دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
قالوا وادي الهـــــوّاد شِــــرِب .. شـراباً غرّق معالِيهو ..
|
"قالوا الهـــــوّاد شِــــرِب .. شـراباً غرّق معالِيهو .."
* وصلتني هذه العبارة عبر رسالة موبايل ..قبل فترة..رغم قصرها وعدم تشكيلها..الا انني إستقبلتها وفهمتها ..كما منحتني اليوم فرصة للكتابة .. ------ وادي الهـــوّاد ..من أكبر الوديان التي تشق سهل البطانة .. فهو يأتي منحدراً من اقاصي جنوب شرق السهل ..ويصب في النيل تحديداً عند محطة كبوشية ..شمال شندي ..ومعروف عند المصب بإسم وادي العوْليب ..ولحظة إلتقائه بالنيل ونسبة لقوة إندفاعه فإنه يؤثر حتى في الضفة الاخرى .. وقليلاً ما تصمد معه سكك حديد السودان رغم "حديد الإنقليز ونصاحتو".. وادي الهوّاد يلتقي عنده معظم القاطنين سهل البُطانة واطرافها..وهو وادي عُُرف بخصوبة تربته..وينعكس ذلك في إنتاجه المطري من عيش الذرة ..رغم ان الطريقة التي تتبع في زراعته تقليدية جدا..حيث تستخدم "السلوكة" في عملية الزراعة و"المَلود" في عملية النظافة و"المُنجل" في عملية الحصاد..كما يمثل حصاده مرتعاً خصباً للذين يهتمون بتربية البهائم بانواعها..وهو ليس الوادي الوحيد في سهل البطانة وإنما هناك وديان اخرى مثل "الباساي" و"القيقي" والرويان "الذي يصب في النيل عند محطة الرويان شمال الجيلي" بالإضافة الى وادي المكابراب ومنطقة الحُفرة وغيرها من السهول الصغيرة والوديان داخل البطانة.. قالوا الهــوّاد شربان .. للهـّواد ..عند اهلي في منطقة المحمية ..رغم إستقرارهم على شاطيء النيل ..معزة خاصة كما للآخرين من حولهم..وللآخرين من حول الوادي نفسه..غير انه ومنذ فترة طويلة اصبح القاطنين على شاطيء النيل اقل إهتماماً من الذين يسكنون سهل البطانة بزراعة ذلك الوادي .. وهذا يعود لإنشغالهم بالزراعة المروية على شريط النيل ..وكذلك مع تغيّر الزمن وهجرة وإتجاه الكثيرين منهم الى المدن.. "الهواد جا" أو "الهواد قالوا شِرب" .. هذه المقولة تعني لهم الكثير..وعادة ما كان ياتي خبر شراب الوادي عبر الإشارة لمدينة شندي وكبوشية والمحمية والعالياب وبقية مناطق الجعليين الذين لهم علاقة بهذا الوادي ..والإشارة كانت في الماضي تاتي عبر "زول راكب فوق جمل" وهو مُرسال رسمي من عُمد ومشايخ منطقة البطانة ..الذين يمر من عندهم الوادي ..
"الهواد قالو شِرِب".. يعني أن تزرع أرضك - كما الحال في الزراعة المطرية- بماء رباني إندلق على بطن الوادي ..وما عليك عند سماع الخبر وتأكيده إلا أن تبدأ تستعد للزراعة..وتشوف وين "ســلوُقتك" و "مـلودك" وباقي العِدة من عنقريباً خفيف ..وغطاء وما شابه ..و"الراحَلة" الماهلة ..وسيلة التنقُل ..إن كان جملاً أو ناقة فأنت الأكثر جاهزية من الذي يملك حماراً ..وعليك ان تعِّد زادك الخاص ..من دقيق وويكة ناشفة وغيرها..كما عليك بتجهيز "قِربة" الماء.. وإن لم تتمكن فعليك "بالجركانات"..وكل ما سمحت به ظروف مباصرة الحياة .. "الهــواد قالوا شِرِب".. ويصحبك امل بالحصاد الوفير "وان ربنا سهّل ..ربحان أجُر..الزراعة يا زول في اجُر أكتر منها؟؟ بس ربك يكفّي شر الآفات .." نعم في الزراعة أجر .. وفي الزراعة امر ..وفي الزراعة فطور وعشا ..للزارع ولأهله ولجيرانه "إن ربنا كفّاك شر "تِلتْ الزبير" ..
"الهـوّاد قالو شربااااان": ذاكرة حُبلى بكثير من التفاصيل الخاصة .. ألف رحمة تغشى عمي فضل المولى ود سليمان ..عندما جاء خبر أن وادي الهواد شِـرب في بداية التسعينيات.. فقال في إشارة مبطنة منه لمنعي من السفر للقِراية :"الهواد نامن يجي القِراية والسفر طايرات..دا الهواد رُكّازتنا مهديّة من الله ..واللهِ كان ضُوقتو حِمِيسِيهو ..تجوهو من السفر راجعين ..ها ناس ها قِراية شنو المعا شراب الهوّاد؟؟؟"..
نعم حِميسي الهوّاد معروف ..والحِميسي هو احد انواع الذرة أصفر يميل للحُمرة ..غليد الحبة .. ومعروف أن عجينه يعطي "كِسرة أكثر بياضاً".. بينما "الفيتريتة" الحبة البيضاء يمنح عجينها كِسرة أكثر حُمرة.. فوادي الهوّاد وبطبيعة زراعته المطرية ينتج كثير من انواع الذرة..
"الهوّاد شربان".. إذن هذا العام قالوا الهوّاد شربان ..شراباً مِغرِق حتى المعالي ..اي أن ماءه قد غطى حتى الاماكن العليا في داخله ..وانه قد سال ماءه أكثر من مرة ..مما يعني ان تربته قد اصبحت اكثر خصوبة ..وحسب تقارير العارفين بالامر أن وادي الهواد عندما يسيل ماءه اكثر من مرة ..فإن ذلك يأخِر الزراعة قليلاً ..حتى تصل درجة جفافه الى درجة معينة..وفي ذلك التأخير إقتراب فصل الشتاء ..وعندما يهب الشتاء على زرع مطري ..فهي بشرى بحصاد وفير .. الهـــــوّاد .. جدير بي أن اذكر ان مراحل نمو نبتة الذُرة .. بمسمياتها الخاصة عند مزارعي وادي الهواد -ارجو ان أكون قد تذكرتها صحيحاً- تبدأ من رمي "التيراب" بعد وخز"السلوكة" في الارض ورمي التيراب لا يتعدى اربعة الى خمس حبات كمتوسط ثم دفنه دفناً خفيفاً باصابع الرِجِل..وتبعد كل حفرة من الأخرى مقدار أكثر من متر تقريباً..وكلما تباعدت الحُفرة من الاخرى كلما كان نموها اكثر إرتواءاً ..ثم يخرج الزرع من الحُفرة فيسمونه " أضان فار" ثم ينمو قليلاً فهو "صقّار" وهنا يلزم الإجتهاد في نظافته من الحشائش ..ثم ينمو ليصل "مِتيق" اي تبدا اوراقه في الإخضرار والزيادة ..ثم مرحلة "الشَلِيخ" وهي إزالة النبتات الزائدة .. ثم بداية ولادة القندول ثم "شَرايَة" لتهيئة ولادة الحبة داخل القندول ثم "لبَنَة" وهي بداية ولادة الحبة ثم "فريك" حيث تكون الحبة لا زالت ممسكة بغطاها الصغير "البُتابة" (وفي الفريك بلِيلة ذات طعم خاص).. ثم يصبح "قاوة" اي انه اصبح قوياً ناضجاً وهنا تبدأ الأوراق في الذبول والنشاف ويُترك حتى تصل اوراقه مرحلة "الكاويق"..وبذلك يكون جاهزاً للحصاد .. والمراحل الثلاث الأخيرة تعرف بمرحلة "الحرِس او الحِراسة اي حِراسته من الطير" ..وكل هذه المراحل تتم في فترة ثلاثة الى أربعة أشهر من زراعته ..وعملية الحصاد تتم عبر قطع القندول بالمنجل ..وجمع المحصود في مكان مهيا لذلك يسمونه بالتقاة..ثم تتم عملية "الدق" يدوياً عبر "المٌدقاق" (هذا قبل دخول ماكينة "الدقاقة")..فسابقاً كانت العملية يدوياً ..والمُدقاق عود في شكل حرف T الإنجليزي ..وهذه من أجمل مراحل عمليات الزراعة في وادي الهواد ..حيث يتم العمل أكثر جماعية عبر فكرة "النفير" كما أن عملية "الدق" تتم بإنتظام جميل يصحبه غناء خاص عرف بألحان تناسب العملية نفسها .. وبالطبع يتم فرز "العيش" من "البُتاب" بعملية "التضرية" بواسطة "المُضراية" وهي أداة تشبه اليد باصابعها ..
وادي الهـــوّاد .. عندما ياتي ذكر إسمه تقودني ذاكرتي الى كثير من التفاصيل.. اصاب الوهن أكثرها .. والى ذكريات ومشاهد يغمرني كثير من الحنين إليها .. .......... جانا اب زبد جاري من سبتُو لا دورو جانا اب سروب غرّق عاليهو وخورو ياهو الهوّاد اسقى الخــلا وعتمورو جِيد للزرع بدري ..وضاق غَرِف مطمورو..
مع خالص التحايا
|
|
|
|
|
|
|
| |