محمـود محمـد طـه .. وأنصــاف الحقـائــق

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-11-2024, 02:21 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-07-2005, 08:47 AM

اساسي
<aاساسي
تاريخ التسجيل: 07-20-2002
مجموع المشاركات: 16468

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محمـود محمـد طـه .. وأنصــاف الحقـائــق


    مفكرة سودانية - بريطانية

    محمـود محمـد طـه .. وأنصــاف الحقـائــق !

    بقلم : د. خالد المبارك



    النزعة الصوفية متأصلة في «جينات» كل السودانيين الشماليين . ولا عجب فقد دخل اهل بلاد السودان الاسلام - قبل واثناء وبعد المرحلة المسيحية - عبر بوابة الطرق الصوفية . لمثل هذا المدخل مزايا اهمها التسامح وازدراء الجاه السلطة الرسمية ، ومثالب ابرزها الرضوخ للشيوخ العليمين باسرار الطريقة . وقد ترك ذلك بصمات واضحة على اسلوب الاداء السياسي للقيادات الحزبية .

    نستحضر كيف ان المرحوم عبد الخالق محجوب قال في احدى خطبه الشهيرة : «كل شيخ ليهو طريقته» كان يتحدث مجازاً بالطبع ، الا ان المجاز يكتسب مفعوله من بذرة الحقيقة المقارنة . فقد عامل بعض اعضاء الحزب عبد الخالق بولاء صوفي اشبه بطاعة المريد لشيخه. أي انهم نقلوا ولاءهم من السيد علي الميرغني (على سبيل المثال) لزعيم الحزب الشيوعي . ومن الملاحظات الحصيفة للشاعر الراحل صلاح احمد ابراهيم ان عبد الخالق كان يوظف عينيه الكبيرتين النافذتين بدهاء للسيطرة على الآخرين عند مخاطبتهم. ولهذا الاسلوب نظائر عند شيوخ طرق لا يجرؤ اتباعهم على النظر الى عيونهم.

    نذكر في سياق مماثل مشاهد النحيب الجماعي للطالبات المحجبات عند هزيمة الشيخ الترابي في الانتخابات عام 1986م. وقد ذكر د. الترابي لمجلة المجلة (ديسمبر 1994م) انه يخشى ان تقام له «قبة» بعد وفاته . (وفي ذهنه بلا ريب الصوفي الملامتي حمد النحلاني الترابي ، احد اجداده). ثم أن تفضيل لقب «شيخ» على «دكتور» الذي قيل لنا انه جزء من العودة إلى التراث والابتعاد عن المعايير المستوردة لا يخلو من ايماءه تهدف إلى استثمار الايحاءات الصوفية الدفينة.

    بكلمات اخرى : لم يفعل دعاة التمرد على الاطر والعلاقات التقليدية التي تكبل الحزبين الكبيرين شيئاً سوى تغيير رداء برداء وولاء بولاء . ستكون الديمقراطية ارسخ قدماً واكثر نضجاً في الجولة القادمة عندما ندرك ان قادة الاحزاب بشر من لحم ودم يصيبون حينا ويجانبهم التوفيق حيناً آخر وانهم ليسوا امتداداً حديثاً لشيوخ الطرق الصوفية الذين يظلون في مواقعهم حتى الوفاة «حوا والدة» داخل كل الاحزاب . «وثمة سمك كثير في البحر» كما يقول المثل العامي الانجليزي الذي استشهد به السير اليك دوجلاس هيوم عندما سئل : «من سيقود وزارة الخارجية بكفاءة بعدك؟. »!

    ومن الامثلة الصارخة في هذا السياق ما استمعت اليه في شريط تسجيل (فيديو) لحفل تقديم مجلدات «الوثائق البريطانية عن السودان» التي حررها الاستاذ محمود صالح عثمان صالح راعي مركز عبد الكريم ميرغني . عبر احد المشاركين في الحفل الذي اقيم بقاعة الشارقة (جامعة الخرطوم) عن خيبة أمله لأن الوثائق لم تشمل ذكراً لنضال الاستاذ محمود محمد طه ضد الاستعمار ، رغم ان الادارة الحاكمة اضطرت الى إرسال فرقة عسكرية من الخرطوم لاخماد المقاومة التي قادها في منطقة رفاعة . ذكر المتحدث انه استاذ بجامعة ام درمان الاهلية واطرى على المرحوم محمود محمد طه وحزبه الجمهوري بلا تحفظ . القائد السياسي كشيخ طريقة مرة أخرى !.

    لا ينبغي تحول الرغبة في ذكر محاسن الاموات - ولا المناداة الموضوعية بحق الاستاذ محمود في الاجتهاد - دون نقده . كما ان الاعتراض على مقتله وحرق كتبه بطريقة دعائية مرتجلة لا ينبغي أن يتخذ ذريعة للنظر اليه بعين الرضا وحدها . فقد كان آدمياً ابن انثى وقائداً سياسياً اخطأ واصاب .

    اصاب حينما لم يوصد باب الاجتهاد وحينما وقف بجسارة في المقصلة النميرية.

    واصاب قبل ذلك حينما دعا العرب (ببعد نظر اسطوري وبصيرة سياسية فريدة). للاعتراف باسرائيل فتجاهلوه أو استهجنوا قوله . اضطروا لقبول رأيه بعد نصف قرن وعرضوا على اسرائيل الاعتراف وحسن الجوار (في الخطة السعودية التي باركتها سائر الدول العربية) فلم تقبل اسرائيل لانها صارت قوة نووية تقف على كتف الدولة العظمى الوحيدة ولا يرضى شارونها واقصى اليمين الاصولي - المتطرف الذي يؤيده بأقل من مصير الهنود الحمر للشعب الفلسطيني. ولعل دعوة الاستاذ محمود للاعتراف باسرائيل هي السبب المباشر في الرعاية الحميمة التي ينالها اتباعه في الغرب ، حيثما حلوا.

    لكن الاستاذ محمود محمد طه ارتكب ايضاً عدة اخطاء تقديرية جسيمة . حدثت انتفاضة رفاعه - التي اشاد بها المتحدث - احتجاجاً على قرار الادارة الاستعمارية بمنع الخفاض الفرعوني . قيل للعامة:

    يريد الانجليز ان يتدخلوا في كل شيء حتى (.......) بناتكم ! وفعلا ثار الناس حماية للشرف الرفيع وكان على رأسهم الاستاذ محمود . كان موقفه ذلك متخلفاً ورجعياً في مواجهة قرار «تحديثي» جريء وسليم . انتفاضة رفاعة المزعومة ليست من مآثرنا في النضال ضد الاستعمار بل هي من مخازينا . ويقع وزرها على كاهل الاستاذ محمود محمد طه . قيل لنا انها مثل اضرابات الطعام في المدارس واضرابات زيادة الاجور العمالية ، مجرد ظواهر اجتماعية لمضمون سياسي هو رفض الاستعمار .

    وهذا دفاع واه لأن الاستاذ محمود لم يراجع موقفه علناً او يذكر مبرراته بعد نيل الاستقلال وقد اخطأ الاستاذ محمود ايضاً كقائد سياسي حينما جعل الحزب الجمهوري «حزب فرد» تلف حوله كل اللوالب الادارية والفكرية . فلما قتل مات معه الحزب . عقلية شيخ الطريقة المو######## هي المسؤولة عن ذلك . اذا لم يعد الشيخ ابناً او خليفة ليحل محله فان الطريقة تتلاشى تدريجياً .

    فضلا عن ذلك فان عدداً من ابناء جيل الاستاذ محمود محمد طه اعجبوا به وشجعوه ثم انفضوا من حوله عندما ادركوا انه يدعى قدرات معينة . ولا يزال بعضهم على قيد الحياة ، وهم اقدر مني على سرد التفاصيل . صفوة القول ان ظاهرة اضفاء ثقل ومكانة ووزن شيوخ الطرق الصوفية على الزعماء السياسيين تشمل الاستاذ محمود محمد طه وغيره. وهي تتجذر وتستمر طالما واصلنا الحديث عن القادة بانتقاء يسلط الضوء على الايجابيات فحسب ويضلل الشباب لأنه ينطلق من أنصاف وأسداس الحقائق ويغذي «جينات» النزعة الصوفية المتأصلة في افئدة السودانيين .
    ـــــــــــــــــ
    يا ليت نسمع من اتباع محمود بعد خوارقه التي كانوا شهود عيان عليها
    ويردوا علي موقفه من الختان ودوره (الذي اشيع عنه) في محاربة الاستعمار دون التشكيك في الكاتب كما يفعلون عادة ويردون علي الموضوع محل المقال
                  

05-07-2005, 08:50 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمـود محمـد طـه .. وأنصــاف الحقـائــق (Re: اساسي)


    السيد أساسي
    لك ما طلبت
    عمر



    انصاف الحقائق ام انصاف المثقفين ؟!

    ( مالكم !! كيف تحكمون ؟! ) صدق الله العظيم

    المقال الذي كتبه د. خالد المبارك في جريدة الرأي العام بتاريخ 19/11/2002 تحت عنوان "محمود محمد طه وأنصاف الحقائق ! " مقال سطحي ، ولا قيمة له ، ولم أكن لأهتم بالتعقيب عليه ، لولا انه يمكن ان يتخذ اشارة الى ظاهرة سلبية تكررت بصورة تستدعي الوقوف عندها.. ولقد اتسم المقال كغيره من كتابات د. خالد المبارك ، بالتنطع والسخرية ، المليئة بالقاء التهم بلا دليل !!

    ولئن كان السودان قد نكب بادعياء التصوف ، كما أشار الكاتب ، فإن نكبته بادعياء التقدم والعلمانية أفدح ..هؤلاء الذين حين نكصوا عن حركة الشيوعيين ، عجزوا عن الانحياز لقضايا شعبهم من أي موقع اخر.. بل نسوا نضال الشعوب الفقيرة المضطهدة ، وأخذوا يحدثوننا – كما فعل د. خالد المبارك- عن ديمقراطية (السير اليك دوجلاس هيوم) !! وكيف ان مجلس العموم البريطاني يمثل المحرومين !! وذهلوا عن ان بريطانيا هذه كانت أيضاً ترفع شعارات الديمقراطية حين إغتصبت السودان ، وان قادتها من أمثال هيوم هم الذين نهبوا خيرات الشعوب ، وقتلوا ابناءها.. وشر من مدحهم الانجليز اليوم ، مدحهم لهم في الماضي ، حين كانوا يستعمرون السودان !! فقد اشاد د. خالد المبارك ود. محمد أحمد محمود ، بالحكومة لبريطانية ، وقرارها المتعسف بمنع عادة الخفاض الفرعوني ، وهما يظنان انهما اصبحا بذلك تقدميين ، ما داما يؤيدان الغاء عادة الخفاض الفرعوني الذميمة ، دون النظر الى جوهر القضية أو تصور حقيقة أبعادها..

    يقول د. خالد المبارك "لكن الاستاذ محمود محمد طه ارتكب أيضاً عدة أخطاء تقديرية جسيمة . حدثت إنتفاضة رفاعة – التي أشاد بها المتحدث- إحتجاجاً على قرار الإدارة الإستعمارية بمنع الخفاض الفرعوني . قيل للعامة (يريد الانجليز ان يتدخلوا في كل شئ حتى ....... بناتكم) وفعلا ثار الناس حماية للشرف الرفيع وكان على رأسهم الاستاذ محمود . كان موقفه متخلفاً ورجعياً في مواجهة قرار تحديثي جرئ وسليم . إنتفاضة رفاعة المزعومة ليست من ماثرنا في النضال ضد الاستعمار بل هي من مخازينا ويقع وزرها على كاهل الاستاذ محمود محمد طه . قيل لنا انها مثل إضرابات الطعام في المدارس واضرابات زيادة الاجور العمالية مجرد ظاهرة إجتماعية لمضمون سياسي هو رفض الاستعمار، وهذا دفاع واه لان الاستاذ محمود لم يراجع موقفه علناً او يذكر مبرراته بعد نيل الاستقلال"

    وقبل ان نوضح حقيقة ما جرى في حادث رفاعة المشهور ، نود ان نركز في البداية ، على مسألة شديدة الدلالة ، على مبلغ تدني خطاب د. خالد المبارك . فقد أورد في النص أعلاه عبارة (قيل للعامة يريد الانجليز ان يتدخلوا في كل شئ حتى......... بناتكم) أوردها هكذا بين قوسين ، ليوهم القارئ بأن هذه العبارة قد قالها الاستاذ محمود أو الجمهوريون !! ولقد تعمد ان يضع نقاطاً ، بدلاً عن الكلمة البذيئة ، التي حذفها ، وترك إستنتاجها للقارئ !! ولو كان للكاتب معياراً أخلاقياً يحاكم اليه ، لأمكن لومه على هذا التلميح المسف ، والذي ينطوي على عدم احترام للمرأة السودانية ، وعلى التعريض بعرضها بلا حياء .. وحسبنا من تقييم د. خالد المبارك إنعدام الامانة الفكرية ، ومحاولة تضليل القراء ، بان هذه العبارة التي تحتوي على الكلمة النابية ، يمكن ان يكون قد قالها رجل عف الخلق واللسان ، طاهر السيرة والسريرة ، مثل الاستاذ محمود محمد طه..

    في اواخر عام 1945 كانت أصوات السودانيين ترتفع مطالبة بالاستقلال ، وكانت دولتي الحكم الثنائي بريطانيا ومصر تدرسان إعطاء السودان حق تقرير المصير .. في هذه الأثناء أصدرت الإدارة البريطانية قانون منع الخفاض الفرعوني . ولقد كان الانجليز يتوقعون رفض القانون ، ومقاومته ، لعلمهم بان هذه العادة متأصلة ، وبانها ترتبط في الوعي الشعبي بالعفة والشرف ، وتعد من أخص خصوصيات الاسر .. ولكنهم حبن أعلنوا القانون ، كانوا يخططون لاستثمار الرفض المتوقع كدليل على ان الشعي السوداني لا يزال متخلفاً ، وهو من ثم ، لا يستحق الحكم الذاتي أو الاستقلال.. هذا هو الغرض من إصدار القانون في ذلك الوقت بالذات .. فالقضية اذاً في جوهرها قضية سياسية ، وهي لا يمكن ان تواجه الا على المستوى السياسي . لهذا عارض الجمهوريون قانون الخفاض الفرعوني علناً ، وكشفوا نوايا المستعمر ، خاصة في منشورهم الذي صدر في ديسمبر عال 1945 والذي جاء فيه " اننا بمعارضتنا لهذا القانون لا نود ان ندافع عن عادة الخفاض الفرعوني ، أو نحلل الاسباب التي اوحت بها لابناء السودان وجعلتها تستمر بين ظهرانيهم حتى يومنا هذا ، ولكننا نود ان نناقش ترتيبات خاصة وسياسات خاصة إبتدعتها حكومة السودان إبتداعاً وتريد ان تجبرنا على إتباعها..." ومن السياسات التي إعترض عليها الجمهوريون ، التوجيه بأن يبلغ كل شخص عن جاره إذا مارس خفاض ابنته .. جاء في نفس المنشور " قل لي بربك ما الذي يجعل رجلاً محترماَ يوافق على التجسس على جاره ليطلع على عرضه... ما الذي يجعل شخصاً محترماً يقبل إرسال بنات جاره أو صديقه أو قريبه للطبيب لمثل هذا الكشف الخاص ؟ ! ما أعجبكم يا واضعي القانون !! هل من القانون ان تضطهدوننا باسم القانون ؟! ماذا قدمتم من رعاية للفتاة حين تلقون بعائلها في غياهب السجن؟!"

    في سبتمبر 1946 قبضت السلطات على إمرأة ، في مدينة رفاعة ، بتهمة خفاض ابنتها وأودعتها السجن .. فاتصل أهلها بالاستاذ محمود محمد طه ، الذي قام في نفس المساء ، بالطواف على مقاهي سوق رفاعة ، وحدث الناس وذكرهم بمنشور الجمهوريين ودعاهم للتجمع في صلاة الجمعة .. وبعد الصلاة قام فيهم خطيباً ، فهاجم القانون ، ووضح القصد منه ، وذكر ان الناس لو سكتوا يكونوا قد نكصوا عن نصرة المظلوم ورد الظالم .. فخرج المصلون خلفه في مسيرة الى سجن رفاعة . وهناك تحدث مندوبين منهم مع نائب مأمور السجن السيد قاسم محمد الأمين وطلبوا منه اطلاق سراح المرأة حتى يوم القضية وحبس 15 رجلاً بدلاً عنها، فرفض في البداية ، ولكنه قبل أخيراً وتم أطلاق سراح المرأة وحبس بدلاً عنها 15 من أهالي رفاعة من بينهم إمام المسجد الشيخ صديق الأزهري . وكان يمكن للمسألة ان تنتهي عند هذا الحد ، لو كان الغرض هو مجرد محاربة عادة الخفاض ، ولكن الذي حدث هو ان الحكومة ارسلت البوليس في المساء فاختطفوا المرأة من بيتها، وحملوها الى سجن الحصاحيصا ، رغم ان اطلاق سراحها قد تم بواسطة السلطة نفسها ممثلة في نائب المأمور !! استفز هذا الحدث أهالي رفاعة ، فتجمعوا على ضقة النيل الأزرق ، وقام طلاب المدرسة الوسطى بتجميع المراكب التي عبرت بها الجموع الثائرة الى الحصاحيصا حيث حاصروا المركز ، وطلب منهم المفتش التفرق لكنهم رفضوا .. ولم يجد اطلاق الرصاص فوق الروؤس ، بل فاقم الامر حين رشق المركز وتحطمت نوافذه ، فاتصل المفتش برئيسه الذي وجهه باطلاق سراح المرأة ، فعاد بها الثوار ظافرين .. بعد يومين حاصر الجيش مدينة رفاعة وقبض على عدد من المواطنين من بينهم الاستاذ محمود الذي حكم عليه بالسجن عامين ، وحكم على الاخرين بمدد تتراوح بين شهر و6 أشهر وجلد كل طلاب المدرسة الوسطى !! وحين وقف الاستاذ محمود امام المحكمة قال " أنا برئ واهالي رفاعة أبرياء ، والمسألة كلها سلسلة اغلاط من الادارة البريطانية.." وبعد ان أوضح ان العادات لا تحارب بالقوانين وانما تغير بالتوعية ، قال " وضعت المرأة في سجن للرجال فليس لدينا سجون خاصة بالنساء.. والرجال الذين وضعت معهم ليسوا رجالاً عاديين ، وانما بعضهم مجرمين وبعضهم مخمورين ، والحمامات والمراحيض المواجهة للسجن والتي يرتادها السجناء ليس فيها أبواب !! فاذا قال أهالي رفاعة ان هذا الوضع يخدش حياء المرأة السودانية التي يطالبهم دينهم واخلاقهم بحمايتها ورعايتها ، قالت الادارة هؤلاء طغمة من الغوغاء والمشاغبين !! ولسائل ان يسأل ماذا فعلت الادارة البريطانية لمصلحة الفتاة السودانية ؟! وهل تمت حملات توعية بمضار عادة الخفاض الفرعوني أو حتى بفوائد هذا القانون قبل معاقبة من ارتكبوا هذا الاثم ؟! "

    هذه هي ثورة رفاعة ، وهذا هو موقف الاستاذ محمود حين كان رجال الدين "يلعقون جزم الانجليز" والافندية العلمانيين يغازلونهم بالمذكرات التي ترجو منهم ان يتعطفوا على الشعب بالاستقلال !! فاذا جاء د. خالد المبارك في اخر الوقت ليحدثنا بان " انتفاضة رفاعة المزعومة لسيت من ماثرنا ضد الاستعمار بل هي من مخازينا " !! فان هذه العبارة المتحذلقة ، المتعالمة ، الجوفاء ستظل خزياً يطارده هو وأمثاله من انصاف المثقفين أبد الدهر ..

    لقد سبق ان صححت الزعم بان حركة رفاعة كانت تؤيد الخفاض الفرعوني حين طرحه د. محمد أحمد محمود ونشر التصحيح في الانترنت ، واعدنا مقتبسات من كتب ومنشورات أصدرها الجمهوريون ووزعوا الاف النسخ منها، والوثائق ايضاً كانت موجودة لوقت قريب بدار الوثائق المركزية بالخرطوم ، وموجودة ايضاً في بريطانيا، لذلك نعينا على د. محمد أحمد محمود انه لا يطلع حتى على المواضيع التي يريد التعليق عليها .. وهذا ايضاً ينطبق الان على د. خالد المبارك.. وليست هذه اول سقطة لكلا الاستاذين في هذا الموضوع ، فقد حاولا الترويج لهذه الفرية من قبل ، في الاحتفال الذي اقامته ببريطانيا ، المنظمة السودانية لحقوق الانسان ، في ذكرى استشهاد الاستاذ محمود محمد طه .. وزاد د. خالد المبارك بانه اشرف على إخراج فلم عن عادة الخفاض الفرعوني ، هدف الى تصوير بشاعتها والتنفير منها، حتى اذا استقر هذا المعنى في الاذهان ، ذكر لهم ان الاستاذ محمود كان يؤيد الخفاض الفرعوني ، وان ثورة رفاعة قد كانت دفاعاً عن هذه العادة الذميمة !! ولو كان الغرض من الفلم هو محاربة عادة الخفاض الفرعوني ، لاقامه اصحابه في قرى السودان حيث لا زالت هذه العادة تمارس ، بدلاً من عرضه ببريطانيا !! ولعل البحث عن الترقي في المجال الاكاديمى وحساب مثل هذه الارباح ، قد كان الدافع وراء هذه الدعاية المنكرة التي تحمل وزرها د. خالد المبارك وحفنه من الممثلين المغمورين.. ورغم التصحيح الذي تم كثيراً من الجمهوريين الا ان د. خالد المبارك ود. محمد أحمد محمود لا يزالا دون سائر المثقفين يصران على ان الاستاذ محمود يدافع عن الخفاض الفرعوني !!

    ان وجه الشبه بين د. محمد أحمد محمود و د. خالد المبارك هو انشغالهما بدراسة اللغة الانجليزية ، في الوقت الذي كان زملاؤهم يطلعون فيه على مختلف ضروب الثقافة وكافة العلوم الانسانية .. وقد ظنا ان الاعجاب او الانتساب لليسار يمكن ان يعوضهما عن ذلك ، ويجعلهما من كبار المثقفين .. وحين اختلفا في فترات متفاوتة مع اليساريين أصبحا بلا ايدولوجية فتعلقا بسطحية باللبرالية والعلمانية ، ثم افاقا مؤخراً للاهتمام بقضايا الدين والسياسة ، حين اصبح ادعاء معرفة هذه الامور كسباً اكاديمياً .. ولكنهما لم يمهلا نفسيهما ليحصلا ما فاتهما ، بل هرعا للكتابة دون تريث ، فجاءت كتاباتهما أنموذجاً لضحالة الثقافة والبؤس الفكري ، والجهل بتاريخ النضال الوطني .. ومع ذلك ، بل لعله من اجل ذلك ، دفعهما الحسد والغرور للتطاول على مواقف وافكار رجل في قامة الاستاذ محمود محمد طه ظنا منهما انهما بهذا العمل يثبتا اقدامهما في الميدان الاكاديمي والفكري بعد ان كسد سوق اللغة الانجليزية وارتفع سوق الدراسات الاسلامية .. وما علما ان محاولة النيل من قامة الاستاذ محمود قصاراها الخزي المشين والخسران المبين

    وفي تعب من يحسد الشمس ضوءها ويجهد ان يأتي لها بضريب

    ومن الحديث غير المسئول قول د. خالد المبارك " ولعل دعوة الاستاذ محمود محمد طه للاعتراف باسرائيل هي السبب المباشر في الرعاية الحميمة التي ينالها اتباعه في الغرب اينما حلوا " !! و د. خالد المبارك قد عرف الجمهوريين ببريطانيا ويمكن ان يسأل عنهم من يعرفونهم في امريكا ، فأي رعاية يتمتع بها الجمهوريون في الغرب ؟! وماذا تلقوا اكثر مما تلقى د. خالد المبارك مثلاً ؟! ان الجمهوريين في الغرب يعانون من كل منقصات الحياة كغيرهم من سائر ابناء الشعب السوداني ، وكل حديث غير هذا كذب صراح ، تغذيه دوافع من الحقد والغيرة والحسد التي اشتهر بها خصوم الفكرة الجمهورية ، الذين عجزوا عن مواجهتها في الميدان الفكري والسياسي ..

    يقول د. خالد المبارك " فضلا عن ذلك فان عدداً من ابناء جيل الاستاذ محمود محمد طه اعجبوا به وشجعوه ثم انفضوا من حوله عندما ادركوا انه يدعي قدرات معينة ولا يزال بعضهم على قيد الحياة وهم اقدر مني عللى سرد التفاصيل " .. ان هذه المحاولة المضطربة الخجولة للتعريض بالاستاذ محمود لا تجوز على أحد ، فارجل قد عرف بالزهد في الالقاب الدنيوية والدينية ولم يدع الكرامات ولم يسم نفسه "الشيخ" أو "الامام " .. ولقد خرج بعض قدامى الجمهوريين من الحركة لعجزهم عن مواكبتها والنهوض بتكليفها الديني ، واستمر اخرون لم يذكرهم د. خالد المبارك رغم ادعاء الحياد ومن هؤلاء " من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " .. ولقد كان أولى لو ان د. خالد المبارك ذكر بصراحة القدرات التى ادعاها الاستاذ محمود ، واوضح لنا اراء ابناء جيله الذين زعم ان لديهم التفاصيل ، فان لم يكن لحديثهم ، ولا يستطيع ان يتبناه أو يدافع عنه ، ثم هو لا يملك التفاصيل ، فلماذا خاض فيما خاض فيه بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ؟!

    والاستاذ محمود لم يجعل الحزب الجمهوري "حزب فرد تلف حوله كل اللوالب الادارية والفكرية" كما ذكر د. خالد المبارك ، بل كان اقدر من غيره من الزعماء على تاهيل اتباعه ، وتربيتهم بالقدر الذي اهلهم لحمل فكرهم وتقديمه للناس بصورة لم تتم في اي تنظيم اخر .. وهم في كل ذلك يقومون بادارة تنظيمهم بلجان تشرف على كافة النشاط الفكري والاداري والتنظيمي للحركة .. اما ايقاف الجمهوريين لحركتهم بعد تنفيذ الاعدام على الاستاذ محمود ، فقد حدث لعدة اسباب ، ولكنها في رأي لا تبرره تماماً ، ولذلك فان نقدهم بسبب ايقاف الحركة نقد مقبول ، وهو قد جرى ويجري داخل التنظيم وخارجه ، ولكنه لا يرقى للمساس بجوهر الفكرة ، ولا يقلل مطلقاً من مكانة مرشدها .. ورحم الله القائل:

    فاذا اتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي باني كامل

    عمر القراي

    (عدل بواسطة Omer Abdalla on 05-07-2005, 08:59 AM)

                  

05-07-2005, 08:51 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمـود محمـد طـه .. وأنصــاف الحقـائــق (Re: اساسي)


    خالد المبارك يجهل الحقائق ويضلل القراء
    بقلم: طه إسماعيل أبو قرجة، المحامي


    خرج علينا الدكتور خالد المبارك بمقال تحت عنوان (مفكرة سودانية بريطانية.. محمود محمد طه وأنصاف الحقائق)، في يوم 18 نوفمبر الماضي، الذي صادف الذكرى الرابعة والثلاثين لمهزلة محكمة الردة التي جرت فصولها في 18/11/1968. والمقال يؤكد ما كان يردده الأستاذ محمود محمد طه دائماً بأن الفكرة الجمهورية لم تناقش، وإنما يثير خصومها أوهاماً يحسبونها هي الفكرة الجمهورية. ومقال الدكتور خالد المبارك في حقيقة الأمر لا يختلف كثيراً عن محتوى المعارضة التي كان يثيرها مدبرو مهزلة محكمة الردة، وإن بدا له غير ذلك. فهو قد تعامى عن الحقائق الظاهرة، ونسب للأستاذ ما لم يقله، بل نسب له عكس ما قاله. كما هو قد التحف عباءة الحداثة، وتدثر باللقب العلمي دون محتوى، تماماً مثلما تدثر أولئك بالدين.

    ويكفي في تبيين خلو مقال الدكتور من أبسط مقومات النهج العلمي أنه حين وصف ثورة رفاعة بأنها ثورة رجعية في مواجهة قرار تحديثي وأنها من مخازينا ويقع وزرها على الأستاذ محمود، قال أن: (الأستاذ محمود لم يراجع موقفه علناً أو يذكر مبرراته بعد نيل الاستقلال)!! ولكن بعض الأميين يعلمون أن الجمهوريين قد كتبوا كتاباً باسم "الخفاض الفرعوني" في 1981. كما أن موقع الفكرة الجمهورية بشبكة الإنترنت يحتوي على أكثر من كتاب يتعرض لموقف الجمهوريين من الخفاض، ولثورة رفاعة، منها كتاب معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية خلال ثلاثين عاماً 1945-1975) وبه توضيح لملابسات ثورة رفاعة وأهدافها. كما أن بهذا الموقع مقابلة صوتية أجراها معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية مع الأستاذ محمود خلال 1975 كجزء من برنامج المعهد يومئذ لتوثيق تاريخ الحركة الوطنية، بها حديث مفصل عن هذا الأمر. ولكن يبدو أن الدكتور خالد المبارك لا يقرأ ولا يسمع، وإنما هو يطمر الحقائق تحت ركام من الأباطيل التي يروجها دون أدنى إحساس بالمسئولية، مستغلاً لقبه العلمي الكبير. إن أدنى ما تعطيه برامج الماجستير والدكتوراه هي أن تغرس في الطالب روح البحث وتمحيص الحقائق وإحكام المقدمات من أجل الوصول إلى النتائج السليمة. فأين الدكتور خالد المبارك من ذلك؟ وأين المسئولية العلمية فيما يكتب؟

    إن أبسط ما يحتاجه المرء لتقويم أحداث التاريخ هو الإلمام بها. ومن الواضح أن الدكتور خالد المبارك غير ملم بملابسات ثورة رفاعة، مما يفقده الحق في الخوض في تقويمها. فهي أولاً لم تكن ضد قرار كما قال، وإنما كانت ضد أثر عملي لقانون سنه البريطانيون في ديسمبر 1945. والقانون قد صدر بعد أشهر قلائل من انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبغرض التنصل عن التزامهم الناشيء بموجب وثيقة الأطلنطي الموقعة في أغسطس 1941 والتي التزمت فيها بريطانيا بمنح الشعوب المستعمرة حق تقرير المصير عند نهاية الحرب إن دعمت تلك الشعوب مجهود الحلفاء الحربي. ولعله لا يعرف أيضاً أن البريطانيين قد ناقشوا ذلك القانون في برلمانهم، على غير عادتهم فيما يتعلق بقوانين المستعمرات، وأن المناقشة رافقتها تغطية إعلامية، بغرض إقناع الرأي العام الغربي بأن السودانيين شعب متخلف يمارس عادة همجية كهذه، مما يوجب استمرار الوصاية البريطانية عليهم. ولعله لا يعرف أن هدلستون، الحاكم العام، قد اقترح بالفعل أن تستمر الإدارة الاستعمارية على السودان نحو عشرين سنة أخرى حتى 1966. إن هذه الملابسات هي التي قادت الحزب الجمهوري لمحاربة قانون الخفاض، مع عوامل أخرى ذكرت وقتها. ولقد كانت تلك الثورة منعطفاً هاماً لتقصير أجل الاستعمار.

    يبدو أن الدكتور خالد المبارك لا يعرف شيئاً من هذا رغم أنه يربط مفكراته ببريطانيا، أو أنه لا يعرف كيف يستثمر معلوماته في التفكير. والحق أن المسألة لا تحتاج إلى تفكير، إذ أن الحزب الجمهوري قد بين أنه ضد عادة الخفاض. ففي كتاب معالم الذي أشرت إليه آنفاً وردت مقتطفات من أول بيان أصدره الحزب الجمهوري في عام 1946 ضد قانون محاربة الخفاض، أسوق منها العبارة التالية:- (لا نريد بكتابنا هذا أن نقف موقف المدافع عن الخفاض الفرعوني، ولا نريد أن نتعرض بالتحليل للظروف التي أوحت به لأهل السودان، والضرورة التي أبقته بين ظهرانيهم إلى يومنا هذا. ولكننا نريد أن نتعرض لمعاملات خاصة، وأساليب خاصة، وسنن خاصة سنتها حكومة السودان، أو قل ابتدعتها ابتداعاً وأرادتنا أن ننزل على حكم ابتداعها إرغاماً). وورد أيضاً (ومن الآيات الدالة على سوء القصد في هذه الأساليب، إثارة الخفاض الفرعوني في هذا الظرف، وأساليب الدعاية التي طرقتها له، والطرق التي ارتأتها مناسبة لإبطاله، والقضاء عليه. ولقد جاءت هذه الآيات دليلاً واضحاً على التضليل المقرون بسبق الإصرار). هذا هو محتوى بيان الحزب الجمهوري الأول في 1946 بشأن قانون الخفاض، فهل يجوز لأحد أن يقول أن الأستاذ محمود محمد طه دافع عن الخفاض؟ الحق أني لا أعتقد أن كاتباً يحترم قلمه وقراءه والدرجة العلمية التي يحملها يمكن أن يغالط الحقائق على هذا النحو المؤسف ويذهب ليناصر ما يسميه بالحداثة. وأي حداثة في محاربة العادات المتأصلة بالقوانين؟ ولماذا لم يصدر الإنجليز قانوناً لمحاربة الخفاض منذ 1898؟ وماذا فعلوا في مجال التوعية باعتبارها الوسيلة الناجعة لمحاربة العادات الضارة؟ إن الدكتور يغفل كل ذلك ويذهب ليصور المسألة بأن المرء إما أن يكون ضد الخفاض وعليه مناصرة ذلك القانون الإنجليزي، وإما أنه يشجع الخفاض. هل رأيتم هذا اليسر الذي يتناول به الأمور؟

    لا أريد أن أطيل هنا في تتبع ما قال الدكتور خالد المبارك، إذ سأفعل ذلك في حيز آخر، ولكن لابد أن أعرض لقوله:- (قيل للعامة: "يريد الإنجليز أن يتدخلوا في كل شيء حتى .. بناتكم). وهي عبارة توحي إلى القاريء بأن الأستاذ محمود قال كلمة بذيئة يعف قلم الدكتور خالد المبارك عن ذكرها. حسب الدكتور ذلك من السوء. أن من ضمن ما قاله الأستاذ يومئذ عن ذلك القانون العجيب أنه يحارب عادة الخفاض بطريقة "تعرض حياء المرأة السودانية للابتذال، وعلى الحياء تقوم الأخلاق كلها، والأخلاق هي الدين". ثم أن الأستاذ لو كان يتلفظ بهذه الألفاظ، لما ثار للعرض وكرامة المرأة، ولما هبَّت من خلفه مدينته التي تعرف خلقه. إن ما قاله الأستاذ معلوم ومرصود، فمن أين أتى الدكتور خالد المبارك بهذه الكلمات؟ هل له أن يجيبني؟ وهل هذه هي مساهمته في تنوير الشعب السوداني الذي اقتطع من لقمة عيشه الخشنة ليعلمه إلى هذا المستوى الرفيع؟

    حسبي هذا الآن، وسأحاول متابعة ما قاله الدكتور خالد المبارك في حيز آخر.

    طه إسماعيل أبو قرجة
    المنامة، البحرين، في 11 ديسمبر 2002

                  

05-07-2005, 08:54 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمـود محمـد طـه .. وأنصــاف الحقـائــق (Re: اساسي)


    بسم الله الرحمن الرحيم

    ثورة رفاعة 1946

    التاريخ بين المثقفين المصريين والمثقفين السودانيين


    ان الأمم تهتم بتاريخها، وتاريخ عظمائها، وترصد الأحداث التي مرت بها، وتجعلها حية، في عقول، وقلوب، ابنائها وبناتها كي تهتدي بها في حاضرها وتخطط عبرها لمستقبلها.

    لقد لفت نظري، البون الشاسع، بين المثقفين السودانيين، والمثقفين المصريين، في اهتمامهم بتاريخ بلادهم، وموقفهم منه، واهنمامهم بالرواد الذين صنعوا ذلك التاريخ فقد وجدت المصريين- وكثيرون غيرهم- يهتمون اهتماماً بالغاً بتاريخ بلادهم، واحداثه ورجاله.. يخلدونه، وينشرونه من خلال البحث العلمي الجاد، ومن خلال العمل الفني الرفيع، حتى يظل حيا في وجدان الأمة.. أقول هذا، وأنا قد تابعت، هذه الأيام، مسلسلا مصريا حول حياة وافكار " قاسم أمين".. والمسلسل لايؤرخ لقاسم أمين فقط ، وإنما لكل الزعماء والمفكرين، والساسة، الذين عاصروه، على مختلف مشاربهم، وأفكارهم .. وهؤلاء مثل: الشيخ المجدد محمد عبده، والمفكر لطفي السيد، والزعيم سعد زغلول والرائد الوطني الكبير مصطفى كامل، والشعراء حافظ وشوقي، والرائد الاقتصادي طلعت حرب، الى آخر هؤلآء النفر الكرام، من رواد نهضة مصر الحديثة.. وكذلك يعرض هذه الأيام في العديد من القنوات المسلسل المصري: "فارس بلا جواد".. ومن خلال أحداث هذا المسلسل، أبرز المخرج أحداث قرية دنشواي المصرية في مواجهة الاستمار الانجلبزي، بصورة قوية مؤثرة، خصوصا المشهد الدرامي لاعدام بعض أفراد القرية على يد الانجليز- وهو مشهد استفاد فيه المخرج، من مشهد اعدام عمر المختار، في الفلم الذي صرفت ليبيا مبالغ هائلة لاخراجه، وتخليد سيرة بطلهاالعظيم، وقد اسندت البطولة في هذا الفلم للمثل العالمي الكبير"انطوني كوين" وقد استطاعت ليبيا عبر الفلم أن تجعل شخصية عمر المختار ونضاله، حيا، ليس في وجدان الشعب الليبي فقط، وانما في وجدان الشعوب العربية عامة.

    ونحن لانجد حدثاً، أوشخصاً، في تاريخ مصر – منذ الفراعنة، وحتى ثورة يوليو – الا وقد قامت الجهات الرسمية والمثقفون، بابرازه، وتخلبده، من خلال الدراسة والنشر ومن خلال وسائل الاعلام المختلفة أو من خلال عمل فني، أونصب أوتسمية مرفق، أو شارع باسمه.. وما من زائر يزور وسط مدينة القاهرة الا ويطالعه طلعت حرب مثلاً، في تمثال أقيم له، في ميدان هام، سمي باسمه، وكذلك العقاد وكل الرواد، حتى شامبليون الأجنبي، خلدوه بتسمية شارع هام، في وسط القاهرة باسمه عرفاناً لما قام به من دور خطير في تاريخ مصر- وبهذه المناسبة.. ماذا فعلنا نحن بالدكتور هكوك؟!! الى اين انتهت قضية مقتله وأين أوراقه؟!!

    وماذا فعل تلاميذه في مواصلة دراسته العلمية الجادة في تأصيل تاريخ السودان القديم؟ لو كنت، في مكان القرار بجامعة الخرطوم لقمت، على الأقل، بنسمية قاعة هامة من قاعات الجامعة باسم دكتور "هكوك" عرفاناً ووفاءاً، لوفائه.

    عموما أنت لاتجد حدثاً أو شخصاً، له دور في تاريخ مصر القديم، أو الحديث والمعاصر، الا وتجدهم قد خلدوه من خلال عمل ما، لا يختلف في ذلك الزعبم الديني عن السياسي، أو الاقتصادي، أو الأديب والمفكر، والفنان.. حتى الشيخ الشعراوي المعاصر أخرجوا عنه مسلسلا، يعرض هذه الأيام تحت اسم "امام الدعاة " وهذا أمر ليس فاصرا على المثقفين المصريين، وانما تجد له ضريبا في معظم بلدان العالم.

    فاين نحن من ذلك؟! ماهو دور الحكام، والمثقفين عندنا، منذ الاستقلال وحتى اليوم في هذا الصدد؟! لاشئ يذكر.. ان الكثير من المتعلمين عندنا يجهلون الرواد من الساسة والوطنيين، ومن رجال الدين والمفكرين، ومن الفنانين المبدعين.. فقل لي بربك كم من المتعلمين عندنا، سمع ـ مجرد السماع ـ بالمفكر والاديب الفذ معاوية نور؟! انا علي يقين من ان شخصية، مثل شخصية الشيخ بابكر بدري كرائد للتعليم وتعليم المرأة بالذات، لو كان مصريا، لخلدوه باكثر من عمل، خصوصا أن الرجل قد جعل الأمر ميسرا لذلك، بما كتب من مذكرات ضافية.

    وليت الأمر وقف عند مثقفينا، عند مجرد السلبية، ولكنه، وبكل أسف وصل عند بعض، حد الجحود، وعدم الأمانة الفكرية، بسبب من العداوات الشخصية الضيقة أو بسبب السعي في التقرب الى جهات، يطمعون في التقرب اليها!! لقد وصل الأمر ببعض مثقفينا الى حد العمل على تشويه تاريخنا الناصع!! ولكن هيهات!! هيهات!!

    ان مشكلة جنوب السودان، هي مشكلة السودان الأولى: كانت، ولا تزال .. وهي قد وجدت من كل حادب على مصلحة البلاد الاهتمام، والعمل الجاد، على ايجاد الحلول لها.. ولقد كان الأستاذ محمود محمد طه، على رأس من تصدوا لهذه المشكلة، قبل أن تتفاقم، وتصبح حرباً أهلية، لا زلنا نعاني من ويلاتها، حيث أصدر كتاب: "أسس دستور السودان" في عام 1955م.. ثم تناول القضية عبر تاريخ عمله العام الطويل، من خلال الخطابة، والكتابة المكثفة في الكتب والمنشورات، والى آخر منشور، حكم عليه بسببه نظام نميري بالاعدام، منشور:"هذا أوالطوفان".. فلا يستطيع أحد، أن يغفل دور الأستاذ محمود والجمهوريين في التصدي لقضية الجنوب.. ولكن أحد المثقفين، من أبناء الجنوب هو السيد أبيل ألير، كتب كتاباً ضخماً، عن مشكلة الجنوب، يتظلم فيه من نقض العهود.. ولم يفتح الله على أبيل، بكلمة واحدة يذكرها عن دور الأستاذ محمود والجمهوريين!! هذا مع أنه ذكر ادواراً لأفراد .. بل أنه ذكر حتى اصحاب الأدوار السلبية!! ومن المفترض في ابيل انه صاحب قضية حارة، وقد اكتوى بنار الظلم، فهو يأباه لنفسه، ولغيره..

    وابيل رجل قانون، المفترض فيه أنه تثقف وتربى على العدل!! وهو ينعي على الآخرين نقض العهود فما باله هو، يعشى عن الوفاء للأوفياء؟!! هل يجهل ابيل دور الأستاذ محمود في قضية الجنوب؟!! هل لم يسمع بكتاب" أسسس دستور السودان"، وهو المثقف والسياسي صاحب القضية ؟!! هل لم يسمع بكتاب الجمهوريين "جنوب السودان المشكلة والحل" ؟! هل لم يسمع قط بأي منشور، أو محاضرة أو ركن نقاش تعرض فيه الجمهورين لمشكلة الجنوب؟! هل لم يطلع على المنشور الذي حوكم من اجله الأستاذ محمود؟! ان هذا امر مستحيل.. فقضية أبيل ليست قضية نقص معلومات.. اذن فما السبب؟! نترك الاجابة عليه لأبيل وللقراء..

    وآخرون.. نفر من الأكاديميين، وضعوا كتابا في مقرر التاريخ للصف الثالث الثانوي: والكتاب في جملته عمل ركيك، لابمكن ان يجاز لو كان هناك قسم للمناهج له سلطة حقيقية، وملتزم بضوابط العمل الأكاديمي الصحيح، ومقتضيات وضع المنهج السليم.. أقل مايقال عن الكتاب أنه ليست فيه وحدة موضوع وانما نتف من هنا وهناك، ثم هو يقوم على ترتيب تاريخي معكوس لا يمكن أن يصدر عن اي شخص له علاقة بمادة التاريخ، فهو يبدأ باحداث في القرن العشرين، وينتهي في بابه الأخير، بحديث عن الحضارة الأسلامية التي تبدأ في القرن السادس الميلادي!! وهذه وحدها، كافية في أن تخرج الكتاب، من أن يكون عملا أكاديميا يستحق أن يقرر على طلاب.. ولكننا هنا، لسنا بصدد الحديث عن هذا المنهج فمثله كثير!! وانما اردنا فقط أن نشير البه في اطار حديثنا عن المثقفين السودانيين.. فقد تعرض الكتاب، في اطار حديثه عن الحركة الوطنية في الأربعينات لنشاة الأحزاب السودانية، ودورها في الحركة الوطنية.. وأورد أسماء أربعة عشر حزباً، منها مالم يعمر اكثر من عام، وطبيعي أن معظمها لم يكن له دور في الحركة الوطنية، بل ذكروا حزبا ليس له دور في الحركة الوطنية لأنه لم يكن موجوداً أساساً، فمددوا حديثهم ليشملوه بالذكر، وأعطوه مساحة أكبر من الأحزاب الأخرى، ولا يوجد أي سبب لذلك سوى أن يكون بعضهم ينتمون اليه أو يريدون التقرب الى من ينتمي اليه!! هؤلآء النفر لم يوردوا أي ذكر للحزب الجمهوري، ولو بمجرد ذكر اسمه ضمن الأحزاب التي نشأت في ذلك التاريخ ولا يمكن ان اتصور انهم يجهلون الحزب الجمهوري، وتاريخه الوطني، وهو الذي قدم أول سجين سياسي في الأربعينات، وأقلقت منشورات، وخطب كوادره مضاجع الأنجليز!! ولكنه الغرض، وانحرافات الأهواء.

    وكل الذي ذكرناه، عن سلبية المثقفين، وعدم تقديرهم لتراثهم التاريخي، ولرواد الإصلاح، وعدم الأمانة الفكرية عند بعضهم، هو أقل سوءاً بكثير، من الدرك السحيق الذي انحدر اليه د. خالد المبارك وهو يتحدث عن ثورة رفاعة 1946م حديثا مسفا، لا علاقة له بالموضوعية، والأمانة الفكرية، اللتين ينبغي أن يتحلى بهما من يتصدى لتقويم أحداث التاريخ.



    د.خالد المبارك وثورة رفاعة:

    لقد تعرض د. خالد المبارك، لأحداث ثورة رفاعة 1946م في حديث له بجريدة الرأى العام بتاريخ 19/11/2002م، هبط فيه بدور المثقفين الى قاع، يصعب أن يجاريه فيه أحد .. فقد جاء حديثه، متحاملا مغرضا، يفتقر الى ابسط قيم الفكر الموضوعي الأمين.. فالموضوعية في ابسط صورها تقتضي ذكر الحقائق كماهي، ثم مناقشتها، لا تبديلها وعكسها، أو تحريفها.. ولكن لنرى، من اقوال خالد المبارك، ماذا فعل!! فقد جاء من أقواله من ذلك المقال: " لكن الأستاذ محمود محمد طه ارتكب عدة أخطاء تقديرية جسيمة. حدثت انتفاضة رفاعة- التي اشاد بها المتحدث- احتجاجاً على قرار الادارة الاستعمارية بمنع الخفاض الفرعوني. قيل للعامة: يريد الانجليز ان يتدخلوا في كل شئ حتى ..... بناتكم.. وفعلا ثار الناس حماية للشرف الرفيع، وكان على رأسهم الأستاذ محمود. كان موقفه متخلفاً ورجعباً، في مواجهة قرار تحديثي جرئ وسليم. انتفاضة رفاعة المزعومة ليست من مآثرنا في النضال ضد الاستعمار، بل هي من مخازينا، ويقع وزرها على الأستاذ محمود محمد طه. قيل لنا أنها مثل اضرابات الطعام في المدارس، واضرابات زيادة الأجور العمالية، مجرد ظاهرة اجتماعية، لمضمون سياسي هو رفض الاستعمار، وهذا دفاع واه، لأن الأستاذ محمود لم يراجع موقفه علنا أو يذكر مبرراته بعد نيل الاستقلال" !!

    .. هذا حديث قاله سوداني، لا شك في سودانيته من حيث: الدم وشهادة الجنسية!! ثم هو رجل منسوب للثقافة!! بل وربما الفن ايضا!! " فانها لاتعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور "!!.. بدل "قيل لنا "، كان ينبغي أن تقول من الذي قال لك، وما نص قوله، وما هو المصدر الذي استقيت منه هذا القول، هذا ماتقتضيه الموضوعية والأمانة الفكرية، اللتين حدت عنهما حيادا تاما!! ما الذي يجعل ثورة شعبية، قامت ضد المستعمر، واجه فيها الشعب الرصاص، وتعرض للمحاكم والسجون، ما الذي يجعل هذه الثورة في نظر د. خالد المبارك "من الأخطاء التقديرية الجسيمة ".. وموقف قائدها موقف متخلف ورجعي.. وهي "ليست من مآثرنا في النضال ضد الاستعمار، بل من مخازينا"!! كل هذا السباب الفظ ، ما الذي يبرره في نظر قائله د.خالد المبارك؟! السبب في نظر قائل العبارات، وحسب عبارته هو، أن ثورة رفاعة قامت "احتجاجًا على قرار الادارة الاستعمارية بمنع الخفاض الفرعوني"!! وهو يقرر هذا الأمر تقريرا، دون أن يحاول ايراد اي دليل عليه!! فخالد المبارك يريد أن يقول أن الأستاذ محمود، وثوار رفاعة يؤيدون الخفاض الفرعوني ولذلك قاموا بثورتهم ضد الانجليز، لأنهم منعوا هذا الخفاض، في قرار "تحديثي جرئ و سليم" حسب عبارته!! لو كان د. خالد المبارك موضوعيا أو امينا لعرض الموقف كما هو، ثم ناقشه، ولكنه لم يكن كذلك .. فما هو موقف الأستاذ محمود والجمهوريين من الخفاض الفرعوني؟

    ان الجمهوريين يرون منذ البداية، أن الخفاض عادة سيئة وضارة، وكان لخالد المبارك ان يرى ذلك بوضوح لو أراد، فقد جاء في منشور الخفاض مثلا: " لانريد بكتابنا هذا أن نقف موقف المدافع عن الخفاض الفرعوني ولا نريد أن نتعرض بالتحليل للظروف التي أوحت به لأهل السودان، ولكننا نريد نتعرض لمعاملات خاصة وأساليب خاصة، وسنن خاصة سنتها حكومة السودان، أو قل ابتدعتها ابتداعا- وأرادتنا أن ننزل على حكم ابتدعها ارغاما"..الخطوط تحت الكلمات من وضع الكاتب.

    ويمضي المنشور ليكشف الغرض الحقيقي والمبيت من اصدار القانون، فيقول: "لا شك أن مجرد التفكير في الالتجاء الى القانون للقضاء على عادة مستاصلة في النفوس تاصل الخفاض الفرعوني دليل قاطع على أن حكومة السودان اما أن يكون رسخ في ذهنها أننا شعب تستطيع القوة وحدها أن تثنيه عن كل مبدأ، أو عقيدة أو أن تكون قد ارادت أن تقول للعالم الخارجي ان السودانيين قوم متعنتون وأن تعنتهم الذي الجأنا للقانون لأستئصال عادة الخفاض الفرعوني الهمجية، هو نفس التعنت الذي وقف في سبيلنا، وشل أيدينا عن استعمال الأراضي الواسعة الخصبة في الجنوب والاستفادة من مياه الدندر والرهد والأتبرا، والتوسع في التعليم.. هذا من ناحية الالتجاء للقانون.. وأما القانون في ذاته فهو قانون اريد به اذلال النفوس واهدار الكرامة والترويض على النقائص والمهانة.." اذن فالجمهوريين، وحسب منشورهم، لا يدافعون عن الخفاض الفرعوني، فهو عندهم- كما هو عند أي مثقف- عادة ذميمة، وضارة، بل وهمجية، كما ورد في عباراتهم.. و الأستاذ محمود، والجمهوريون ليسوا فقط ضد عادة الخفاض الفرعوني وانما هم ضد خفاض المرأة في أي صورة من صوره، كما سنبينه في موضعه.

    القانون، أي قانون، ليس مجرد نص، وانما هو علاقة تكامل بين النص، والجهة التي اصدرته وغرضها من اصداره، والظروف التي صدر فيها، وآليات تطبيقه.. وأي قانون يصدر من المستعمر، وبحكم طبيعته الاستعمارية لابد ان يكون وراء غرض المستعمر، ومصالحه، لا مصالح الشعب المستعمر، هذا من حيث المبدأ.. وقد بين الجمهوريين بيانا وافيا، الغرض الاستعماري من سن قانون الخفاض الفرعوني ومما جاء في هذا الصدد في منشورهم وفي كتاب: "الخفاض الفرعوني" مانصه :

    "1- الانجليز كأستعمار لم يكونوا يعملون على توعية، وترقية، الشعوب التي تحت حكمهم ولم يكن ذلك لمصلحتهم، بل كانوا يسعون الى تجميد وعي هذه الشعوب ليحكموا اطول فترة ممكنه .. ولذلك لايوجد سبب موضوعي للاعتقاد بان الانجليز لم يكونوا يريدون من قانون الخفاض سوي محاربة عادة ذميمة وليس لهم غرض استعماري وراء ذلك

    2- العادات لاتحارب بالقانون .. وقد ثبت ذلك بالتجربة الطويلة، وفي عديد البلدان، وقد كان واضحاً للجمهوريين منذ البداية .. وهو لم يكن خافياً، علي الانجليز، ولكنهم كانوا يريدون شيئاً غير محاربة الخفاض .

    3- لقد كان توقيت صدور القانون مؤشراً اساسياً للغرض الاستعماري الذي دفع اليه .. فلقد شهدت فترة صدور القانون، والعمل علي تنفيذه " 1945-1946 " نشاطاً سياسياً مكثفاً، وأشتد فيها الحماس والوطني، وعلا صوت السودانيين في المطالبة بالاستقلال، وكانت دولتا الحكم الثنائي تتهيئان لعقد مفاوضات صدقي- استانسجيت .. وفي هذا الوقت بالذات، سن الانجليز القانون، وتشددوا في تطبيقه، وكانوا يعلمون أن السودانيين سيقاومونه طالما انه تدخل في امر يتعرض للعرض والشرف .. وكان غرض الانجليز هو اظهار السودانيين بمظهر الهمجية، والتخلف، حتي يستطيع الانجليز ان يدعوا انهم لايستحقون الاستقلال، ولم يتهيئوا له بعد .. وكان هذا الغرض واضحاً للجمهوريين وكشفوه في اول منشور لهم

    4- وقد كان من اغراض الانجليز من اصدار القانون اهدار كرامة المواطنين ، وترويض النفوس علي المهانة والذل .

    5- أن عقوبة السجن بالنسبة للنساء تعتبر عند السودانيين أمراً شاذاً ومهيناً، ويفقد المرأة سمعتها .. وقد نص قانون الخفاض علي عقوبة السجن في حالة المخالفة، ولم يستثن في ذلك النساء، وطالما ان العادة مستأصلة في المجتمع فقد كان من المنتظر أن تتعرض حرائر النساء المحصنات للسجن بهذه الصورة المهينة والمشينة للسمعة .. وهذا ماتم بالفعل في حادث رفاعة واستوجب الوقوف ضده بحزم، ولم يتوان المواطنون في ذلك، وخاضوها ثورة عارمة ذهبت بهيبة الانجليز من الصدور، وزعزعت جبروتهم .. " صفحة (3 .. هذا أمر واضح جداً ومصادره متوفرة، وادني حد من الموضوعية كان يقتضي من د. خالد المبارك مناقشته، ولكنه لم يفعل، وهو لم يفعل لانه مغرض بادئ الغرض .


    الاستاذ محمود ضد كل صور الخفاض :-
    يقول د. خالد المبارك : ".. وهذا دفاع واه لان الاستاذ محمود لم يراجع موقفه علناً او يذكر مبرراته بعد نيل الاستقلال " .. ليس للاستاذ محمود موقف يحتاج لمراجعته، فموقفه كان واضحاً في حينه، ولايحتاج لمبررات بعد الاستقلال، وقد ذكرنا طرفاً منه اعلاه، وإنما انت، وبسبب الغرض من عشيت عيناك عنه .. وانت لم ترجع الي أي مرجع، في هذا الصدد قبل الاستقلال أو بعده ، والا فقد كنت تجد في كتاب : "معالم علي طريق تطور الفكرة الجمهورية" مثل هذا النص مثلاً "وبعد فأن عادة الخفاض الفرعوني لاتزال تمارس رغم وجود القانون ورغم سوء هذه العادة البالغ وذلك لسببين أولاً : لم تتفق التوعية الكافية للشعب عن قبح هذه العادة ومضارها .. مثل هذه العادات الحساسة المتأصلة في مجتمع مثل مجتمعنا، لايقتلعها القانون وحده، وماينبغي له ان يقتلعها .. وانما الذي يقتلعها نهائياً هو التربية والتوعية الشعبية" صفحة (52) – صدر الكتاب في مايو 1976م .. ان من يقول مثل هذا القول لايمكن ، في شرعة العقل السليم، أن يتهم بأنه يساند الخفاض .

    أن الاستاذ محمود هو ضد الخفاض من حيث هو، لا الخفاض الفرعوني فقط .. وموقفه هذا معلن وواضح، وهو ماينسجم مع طبيعة دعوته بداهة .. فقد جاء في هذا الصدد من كتاب "الخفاض الفرعوني" الصادر في اكتوبر 1981م عنوان جانبي يقول : "الخفاض ليس سنة " !! ومما جاء تحت هذا العنوان "أصبح من الشائع بين الناس أن هناك نوع من الخفاض يسمي { خفاض السنة } وهذا خطأ شائع : فالاسلام عندما جاء في القرن السابع لم يسن الخفاض، وانما كانت ممارسة الخفاض سابقة لمجئ الاسلام بأمد بعيد، كما راينا عند حديث عن تاريخ الخفاض .. وفي حديث أحمد، قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء" ، وهذا حديث واضح في التدليل علي ان الخفاض ليس سنة، فالنبي الكريم لم يسمه سنة، وانما سماه مكرمة، في حين سمي الختان بالنسبة للرجال سنة .

    والمكرمة في الختان أنما تجئ من حكم الوقت، الذي جعل الوصاية علي المرأة وما يتفرع عليها من تشاريع هي الوسيلة للصون والعفة .. فالختان حتي في المستوي المهذب منه هو تشريع مرحلي، وليس اصلاً في الاسلام، وإنما الاصل هو العفة التي تقوم في الصدور، صدور الرجال والنساء، وهذه ليس سبيلها الكبت وإنما سبيلها هو التربية" صفحة ( 46) .. وهذا قول لا يملك امثالك ان يقولوا به، رغم ماتدعي من تقدميه، لانك لا تملك السند الديني الذي يقوم عليه، ولا يمكن من غير سند ديني معالجة قضية الخفاض التي ارتبطت في ذهن الشعب بالدين .



    ثورة لم يحركها قانون:

    بقي امران، ليظهر مدي تجني د. خالد المبارك، ومجافاته التامة للحقيقة .. أولهما : ثورة رفاعة اساساً لم تتحرك لمقاومة قانون الخفاض الفرعوني، أو اي قانون أخر .. هي لم تحركها مقاومة قانون وأنما حركتها احداث .. اقتيدت امرأة الي السجن، هكذا بدأت الاحداث وتحرك الثوار وأطلقوا سراحها .. ثم أقتيدت مرة اخري في جنح الليل، بصورة لا تمت بصلة لعمل الحكومات، فاستفز ذلك الثوار فتحركوا لاطلاق سراحها، الي اخر سلسلة الاحداث المعروفة .. فالمحرك للثورة هو مقاومة الحدث، وليس مقاومة قانون فلم يكن الثوار مشغولين بالقانون بقدر أنشغالهم بسجن المرأة، كفعل خاطئ ومهين.. وقد يكون القانون صحيحاً – وهو هنا غير صحيح – ولكن تنفيذ القانون يجئ خاطئاً .. فحركة الجماهير كانت ضد الظلم، وضد الاذلال، وقد جاء في خطبة الاستاذ محمود بمسجد رفاعة، تلك الخطبة التي حركت الجماهير، قوله : "ليس هذا وقت العبادة في الخلاوي، والزوايا، ايها الناس وانما هو وقت الجهاد .. فمن قصر عن الجهاد ، وهو قادر عليه البسه الله ثوب الذل وغضب عليه ولعنه .. ايها الناس : من راي منكم المظلوم فلم ينصفه، فلن ينصفه الله من عدو. ومن رأي منكم الذليل ولم ينصره، فلن ينصره الله علي عدو . الا ان منظر الظلم شنيع، الا ان منظر الظلم فظيع .. فمن رأي مظلوماً لاينصف من ظالمه، ومن رأي ذليلاً لاينتصر علي مذله، فلم تتحرك فيه نخوة الاسلام ، وشهامة الاسلام الي النصرة، والمدافعة، فليس له من الايمان ولا قلامة ظفر" .. هذا ما حرك الجمهور، الاهانة والذل والظلم، اين هذا من قولك الذي انتحلته!!

    ثم ثانياً : ثورة رفاعة اشتركت فيها جميع قطاعات الشعب علي مختلف اعمارهم ، وانتماءاتهم الحزبيه والدينية، ومستوياتهم التعليميه والاجتماعية .. فهي ليست قاصرة علي الجمهوريين وحدهم .. فاذا كانت لك عداوة خاصة مع الجمهوريين، ماكان ينبغي ان تنداح فتشمل سكان رفاعة جميعهم، بل وتاريخ البلاد.

    من الذين اشتركوا في الثورة مثلاً الشيخ الصديق الازهري والشيخ محمد لطفي عبد الله وقد اصيب بالرصاص البدري عبد الرحمن

    أما قائمة الشرف من من حكم عليهم بالسجن فتضم : عباس المكي – عوض القريض – احمد الامين – محمد الياس – الزبير جاد الرب – عبد العال حسن – أحمد عثمان –حمد النيل هاشم – علي مالك – محمد الحاج علي – بابكر وقيع الله – عبد الله حامد الشيخ – حسن أحمودي – منصور رجب – عابدون عجيب – والصبي اسماعيل العشرابي الذي حكم عليه بالجلد، وهولآء جميعهم ليس من بينهم من الجمهورين سوي الاستاذ محمود محمد طه، اما بقية الجمهوريين الذين حكم عليهم بالسجن فقد كانوا بالخرطوم، وهم : عثمان عمر العتباني – سعد صالح عبد القادر – ذو النون جبارة .. فالثورة ضمت الختمي الي جانب الانصاري الي جانب التجاني والقادري، ومن لا طريقة له .. ومن ينتمي الي حزب الاشقاء الي جانب من ينتمي الي حزب الامة ..

    وهؤلاء النفر الكريم، وغيرهم ممن اشتركوا في الثورة، ليسوا من العوام والرجعيين، كما تفضلت انت ووصفتهم، في معرض تحقيرهم، والزراية بهم !! فهم ابناء المدينة التي انتهت اليها ريادة التعليم في السودان منهم من هو رائد للتعليم ليس في مدينة رفاعة فحسب، وانما في السودان عموماً، فاذا جئت انت لتحقرهم، وتصفهم بالعوام، فان ذلك لا ينقص من قدرهم، وانما يعود عليك انت .

    معذرة ايها الاباء الكرام الاحرار، فان لمثل صنيعكم تلد الامهات الرجال، فقد فديتم الوطن واعززتم الدين ، ونصرتم المستضعين، فلا يقدح في صنيعكم ارجاف المرجفين، وليس بالغريب ان يكون في الأسرة ابن عاق، فهو لم يصنع اكثر من انه عرض صورته علي مرآتكم الصافية، فظهر حجمه وبانت قامته .


    الموضوعية :-
    ينعي د. خالد المبارك علي غيره من من تصدوا بالرد عليه، عدم الموضوعية، وهو اذ يفعل ذلك ، ينسي نفسه، فما هي الموضوعيه فيما كتبه هو ؟! فهو ينسب لثورة رفاعة انها قامت ضد قانون الخفاض الفرعوني، بصورة تجعلها وكأنها انما قامت لتدافع عن عادة الخفاض ولايورد اي دليل علي ذلك، بل اكثر من ذلك يتجاهل تماماً الادلة التي تدحض رأيه هذا، سوي كانت من منشور الجمهوريين 1946م ، أو الكتب الاخري التي ذكرناها .. وهو حتي عندما ذكر بذلك في الردود التي وردت عليه ، تجاهله تماماً، واصر علي موقفه، وكرره مرة أخري في مقالة له في جريدة الراي العام بتاريخ 9/12/2002م .. فقد جاء في ذلك المقال قوله :"وفي موقف مؤازر قاد الاستاذ محمود محمد طه انتفاضة احتجاج علي تحريم الخفاض الفرعوني .." هكذا !! هذا رجل مصر علي باطله .. وقد رأينا اوصافه التي وصف بها الاستاذ محمود وثوار رفاعة ، فقد وصفهم بانهم عوام وان موقف الاستاذ محمود كان رجعياً ومتخلفاً .. وعن ثورة رفاعة قال : "انتفاضة رفاعة المزعومة ليست من مآثرنا في النضال ضد الاستعمار بل هي من مخازينا" الي اخر ماقال !! وما معني كلمة "مزعومة" من عبارة "انتفاضة رفاعة المزعومة" ؟! هل يريد خالد المبارك أن يقول انها لم تحدث ؟ أن عبارته تعني ذلك ، فهذا أمر ليس غريباً عليه ، طلما انه ينسب للآخرين عكس مايقولون به ، في حقائق موثقة لاتجدي فيها المغالطة

    أن د خالد المبارك لم يكن موضوعياً لا في الشكل ولا في المضمون وهو قد اعظم علي الله الفرية ، بصورة موبقة وفي اصرار وعناد .

    د. خالد المبارك يتهم الاخرين اشنع الاتهامات بغير دليل ، ثم ينعي علي الاخرين عدم الموضوعية، حين ينسبون له الدفاع عن الاستعمار بالدليل الواضح، والموثق من اقواله هو !! فانت حين تهاجم خصوم الاستعمار وتقلل من شأنهم ، وتصفهم بانهم من العوام والرجعين وتسفه عملهم ضد الاستعمار، وتنتحل من عندك الاسباب الباطلة لتخطأته، والتقليل من شأنه، اليس هذا دفاعاً عن الاستعمار .. وليتك وقفت عند ذلك فان دفاعك عن الاستعمار قد جاء صريحاً، فانت تتبرع بالشهادة له ان بعض اعماله حسنة النية وخالية من اي غرض استعماري ، ينبع من طبيعته ، بل واكثر من ذلك تصف اعماله بالانسانية ، وتقول عن قراره في قانون الخفاض : "قرار تحديثي جرئ وسليم" فماذا يكون الدفاع إذا لم يكن هذا دفاعاً عن الاستعمار؟! قطعاً لاينتظر ان تحمل سيفك لتدافع عنه ، وقد مضي علي ذهابه قرابة نصف القرن .. ان الانجليز انفسهم لايستطيعون اليوم ، وبعد مرور هذه الفترة ان يقولوا ان اعمالهم في السودان حين كانوا يستعمرونه ، اعمالاً انسانية وتحديثية خالية من الغرض الاستعماري.


    الاعتراف باسرائيل :-
    أن منهج د. خالد المبارك في النقد وفي تقويم التاريخ ، وفي التفكير عموماً ، منهج غريب اشد الغرابة ، فهو لايتحدث كمفكر ، وانما يتحدث كسلطة ، يصدر القرارات في فورمانات سلطانية وينتظر من الاخرين السمع والطاعة .. فهو لايهمه ان يكون مايقرره مخالفاً للواقع أو حتي مناقضاً له .. وهو لايحتاج الي اقامة اي دليل على مايقول !! أسمعه مرة اخري يقول في هذا النص العجيب : "ولعل دعوة الاستاذ محمود محمد طه للاعتراف باسرائيل هي السبب المباشر للرعاية الحميمة التي ينالها اتباعه في الغرب اينما حلوا" !! ما هذا ؟ ماهي المناسبة ؟! إن عبارة "الرعاية الحميمة التي ينالها اتباعه في الغرب اينما حلوا"

    هي خبر فأما ان يكون صادقاً أو كاذباً .. وهو محض افتراء ، كبقية إفتراءاته وهو كالعادة ، لا يحاول ان يقيم عليه اي دليل، لانه لن يجده .. أن مجرد هذا التعميم يدل علي ضعف شديد في التفكير ، فخالد المبارك قطعاً لايعرف كل الجمهوريين في الغرب ، ومن باب اولي انه لايعرف احوالهم فما اعرفه انا في هذا الباب بحكم صلتي ، اكثر مما يعرفه خالد المبارك بكثير .. فانا اعلم أن معظم الجمهوريين في الخارج يعملون خارج تخصصاتهم ، والكثيرين منهم يعملون اعمالاً هامشيه ، والقلة التي تعمل في مجال تخصصها ، لاتعامل في مستوي تأهيلها الاكاديمي والفني .. وهذا أمر ليس خاصاً بالجمهوريين وأنما هو امر ينطبق علي كل الاجانب الوافدين علي الغرب .. فالحياة في الغرب تقوم علي نظام رأسمالي لايعترف بسوي الكفاءة والاداء .. وكل شركة أو مؤسسة أو جامعة في الغرب لها نظامها وقوانينها ، وضوابطها في العمل التي تلتزم بها بصرامة ولاتحيد عنها لاعتبارات عاطفية .. ولاتوجد سلطة فوقية في الغرب تفرض علي المؤسسات اساليب تعاملها مع موظفيها وعمالها ، وليست الدولة هي المسؤولة عن التوظيف ، كما هو الحال في الانظمة الشمولية التي يبدو انها معشعشة في ذهن خالد المبارك .. ان عبارة خالد المبارك هذه افتراء ، وكذب صريح ، ثم هو كذب ساذج لا يجوز علي احد .. ولكن اعرف من الجمهوريين ، من يمكن ان يكون له وضع مميز ، فمثلاً د. عبد الله أحمد النعيم أكاديمي متميز تحفظ له جامعته مكانته ، وحقه الذي يؤهله له مستواه الاكاديمي وخبرته ، وهو ليس بدعاً في ذلك ، فان كل الاكاديمين النابهين ، اصحاب الكفاءة الواضحة ، الوافدين علي الغرب يجدون في جامعاته القبول ، والوضع المادي والعلمي المريح ، فانا اعرف مثلاً، من أمثال هؤلاء النابهين د. صلاح أحمد الفحل ، لانه من ابناء وطني ، فهو اكاديمي متميز وجد كل تقدير من جامعته ومن الاوساط التي يعمل بها .. فاذا اردت ان تكون من امثال هؤلاء ، وتملك الموهبة التي تؤهلك ، فانت لست في حاجة للتنقيص من قدرهم، فالباب أمامك مفتوح، ولن يسألك أحد: هل تؤيد قيام دولة أسرائيل أم لا .. أن النفس السليمة، تشعر بالفخار، عندما تجد نجاح أحد ابناء وطنها ، في مجال من المجالات، والعكس صحيح.. يبدو أن هذه المنطقة ، هي منطقة مكمن الداء !!


    التاريخ مرة أخري :-
    أن مواقف الاستاذ محمود محمد طه ، وافكاره حول مشكلة الشرق الاوسط دخلت التاريخ بحكم الزمن الذي مضي عليها ، وهو تاريخ معاصر ، حي وموثق ، فلو كان د. خالد المبارك رجلاً موضوعياً ، يطلب الحق ، كان يمكن له ان يعرض ارآء الاستاذ محمود حول مشكلة الشرق الاوسط ، من مصادرها ، ثم هو يناقشها كما يشاء بدل الاشارة المقتضبة ، والمغرضة ، بأن دعوة الاستاذ محمود للاعتراف بأسرائيل هي مما يرضي الغرب ويكافئ عليه !! فهل فعلاً رأي الاستاذ محمود مما يرضي عته الغرب ويكافئ عليه ؟! أم هو مجرد افتراء كبقية افتراءات خالد المبارك ؟! علي كل ، فالاستاذ محمود ، في ارائه ، لا يعنيه من يرضي أو يغضب ، وأنما يعنيه فقط الحق ولا شئ غير الحق .

    أن قضية الاعتراف بأسرائيل أو عدمه، قضية علاقات دولية العبرة فيها بالنسبة للغرب مواقف الدول ، لا الافراد أو التنظيمات .. والجمهوريون لا يتوهمون ، أن لهم وزناً ، في هذا المجال ، يمكن ان يأبه به الغرب .. والغرب في هذا الصدد لا يبني مواقفه علي الحق والرأي السليم ، وأنما علي المصلحة ، والمصلحة فقط .. وهو يتعامل مع الدول حسب وزنها عنده ، وهو لا يقم للعرب مجتمعين وزناً .

    ثم هل أسرائيل الان في حاجة لمن يعترف بها ؟! أن المشكلة اليوم ليست هي الاعتراف بأسرائيل ، وأنما المشكلة هي الاعتراف بدولة فلسطين ، وهذا أمر من البديهيات .. ومن من العرب اليوم، بعد كل الدماء التي أريقت ، والثروات التي اهدرت، لا يعترف بدولة اسرائيل ؟! أن الدول العربية جميعها ، لاتعترف بأسرائيل وحسب ، وأنما علي استعداد لتطبيع علاقتها معها وقد قدمت بالفعل مشروعاً بهذا الصدد رفضته اسرائيل .. ولقد كان الاستاذ محمود يريد للعرب ان لا يصلوا لهذه المذلة والمهانة ، وان لا يفقدوا مافقدوه من ارواح ابنائهم ، بأن يساوموا بالاعتراف بأسرائيل ، في وقت كان فيه للاعتراف قيمة في المساومة ، وأنذرهم عاقبة الابطاء ، مما يفوت الفرصة ، ويفقد الاعتراف قيمته في المساومة ، فيضطروا للاعتراف بأسرائيل دون ان يقبضوا الثمن ، وهذا بكل أسف ، هو ماحدث بالفعل .

    أن رأي الاستاذ محمود حول مشكلة الشرق الاوسط رأي واضح ، ومصادره عديدة ومتوفرة ، سواءً في كتابي "مشكلة الشرق الاوسط" و "التحدي الذي يواجه العرب" ، اللذين صدرا في عام 1967م ، أو بقية المصادر الاخري .. وهو رأي قد تم تسليم كل الزعماء العرب صورة منه ، في مؤتمرهم الذي انعقد بالخرطوم في 29/8/1967م ..والرأي يقوم علي ان حل المشكلة يتم في مرحلتين "مرحلة عاجلة ومرحلة أجلة : فاما حل المرحلة العاجلة فهو حل سياسي ، ومرحلي ، في نفس الامر ، وهو حل يقتضيه حل المرحلة الاجلة.. وهذا هو وحده الحل المستديم السليم .. وبالحل المرحلي ، العاجل ، يستطيع العرب ان يرجعوا الي نقطة الاعتدال بين الكتلتين : الكتلة الشرقية ، والكتلة الغربية . وهي النقطة التي فيها يقومون مقام الكتلة الثالثة .. " صفحة 179 من كتاب (مشكلة الشرق الاوسط)..

    "ان على العرب ان يعلنوا للعالم على الفور أنهم، ايثارا منهم لعافية الدول، وتضحبة منهم في سبيل السلام العالمي، وابقاء منهم على المنظمة العالمية العظيمة، ورعاية منهم لصالحهم هم انفسهم، يقبلون التفاوض مع دولة اسرائيل، تحت اشراف الأمم المتحدة (ومجلس الأمن بشكل خاص) وعلى أن يكون التفاوض علي اسس قراري الامم المتحدة المتخذين في التاسع والعشرين من نوفمبر 1947م (قرار التقسيم) وفي الحادي عشر من ديسمبر 1948م

    (قرار اعادة اللاجئين) وهما القراران اللذان التزمت بهما دولة اسرائيل لدي دخولها هيئة الامم.." صفحة 181 المرجع السابق .. فاين العرب الان من قرار التقسيم ، أن الوضع قد تجاوزه بكثير جداً لمصلحة اسرائيل والعرب موافقون علي هذا التجاوز !! وقد جاء عن الحل المقترح للمرحلة العاجلة من كتاب (التحدي الذي يواجه العرب) قوله "1- يجب عدم اللجوء الي السلاح ، ذلك لان العرب لا يحاربون دولة اسرائيل وحدها ، وانما يحاربون من وراءها دول أمريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا الغربية – وهم قد التزموا بالمحافظة علي حدود دولة اسرائيل حسب مايعطيه التقسيم الذي اقرته الجمعية العامة في التاسع والعشرين من نوفمبر 1947م – التزم بذلك منذ 1950م كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا .

    2- كل لجوء الي السلاح في حل قضية فلسطين ، علي المدي الذي يريده الزعماء العرب الان ، ويمنون به شعوبهم عمل قليل الجدوي ، ثم هو عمل يجعل العرب مضطرين الي السير في ركاب الاتحاد السوفيتي ، ويفتح ابواب بلادهم علي مصرعيها للشيوعية ، ويباعد بينهم وبين دينهم ، إن لم يقطع صلتهم به ، وذاك أمر ، في حد ذاته ، يهدد العرب بأخطر مما تهددهم به دولة أسرائيل .

    3- من أجل احراز حل المرحلة العاجلة يجب التفاوض مع اسرائيل ، وسيكون هدف التفاوض : -

    أ . انسحاب اليهود من الارض العربية التي احتلوها في حرب 15 مايو 1948م وحرب 29 أكتوبر1956وحرب 5 يونيو 1967م .

    ب. إرجاع اللاجئين العرب الذين أخرجوا من ديارهم عام 1948م وعام 1967 وتعويضهم عن جميع ممتلكاتهم التي فقدوها .. وتوطينهم في الاراضي التي حددها لهم تقسيم 1947م – تنفيذ مبدأ التقسيم .

    ج . ضمان الدول الكبري ، بما فيها الاتحاد السوفيتي –وهذا يعني ضمان مجلس الامن والجمعية العامة – لحدود الدولة العربية الجديدة ولتأكيد هذا الضمان توقف، علي الفور، الهجرة اليهودية الي اسرائيل.

    د. تأخذ هيئة الامم علي اسرائيل تعهداً بان لاتحاول أي توسع في ارض أي من الدول العربية المجاورة لها ، فاذا جرت منها محاولة ، فان مسئولية ايقافها تقع علي كاهل هيئة الامم .

    هـ . انهاء حالة الحرب التي ظلت قائمة بين العرب واسرائيل .

    و . أعطاء اسرائيل حق المرور البرئ في الممرات المائية ، خليج العقبة وقناة السويس" صفحة 34- 35

    هذا بعض ماجاء عن راي الاستاذ محمود في مشكلة الشرق الاوسط- فهل هذا ما يرضي عنه الغرب ، كما زعم د. خالد المبارك ؟!

    أن ماحققته اسرائيل ، نتيجة لتهاون العرب وغفلتهم ، وعدم مبادرتهم بالاخذ بهذا الرأي ، قد تجاوز المقترحات المطلوبة بكثير، ودون مقابل، ومايطمع فيه العرب اليوم، هو دون ماأراده لهم الاستاذ محمود بكثير جداً، وقد ادركتهم نذارة الاستاذ لهم في عاقبة الابطاء، فهم اليوم وبعد أن فوتوا الفرصة التاريخية، يتفاوضون، ويعترفون ثم لا يكادون يبلغون وراء ذلك طائلاً .. ونحن نقول مرة أخري ، لدكتور خالد المبارك ماجاء في خاتمة كتاب (مشكلة الشرق الاوسط ..) "أن وقت التدليس، وتمويه الحقائق ، وتمليق الشعور، ودغدغة العواطف النواضب، قد ولى الي غير رجعة، وأن علي الناس أن يرتفعوا الي منازل الرجولة المسئولة ، التي تقوي علي مواجهة المسئولية في عزيمة الأحرار" .. وهذا قول، د. خالد المبارك ، في اشد الحاجة اليه .

    هلي يجهل د. خالد المبارك كل هذا الذي ذكرناه به ؟! لا اعتقد !! إذن ما القضية ؟! إن القضية ، هي قضية نفوس ، وقضية حس وليست قضية فكر .

    إن حديث د. خالد المبارك ، لاقيمة له ، ولاوزن ، لانه متهافت وغير موضوعي ، ومغرض .. ونحن انما سقناه في أطار حديثنا عن المثقفين ، في تعاملهم مع تاريخ البلاد وتراثها .. وقد يقول قائل .. إن نموذج خالد المبارك نموذج خاص، لا يمثل عامة المثقفين .. ونحن نقر بذلك ، ونوافق عليه ، ولكنه نموذج وجد من الجرأة مابه نشر باطله ولم يكن ليفعل لولا أنه يشعر بأن المثقفين منصرفين عن الذود عن تاريخ بلادهم وتراثها

    ثم ، مرة أخري "لاتحسبن أن الكيد لهذه الامة مأمون العواقب – كلا - فلتشهدن يوماً تجف لبهتة سؤاله أسلات الالسن – يوماً يرجف كل قلب ويرعد كل فريصة"

    هذا ، وعلي الله قصد السبيل ، ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين .



    خالد الحاج عبدالمحمود
    رفاعة



                  

05-07-2005, 09:04 AM

اساسي
<aاساسي
تاريخ التسجيل: 07-20-2002
مجموع المشاركات: 16468

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمـود محمـد طـه .. وأنصــاف الحقـائــق (Re: Omer Abdalla)

    عمر عبد الله

    والله سرعتك في نقل رد القراي ريحتني في حناني زاتو .. ضحكت حد القهقهة
    عارف لو صبرت شوية كان نزلتها ليك انا ومعاها مقالات عبد الله علي ابراهيم
    كمان بعد دا ممكن تنزل لي تعليق ياسر الشريف في تعليقه علي المقال
    ورد ابو قرجة
    والمقال حق هذا هو دكتور خالد المبارك
    تعرف البوست نظام اتجدعوا او كما يظهر مع الوجه المرفق مع المقال
                  

05-07-2005, 09:24 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمـود محمـد طـه .. وأنصــاف الحقـائــق (Re: اساسي)


    السيد أساسي
    هذا ليس مجالا للهزل والتندر
    فإنت حينما أنزلت مقال الدكتور خالد المبارك طالبت بردود الجمهوريين ولم تشر ولو من بعيد بأنك تعلم بأنهذا المقال المتهافت قد تم الرد عليه من الجمهوريين وأنك تنوي عرض تلك الردود هنا .. أو لم تكتب:
    Quote: يا ليت نسمع من اتباع محمود بعد خوارقه التي كانوا شهود عيان عليها
    ويردوا علي موقفه من الختان ودوره (الذي اشيع عنه) في محاربة الاستعمار دون التشكيك في الكاتب كما يفعلون عادة ويردون علي الموضوع محل المقال

    وبعد أن لبينا طلبك جئت تحاول وبطريقة سمجة لتدعي نيتك عرض ما طلبته .. اختشي يا راجل
    عمر
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de