بل ومغرض للتستر وراءه للدعوة (التراجية الاسرائيلية). ولأني لا أملك حصرا كاملا بمواقف المنظمات العربية اكتفي بجزء كنت شاهدا عليه ومشاركا فيه خلال ستة أشهر فقط. في فبراير الماضي عقد بالعاصمة المغربية الرباط المنتدى المدني العربي الثاني الموازي للقمة العربية الذي ينظمه مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، كان من المفترض بالطبع عقده بالخرطوم التي تستضيف القمة العربية، لكن فعلت حكومة الخرطوم ما فعلته الحكومات التي سبقتها ومنعت عقده هنا، فاستضافته المنظمة المغربية لحقوق الإنسان. عقد المنتدى جلساته لثلاثة أيام وبمشاركة من حوالي 50 منظمة مجتمع مدني من 15 دولة عربية بالإضافة لعدد من البرلمانيين والصحفيين والأكاديميين. وقد خصص المنتدى جلسة خاصة عن الأوضاع في دارفور رأسها حافظ أبو سعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان تحدث فيها كمال الجزولي المحامي، صالح محمود المحامي والناشط الحقوقي وعضو البرلمان، دكتور مضوي إبراهيم مدير منظمة سودو، مجدي النعيم المدير التنفيذي السابق لمركز القاهرة،إلى جانب ممثلين لتحالف المنظمات الإفريقية من أجل دارفور وهما ديسماس نكوندو والسيدة ديادرا كلانسي. قدم المتحدثون صورة حقيقية للأوضاع اللاإنسانية في دارفور، وخلفية عن الأزمة ومسبباتها وعرضا للسيناريوهات المحتملة. وتظهر حصيلة النقاش في البيان الختامي للمنتدى (إعلان الخرطوم) الذي خصص جزءا خاصا عن دارفور في خمس نقاط يمكن الرجوع إليها في موقع مركز القاهرة www.cihrs.org . ولم يكن هذا نهاية المطاف، لكنه جزء من نشاط برنامج دارفور الذي أقامه مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان وعين الناشط السوداني أمير عثمان مسؤولا عنه، وبالمناسبة فإن مركز القاهرة عضو مؤسس لتحالف المنظمات الإفريقية من أجل دارفور. ونتيجة للمداولات التي دارت في المؤتمر وللحماس الذي أبداه ممثلو المنظمات العربية فقد نظم مركز القاهرة منشطين آخرين عن دارفور. كان الأول هو سمنار عن "الكارثة الإنسانية في دارفور في الإعلام العربي" هدف لزيادة حجم الاهتمام بدارفور في الإعلام العربي وربط الإعلاميين بمصادر المعلومات. كانت الفكرة تنظيم زيارة للإعلاميين العرب لمواقع الأحداث ومعسكرات النازحين واللاجئين وإعطائهم الفرصة لتكوين صورة واقعية وموضوعية عن الأحداث، لكن تمنعت الحكومة السودانية في منح الإذن بالزيارة فتم تحويل الفكرة لسمنار في بيروت في مارس الماضي شارك فيه إعلاميون وصحفيون عرب من مصر ولبنان وسوريا والجزائر والمغرب وتونس والإمارات والبحرين وفلسطين واستضافته المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان وجمعية الدفاع عن الحقوق والحريات. تناولت الأوراق جانب تحليلي عن الأزمة وخلفياتها وقراءات ناقدة لتغطية الإعلام الغربي والعربي ولتقارير وفود المنظمات العربية إلى دارفور قدمها الدكتور مرتضى الغالي وأميرة عبد الرحمن ومجدي النعيم وعبد المنعم الجاك وشخصي، وقدم كمال الجزولي ورقة عن المحكمة الجنائية الدولية. كما قدم أربعة من العاملين السودانيين بمنظمات الإغاثة وتأهيل ضحايا التعذيب شهادات حية من الميدان وهم أحلام مهدي، مساعد محمد علي وهاشم محمد زكريا من نيالا، وخليل تكراس من مكتب منظمة سودو بالفاشر. ومن المنظمات الدولية تحدث مازن شقورة من بعثة الأمم المتحدة بدارفور وفادي القاضي من أمنستي انترناشيونال. وقد ظهرت تغطية هذا السمنار في أجهزة الإعلام في كل هذه الدول. وقد بادر الوفد السوداني القادم معظمه من دارفور، وبالتنسيق مع المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان بتنظيم زيارة لمخيمي صبرا وشاتيلا وزار مقبرة شهداء المجزرة ووضع باقة من الزهور كتب عليها " من صبرا وشاتيلا إلى دارفور تبقى دماء الضحايا واحدة تطارد قاتلها". وكان المنشط الثاني ورشة عمل مشتركة بين المنظمات العربية والإفريقية بعنوان " نحو تكامل أدوار المجتمع المدني العربي والإفريقي من أجل تحقيق السلام والعدالة في دارفور" عقدت في مدينة الدار البيضاء المغربية في يونيو الماضي. وقد شارك فيه أيضا عدد كبير من المنظمات العربية والإفريقية. وناقش المنتدى أوراق عن الأوضاع الإنسانية في دارفور ورؤية تحليلية لاتفاق أبوجا ومآلات السلام والمحكمة الجنائية الدولية، واستمع لوجهة نظر المنظمات الإقليمية والدولية...الخ ونقلت بعض جلساته على "الجزيرة مباشر". وانتهى بمواقف مشتركة للمنظمات العربية والإفريقية وباتفاق على تنسيق الجهود وإقامة مناشط مشتركة. ليس هذا حصرا للجهود التي تتم من داخل السودان وخارجه وبمشاركة وجهود ناشطين سودانيين وعرب وأفارقة، وإنما هو محاولة شخصية من الذاكرة لتسجيل أنشطة تتقاطع تماما مع المعلومات التي قدمتها السيدة تراجي مصطفى وبعض الكتاب في مواقع الانترنت السودانية. وقد اتيح لي مع بعض الأصدقاء والناشطين السودانيين أن نكون جزءا من أنشطة مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان الذي يلعب دورا محوريا هاما حول قضايا حقوق الإنسان في السودان عامة وفي دارفور على وجه الخصوص. وبالتأكيد فإن هذه الأنشطة لم تتجه لتبني وجهة نظر حركات المعارضة المسلحة في دارفور مثلما لا تتبني وجهة نظر الحكومة السودانية، إنما اهتمت بالأوضاع الإنسانية الكارثية وانتهاكات حقوق الإنسان وضرورة وضع حد لها ومحاكمة مرتكبيها، وتشجيع جهود تحقيق السلام والعدالة. وربما يملك آخرون معلومات إضافية عن مناشط ومواقف أخرى. كل هذا لا يمنع السيدة تراجي ومن يتفق معها أن يقيموا علاقات مع من يشاءوا، وهم يملكون الحق في مصادقة إسرائيل والشيطان نفسه، لكنهم لا يملكون الحق في أن يفعلوا ذلك باسم دارفور. لم يفوضهم أحد من أهل دارفور ولا أحزابها ولا منظماتها ولا نازحيها ولاجئيها ولم يتشاوروا معهم في ذلك ولا تلمسوا نبضهم ومشاعرهم. وهي رسالة لبعض الناشطين في الخارج الذين لا يريدون تحمل نتائج قراراتهم ومواقفهم فيلصقونها بأهل دارفور أو الشعب السوداني الذي قالت السيدة تراجي أنه لم يتوقف دقيقة عن الاتصال بها في تليفونها في كندا مؤيدا لها ومبديا رغبته في الانضمام للجمعية..! وفي هذا تسول بنضال أهل دارفور وإساءة واستغلال بشع لتضحياتهم ومعاناتهم ودمائهم، ومتاجرة فاجرة بقضيتهم. أهل دارفور "الفيهم مكفيهم"..فارقصوا سادتي أي رقصة تريدونها ..فقط بعيدا عن جماجم الضحايا. |
|
|
|
|
|
|
|
|
|