دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
ما بين طه الضرير وطه ود حسين ... فرق الواقع والتاريخ
|
كتب شاعرنا الكبير إبراهيم العبادي مسرحيته الشعرية العظيمة "المك نمر"...في وقت ما من تاريخنا المعاصر من القرن الماضي.. وقد تعارف الناس على اسمها الشعبي وهو "طه وريا" خصما على حساب أسمها الرسمي أي (المك نمر).. ولعل السبب في ذلك هو شغف الناس وولعهم بالثنائيات من قبيل عنترة وعبلة ... وقيس وليلى ...وجميل وبثينة وروميو وجوليت .. ومرورا وليس إنتهاءً بريا وسكينة..!!
ومسرحية المك نمر من المسرحيات العظيمة والشهيرة التي يتذكرها ، بل ويحفظها معظم السودانيين عن ظهر قلب كواحدة من قطع التراث الخالدة ومن اروع ما كتب على هذا المنوال. ومن حيث أنها أرخت لأحداث تاريخية ومناطق وشخصيات لعبت دورا بارزا في تاريخ السودان الحديث وسلطت الضوء على نماذج محببة من مظاهر البطولة والكرم و(الإجارة) والنبل والوفاء وغير ذلك من القيم السودانية النبيلة..وأبرز هذه الشخصيات هو المك نمر ملك الجعليين واحد أبطال المسرحية.. وقد أبدع العبادي في تصوير الشخصيات والأحداث في قالب شعري ونظمي رصين أعتمد في معظمه على نمط "الدوبيت" على الرغم من خروجه عن هذا القالب في بعض المقاطع او المشاهد في المسرحية...وبطل المسرحية الرئيسي هو الفارس طه ود حسين والبطلة هي ابنة عمه ريا...
ودون الخوض في أحداث المسرحية ومشاهدها المعلومة للجميع ، وددت ان ألقي بعض الضوء على الحقائق أو الشخصيات التي دار حولها الكثير من الخلط غير المتعمد..وذلك لفائدة القارئ أولا ولأغراض التوثيق ثانيا ...والفضل في ذلك يعود لصديقي الاستاذ والباحث/ الشفيع الجزولي وصديقي الاستاذ/ راضي خليل اللذان اوحيا لهي بهذه الفكرة ونبهاني لوجود هذا الخلط.
وأول هذه الحقائق التي وددت إثباتها هو أن هذه المسرحية الرائعة محض خيال من مؤلفها الكبير ...والشخصيات التي صورتها في معظمها من نسج خيال الشاعر وليست حقيقية .. ولعل الشخصية الحقيقية الوحيدة في كل المسرحية هي شخصية المك نمر.. أما عدا ذلك فلا الأحداث ولا الشخصيات ولا الوقائع تمت للواقع بصلة.. وعلى هذه الخلفية نستطيع أن نقول ان طه ود حسين وبنت عمه ريا وفرع الصهيباب في قبيلة البطاحين وودكين شيخ عرب الشكرية كلها شخصيات غير حقيقية وغير موجودة على أرض الواقع...
وقبيلة البطاحين التي ينتمى لها بعض أبطال القصة قبيلة متواصلة نسبيا بحكم وجودها في منطقة متصلة جغرافياً لا يفصلها جبل ولا نهر ، بالمقارنة مع قبائل السودان الأخرى المنتشرة في كل انحاء السودان. ولعل هذا ما يفسر معرفة أفرادها ببعضهم البعض ، إن لم يكن على المستوى الشخصي فعلى مستوى الفروع والأفخاذ وخشوم البيوت نزولا إلى المعرفة الشخصية...وأستطيع ان أؤكد أنه لم يحدثني أحد ولم أقابل بنفسي شخصا ينتمي بصلة رحم للبطل طه ود حسين أو إبنة عمه ريا ..يعني ما في زول قال لي أنو طه ود حسين جده او ريا حبوبته.. كما لا اعلم من بين فروعها المعلومة فرعا بأسم (الصهيباب) ...كذلك لا اعتقد أن شخصية ود دكين شخصية حقيقية ..(وأرجو ان يصححني أحد من أهلنا الشكرية إن كنت مخطئ) إذ انني لم أسمع بأحد من بين اهلنا السناب وهم شيوخ عرب الشكرية من يحمل إسم (دكين) وإن وجد الإسم فهو ليس شائعا بينهم ...وبسؤالي لكبارنا لم اجد منهم من يدلني على وجود هذه الشخصيات أصلا ..بل يكادوا كلهم يجمعون على انهم لم يسمعوا بهم إلا من خلال مسرحية المك نمر.
والغريب أنني لم أعثر على قصة خلفية شبيهة من الواقع أو أسطورة من الأساطير الشعبية نستطيع ان نقول أن العبادي استخدمها لينسج حولها هذه المسرحية الرائعة...عدا المعلومات المتوفرة للعامة عن العلاقة بين قبائل البطاحين والشكرية والجعليين الذين تجمع بينهم المنطقة الجغرافية التي أصبحت مسرحا مناسبا لأحداث المسرحية ...بالإضافة طبعا لوجود بعض الاحتكاكات بين هذه القبائل بحكم التنافس على الأراضي والمراعي والزعامة مما يمكن ان يكون قد مثل عاملا آخر في البناء المسرحي للمسرحية.. وما ذكر أعلاه ليس قدحا في المسرحية ولا يقلل من شان كاتبها..
والخلط الاخر الموجود لدى البعض يتمثل في أخذ شخصية طه الضرير وهي شخصية معاصره (توفى في سنة 1982) باعتباره (طه ود حسين) بطل المسرحية وربما ان هذا ، بالاضافة لوجود شخصية المك نمر في المسرحية ، هو ما عزز لدى البعض الظن بأن القصة واقعية وحقيقية باعتبار ان الاثنين شخصيات حقيقة وحيه.. لكن هذا الظن سرعان ما يتلاشى بحسبة التاريخ والزمن ...فطه الضرير المتوفى في 1982 لا يمكن ان يكون قد عاصر المك نمر الذي حرق الخديوي صباح ذات يوم من أيام 1821...فالتشابه بين الاثنين ان كلاهما بطل بطريقته الخاصة ...والفرق بينهما أن الأول بطل خيالي والثاني بطل حقيقي ذو شحم ولحم غيض لكاتب هذا البوست ملاقاته ومعايشته ردحا من الزمن قبل رحيله للدار الآخرة ...
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ما بين طه الضرير وطه ود حسين ... فرق الواقع والتاريخ (Re: أحمد طه)
|
مقال جميل وتحليل اجمل...
طبعا الرواية ما عجبت اهلنا الشكرية فقد سمعت فى شبه القارة الهندية..رواية ممثالة لكن فيها ان دكين شيخ العرب قد قتل طه واخذ منه ريا...ولكن مما يدعم ان بعض ابطال الرواية حقيقين..مثلا شمة زوجة المك نمر كانت حقيقة ..لانها هى ام لعمارة وخالد ابناء المك نمر..وهى ايضا..بنت شيخ عرب البطاحين... عموما فى انتظار...قيسان وشنتير...وبنت الحسن طلحة...والشكرية كمان شكرا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ما بين طه الضرير وطه ود حسين ... فرق الواقع والتاريخ (Re: abuguta)
|
Quote: مثلا شمة زوجة المك نمر كانت حقيقة ..لانها هى ام لعمارة وخالد ابناء المك نمر..وهى ايضا..بنت شيخ عرب البطاحين... |
لا استطيع أن أؤكد ذلك لكن حسب المسرحية أعتقد أن زوجة المك نمر كانت شكرية...وعلى العموم دعنا ننتظر رأي أهل العلم
ومعك ننتظر قيسان وشنتير...وسميةالحسن طلحة...وغيرهم للمشاركة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ما بين طه الضرير وطه ود حسين ... فرق الواقع والتاريخ (Re: Ahmed Yousif Abu Harira)
|
الأخ ابو حريرة لك التحية
كتبت زميلتنا الدكتورة نجاة الأمين (بيان) قبل فترة في هذا المنبر عن المسرحيات المستوحاة من التراث، بالتركيز على مسرحيات خالد ابو الروس خراب سوبا وتاجوج.. ولكني ظللت أبحث عن تفسير (مشابه لما أوردته أنت) لارتباط مسرحية المك نمر بالذات بقصة حقيقية (وإن كانت مختلفة).. وقد أثرت أنت أسئلة هنا، وقدمت بعض الإضاءات.. ولكننا ننتظر المزيد.. مع خلفية مهمة، وهي أن (المك نمر) ليست الرواية الوحيدة التي يتداولها الناس على مختلف المستويات.. فهناك رواية (موسى ود جلي) وهي رواية شعرية أيضا.. وقد استمعت إليها أول مرة وأنا صغير من جدتي بنت المنى بت احمد رحمها الله.. وأظننها كانت تحفظ أيضا رواية (طه وريا).. -لست متأكدا- ولكن إن كان ذلك صحيح.. فلابد أن هناك جذور للرواية استقى منها العبادي مسرحيته الشعرية..
أود أن أشير إلى أن (الرواية) الشعبية، ليست بالضرورة قصة حقيقية (حاصلة). فالرواة يبدعون في إضفاء (حبكة) على قصة بسيطة جدا لترويجها.. ويمكنني أن استدل بقصة (تاجوج وود محلق) وقصة (موسى ود جلي)، وحتى (بامسيكا).
هناك إشارة مهمة أيضا -في نظري- وهي أن إثارتك للملاحظة الهامة عن (العلاقة الطيبة) بين البطاحين والشكرية.. توحي بالتأثر بالجو السائد حاليا.. والذي تناولته (أنت) في مقال آخر لك في هذا المنبر (الجهوية والقبلية وما إلى ذلك).. وارتفاع نسبة الحساسية.. في وقتنا الحالي إلى مستوى لم يكن معروفا في السابق.
فهذه الروايات الشعبية ظل الناس يتداولونها باعتبارها (روايات) فقط لا غير ولا يربطونها بالواقع.. بل يتندرون بما يرد فيها مما يمكن أن ننظر إليه نحن (الآن) بشيء من الحساسية. ومع ذلك فقد انتبه المؤلفون إلى نقطة الحساسية هذه فابدعوا في اختراع أسماء غير موجودة لفروع القبائل وللأماكن.. (في الغالب كانت الأماكن التي تدور فيها هذه الأحداث غير محددة).. وقد أشرت أنت إلى (الصهيباب).. "يا طه الضرس يا الفي الصهيباب راس".. باعتباره اسما اخترعه المؤلف.
أخيرا أود الإشارة إلى أن المؤرخين يؤكدون أن زوجة المك نمر كانت من الشكرية.. بل يشيرون إلى أن (نمر) نفسه كان له صلة بالشكرية (من ناحية أمه على ما أظن).. كما أود الإشارة إلى أن قبيلة البطاحين هي من أكثر القبائل ارتباطا بالجعليين من حيث النسب والاشتراك في الأراضي - الرعي والزراعة- إضافةإلى روابط أخرى.. وكذلك الشكرية..
لك التقدير
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ما بين طه الضرير وطه ود حسين ... فرق الواقع والتاريخ (Re: عبد الله عقيد)
|
تعرف يا ودعقيد ...أولا لك الشكر على هذه المشاركة الغنية. ومثل هذه المشاركات الثرية هو بالضبط ما استهدفته من هذا البوست...يا سيدي في هذا السودان تاريخ وتراث متنوع يحتاج إلى بعض التنقيب لإبرازه للناس ...وقصة موسى ودجلي التي أشرت إليها لا تقل أهمية عن مسرحية المك نمر ...واذكر كذلك أنني قرأت هذه القصة في كتيب صغير لا زلت أذكر شكله ..كان شديد الشبه بالمجلة التي كانت تورد أغاني الفنانين في ذات وقت طيب من تاريخ هذا البلد ..كانت المجلة المشار إليها تورد أغاني كل فنان على حده لكنني لا أذكر أسمها أيضا للأسف . هذا الكتاب قرأته وانا صغير ..يمكن في أوائل المرحلة الإبتدائية في منتصف السبعينيات ..كان والدي عليه رحمة الله شديد الاهتمام بهذا النوع من الأدب..ولا زلت أذكر شخصوصها مثل يوسف سنينات وأمنة بت جلي وجكلاب..والظريف في الأمر أن الحرب التي قامت بين الشكرية (يوسف سنينات) وقبيلة موسى ودجلي اي بني جرار (وهم بطن من بطون الشكريةعلى ما سمعت) هذه الحرب كانت بسبب ناقة أيضا .. مثلها مثل حرب البسوس من حيث السبب ..لكنني لا أذكر مؤلف قصة بني جرار وكذلك الحال مع قصة بامسيكا...أرجو الإفادة إن كنت تذكر المؤلف..
صحيح طبعا ممكن لحكوة صغيرة أن تلهم شاعر او مؤلف بقامة إبراهيم العبادي ليحبك حولها مسرحية على غرار مسرحية المك نمر..لكنني لم أجد في الأثر القريب ما يشير إلى هذه (الحكوة) وحتى لو كانت هذه القصة موجودة بالفعل فقد عمد العبادي لمحو أي أثر لها بحيث تصبح المسرحية كانها نسيج جديد.. والدليل على ذلك انه استخدم أسماء فقط ولم يشر إلى بقعة جغرافية بعينها على الأقل فيما يخص طه وريا..وباستخدام اسم الصهيباب محى كذلك اي أثر يمكن تتبعه للاستدلال على هوية هؤلاء الأبطال..وفي رأي أن الرواية الشعبية (الفولكلور) هي التي لا يستدل على كاتبها..لكن زي مسرحية طه وريا هي عمل مسرحي له كاتب ومؤلف معروف ولربما تقع قصة (تاجوج وود محلق) وقصة (موسى ود جلي)(بامسيكا) ضمن هذا التعريف..
اتفق معك طبعا من حيث أن العلاقة جد مميزة بين البطاحين (ويقال أن لهم علاقة قربى بالجعلين) والشكرية والجعليين ...وهي علاقة دم ورحم وتاريخ وجغرافيا ومصير مشترك ولا ينبغي لهاإلا أن تكون كذلك..
أنا في الحقيقة لا أؤيد القبلية والاستقطاب القبلي عندما يصبحان معولا لهدم ما هو قومي ووطني ...وفي رأي أن الشعب الذي يعود القهقرى لهذه المكونات الأولية يكون قد انتكس عن جادة الانصهار القومي وبناء الأمه لكنني لا أنكر ان للقبيلة دور إيجابي إذا ما أحسنت إدارتها..
ولك المود والتقدير
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ما بين طه الضرير وطه ود حسين ... فرق الواقع والتاريخ (Re: Ahmed Yousif Abu Harira)
|
سلام شيخ العرب المجلة التي تشير إليها أظنها (زهرة الأغاني)..!!
نعم.. تختلف مسرحية المك نمر عن غيرها من الروايات التي ذكرنا بأن لها كاتب معروف. ولكني ربط بينها وبين الروايات الشعبية الأخرى غير معروفة المؤلف، للاستفسار إن كان للرواية أصل شعبي (شذّبه) الشاعر العبادي.. وقد أجبت أنت على هذا الاستفسار.. ما أود الإشارة إليه -خارج السياق- هو أن العبادي رحمه الله لم يكتف بالإبداع في نظم المسرحية شعرا وفي حبكتها، بل أبدع أيضا في إضفاء إطار درامي بديع على المسرحية، مما يقود إلى تساؤل -أرجو أن يجيب عليه المسرحيون- وهو أين وكيف تعلم العبادي (إتقان صنعة المسرح) هذه..؟ بحيث يخرج النص.. متكاملا من الناحية الدرامية.. بل في غاية الإبداع.. ففي تلك الفترة لم يكن هناك (مسرح) في السودان بالمستوى الذي أتى فيما بعد..؟! مشهد (المدخل الدرامي) في مطلع المسرحية.. حيث تبدأ بـ (حلم/رؤية منامية) لا تلبث أن تتحقق على أرض الواقع.. هو أحد الأدلة.
أعود لمسألة (الأصل الشعبي للرواية).. لأشير إلى أن الروايات هذه في العادة ترتبط بأشخاص حقيقيين، بل لهم مكانة في قومهم.. فموسى ود جلي شخصية حقيقية. وقد مثلنا في المرحلة الابتدائية مسرحية شعرية (لا أعرف مؤلفها أيضا) بطلها الطيب ود ضحوية.. وتتناول أحداث مشكلة بينه وبين الخواوير.. الذين قتلوا أخاه. والرواية حقيقية، ولكن من الذي صاغها شعرا؟ لا أدري. بهذا أعضد فكرتك الأولى التي تشير فيها ألى أن الشخص الحقيقي الوحيد الذي ترتكز عليه رواية العبادي هو (المك نمر)، وبهذا تتشابه الرواية مع موسى ود جلي والطيب ود ضحوية.. حيث تكون هناك شخصية أساسية معروفة للناس، يحيطها الراوي بأشخاص وأحداث وأماكن متخيلة..
لك وافر التقدير
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ما بين طه الضرير وطه ود حسين ... فرق الواقع والتاريخ (Re: Ahmed Yousif Abu Harira)
|
فى البدء الشكر للبدر الأمير لإتاحة هذه المساحه
الصديق الجميل أبو حريرة ما ظننت أن ذلك النقاش المختصر سينتج هذه الإضاءة الرائعه ، وكما قال أحد الأخوة المتداخلين يكون جميل إذا نشرت فى السودانى أو غيرها ، صدقنى أن الخلط الذى قصدته حاصل لكثيرين. هذه إضاءات لا شأن لهابقبلية أو عنصرية. و كما قلت لك أن إنكباب أغلب الناس على السياسة و فقط السياسة، كرّس الجهل بالتاريخ و الجغرافيا و غيرهماكثير. لك التحية و التقدير و شكرا على التنوير.
الشفيع الجزولى
| |
|
|
|
|
|
|
|